السلطان في المعاهد العلمية
كانت فاتحة أعمال عظمة مولانا السلطان زيارة المعاهد العلمية، وكانت أحاديثه الأولى عن سلطنته العزيزة الحث على العلم، وكانت مساعيه الأولى في خير البلاد وخدمتها نشر العلم حتى يكون مجانًا لجميع أبناء الأمة وحتى يكون إجباريًّا فلا يهمل والد ولده بلا علم، والأمم تسود وتثري وترقى وتستقل بالعلم.
فعظمة مولانا السلطان أيده الله وضع نصب عينيه منذ جلوسه على أريكة السلطنة الاهتمام بشؤون رعاياه وتوفير أسباب سعادتهم وتحريرهم من عبودية الجهل وإنارة أبصارهم بنور العلم والعرفان حتى يسيروا في طريق النور والسائر في النور لا يضل. إن الأمم الناهضة تحتاج في فجر نهضتها إلى قائد خبير ومرشد صالح يسدد خطواتها حتى لا تعثر في سيرها، ومن فضل الله على هذه البلاد أن قيض لها عظمة مولانا السلطان الكامل حسين الأول الذي يبذل كل مجهوداته لرفع شأن الأمة والسير بها في طريق النجاح والفلاح حتى تبلغ ذروة المجد وليس ذلك بعزيز على همة عظمته.
وقد وجدت إتمامًا للفائدة وإظهارًا لفضل عظمة مولانا السلطان أن أذكر زياراته المعاهد العلمية حتى تكون شاهدًا عدلًا ناطقًا على ما لعظمته من الأثار المأثورة والأعمال المبرورة والمساعي المشكورة التي ستؤول إن شاء الله إلى تقدم مصر وأهلها في معارج الرقي والفلاح.
(١) في الأزهر الشريف
ركب عظمة السلطان صباح الاثنين الموافق ٢٤ ربيع الأول سنة ١٣٣٣ / ٨ فبراير سنة ١٩١٥ من سراي عابدين في موكب رسمي فخم، وركب إلى يساره حضرة صاحب العطوفة رشدي باشا رئيس الوزراء، وتبعت العربة السلطانية العربات التي تقل أصحاب السعادة والعزة سعيد ذو الفقار باشا ومحمود شكري باشا واللواء إسماعيل مختار باشا حتى وصل إلى الأزهر الشريف. فأدت لعظمته التحية ثلة من الجند بقيادة حضرة عزتلو القائمقام أحمد بك حمدي سيف النصر مساعد الحكمدار، وحافظ علي النظام في داخل الأزهر بوليس السراي بقيادة حضرة اليوزباشي مصطفى أفندي أنور كجوك معاون بوليسها. واستقبل عظمته حضرة صاحب العزة عباس بك الدرمللي وحسن بك عفيفي من رجال التشريفات.
ولما نزل عظمته من العربة استقبله حضرات أصحاب الفضيلة والسعادة أعضاء المجلس العالي للأزهر يتقدمهم الشيخ سليم البشري وإسماعيل صدقي باشا وزير الأوقاف وحسن بك صبري المستشار القضائي والشيخ محمد حسنين مخلوف مدير المعاهد الدينية والشيخ البسيوني والشيخ سليمان العبد والشيخ محمد بخيت المفتي وعبد الغني بك شاكر سكرتير المعاهد الدينية ثم حضرات أعضاء مجلس إدارة الأزهر.
وفي الساعة العاشرة إلا ثلثًا صباحًا وطئت قدمه أرض الأزهر الشريف من بابه العمومي وأمامه وخلفه حضرات الياوران الكرام ومن ذكرنا من الوزراء والعلماء وجميع موظفي الأزهر، وما زالوا سائرين بين يدي عظمته حتى وصل إلى مكان التدريس في البناء الواسع القديم الذي تشرف عليه القبلة القديمة وهي التي وضعها جوهر قائد جيوش المعز لدين الله الفاطمي. فأخذ يشرف على إلقاء الدروس ويمعن النظر في إلقاء الشيوخ ويستفهم ويستفسر عن الجزئيات قبل الكليات إلى أن انتهى من هذه الجهة. ثم صعد إلى البناء الجديد الذي يسمى في عرف الأزهريين ﺑ (الليوان) فتفقد الدروس فيها، وأخذ يستفهم من حضرات العلماء عن أسماء الكتب التي يدرسها كل عالم، ويستفهم في أثناء ذلك من عطوفة رئيس الوزراء وسعادة وزير الأوقاف عن حالة الأزهريين والأزهر، حتى إذا ما انتهى من هذه الزيارة شرف بالزيارة رواق الشراقوة فرواق المغاربة فرواق الأتراك فالكتبخانة الأزهرية. ثم أمر عظمته بتحريك الركاب العالي لزيارة جامع المؤيد وهو أحد المعهدين المخصصين للقسم النظامي، وعند ذلك أظهر لفضيلة شيخ الأزهر سروره من حالة التدريس ووعد بأن يزور الأزهر مرات عديدة ليقف بالتدقيق على حالته ليمضي أمره العالي في إدخال الإصلاح. فشكر فضيلة الشيخ لعظمته باسم الأزهر والعلماء هذا التنازل السلطاني وما يؤمل الأزهريون من الخير لمعهدهم على يدي عظمته، وقد استغرقت زيارة عظمته للأزهر ثلاثين دقيقة.
•••
يا عظمة مولانا السلطان أعانك الله وأعز بك مصر والإسلام!
مولانا إن يومًا يممت فيه بيوت الله لتفقد طلاب العلم وحالة العلماء لهو يوم العيد الأكبر عندهم.
وإن قلوبهم لتحيي عظمتك بالدعاء كما أحييت آمالهم بهذه الحظوات المباركة وهذا الإحسان العظيم.
وإن دولة العلم أصبحت مدينة لعظمتك دينًا لا تستطيع الوفاء به مهما رفعت من أعلام الشكر وضجت بالدعاء، كما أن مصر رهينة لعظمتك في دين مكارمك وإحسانك من مهدك إلى سلطنتك. لهذا وجب علينا شكرًا للنعمة أن نبتهل إلى الله تعالى في كل آن بهذا الدعاء:
اللهم أدم حياة عظمة مولانا سلطان مصر حسينًا الكامل الأول، اللهم أيد به ملك مصر وأعز بعظمته الإسلام والمسلمين، اللهم باعد بينه وبين كل همّ وكدر كما باعدت بين السماء والأرض، واحفظ لعظمته دولة نجله ووزراءه ورجال حكومته ولا سيما مولانا شيخ الجامع الأزهر آمين والحمد لله رب العالمين.
فأمن الطلبة على هذه الدعوات الصالحة، وأجابه عظمة مولانا السلطان بما خلاصته: إنه يريد خير الجميع، وإنه لا يميز بين أحد من رعيته، وإنه يريد أن يتعلم هؤلاء الطلبة ليكونوا رجالًا لدينهم ووطنهم. ووضع يده على رأس أحد الطلبة وقال: «أريد أن يتعلم هذا» فأبرقت أسرة الحاضرين، ثم انتقل إلى درس آخر فتلا بين يديه أحد الطلبة: هو الشيخ كامل عبد العال عبد الله من شبشير مركز منوف منوفية، بعض أبيات ضمنها دعاء صالحًا لعظمته، فسُر منها كثيرًا، وشجع هذا الطالب بكلمات عذبة وطلب منه ومن إخوانه أن يتعلموا، ووعدهم بأنه سينظر في ترقية أمور هذا القسم مع الأزهر. ثم انتقل إلى درس آخر فاستقبله أحد الطلبة: هو الشيخ محمد النشيف، بالنشيد الذي استُقبل به النبي ﷺ وهو:
ثم دعا لعظمته دعوات فأمن إخوانه عليها فشكره عظمته وابتسم.
ثم انتقل إلى درس آخر فألقى بين يدي عظمته الشيخ حسن محمد زهراز من طلبة العلم ومن قاطني مصر دعوات صالحة أيضًا، فشجعه كثيرًا وأثنى عليه. ثم وقف برهة في صحن ذلك المسجد الأثري ولاحظ برد جوه بالنسبة لقرب الطلبة منه، ثم بشر حضرات العلماء بأنه سيهتم بالتعليم اهتمامًا كبيرًا وأن مسألة إصلاح الأزهر وإرجاعه إلى سابق عزه ومجده ستكون أول المسائل التي يعنى بشأنها.
ثم تحرك الموكب العالي ميممًا سراي عابدين العامرة يتبعه الوزراء وحضرات العلماء، وقد استغرقت الزيارة في هذين المعهدين ساعة كاملة غير زمن الذهاب والإياب.
(٢) في مدرسة القضاء الشرعي
أنشئت مدرسة القضاء الشرعي بأمر عال صدر في ٢٥ فبراير سنة ١٩٠٧ لتخريج قضاة ومفتين ووكلاء دعاوى وكتبة للمحاكم الشرعية. ولاعتبارها قسمًا من الجامع الأزهر جعلت تحت إشراف شيخ الجامع المذكور، وما زالت هذه المدرسة تتدرج في النمو حتى بلغ عدد طلبتها في هذا العام ٤٢٩ طالبًا وعدد أساتذتها ٣٣.
وفي يوم الأربعاء الموافق ١٠ فبراير تفضل صاحب العظمة مولانا السلطان فزار هذه المدرسة، وقد سار إليها بموكبه الحافل يحفه الجلال والوقار، فاستقبله عند بابها الكبير حضرة صاحب العزة عاطف بك ناظر المدرسة ومعه صاحب الفضيلة الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر والشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية وأصحاب السعادة عبد الخالق باشا ثروت وزير الحقانية وسعد باشا زغلول وأحمد زكي باشا سكرتير مجلس النظار وبقية أعضاء مجلس إدارة المدرسة ومجلس إدارة الأزهر الشريف. ثم سار المستقبلون بين يدي عظمته إلى ساحة المدرسة، فرفع الطلبة أيديهم إلى رؤوسهم إجلالًا واحترامًا، وهتف حضرة ضابط المدرسة ثلاثًا: فليحيى صاحب العظمة مولانا السلطان. فكرر الطلبة هذا الدعاء فحياهم عظمته بلطفه المشهور ثم انصرف الطلبة إلى غرفهم. ودخل عظمة السلطان والذين معه غرف التدريس ولاطف المدرسين والطلبة بكلمات عذبة ملأت نفوسهم سرورًا وآمالًا. ثم دخل إلى مطبخ المدرسة معاينًا الأكل الذي يطهى للطلبة والآنية التي يقدم فيها، ثم انتقل إلى غرفة ناظر المدرسة فجلس وقدم الناظر إلى عظمته سجلًا فحط بيده تاريخ زيارته المباركة.
كنت أود من مدة مديدة وسنين عديدة أن أزور مدرستكم الكبرى لأتشرف بكم؛ لأنكم أيها الطلبة ستكونون في المستقبل، بعد انتهاء مدة دراستكم، كعبة الأمة في المحاكم الشرعية ومحل آمالهم في القضاء الشرعي، وسيكون منكم أساتذة للتعليم في المدارس، وبالجملة فسيكون منكم رجال المستقبل ولا بد أنكم تعلمون أنكم مدينون لحضرات أساتذتكم وللأمة التي أنفقت عليكم.
لذلك أعد نفسي سعيدًا بزيارة مدرستكم وإن شاء الله سأهتم بأمركم لأنكم تتعلمون من فضل أموال بيت المسلمين.
نعم إن عليكم دَينًا واجب الأداء وهو الشكر لأساتذتكم أولًا واحترامهم ثم للأمة حينما تجلسون على منصة الأحكام، واعلموا أن الوطنية ستكون على الدوام شعاركم والإخلاص للوطن رائدكم، وقد سمعت من أحد أساتذتكم كلامه عن التعاون فكونوا في حياتكم المستقبلة عونًا لإخوانكم الذين يأتون بعدكم.
إذا كنت أعد نفسي سعيدًا بزيارة المدارس في القطر فإن مدرسة القضاء الشرعي هي فخر المدارس، وكنت أسمع عنها ذلك فتحققته الآن.
وقد نظرنا حالة الأزهر ونظرتم معنا حالته ونظرنا الآن إلى هذه المدرسة في حالتها الراهنة، وأتمنى أن تكون المعاهد الدينية كلها على أساس متين مثلها.
فأجابه الأستاذ الشيخ أحمد البسيوني قائلًا: «إن شاء الله بفضل عنايتكم سيكون الأزهر في نظامه مثلها لأنها من فروعه.»
لقد شاهدنا في هذا النظام ما شاهدتم معنا، وسنزور الأزهر مرات إن شاء الله ونشاهد التقدم الذي يكون في نظامه.
مولاي!
للبيت العلوي الكريم على العلم في مصر يد لا تطاول، ومنة لا ينسى ذكرها وشكرها فيه خرجت العقول المصرية من ظلمات الجهالة المذلة إلى نور العلم الذي أوضح للأمة طريق الرقي وأبان لها معالم الحياة، وكان واسطة هذا البيت ساكن الجنان إسماعيل باشا عليه من الله الرحمة والرضوان، فهو الذي تناول الغرس الذي وضعه جدكم العظيم الشأن محمد علي باشا فسقاه وأنماه وبذل جهده العالي في حراسته فلم يلبث أن أينعت زهرته وأثمر. ولقد كنتم له يا مولاي نِعم العون الأمين والساعد المتين في نظارة المعارف العمومية.
كان تلاميذ المدارس تنتعش أنفسهم وترتاح أفئدتهم كلما رأوه أمامهم في امتحاناتهم، وكثيرًا ما كان بذلك يسرهم، فأقبل أهل مصر على تلك المدارس متسابقين بعد أن كانوا يقادون إليها في عهد جدكم الكريم، لأنهم لم يكونوا بعد قد فقهوا غايتها وأدركوا سر عظمتها.
هذه الشجرة التي غرسها جدكم، وأقام بإتمامها ساكن الجنان والدكم، تبدو اليوم زاهية زاهرة بجلوس مولانا السلطان على عرش آبائه. واثقة أن ستكون في عصره الباهر طويلة الأغصان، وارفة الظلال يستظل بها جميع أبناء هذه الأمة ويجنون من ثمراتها ما يزيدهم في سعادة الحياة أملًا. كيف لا وقد كان من أول ما اتجهت إليه إرادتكم السلطانية وعزيمتكم الحسينية تشريف معاهد العلم وإفاضة السرور على قلوب بنيها.
ولمدرسة القضاء الشرعي يا مولاي شرف السبق بهذه الحظوة ونعمة الفوز بهذه العناية، لذلك تعد هذا اليوم بدءًا لحياة جديدة سامية، وروح مباركة نامية، تذكره في مستقبل الأيام وستعمل لتحقيق مقاصدكم العالية من خدمة الأمة والوطن، وشعارها الصدق في القول والإخلاص لعرشكم الثابت الأركان. أيد الله ملك عظمتكم بروح من عنده وجعل كلمتكم هي العليا، إنه نعم المولى ونعم النصير.
أطلب منكم أن تقولوا آمين آمين وأن يتم الله السعادة للأمة المصرية.
إن سعادة البلاد لا تتم إلا بالعلم، فيه يحصل التضامن في المنافع دينًا ودنيا، فلا تنال الحقوق إلا بالعلم، ولا ينمو المال إلا بالعلم، ولا ترقى الصناعة إلا بالعلم. وبالجملة لا يعلو شأن الأمم في البلاد كلها إلا بالعلم. وحيث كان هذا أهم ما تتجه إليه أفكاري نحو بلادي وأهلها فجعلت وجهتي زيارة المعاهد العلمية حبًّا لها وحرصًا على توسيع نطاقها، فبدأت بجامعنا الأزهر وثنيت بمدرسة القضاء الشرعي التي هي فلذة كبده، فكانت هذه المدرسة ضالتي التي أنشدها فقرّت بها عيني وانشرح لها صدري ورجوت لها ومنها خيرًا عظيمًا ونفعًا عميمًا إذ ألغيتها سائرة على الطريق الذي يتوصل منه لسعادة البلاد إن شاء الله، فقد رأيت فيها العناية بالعلوم الدينية والهمة في طلب العلوم الدنيوية لا تمنع إحداهما الأخرى وهذا ما أتمناه لأبناء بلادي، فإنهم كلما تقدموا في العلم بأمور معاشهم ومعادهم انفسح لهم الأمل للتقدم في سبيل النجاح والفلاح. وإني لفي أمل عظيم للحصول على هذه الغاية المطلوبة من هذه المدرسة بهمة حضرات أساتذتها ومدبري شؤونها ومداومة الطلبة على ما شاهدته فيهم من الانقياد لأوامر القائمين بأمورهم فيها. فإن المحافظة على النظام هي نوع من أنواع التعاون على المقاصد الشريفة، وهي المميز بين المتعلم والجاهل.
وإني الآن أوافيكم بمرسومي هذا مصرحًا بما حق عليّ من الشكر لكل من كانت له يد بيضاء في تأسيس هذا المعهد الشريف، وإيصاله لهذه الدرجة الممدوحة التي يغبطه عليها غيره داعيًا له بالاستمرار في هذه الخطة الحميدة متمنيًا لباقي المعاهد العلمية السير على منهاجه. وإني قد أمرت بتخصيص جائزتين من خزينتي الخاصة السلطانية سنويًّا: الأولى ستون جنيهًا، والثانية أربعون جنيهًا للأول والثاني من الناجحين في الامتحان السنوي من طلبة هذا المعهد اعتبارًا من آخر السنة الدراسية الحاضرة. وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينير بصائرنا للسعي في أمور ديننا ودنيانا على ما يرضيه من الخير والتقوى وحسبنا في أعمالنا قوله عز وجل: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ صدق الله العظيم.
ثم تشرف بعد ذلك بمقابلة عظمته لجنة إدارة مدرسة القضاء الشرعي، فرفعوا إلى عظمته فروض الشكر لتنازله إلى زيارة المدرسة، وتعطفه بتنشيط القائمين بأمرها، فلقوا من لطف عظمته وعنايته ما أطلق ألسنتهم بالدعاء والثناء.
وقد نال شرف المقابلة معهم الطالبان الشيخ عبد الوهاب خلاف والشيخ محمد راضي عثمان، فقرأ أحدهما ما تيسر من القرآن الكريم وتلا ثانيهما خطبة لطيفة، فنالا الرعاية السلطانية والعطف العالي، وقد أنعم عظمته على كل منهما بساعة من الذهب مع سلسلتها.
(٣) في مدرسة المعلمين الناصرية
تأسست مدرسة دار العلوم (المعلمين الناصرية الآن) في سنة ١٢٨٩ﻫ/١٨٧٢م في عهد وزارة مولانا السلطان الكامل للمعارف العمومية، فيكون قد مضى عليها اثنان وأربعون سنة وهي سائرة في طريق الرقي والتقدم، وقد تخرج منها من حين نشأتها إلى اليوم ٦١٤ معلمًا التحقوا بوظائف التعليم وغيرها بالمدارس الأميرية ومعاهد التعليم وبعض مصالح الحكومة ومجالس المديريات والمحاماة شرعية وأهلية، والموجود بها الآن من الطلبة ٣٣١ طالبًا وفيها اثنان وعشرون أستاذًا.
يا صاحب العظمة!
إن سعي عظمتكم الكريم، ومزيد عنايتكم بزيارة دور العلم ومعاهد التربية وشغفكم برقيها وإسعاد أبنائها، لهو أجل منقبة تضاف إلى مناقبكم الغراء، التي كللتم بها تاريخ عظمتكم المجيد المملوء بالعمل الصالح للأمة المصرية من فلاحيها وصناعها إلى سراتها وعلمائها.
وإن زيارتكم لمدرستنا التي هي غرس يمينكم في عهد توليتكم نظارة المعارف المصرية؛ لأجمل ذكرى يسطرها التاريخ بين ابن بار وأب رحيم.
وهي الآن بهذه الزيارة العزيزة تحيي فيكم رجل التاريخ والعلم ومثال الحكمة ومصدر الرحمة، وتعرض على عظمتكم حياة نيف وأربعين سنة؛ نشرت في خلالها العربية الصحيحة وآدابها في أنحاء الوطن، وهيأت أبناءه للنهضة الأدبية المشاهدة الآن، فتقبل منها صادق الولاء ومزيد الإخلاص لبيتكم الكريم وعرش ملككم.
اللهم يا مجيب الدعاء ويا محقق الرجاء أيد في عصر مولانا دولة العلم والأدب، وأعد لمصر في عهده حياة جديدة طيبة مباركة، اللهم هب له منك عمرًا طويلًا، وحياة فسيحة حتى يرى بلاده زهرة البلاد العربية وأمته قدوة الأمم المشرقية؛ إنك سميع قريب آمين.
وانتقل عظمته من هذا الفصل إلى فصل الدروس الطبيعية ففصل الرسم فالتاريخ فتفسير الأحاديث، وكان الأستاذ الشيخ محمد الحسيني يشرح فيه للطلبة قوله: (الإمام راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فأصغى إليه عظمته كل الإصغاء ولما أتم شرحه قال عظمته: أحسنت أيها الأستاذ وقد قبلنا نصحك.
وهكذا تعهد عظمته الفصول فصلًا فصلًا مشجعًا طلبتها وملاطفًا أساتذتها.
خطبة السلطان وجائزتاه
أنا مسرور جدًّا بزيارتي لهذه المدرسة كما سررت جدًّا كذلك بزيارتي لمدرسة القضاء الشرعي.
وأنتم أيها الطلبة الذين تتمون دراستكم في هذا العام إني أود أن أراكم نابغين في العلوم ومتربعين في المناصب الأميرية وغيرها، وأود أن تذكروا للأمة فضلها في الإنفاق على تعليمكم وتذكروا أنكم مدينون به لها فتخدموها خدمة الأوفياء العارفين بالجميل، ولا تنسوا التخلق بالأخلاق الحسنة والتربية في مستقبل حياتكم لأنكم ستتولون تربية الأطفال، وتربية الأطفال مسألة غير هينة بالنظر إلى عدم بلوغ الأمهات في القطر حتى الآن الدرجة المبتغاة. ولأجل أن أشجعكم على المسابقة في النبوغ عينت جائزتين سنويتين من مالي الخاص: الأولى قدرها ٦٠ جنيهًا مصريًّا، والثانية قدرها ٤٠ جنيهًا تعطيان للأول والثاني منكم من الناجحين في الامتحان النهائي، وقد أبلغت وزير المعارف ذلك.
أيها الطلبة إن العلم بغير الأخلاق لا فائدة منه، فتحلوا بالأخلاق الكريمة لترقوا رقيًّا صالحًا لأن الأخلاق هي التي تعلي مكان الشخص خصوصًا المعلم الموكول إليه تعليم النشء، وإن شاء الله أسمع عن نجاحكم في الامتحان المقبل وعن تفوقكم في العلوم والأخلاق.
فكان لكلام عظمته أحسن وقع في النفوس.
أيها الأساتذة!
أهنئ حضراتكم بما رأيته في هذه المدرسة المباركة من تقدم الطلبة واستعدادهم لتلقي العلوم وارتقائها، وإن شاء الله نراها دائمًا في الارتقاء وأنتم كذلك، ولا تنسوا ما ورد في كتاب الله الكريم: إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فاصبروا مع الطلبة وصابروا على تعليمهم، لأن التدريس ليس من الصناعات بل في الحقيقة ونفس الأمر إنه (غيه) ومحبة في العلم وفي نفع الناس به، فأحدكم يأخذ مرتبًا ربما كان ضئيلًا ولكن عشق العلم والتعليم ومحبتهما يسهلان له وظيفته.
إن في التعليم فوائد كثيرة لا تجهلونها طبعًا، وكلما طال عليكم العهد كلما تقدمتم في إتقان الدروس والتشبع بفضائل العلم وهذا أملنا فيكم.
ذهب بعضكم إلى أوروبا ورأيتم حال التعليم هناك النهضة والعلمية التي أتمنى أن تكون لنا، وإنني أطلب من الله أن يعطي السعادة للأمة ودوام اجتهادكم حتى تُخرج المدرسة ثمرات طيبة، والسلام عليكم ورحمة الله.
فقال الجميع: وعلى مولانا السلام ورحمة الله.
وانتقل من بينهم إلى غرفة صاحب العزة الأستاذ عبد الرحيم أحمد بك ناظر المدرسة، فجلس وتفضل فهنأه بحسن نظام مدرسته، وتناول سجل المدرسة وكتب بيده تاريخ زيارته لها باللغتين العربية والإفرنجية، وفي خلال ذلك جاء طالب وتلا بين يديه كلمة شكر سامية المبنى لطيفة المعنى ختمها بالأبيات الآتية:
اللهم كما وفقت مولانا الكامل لحب الخير، فاجعل عهده خير العهود ونجمه سعد السعود. اللهم إن لنا فيه أمالًا كبارًا، فشد به أزر العلم، وأيد به دولة العرفان. اللهم احفظه برعايتك، والحظه بعنايتك، وأطل في حياته ليرى آثار أعماله الجليلة وأغراضه السامية النبيلة، وتوج باليمن مآربه واجعل الخير غايته آمين.
•••
ألقى بين يديه الكريمتين التلميذ عزيز ثروت أفندي نجل صاحب السعادة عبد الخالق ثروت باشا وزير الحقانية البيتين التاليين، قال مخاطبًا عظمته:
ثم تلاه التلميذ ناجي أفندي الهلباوي مخاطبًا عظمته بالأبيات التالية قال:
وتقدم فقبل راحتيه وقبله عظمته في جبينه.
ثم انصرف عظمته مشيعًا بمثل ما قوبل من الحفاوة والإجلال والإكرام.
(٤) في مدرسة المعلمين السلطانية
تفضل عظمة مولانا السلطان فزار مدرسة المعلمين السلطانية في درب الجماميز صباح الأربعاء الموافق ١٧ فبراير سنة ١٩١٥ / ٤ ربيع الثاني سنة ١٣٣٣، فسار بموكبه الحافل إليها حيث استقبله عند مدخلها صاحب السعادة إسماعيل باشا حسنين وكيل وزارة المعارف وغيره من كبار الموظفين والمفتشين في تلك النظارة. فتنازل عظمته وصافحهم شاكرًا لهم حفاوتهم به، وكان تلامذة المدرسة مصطفين في فنائها صفين، فلما طلع عليهم عظمته هتفوا ثلاثًا: (ليحيى مولانا السلطان حسين)، ثم تفقد عظمته الصفوف، ولما دخل غرفة الانفتياتر تقدم التلميذ فهمي أفندي الرشيدي وفاه بين يدي عظمته كلمة ترحيب افتتحتها بالبيت الآتي:
أنا متشكر وممنون جدًّا من زيارتي لمدرستكم ومن سماعي لهذه الخطبة المكتوبة بقلم عال وبفكرة نيرة.
وليكن في علمكم أن زيارة المدارس من أوجب الواجبات عليّ وتشجيعها والسعي في تقدمها من أهم الفروض، واعلموا أن الأمة لا يمكن أن تصل إلى درجة الارتقاء إلا بالعلم والتربية المصحوبين بالأخلاق الحسنة، وإنما الأمم بالأخلاق.
لذلك جعلت تشجيعكم وزيارتكم من الفروض الكبرى، لكي تعلموا ويعلم الجميع أنكم معي وأنا معكم، وأني مسئول عن سعادتكم، وأنني وهبت نفسي ومالي لخدمة الأمة والقيام بأعباء شؤونها وسعادتها، وأنني لا أهتم إلا بما يعود عليكم وعليها من الخير والإسعاد.
أيها الطلبة أطيعوا أساتذتكم وأخلصوا في الخدمة لأمتكم، فهي التي ربتكم وهي التي جعلتكم رجالًا، ولا نطلب منكم إلا الإخلاص لها، فالإخلاص للوطن هو أول الواجبات عليكم، لتفوزوا بالسعادة الدائمة.
نعم، فليكن في علمكم أنني وهبت روحي ومالي وكل قواي لخدمة الوطن، وأنتم من أبنائه الذين ستقومون بخدمته وفي ترقية شؤونه اقتصاديًّا وماليًّا وعمليًّا، إن الأمة لا يهمها إلا ترقية المدارس ولذلك أنا أسعى وأبذل كل ما في جهدي في تشجيعكم لتكونوا نابغين مخلصين، وأنا أسديكم شكري وممنونيتي.
إنك ستخرج من هذه المدرسة في هذا العام حائزًا لشهادة الدبلوم وستهذب نفوس الطلبة بالدروس التي تلقيها عليهم، فعليك بالأخلاق وبثها في النشء ولا ترتكن أنت وزملاؤك على التعليم وحده.
أيها الطالب أنت مدين لأخيك الذي يقتطع من نقوده الخصوصية ما ينفقه عليك حتى تكمل دراستك، فاحفظ دينه وأخلص لوطنك.
مولاي!
إن زيارة عظمتكم السلطانية حرسها الله لمدرستنا نقشت على صفحات قلوبنا شكرًا يجدده الزمن بتجدد سيرتكم الحميدة وذكر آلائكم العميمة.
والله نسأل ونبيه ﷺ نتوسل أن يديم مولانا عضدًا للدين وأهله وللعلم وطلابه ويمتع أمته بطول مدته وشمول عدله.
(٥) في مدرسة الحقوق السلطانية
إني أهنئكم بما تتلقونه من الدروس العالية في هذه المدرسة، وأسأل الله أن يهديكم إلى الرشاد، فأنتم خريجو مدرسة الحقوق السلطانية، ويجب أن يعلم كل منكم متى أحرزتم شهادة الحقوق أنه لا يحسن لحامل هذه الشهادة أن يقصر كل آماله على التوظف في الحكومة، فالحكومة لا تتقاعد عن توظيف من يمكن توظيفه منكم، وإذا أتاح لها الله أن تدخل في خدمتها عددًا ولبيرًا من الذين يتخرجون في هذه المدرسة بادرت إلى ذلك بطيبة خاطر ككن المتخرجين كثيرون، ويجدر بالذين ينالون هذه الشهادة أن لا يكون اعتمادهم على التوظف وحده، فشهادة الحقوق هي شهادة عالية يُفتخر بها وتدل على منزلة حاملها العالية في الهيئة الاجتماعية سواء جلس على كرسي القضاء أو كرسي النيابة أو اشتغل بالمحاماة أو خرج عن ذلك واشتغل بالزراعة أو التجارة أو غيرهما من شؤون العمران.
ولو ذهبتم إلى أوروبا لوجدتم بين حاملي شهادة الحقوق التاجر والمزارع والفلاح وصاحب الأشغال الأخرى، وجميعهم يشتغلون بأعمالهم المختلفة التي يتعاونون بها على خدمة بلادهم. ولكن ذلك لا يمنعهم من الافتخار بشهاداتهم الحقوقية، فيكتبون جميعهم على محالهم أسماءهم مقرونة بالألقاب التي أحرزوها من مدرسة الحقوق التي أخرجتهم وهي: «لسانسيه في علم الحقوق» أو (دكتور في علم الحقوق)، فعسى أن تسيروا على أثرهم في ذلك وتخدموا الأمة بالأعمال المختلفة النافعة لها فتكون العلوم التي تعلمتموها خير نبراس لكم تهتدون به إلى السبيل السوي. سيروا في طريق النور الذي استنارت به أذهانكم، وتفرغوا لدروسكم، وإياكم والتطرف أو الاشتغال بما لا ينفعكم ولا يعنيكم فأنتم لا تزالون شبانًا يعوزكم الاختبار، وهذا الوطن هو وطني ووطنكم وقد وقفت حياتي على خدمتكم وأنا أقدر منكم على إسعاده، فدعوني أعمل لخيره واتكلوا علي وعلى أولياء الأمر في أموره المعضلة، وتعاونوا أنتم بعلمكم واجتهادكم على ترقيته بنشر العلم والتربية الصحيحة بين طبقات الأمة، إني لا أكلمكم بذلك كحاكم بل أكلمكم كأب بار بأبنائه. إنكم ستخرجون بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من هذه المدرسة حائزين لشهادتها، فأرجو لكم النجاح والتوفيق في أعمالكم، وأنصح لكم أن تتذرعوا بالصبر على نيل أمانيكم حتى تصلوا تدريجًا إلى تحقيق رغباتكم إذ الطفرة محال، فأنا سلطان مصر وابن ساكن الجنان الخديوي إسماعيل، هل تظنون أنني وصلت إلى ما أنا فيه طفرة؟ كلا ثم كلا، إنني تقلبت في وظائف كثيرة صغيرة وكبيرة ومرت علي أيام كنت فيها مفتشًا في الأقاليم فذقت الأمرَّين، وكنت أسير مع الفلاح قدمًا وأقطع المسافات الشاسعة على ترعة الخطاطبة قبل إنشاء سكة الحديد، وأقسم لكم إنني كنت أقضي حينئذ أيامًا بدون أن أذوق الخبز الطري ولم يكن لي طعام إلا البقسماط اليابس، فالصبر يا أولادي مفتاح الفرج، فاستعينوا به على تذليل المصاعب التي تعترضكم، وبرهنوا بالعمل الطيب على حبكم وإخلاصكم، وإني أشكركم وأتمنى لكم مستقبلًا سعيدًا.
فأثرت أقواله الدرية ونصائحه الأبوية أعظم تأثير في الحاضرين.
(٦) في مدرسة الزراعة
أنشئت مدرسة الزراعة الحالية عام ١٨٨٩ في عهد المغفور له توفيق باشا، وقد تجدد بناء المدرسة الحالية في عام ١٩٠٢ وكان الإقبال عليها في أول عهدها ضعيفًا، ولكنه لم يلبث أن أصبح وطلبات الدخول فوق ما تستطيع المدرسة قبوله، فقد بلغ عدد طالبي الدخول في عام ١٩١٤: ٩٩ طالبًا كلهم من حملة الشهادة الثانوية، وكان التعليم منذ افتتاح هذه المدرسة إلى عام ١٩١٠ باللغة الإنجليزية ثم جعل باللغة العربية بعد ذلك، وكانت واسطة الالتحاق بها قبل عام ١٩١١ هي الشهادة الابتدائية، فاستبدلت بالشهادة الثانوية منذ تلك السنة، وبذلك رفعت درجتها فأدرجت في سلك المدارس العليا. ويبلغ عدد الطلاب الذين يتلقون العلم بالمدرسة الآن ١٥٣. وقد بلغ عدد خريجي المدرسة الحاصلين على دبلومها منذ افتتاحها ٢٦٩ يشغل كثير منهم وظائف ذات مسؤولية في وزارات الزراعة والداخلية والأوقاف، وفي مصلحة الأراضي الأميرية والجمعية الزراعية وغيرها. وعدد أساتذتها ٣٠، وقد قامت المدرسة بخدمات جليلة للبلاد في ترقية الزراعة وتربية الطيور الداجنة وغير ذلك، وفي شهر يناير سنة ١٩١٤ ألحقت بوزارة الزراعة.
أبنائي، أنتم تتمون دراستكم في هذا العام فإذا لم تسمح ميزانية وزارة الزراعة لاستخدامكم جميعًا فأنا أتكفل باستخدام الباقين منكم في الدائرة الخاصة السلطانية والأوقاف الخصوصية السلطانية.
فضج الطلبة بالدعاء لعظمته وشكروا له عطفه عليهم شكرًا جزيلًا.
وبعد ذلك تفضل عظمته فزار فريقًا من الطلبة وهم يتلقون الدروس البيطرية، وكان يسأل كثيرين منهم عن أسمائهم وأسماء آبائهم وبلدانهم ويشجعهم على مواصلة الدروس والاجتهاد والسهر ليكونوا رجالًا نافعين لأنفسهم ولوطنهم.
إني زرت هذه المدرسة ثلاث مرات قبل الآن ولا أخفي عنك إعجابي بها في زيارتي هذه، فإني رأيت في نظامها وفي حالتها تغييرًا كبيرًا سرت به نفسي، ولا سيما في تفهم الطلبة الدروس التي تلقى عليهم وحسن أجوبتهم على الأسئلة التي وجهتها إليهم في الزراعة والحشرات والنباتات وغيرها.
والتفت عظمته على أثر ذلك إلى حضرة صاحب العزة محمود نصرت بك مدير الجيزة باسمًا، وسأله عن حال الأمن والزراعة والتحصيل في مديريته، فأجابه على ذلك جوابًا مرضيًا ودعا لعظمته بدوام العز والنعم.
ثم انصرف عظمته بعد ذلك مودعًا بمثل ما قوبل به من الحفاوة والتجلة والتعظيم.
وقد رفعت المدرسة لعظمته كلمة ترحيب تتضمن ملخص تاريخ المدرسة وقصيدة تمتدح بها عظمته وهي:
ترحيب مدرسة الزراعة
ورفع إلى عظمته كذلك التلميذ صادق روفائيل أفندي كلمة ترحيب رقيقة المبنى والمعنى، فسلمها عظمته إلى كبير أمنائه شاكرًا له إخلاصه وولاءه وأجمل ما فيها قوله:
مولاي، ورثت عن جدك الخالد الأثر والذكر تفانيه في تنمية الثروة المصرية خصوصًا من طريق الزراعة، فلقد أدخل رحمة الله عليه زراعتي القطن والقصب ببلادنا العزيزة، فأوجد بذلك أهم أركان الثروة المصرية: فحذوت حذوه وأقمت هذا البناء العظيم على ذاك الأساس المتين، بأن عالجت بنفسك كل معتل، وكنت إمامًا للعاملين بأفكارهم وأيديهم، فأوجدت الجمعية الزراعية السلطانية التي كانت ولا تزال نبراسًا للزراعة المصرية، وأقمت المعارض فحركت في القوم روح المسابقة والإتقان، وأنشأت النقابات الزراعية فعلمت المزارعين معنى التضامن، ووحدت مصالحهم فأسعدت العباد؛ إلى غير ذلك من الخدمات الخالدة التي لا حصر لها ولا حد.