كلب المنظمة!
عندما أدار «أحمد» كمبيوتر السيارة … كان مُجهَّزًا لإدارة برنامج المسح الراداري … الذي انتقل تلقائيًّا إلى خريطة ولاية «بادن» وظهرت على الطرق أسهم تنبض في اتجاه المقر الجديد منطلقة من المقر الذي غادروه منذ دقائق، ولم يكُن عليه إلا أن يتبع هذه الأسهم وهو يقول: خطير هو العلم … وخطيرة تطبيقاته!
فعلَّقَت «ريما» تقول: أنا أعرف أن الأقمار الصناعية الآن أصبحت مرشدًا لقائدي السيارات عن طريق المسح الراداري للطرق وبث إرشادات للسائقين عن أقصر الطرق الخالية الموصلة إلى الموقع الذي ينشدونه.
وهنا علَّق «عثمان» قائلًا: ولكن ما نراجع على الخريطة الآن لا يبثه قمر صناعي … إنها خريطة مسجلة على ذاكرة الكمبيوتر.
فبرَّر «أحمد» ذلك قائلًا: لن نستطيع الاستعانة بأي بث موجي معبر حتى ننتهي من هذه العملية … ﻓ «زائيفي» يستعين بتقنيات غاية في التقدم في هذا المجال … ولن نسمح له بالوصول لنا من هذا الطريق.
كان الضباب الكثيف يغطِّي الطريق وكانت طبقة من الجليد الأبيض الخفيف تغطي الأعشاب الخضراء المنتشرة على جانبيه.
وعلَّقَت «إلهام» قائلة: الشتاء سيكون قارسًا هذا العام.
فقال «عثمان» ضاحكًا: وكل عام يا «إلهام» … لم نأتِ شتاء إلى «ألمانيا» إلا وعانينا من برودة الجو الشديدة.
تدخَّلَت «ريما» قائلة: «إلهام» تقصد أن علينا أن ننتهي من هذه العملية قريبًا حتى لا نعاني كما قلت!
ضحك «أحمد» وقال مداعبًا «ريما»: ومَن قال لكِ إني سأغادر «ألمانيا» بعد انتهاء العملية؟!
اندهشت «إلهام» لما سمعته … وقالت تسأله: ولماذا ستبقى هنا؟
أحمد: لأزور العاصمة «شتوتجارت» …
قطع كلامهم فجأة «عثمان» وهو يصيح قائلًا: لقد رأيت الكلب في سيارة مُسرعة مرَّت في الاتجاه المعاكس.
أحمد: أي كلب؟
عثمان: عضو المنظمة الذي ودَّعَنا منذ دقائق.
انحرف «أحمد» بالسيارة إلى أقصى اليمين فسألته «إلهام» قائلة: لماذا ستتوقف؟!
أحمد: لن أتوقف … سأدور عائدًا.
إلهام: لماذا؟!
أحمد: لنعرف قصة هذا الكلب … فأنا أشعر أننا تعرضنا لخدعة.
عثمان: أية خدعة؟
أحمد: أشعر أن هذا الكلب ليس عضوًا في المنظمة وأن مَن حادثنا ليس هو رقم «صفر».
ريما: ألا تعرف صوت رقم «صفر» يا «أحمد»؟
أحمد: يا «ريما» … تقليد الصوت لم يعُد مشكلة … إنها خدعة يقوم بها أحد برامج الكمبيوتر بإكساب ذبذبات صوتٍ ما نفس سرعة ذبذبات صوت شخص آخَر.
دار «أحمد» بالسيارة إلى الاتجاه المضاد … وأطلق العنان للسيارة وهو يسأل «عثمان» قائلًا: هل رأيت السيارة جيدًا يا «عثمان»؟
عثمان: نعم إنها سيارة «مرسيدس» ذات دفع رباعي سوداء.
أحمد: أي تشبه سيارتنا؟
عثمان: تمامًا!
أحمد: إذَن سأحصل عليها!
إلهام: وإن لم نصِل لها؟
أحمد: سأعود إلى المقر.
انحرف «أحمد» يسارًا ليتفادى سيارة قابلته … ثم انحرف يمينًا ليتفادى سيارة أخرى ثم أطلق ضوءًا متقطعًا من كشافات السيارة الأمامية لتسمح له السيارة السائرة أمامه بالمرور … فهي تسد عليه الطريق … لكن سائقها لم يلتفت لرغبة «أحمد» … وظل سائرًا في طريقه غير عابئ … وهنا احتاج «أحمد» لاستعمال آلة التنبيه … فأطلقت السيارة الأخرى عواء مستفزًّا صنع ضجيجًا أثار الشياطين إلى درجة كادت تفقدهم صوابهم.
فقالت لهم «إلهام» لتهدئهم: يا جماعة إنها سيارة نقل حاويات، وسائقو هذه السيارات لهم سلوك خاص بهم فالزموا الهدوء … ولا تتأثروا بما يفعل.
واتت «أحمد» فكرة مجنونة … فصعد على الرصيف بعجلة السيارة اليمنى ثم بالعجلة اليمنى الخلفية … وبهذا تمكَّن من السير في الجزء الصغير المتبقي من الطريق بجوار سيارة النقل … وما حدث بعدها لم يكُن «أحمد» يتوقعه … فقد انحرفت السيارة بشدة مغلقة الطريق عليه حتى كادت أن تدهسه … وتصايح الشياطين في استنكار لِمَا يفعله هذا السائق المجنون … وانسحب «أحمد» من الطريق بسرعة … وقبل أن يعتدل السائق ويُغلق الاتجاه الآخَر … كان «أحمد» قد تجاوزه بسرعة مجنونة … وارتفع عن بُعد صوت سارينة سيارة الشرطة … فقال «أحمد» معلقًا: لن يتمكنوا من الوصول إلينا … فسيارة النقل تسد الطريق.
وهنا صاحت «ريما» قائلة: إنه يطاردنا!
أحمد: من؟
ريما: سائق سيارة النقل.
عثمان: كيف عرفتِ؟
ريما: لأنه لم يكُن يسير بهذه السرعة التي يسير بها الآن؟
وهنا علَّقَت «إلهام» في دهشة قائلة: إنها سيارة ضخمة للغاية … فكيف يسير بها بهذه السرعة؟
فقال «أحمد» يُداعبهم: أشعر أني غزالة يطاردها ديناصور.
فعلق «عثمان» يقول ضاحكًا: أنت غزالة يا «أحمد»؟
فصاح «أحمد» وهو يتشبث بعجلة القيادة: أقصد السيارة يا رجل!
وارتجت السيارة فجأة بعنف … فرغم سرعتها اصطدمت بها سيارة النقل من الخلف فثبت الشياطين جميعًا أحزمة الأمان … وصاح «أحمد» قائلًا: ستشاهدون ما ستفعله الغزالة بالديناصور.
وعن بُعد كانت سيارتان للشرطة تغلقان الطريق … فانحرف «أحمد» بالسيارة إلى أقصى اليسار فجأة فتخطته سيارة النقل ومن خلفها سيارة البوليس تطلق سارينتها … ولم تمضِ سوى دقائق حين ارتجت الأرض إثر اصطدام سيارة النقل بسيارتي البوليس فأطاحت بهما في الهواء، ودوى في فضاء المنطقة صوت انفجارات ثلاثة لسيارتي البوليس وسيارة النقل.
عَبَر «أحمد» الرصيف الفاصل بين الاتجاه المعاكس … وسار عكس الاتجاه حتى يمكنه تفادي السيارات التي أغلقت الطريق … وبعدها عاد إلى الطريق مرة أخرى … وانطلق عائدًا إلى المقر على ضفة نهر «النيكر».
والآن … الآن فقط … رأت «ريما» أن الوقت مناسب لطرح سؤالها الذي يوترها منذ رأى «عثمان» الكلب في سيارة عبرت بجوارهم … فقد قالت: أشعر أن هناك صلة ما بين سائق السيارة الذي أوصلنا إلى «هايدلبرج» وهذا الكلب رأيناه في المقر … فكلاهما رأيناه مرة أخرى في سيارة عابرة … وكأنه يرينا نفسه.
أحمد: أنا لا أفهم ماذا تقصدين؟!
ريما: أشعر أنهم يدفعوننا للقلق والتوتر لنشعر بخطورة وجودنا هنا فنعود إلى «سويسرا» مرة أخرى.
وافق الجميع على ما في كلام «ريما» من منطق … غير أن «أحمد» رأى أنه بغير إثبات كافٍ، وعليهم أن يعودوا إلى المقر لإثبات صحته.
وهنا صاح «عثمان» يقول ﻟ «أحمد»: هل يمكنك أن تتوقف الآن؟
فقال له «أحمد» في استنكار: هنا؟ في منتصف الطريق؟!
عثمان: لا أقصد ذلك … بل أقصد أن توقف السيارة على جانب الطريق … فلديَّ ما أقوله قبل أن نصل إلى المقر.
كان «أحمد» قد نفَّذ ما طلبه «عثمان» قبل أن ينهي حديثه … واقترح عليهم بعد أن غادروا السيارة أن يعبروا الطريق إلى شاطئ نهر «النيكر» … فهناك يمكنهم سماع «عثمان» بإنصات. ورغم برودة الجو على شاطئ النهر … إلا أن حديث «عثمان» كان ساخنًا للغاية … فقد قال: لا أعرف حتى الآن لماذا تخيلتم أن هناك صلة بين الرجل الذي أوصلنا … وبين الكلب الذي استقبلنا وبين سيارة النقل التي كادت تدهسنا.
قاطعته «ريما» قائلة: أنا لم أتخيل.
- أولًا: الرجل الذي أوصلنا لم يكُن يعرفنا حتى استأجرنا سيارته.
- ثانيًا: الكلب كان في المقر وهم لا يعرفون أننا سنلجأ للمقر … بل لا أحد يعرف ذلك؛ لأن سفرنا كان مفاجئًا بناءً على طلب «إلهام».
- ثالثًا: سيارة النقل كانت تسير في اتجاه معاكس لاتجاهنا … ونحن في غير الاتجاه. أي إننا ذهبنا إليهم … ولم يتعمدوا هم مطاردتنا.
- أولًا: الرجل الذي أوصلنا … عَبَر بنا الحدود بين «سويسرا» و«ألمانيا» وكما قلنا ﻓﻠ «زائيفي» عيون كثيرة ترصد الخارجين من بوابات الحدود … أي إنه عرف بخروجنا.
- ثانيًا: نحن لم نذهب خلف سيارة النقل … بل هم الذين استدعونا إليهم … بإبراز الكلب من نافذة السيارة.
ورأت «إلهام» مما سمعته أن المقر لم يعُد آمنًا … فقالت ﻟ «أحمد»: لماذا لا تتصل برقم «صفر» وتسأله في كل ذلك؟
أحمد: لقد طلب منا عدم استعمال أجهزة لها اتصال بالأقمار الصناعية.
إلهام: معنى ذلك أنهم يراقبوننا على الأرض وفي الفضاء؟
أحمد: نعم!
ريما: ولماذا لم يتخلصوا منا وكنا بين أيديهم؟!
أحمد: هم يشعرون أن لنا أعوانًا هنا … ويريدون أن يوقعوا بنا دفعة واحدة.
هيا بنا … أشار لهم بيده وهو يقولها أثناء استعداده لعبور الطريق إلى حيث تقف السيارة … ثم عبره وهم خلفه جميعًا وفي رأسهم قرار واحد هو كشف غموض ما يجري في المقر الآن … وكان عليهم العودة له فرادى … حتى لا يكتشف أحد أمرهم … لهذا غادر «عثمان» السيارة قبل بلوغهم المقر بعدة أمتار ثم انطلقوا حتى تجاوزوه أيضًا بعدة أمتار … فغادرت «إلهام» واستكمل «أحمد» المسير ثم انعطف يمينًا ودار حول المباني المجاورة للمقر حتى أصبح خلفه … فوقف للحظات غادرت فيها «ريما» السيارة … ثم انطلق بها إلى أن لمح مجموعة من الأشجار كثيفة الخضرة متشابكة الفروع، فترك السيارة بينها … وعاد يجري في رشاقة إلى أن رأى السور الخلفي للمقر … فتوقف للحظات … يستطلع خلالها الطريق … ويعد ساعة يده للقيام بإحدى وظائفها الهجومية … فقد استحضر على شاشتها برنامج الشوشرة الإلكترونية … وأطلق له العنان … قبل أن يقفز السور في خفة الفهود … وهو مطمئن أن أجهزة الرصد الإلكتروني لن تكتشفه.
وعندما أصبح فوق السور … لمح آخر الممر الفاصل بين حديقة المقر ومبناه الرئيسي مَن يحاول الدخول فعرف أنه «عثمان» … غير أنه أراد أن يتأكد من ذلك فأرسل له إشارة عَبْر ساعة يده … فعادت له مرة أخرى ووخزته في رسغه فعرف أن الذي تلقاه هو «عثمان» وأنه يرد عليه.
كان ارتفاع السور يحول دون محاولة أحد القفز منه إلى داخل المقر … غير أن «أحمد» أصرَّ على فعلها … فقفز ودار دورتَين في الهواء … قبل أن ينزل واقفًا ويا لدهشته فقد نزل واقفًا أمام باب دخول المبنى الرئيسي!