مات حسُّونها
أَلْفَيْتُهَا وَمِنَ التَّحَسُّرِ لَا تَعِي
تَذْرِي الدُّمُوعَ وَحِيدَةً فِي الْمَخْدَعِ
فَكَأَنَّهَا وَالدَّمْعُ يَخْطِفُ صَوْتَهَا
رَمْزُ التَّعَاسَةِ فِي الزَّمَانِ الْمُوجِعِ
فَسَأَلْتُهَا عَمَّا يُثِيرُ شُجُونَهَا
وَعَلَامَ تُطْلِقُ زَفْرَةَ الْمُتَفَجِّعِ
فَإِذَا بِهَا رَفَعَتْ لَطَافَةَ رَأْسِهَا
بِتَخَشُّعٍ أَوْحَى إِلَيَّ تَخَشُّعِي
وَرَنَتْ إِلَى قَفَصٍ هُنَاكَ مُعَلَّقٍ
بِمَحَاجِرٍ غَرِقَتْ بِمَاءِ الْأَدْمُعِ
فَحَزَرْتُ أَنَّ الدَّهْرَ سَلَّمَ طَيْرَهَا
لِيَدِ الْحِمَامِ فَطَيْرُهَا لَمْ يَرْجِعِ
•••
قَالَتْ فَقَدْتُ مِنَ الْحَيَاةِ مُؤَاسِيًا
يَا طَالَمَا أَوْحَى الْهُيَامَ لِأَضْلُعِي
فَإِذَا تَغَنَّى بِالزُّهُورِ وَبِالنَّدَى
كَيْفَ الْهَوَى لِغِنَاهُ لَمْ يَتَسَمَّعِ؟
وَا لَهْفَ قَلْبِي! أَيْنَ مِنْهُ قَصَائِدٌ
لَمْ يَرْوِهَا حَتَّى بَيَانَ الْأَصْمَعِي؟
بَلْ أَيْنَ مِنْهُ الْمَوْصِلِيُّ وَصَوْتُهُ
وَلِسَانُ مَعْبَدِ بِالْغِنَاءِ الْمُبْدِعِ؟
وَا لَهْفَ قَلْبِي! كَيْفَ وَارَاهُ الثَّرَى
وَأَنَا هُنَا أَحْيَا بِعَيْشٍ أَمْرَعِ؟
أَوَلَمْ يَكُنْ لِي فِي حَيَاتِي مُؤْنِسًا
يَلْهُو بِهِ قَلْبِي وَيُطْرِبُ مَسْمَعِي؟
مَاذَا جَنَى الْحَسُّونُ فِي جُنْحِ الدُّجَى
حَتَّى أُصِيبَ بِسَهْمِ ذَاكَ الْأَسْفَعِ؟
أَلِأَنَّهُ هَجَرَ الْحُقُولَ وَبَرْدَهَا
وَأَتَى يُغَرِّدُ فِي زَوَايَا مِخْدَعِي؟
فَأَجَبْتُهَا كُفِّي الْبُكَا وَتَصَبَّرِي
فَالطَّيْرُ مَاتَ وَلَمْ يَعُدْ مِنْ مَطْمَعِ
لَكِنَّمَا أَصْغِي لِمَا سَأَقُولُهُ
فَبِمَوْتِهِ عِظَةٌ لِكُلِّ مُلَوَّعِ
كَمْ رَدَّدَتْ فِي مَسْمَعَيْكِ مَرَاشِفِي
حُرِّيَتِي يَا مَيُّ أَثْمَنُ مَا مَعِي
فَنَبَذْتِهَا وَجَحَدْتِ مَا رَدَّدْتُهُ
وَصَنَعْتِ بِالْحَسُّونِ أَفْظَعَ مَصْنَعِ
مَا جَاءَ حَتَّى تَسْجُنِيهِ وَإِنَّمَا
حَتَّى تَقِيهِ شَرَّ فَقْرٍ مُدْقِعِ
فَجَعَلْتِهِ بَيْنَ الْحَدِيدِ مُقَيَّدًا
يَا حُرَّةً قَيَّدْتِ حُرًّا فَانْزِعِي
•••
لَوْ يَفْقَهُ الْإِنْسَانُ مَعْنَى شَرِّهِ
لَبَكَى طَوِيلًا بِالدُّمُوعِ الْهُمَّعِ
في ٤ كانون٢ سنة ١٩٢٣