نرجيلتي
قَضَيْتُ هَزِيعَيْنِ مِنْ لَيْلَتِي
وَحِيدًا أُسَامِرُ نَرْجِيلَتِي
وَكَانُونُ فِي خَارِجِ الدَّارَ يَبْكِي
فَيَشْتَدُّ فِيهِ دُجَى الظُّلْمَةِ
وَضَعْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ «حِرَامًا»
وَصِرْتُ أُنَغِّمُ فِي فَرْشَتِي
إِذَا بِرِيَاحٍ مِنَ الْبَابِ هَبَّتْ
وَأَطْفَأَتِ النُّورَ مِنْ شَمْعَتِي
فَلَمَّا أَحَاطَتْ بِي الدَّامِسَاتُ
وَبَطَّنَ أَسْوَدُهَا حُجْرَتِي
تَبَسَّمَ ثَغْرٌ لِنَرْجِيلَتِي
كَعَبْدٍ تَبَسَّمَ فِي الْعَتْمَةِ
فَمَا كَانَ أَجْمَلَ مِنْ ثَغْرِهَا
وَمَا كَانَ أَعْجَبُ مِنْ حَيْرَتِي
تَحُفُّ بِتَنْبَكِهَا زُرْقَةٌ
تُحَاكِي مَرَاشِفَ نُورِيَّةِ
وَلَكِنْ رَأَيْتُ بِهَا جَاذِبًا
يُحَرِّكُ فِي دَاخِلِي صَبْوَتِي
فَقَرَّبْتُ مِنْ نَارِهَا مِرْشَفِي
وَأَسْمَعْتُهَا «تَقْسَةَ» الْقُبْلَةِ
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَغْرُهَا مُحْرِقًا
لَكُنْتُ امْتَصَصْتُ مِنَ الْجَمْرَةِ
لِأَنِّيَ لَمْ أَدْرِ مَاذَا بِهَا
مِنَ الْعَذْبِ يُشْبِهُ مَحْبُوبَتِي
فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ بِي لَوْعَةً
وَأَطْلَقْتُ فِي جَوْفِهَا زَفْرَتِي
فَأَسْمَعَنِي صَدْرُهَا زَفَرَاتٍ
أَثَارَتْ شُجُونِيَ فِي مُهْجَتِي
أَإِبْنَةَ طَهْمَازَ لِمْ تَزْفِرِينَ
وَأَنْتِ أَنِيسِيَ فِي وَحْشَتِي
رَأَيْتُكِ رَمْزًا لِكُلِّ شَقِيٍّ
رَمَاهُ الْهَوَى فِي لَظَى الشِّقْوَةِ
أَجَابَتْ أَنَا الْآنَ فِي نِعْمَةٍ
لِأَنَّ حَبِيبِيَ فِي نِعْمَةِ
وَلَكِنَّنِي بَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ
أُغَادِرُ وَحْدِيَ فِي خُلْوَتِي
فَيَبْعُدُ عَنِّيَ ثَغْرُ مُحِبِّي
وَيَسْلُو الَّذِي كَانَ مِنْ لَوْعَتِي
لِذَاكَ تَرَانِيَ أَبْكِي زَمَانًا
سَأُصْبِحُ فِيهِ بِلَا زَهْوَةِ
فَإِنَّ الْهَوَى صِدْقُهُ كَاذِبٌ
يُشَبِّهُهُ الْعَقْلُ بِالنَّجْمَةِ
فَلَا يُقْبِلُ الْفَجْرُ حَتَّى تَرَاهَا
أَمَامَ عَسَاكِرِهِ وَلَّتِ
•••
وَإِذْ ذَاكَ رَاوَدَ جَفْنِي النُّعَاسُ
فَأَطْبَقَ أُنْمُلُهُ مُقْلَتِي
وَلَمَّا اسْتَتَبَّ الْكَرَى فِي جُفُونِي
شَاهَدْتُ فِي الْحُلْمِ نَرْجِيلَتِي
في ٥ شباط سنة ١٩٢٣