أنشودة العمال
بَيْنَمَا كَانَ فَتَى الْمُسْتَقْبَلِ
سَائِرًا بَيْنَ غِيَاضِ الْجَبَلِ
بَدَرَتْ مِنْ مُقْلَتَيْهِ لَفْتَةٌ
فَرَأَى وَجْهَ غَزَالٍ مُقْبِلِ
هُوَ ظَبْيٌ يَتَثَنَّى بَاسِمًا
بَيْنَ زَهْرٍ بَاسِمٍ لِلطَّلَلِ
ذَاكَ ظَبْيُ الْعِزِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
يَتَرَاءَى قَادِمًا فِي عَجَلِ
سَكَبَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ كَأْسَهُ
وَسَقَاهُ مِنْ رَحِيقٍ سَلْسَلِ
بَيْنَ عَيْنَيْهِ تَرَاءَى هَيْكَلٌ
سَجَدَ الْحُسْنُ بِذَاكَ الْهَيْكَلِ
أَرْسَلَ الشِّعْرُ إِلَيْهِ رَاهِبًا
فَغَدَا مُحْتَفِلًا بِالْمُرْسَلِ
ثَغْرُهُ قَارُورَةٌ مِنْ عَسَلٍ
مَزَجَتْ مِرْشَفَهُ بِالْعَسَلِ
وَلَهُ فِي وَجْنَتَيْهِ آيَةٌ
هَبَطَ السِّحْرُ عَلَيْهَا مِنْ عَلِ
عِنْدَهَا هَارُوتُ أَلْقَى طَرْفَهُ
صَاحَ مِنْ وَهْلَتِهِ وَا خَجَلِي!
وَانْثَنَى مِنْ وَجْهِهِ مُسْتَعْجِلًا
رَاغِبًا فِي مِشْيَةِ الْمُسْتَعْجِلِ
أَقْبَلَ الظَّبْيُ عَلَى ذَاكَ الْفَتَى
مُسْتَرِقًّا فِيهِ قَلْبَ الرَّجُلِ
وَأَرَاهُ مِنْجَلًا فِي يَدِهِ
قَائِلًا: سِرُّ الْهَوَى فِي الْمِنْجَلِ
إِنْ تَرُمْ تَقْرِنُ بِالْمَجْدِ الْهَوَى
فَتَجَنَّبْ عَادِيَاتِ الْكَسَلِ
هُوَ ذَا الْمِنْجَلُ فَاطْلُبْ عَمَلًا
إِنَّمَا الْمِنْجَلُ رَمْزُ الْعَمَلِ
شَارِكِ الْعُمَّالَ فِي مِهْنَتِهِمْ
وَاجْتَهِدْ فِي كُلِّ أَمْرٍ تَصِلِ
إِنَّمَا الْعُمَّالُ أَرْكَانٌ إِذَا
هَبَطَتْ يَهْبِطُ مَجْدُ الدُّوَلِ
حِينَذَا هَبَّتْ نُسَيْمَاتُ الصِّبَا
مُنْشِدَاتٍ مَعَ لَحْنِ الْبُلْبُلِ
وَتَوَارَى الظَّبيُ عَنْهُ عِنْدَمَا
حَرَّكَتْ لُطْفًا مِيَاهَ الْجَدْوَلِ
شَعَرَ الصَّبُّ بِحُبٍّ لَمْ يَكُنْ
غَيْرَ سَهْمٍ مِنْ فُؤَادِ الْمُبْتَلِي
غَلَبَ الْحُزْنُ عَلَيْهِ إِنَّمَا
لَمْ يَكُنْ يَقْطَعُ حَبْلَ الْأَمَلِ
قَالَ لَا بُدَّ لِجَفْنِي مَرَّةً
أَنْ يَرَاهُ رَاتِعًا فِي مَنْزِلِي
سَأُضَحِّي كُلَّ مَا عِنْدِي فَلَا
بُدَّ لِي مِنْ قَلْبِهِ لَا بُدَّ لِي
حِينَذَا أَصْغَى لِصَوْتٍ قَائِلٍ:
لَنْ تَنَالَ الْغَايَ فَوْقَ الْمَخْمَلِ
إِنْ تَرُمْ تَهْوَى غَزَالًا فَاقْتَرِنْ
قَبْلَ هَذَا بِعَرُوسِ الْعَمَلِ
في ٢١ نيسان سنة ١٩٢٣