الحَسُّون السجين
١
مَاذَا تُسِرُّ إِلَى الْقَمَرْ
يَا أَيُّهَا الطَّيْرُ السَّجِينْ
هَلْ أَنْتَ مِثْلِي فِي السَّهَرْ
تَشْكُو عَذَابَكَ لِلسِّنِينْ؟
أَمْ تَشْتَكِي ظُلْمَ الْبَشَرْ؟
٢
فِي قَلْبِكَ الْعَانِي الْكَسِيرْ
سِرٌّ تَوَارَى فِي الدُّجَى
وَحَوَاجِزُ الْقَفَصِ الصَّغِيرْ
قَدْ أَطْفَأَتْ نُورَ الرَّجَا
لَمَّا غَدَوْتَ بِهِ أَسِيرْ
٣
قَدْ كُنْتُ حُرًّا مُطْلَقًا
فِي جَوِّكِ الصَّافِي الْوَسِيعْ
تَشْدُو هُيَامَكَ شَيِّقًا
لِأَرِيجِ زَهْرِكِ فِي الرَّبِيعْ
وَتَؤُمُّ غُصْنًا مُورِقَا
٤
قُلْ مَا تُسِرُّ إِلَى الظَّلَامْ
وَالزَّهْرُ فِيهِ سَامِعَةْ
وَالْقَوْمُ كُلُّهُمُ نِيَامْ
حَتَّى الطَّبِيعَةُ هَاجِعَةْ
حَتَّى فُؤَادِي الْمُسْتَهَامُ!
٥
أَسَأَلْتَهُ مَاذَا يَرَى
فِي ذَلِكَ الْغَابِ الْكَثِيفْ؟
وَعَلَى الْهِضَابِ وَفِي الذُّرَى
وَهُنَاكَ فِي الْحَقْلِ اللَّطِيفْ
حَيْثُ النَّسِيمُ تَكَوْثَرَا؟
٦
أَسَأَلْتَهُ هَلْ بَاقِيَةْ
تِلْكَ النَّضَارَةُ فِي الْحُقُولْ
وَمِيَاهُ تِلْكَ السَّاقِيَةْ
وَرُسُومُ هَاتِيكَ الطُّلُولْ
وَزُهُورُ تِلْكَ الرَّابِيَةْ؟
٧
وَرِفَاقُ سَاعَاتِي الْعِذَابْ
سُمَّارُ قَلْبِي الشَّيِّقِ
هَلْ أَصْبَحَتْ قَيْدَ الْعَذَابْ
فِي مِثْلِ سِجْنِي الضَّيِّقِ
أَمْ لَا تَزَالُ عَلَى الْهِضَابْ؟
٨
أَسَأَلْتَهُ عَنْ طَائِرٍ
فِي كُلِّ لَيْلٍ أَوْ صَبَاحْ
فَوْقَ النَّسِيمِ السَّائِرِ
حَمَلَ الطَّعَامَ عَلَى الْجَنَاحْ
وَأَتَى بِهِ لِأَصَاغِرِ؟
٩
تِلْكَ الصِّغَارُ شَقَائِقُ
لَكَ يَا شَبِيهِي فِي الْمِحَنْ
أَنْتَ الْأَسِيرُ الْخَافِقُ
كَخُفُوقِ قَلْبِي فِي الْبَدَنْ
وَالْفَرْقُ أَنِّي عَاشِقُ!
١٠
يَا طَيْرُ إِنَّكِ فِي الْأَلَمْ
رَمْزٌ لِهَذَا الْمَرْقَمِ
يَبْكِي وَيَنْحَبُ بِالنَّغَمْ
وَبِمَدْمَعٍ مِنْ عَنْدَمِ
وَفُؤَادُ ظَالِمِهِ أَصَمْ!
كنتُ أكتب هذه الأبيات وأنا أمام قفص الطائر السجين، ولما انتهيتُ إلى هذا المقطع قرأتها على الحاضرين، فنهضَت سيدة المنزل في الحال، وأتت بالحسُّون ليشكرني على عاطفتي نحوه، غير أنها ما كادت تُقرِّبه مني حتى أفلَتَ من يدها، وطار تاركًا في أناملها وعلى الأرض نثارًا من ريشه المُلوَّن، فعُدتُ كتبتُ ما يلي:
١١
يَا طَيْرُ أَيْنَ الْمَقْصِدُ
وَاللَّيْلُ مُنْسَدِلُ الْجَنَاحْ؟
فَطُيُورُ عُشِّكِ تَرْقُدُ
حَتَّى يُفَاجِئُهَا الصَّبَاحْ
وَلَدُنْ تُفِيقُ تُغَرِّدُ …
١٢
يَا طَيْرُ مَا تَسْتَنْظِرُ
فِي الْحَقْلِ وَالْيَوْمَ الشِّتَاءْ
أَتُرَاكَ لَا تَسْتَأْسِرُ
ولَوَ انَّ عِنْدَكَ مَا تَشَاءْ
وَتُحِبُّ مَنْ يَتَحَرَّرُ؟
١٣
وَلَمَا تَرَى أَبْقَى لَنَا
مِنْ رِيشِ حُسْنِكِ جَانِحَاكْ
أَلِكَيْ يُذَكِّرُنَا الْغِنَا
ءَ لَعَلَّنَا نَبْكِي غِنَاكْ
وَلَعَلَّنَا وَلَعَلَّنَا؟
١٤
يَا طَيْرُ إِنَّكَ صَادِقُ
وَالْمَرْءُ غَدَّارٌ كَذُوبْ
فَإِذَا عَشِقْتَ فَعَاشِقُ
تَضَعُ الصَّدَاقَةَ فِي الْقُلُوبْ
وَالْمَرْءُ بَاغٍ فَاسِقُ!
في ٦ كانون٢ سنة ١٩٢٤