الفقير
كَمْ سَهِرْتُ السَّاعَاتِ فِي الظُّلُمَاتِ
أَرْصُدُ النُّجْمَ فِي فَسِيحِ الْفَضَاءِ!
وَزَفِيرُ الْفُؤَادِ يَعْلُو تِبَاعًا
فَتُوَافِيهِ مُقْلَتِي بِالْبُكَاءِ
شَاعِرُ الْحُبِّ قِيلَ عَنِّيَ قَبْلًا
لَكِنِ الْيَوْمَ شَاعِرُ الْبُؤَسَاءِ
•••
بَسِمَ الْمَرْجُ للرَّبِيعِ وَجَفَّتْ
أَدْمُعُ الْغَيْثِ فِي عُيُونِ الشِّتَاءِ
وَتَعَالَى عَرْفُ الْأَزَاهِرِ لَمَّا انْـ
ـفَرَجَتْ عَنْ مَبَاسِمِ الْعَذْرَاءِ
قُرْبَ ذَاكَ الْغَدِيرِ فِي الْمَرْجِ طَيْفٌ
شَاحِبُ الْوَجْهِ بَارِزُ الْأَعْضَاءِ
نَسَجَ الْجُوعُ فَوْقَ عَيْنَيْهِ سِتْرًا
لَا نَرَاهُ فِي أَعْيُنِ الْأَحْيَاءِ
يَتَخَطَّى إِلَى الْأَمَامِ قَلِيلًا
ثُمَّ يَعْدُو بِسُرْعَةٍ لِلْوَرَاءِ
فَكَأَنَّ الْحَمَامَ يَبْحَثُ عَنْهُ
وَهْوَ يَرْجُو النَّجَاةَ بِالِالْتِجَاءِ
بَائِسٌ وَالْحَيَاةُ تَأْنَفُ مِنْهُ
كَبَقَايَا الْحُطَامِ فِي الدَّأْمَاءِ
إِنَّهُ بِدْعَةٌ مِنَ اللهِ لَكِنْ
أَنْكَرَتْهُ جَمَاعَةُ الْأَغْنِيَاءِ
لَا عَزَاءَ يُنْسِيهِ بَعْضَ عَذَابٍ
فِي لَيَالِي شَقَائِهِ السَّوْدَاءِ
غَيْرُ نُجْمِ الْفَضَا تُطِلُّ عَلَيْهِ
كَعُيُونِ السَّمَا مِنَ الْعَلْيَاءِ
حَامِلَاتٍ سِرَّ الْحَيَاةِ غَرِيبًا
فَيَرَى فِيهِ رُوحَ سِرِّ الضِّيَاءِ
يَتَعَزَّى إِذْ ذَاكَ بَعْضَ عَزَاءٍ
مَا تَرَاهُ يُفِيدُ بَعْضَ الْعَزَاءِ
تَارَةً يَسْمَعُ الْغَدِيرَ يُغَنِّي
فَيُوَافِيهِ صَوْتُهُ بِالْغِنَاءِ
وَغِنَاءُ الْغَدِيرِ مَاءٌ قُرَاحٌ
وَغِنَاءُ الْفَقِيرِ رَجْوُ غِذَاءِ
تَتَرَاءَى لَهُ الْكَوَاكِبُ طَوْرًا
كَدَنَانِيرَ أُلْقِيَتْ فِي الْهَوَاءِ
فَيَمُدُّ الْيَدَيْنِ لَهْفًا إِلَيْهَا
غَيْرَ أَنَّ الْفَضَا مِنَ الْبُخَلَاءِ
طَرَدَتْهُ مَدِينَةُ الْفُحْشِ وَالظُّلْـ
ـمِ فَآوَاهُ مَهْبِطُ الْفُقَرَاءِ
ذَلِكَ الْمَهْبَطُ الَّذِي عَاشَ فِيهِ
هُومِيرُوسُ الْكَبِيرُ فِي الشُّعَرَاءِ
•••
حَشْرَجَتْ رُوحُهُ صَبَاحَ نَهَارٍ
بِعَذَابٍ فَقَاءَهَا فِي الْمَسَاءِ
وَعَلَى الزَّهْرِ أَدْمُعٌ مِنْ عُيُونِ الْـ
ـفَجْرِ مَا جُفِّفَتْ بِنُورِ ذُكَاءِ
فَكَأَنَّ الدُّمُوعَ مُضْطَرِبَاتٌ
فِي اللَّيَالِي مَرَاشِفُ الضُّعَفَاءِ
تَصْرُخُ اللهَ فِي الْأَعَالِي انْتِقَامًا
مِنْ أُولِي الْجُورِ مِنْ أُولِي الْإِثْرَاءِ
•••
أَغْرِبِي يَا مَدِينَةَ الْعَارِ إِنَّ الْـ
ـمَرْجَ مَهْدٌ لِدَوْلَةِ الْأَنْبِيَاءِ
هُوَ مَأوَى الزُّهُورِ وَالزَّهْرُ طُهْرٌ
نَثَرَتْهُ فِي الْمَرْجِ رُوحُ السَّمَاءِ
أَغْرِبِي يَا جَهَنَّمًا فَوْقَ أَرْضٍ
مَا رَأَيْنَا فِيهَا سِوَى الْفَحْشَاءِ
فَالشَّيَاطِينُ مِنْ بَنِي الْأَرْضِ أَقْوَا
مٌ هُمُ سَادَةٌ مِنَ الزُّعَمَاءِ
كَثُرَ الْإِثْمُ فِي الْوُجُودِ فَيَا رَبِّ
تَرَحَّمْ وَاعْطِفْ عَلَى التُّعَسَاءِ
هَلْ خَلَقْتَ الْغَنِيَّ لِلْمَجْدِ وَالْبَا
ئِسَ أَوْجَدْتَهُ تُرَى لِلشَّقَاءِ؟
في ٢٧ أيلول سنة ١٩٢٣