أمام جثة البستاني
خَتَمْتَ بِالصَّمْتِ آيَاتٍ وَعِرْفَانَا
لَمَّا نَزَلْتَ جِوَارَ اللهِ سُبْحَانَا
آثَرْتَ جِيرَةَ إِبْرَاهِيمَ فَافْتَخَرَتْ
بِأَنْ تَكُونَ لَكَ الْأَفْلَاكُ جِيرَانَا
مَضَيْتَ حَيْثُ الْمَعَرِّي قَبْلَ ذَاكَ مَضَى
وَالْبُحْتُرِيُّ وَأَعْشَى وَابْنُ سُفْيَانَا
فَأَقْبَلَتْ لِلِقَاكَ الْعُرْبُ قَاطِبَةً
مُهَلِّلَاتٍ زَرَافَاتٍ وَوِحْدَانَا
وَخَفَّ هُومِيرُ بِالْإِلْيَاذِ مُحْرِقُهَا
أَمَامَ عَيْنَيْكَ بَخُورًا وَقُرْبَانَا
فَصَافَحَتْكَ أَثِينَا وَهْيَ بَاسِمَةٌ
حُبًّا وَعَانَقْتِ الْيُونَانُ لُبْنَانَا
يِا ابْنَ الْأُلَى رَفَعُوا لِلضَّادِ مَنْزِلَةً
وَشَيَّدُوا لِجَلَالِ الْعِلْمِ بُنْيَانَا
نَادَاكَ مَجْدُكَ وَالْأَجْيَالُ مُصْغِيَةٌ
تَرْمِي إِلَيْكَ أَزَاهِيرًا وَرَيْحَانَا
نِلْتَ الْإِمَارَةَ فِي الدَّارَيْنِ عَنْ ثِقَةٍ
فَكُنْتَ فَخْرًا لِمَوْتَانَا وَأَحْيَانَا
كُنْتَ الْأَمِيرَ عَلَى جَنَّاتِنَا فَغَدَتْ
لَكَ الْإِمَارَةُ فِي جَنَّاتِ رِضْوَانَا
جَلَسْتَ عَهْدًا عَلَى عَرْشِ الْجَمَالِ فَطِرْ
وَاجْلِسْ عَلَى سُدَّةِ الْأَنْوَارِ أَزْمَانَا
تَرَكْتَ يَا نِسْرُ إِيوَانَ الْفَنَاءِ وَقَدْ
حَلَّقْتَ كَيْ تَنْتَحِي لِلْخُلْدِ إِيوَانَا
مَا زَالَ طَيْفُكَ وَالْأَبْصَارُ مَضْجَعُهُ
يَرُودُ حَوْلَ قُصُورِ الْعِلْمِ يَقْظَانَا
وَالْعُرْبُ تَجْمَعُ مِنْ أَنْفَاسِهِ نَسَمًا
وَتَسْتَعِيدُ بِهَا لِلْفَضْلِ مَا كَانَا
يَا وَاضِعًا نَفْسَهُ فِي تُرْبِ بَلْدَتِهِ
رِفْقًا وَضَعْ نَفْسَهُ فِي قَلْبِ غَسَّانَا
عِظَامُهُ كَنْزُ غَسَّانٍ وَمَفْخَرَةٌ
إِذَا هَزَزْتَ بَلَاهَا عَادَ مَرْجَانَا
فِرْجِيلُ قَبَّلَ عَيْنَيْهِ وَجَبْهَتَهُ
وَقَامَ يَلْثِمُهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَا
وَأَنْشَدَتْهُ بَنَاتُ الشِّعْرِ أُغْنِيَةً
وَوَقَّعَتْهَا عَلَى الْقِيثَارِ أَلْحَانَا
وَجَاءَ دَانْتِي وَهُوغُو يَسْجُدَانِ لَهُ
وَالْمَاجِنُ ابْنُ نُوَاسٍ جَاءَ سَكْرَانَا
وَالْفَارِضُ الزَّاهِدُ الصُّوفِيُّ خَفَّ إِلَى
تَقْبِيلِهِ وَأَتَاهُ الْمَجْدُ ظَمْآنَا
مَنْ لِلْجِهَادِ وَلِلْأَقْلَامِ فِي وَطَنِي
بَعْدَ الْفَقِيدِ فَقِيدِ الْعِلْمِ سَلْمَانَا
مَنْ لِلسِّيَاسَاتِ تَأْتِيهِ فَيَصْدُقُهَا
وَيَسْتَعِيدُ بِهَا مَجْدًا وَسُلْطَانَا
هَلِ الْفَقِيدُ سِوَى رُكْنٍ نُعَزُّ بِهِ
هَوَى فأَسْقَطَ لِلْآدَابِ أَرْكَانَا؟
لَا الْعَيْنُ تَنْفَعُ فِي مَنْعَاهُ إِنْ دَمَعَتْ
وَلَا النُّوَاحُ يُعِيدُ الْيُبْسَ رَيَّانَا
عَرَائِسُ الشِّعْرِ فِي بِرْنَاسَ بَاكِيَةٌ
تَضُمُّ مِنْ حُزْنِهَا صَخْرًا وَصَوَّانَا
كَأَنَّ أَرْجَاءَهُ بَعْدَ الْأُلَى ذَهَبُوا
أَمْسَتْ عَلَيْهِمْ دَيَاجِيرًا وَأَكْفَانَا
في تموز سنة ١٩٢٥