الدخول إلى المجهول!
كانت الخطوة التالية هي أهم خطوة … وتحتاج لمسح الطريق قبل أن يخطوها … إنها خطوة الدخول إلى المجهول … فخلع من كعب حذائه أسطوانة مفلطحة وألصقها بالباب … وشرع يضغط زرًّا بها … ثم عاد يضغط زرًّا آخَر لدقائق … بعدها أدخل بطاقته الأمنية المغناطيسية في فتحة بجوار الباب … فشعر أن في الأمر شيئًا فترك الأساليب الاعتيادية وقرر اللجوء إلى أساليبهم هم.
فأخرج من حزامه شريطًا في نهايته رأس معدني مُدبَّب … أدخله في فتحة دقيقة بالباب وبعد لحظات أصدرت صوت انفجار مكتوم … وبعدها وضع بطاقته الأمنية المغناطيسية مرَّة أخرى فانفتح الباب.
كان «عثمان» يراقبه من مكمنه المظلم في الحديقة … فلحق به قبل أن يغلق الباب بعد دخوله وما إنْ رآه «أحمد» حتى أشار له طالبًا منه تأمينه … وشرع يفتح الأبواب بابًا خلف الآخَر في حذر واستعداد لمواجهة أي خطر يقبع خلفه.
كانت كل غرف الطابق الأرضي خالية إلا من الأثاث … ولم يلاحظ آثارًا لاقتحام أو سطو … أو حتى تلصُّص من غرباء.
إلا أنهما أيضًا لم يجدا أثرًا للكلب … وكانت الخطوة الأخرى هي الانتقال لمسح الطابق التالي … فقد يجدان فيه مفاجأة ما … إلا أن تأخُّر وصول «ريما» و«إلهام» جعلهما يؤجِّلان الصعود لأعلى بعض الوقت … وعندما أصبح مدى التأخير غير منطقي … قام بإرسال رسالة ﻟ «ريما» عَبْر ساعته … غير أنه لم يتلقَّ أية استجابة لا منها ولا من «إلهام» … فقرر الخروج لاستطلاع الأمر.
وما إنْ فتح الباب وأخرج رأسه لاستكشاف المكان قبل خروجه حتى قال له «عثمان»: لا تخرج يا «أحمد» ودعنا نعُد خطة أولًا.
أحمد: خطة لماذا؟
عثمان: إن خروجك يعني أني سأصير هنا وحدي دون أن أعرف ماذا يدور في الأدوار العلوية.
استمع «أحمد» باهتمام لما يقوله … فأكمل قائلًا: ومعناه أيضًا أنك ستصير وحدك في ظلام حديقة المقر … وهي خطة جيدة لاصطيادنا فرادى.
فقال له «أحمد»: وماذا تقترح؟
فاقترب منه وقال هامسًا: سنصعد أنا وأنت لمسح الدور العلوي ثم سطح المقر … بعدها يغادر أحدنا للبحث عن «ريما» و«إلهام» ويبقى الآخَر لحمايته ببندقية آلية ذات جهاز توجيه موجي … لنضمن إصابة الهدف في أدق الظروف.
لاقى ما اقترحه «عثمان» قبول «أحمد» فسبقه يصعد السلم شاهرًا مسدسه … ومن خلفه «أحمد» يحمي ظهره … إلى أن انتهى من المرحلة الأولى … فسبقه «أحمد» بالصعود أيضًا شاهرًا مسدسه وهو من خلفه يحمي ظهره … وهكذا إلى أن صعدا إلى الدور العلوي فرأى باب إحدى الغرف مواربًا … فوقف بجواره حتى لا يكون في مرمى نيرانِ مَن بداخله ثم أطلق قدمه قذيفة في الباب … فانفتح عن آخِره … وانفتح فمه أيضًا دهشة … لِمَا رآه … فقد رأى حبلًا معلقًا في سقف الغرفة … ورجلًا معلقًا فيه من رقبته وعينَيه جاحظتَين … ولسانه قد خرج عن آخِره من فمه.
تبادل الصديقان نظرات التساؤل والإشفاق على الرجل … ثم نظرة أخيرة … بعدها خرجت طلقة من مسدس «أحمد» أصابت الرجل في بطنه … فدوى في الغرفة صوت انفجار شديد لقنبلة كانت مثبتة بحزام الرجل … وما إن هدأت النيران … حتى دخل الصديقان يفحصان المكان جيدًا … فقد عرفا أنه فخ … وأن الرجل لم يكُن سوى دُمية … مَن يحاول إنزالها تنفجر فيه القنبلة.
وبهذا تأكد أن المقر قد تم اقتحامه … وأنه مسكون الآن بالأغراب … وأن «ريما» و«إلهام» في خطر وعليهما أن يتحركا بسرعة.
كانت الخطوة التالية هي مسح بقية غُرف هذا الطابق … ومثلما فعلا من قبل … فعلا مع هذه الغرف … ولم يجدا شيئًا غير عادي … فصعدا إلى سطح المبنى … فلم يجدا إلا برج المراقبة الإلكتروني وطبق استقبال الأقمار … وبرجًا أخيرًا مثبتًا به كشاف لا يعمل.
ورأى «أحمد» أنهم في حاجة إليه … فشرع يفحص أسلاكه في الوقت الذي تفقَّد فيه «عثمان» المكان جيدًا … وقام بتثبيت أكثر من بندقية آلية في أكثر من اتجاه.
وعندما عثر «أحمد» على سبب عُطل الكشاف … كان «عثمان» يتلقَّى اتصالًا عَبْر ساعته من «ريما».
أووه … أين أنتِ يا «ريما»؟!
هكذا قال «عثمان» … وهكذا أيضًا قالت «ريما»: فقال يُجيبها ويسألها في نفس الوقت: أنا هنا، ولكن أين أنتِ؟
ريما: أنا في مبنى المقر.
نظر «عثمان» حوله يستطلع المكان وهو غير مصدق … ثم سألها مرة أخرى قائلًا: أين أنتِ؟
تعجَّبَت «ريما» لتكرار السؤال، وقالت بحِدَّة: ماذا بك يا «عثمان» … ألم أقُل لك إني في مبنى المقر؟
عثمان: نعم … نعم.
ريما: ولكن أين أنت؟
عثمان: هنا.
ضحكت «ريما» وسألته في دهشة: هنا أين؟
انتبه «عثمان» لِمَا يقوله، وقال موضحًا: أقسم إني لا أعرف … لقد كنت متأكدًا أني في مبنى المقر منذ دقائق.
ريما: وماذا حدث؟
عثمان: أنتِ تقولين لي الآن إنكِ في مبنى المقر … أي مبنى … وأي مقر؟
لقد فحصنا المبنى كله فلم نجد به أحدًا … ولم نجد إلا …
وقاطعته «ريما» قائلة: لا داعي لأن تحكي الآن وأخبرني هل رأيت «أحمد»؟
نظر «عثمان» إلى جواره وقال: نعم … إنه بجواري، أي فوق سطح المبنى.
ريما: وأنا معي «إلهام» وسأتصل بكما بعد دقائق.
كان «أحمد» يجلس مستندًا على البرج الذي يحمل الكشَّاف … ممسكًا بمسدسه … وقد فكَّك أجزاءه وشرع في تنظيفه … عندما قال «عثمان» وهو يهم بالجلوس إلى جواره: إنها «ريما».
انشغل «أحمد» بتنظيف المسدس وقال يسأله: وأين هي؟
قال «عثمان» في لهجة تعجب: هي تقول إنها في المقر!
وبدهشة سأله «أحمد»: أي مقر؟!
عثمان: مقر المنظمة.
اعتدل «أحمد» في جلسته وسأل بلهجة جادة قائلًا: أية منظمة؟
فقال «عثمان» بنفاد صبر: منظمتنا يا «أحمد» … منظمة الشياطين.
اعتدل «أحمد» مرة أخرى في جلسته، وقال يسأله: وأين نحن إذَن؟
أشاح عنه «عثمان» وهو يقول: لا أعرف!
انتفض «أحمد» واقفًا وصاح يقول له: كيف لا تعرف … ألم ترَ معي غُرف المبنى … أليس هو مبنى المقر؟
فقال «عثمان» يُحذره: اخفض صوتك ولا تُعرضنا للخطر.
ازداد انفعال «أحمد» وعاد يسأله قائلًا: أي خطر أيها الشاب … إن الخطر الحقيقي هو ما تتحدث به الآن … أتعرف معنى أن تشُك في عقلك ولا تعرف أين أنت، ولا تعرف كيف تحدِّد هدفك … لأنك لا تعرف لك هدفًا؟!
أشار له «عثمان» بيده ليكف عن الكلام وسمعه وقال له: أعرف أن هدفي هو رجال «سوبتك» ولكني أقول لك ما قالته «ريما».
أحمد: وكيف تأكدت أن المبنى الذي تتحدث منه هو مقرنا؟!
قال «أحمد» ذلك ثم جلس مرة أخرى بجوار «عثمان» وقال له: معنى ذلك أنها موجودة الآن في مبنى يشبه مبنانا وبه نفس الأثاث.
وهنا قاطعه «عثمان» قائلًا: أي أثاث يا «أحمد»؟ هل رأيت اليوم في هذا المبنى أي أثاث نعرفه أو رأيناه من قبل؟
صمت «أحمد» للحظات ثم قال: لا يا «عثمان» لا … ما رأيته من أثاث هنا … لم أرَه من قبل … وظننتُ أنها تجديدات قامت بها المنظمة.
من هنا التقطه «عثمان» وقال له: معنى هذا أن «ريما» رأت ما هو أصدق مما رأيناه.
أحمد: تقصد أن يكون المبنى الآخَر به أثاث المنظمة المعروف والذي رأيناه به منذ شهور عندما كنا هنا في «هايدلبرج»؟
عثمان: نعم.
أحمد: ولكني دخلت هذا المبنى ببطاقتي الأمنية!
عثمان: لم يحدث.
فقال «أحمد» محاولًا إخفاء ثورته: كيف يا «عثمان»؟
عثمان: لقد احتجت لاستعمال شريط تفجير لتتمكن من دخول المقر.
أحمد: ولكن الباب لم ينفتح إلا بالبطاقة الأمنية.
عثمان: أي بطاقة مغناطيسية تُوضع فيه بعد الذي حدث له كانت ستفتحه!
أحمد: وماذا يعني هذا؟!
عثمان: معناه أننا لسنا في مبنى المقر!
أصبح هذا الاحتمال غير بعيد عن ذهن «أحمد» ففي داخله كان يشعر أنه غريب عن هذا المكان وشعر أنه يحتاج لأن يحادث «ريما» و«إلهام» وكأنما شعرا هما بذلك … فلم تمضِ لحظات إلا وتلقَّى اتصالًا من «ريما» فطلب من «عثمان» أن يرد عليه، فيداه مشغولتان … وبالفعل فتح «عثمان» الخط قائلًا: «ريما» … هل المبنى الموجودة به أنتِ الآن به أي اختلاف عن مبنى المقر القديم؟
ريما: لا … لماذا يا «عثمان»؟
عثمان: لأن المبنى الذي اقتحمناه أنا و«أحمد» يختلف كثيرًا عنه رغم وجود تشابه بينهما.
ريما: وكيف دخلتماه؟!
عثمان: بشريط تفجير!
ريما: إذَن كيف لم تعرفوا أنه ليس المبنى؟
عثمان: لأننا ظننا أن من اقتحموه غيروا من شفرته الأمنية … فقد وجدنا فتحة إدخال البطاقات الأمنية في نفس المكان بجوار الباب مثلما في مقرنا.
ريما: إذَن عليكم مغادرة المكان فورًا قبل عودة أصحابه، فقد يكون خاصًّا بجهة أمنية أو مخابراتية. نحن في انتظاركما فلا تنتظرا أكثر من هذا … بعدما انتهى اتصال «ريما» … أخبر «أحمد» عن كل ما دار … إلا أن «أحمد» أبى مغادرة المكان إلا بعد فحص غُرفه جيدًا … ومعرفة لمَن يكون. غير أن اتصالًا من رقم «صفر» جعله يُغير رأيه … فقد قال له: أولًا: هذا المبنى مبنى هيكلي … أي نحن قد بنيناه في هذا المكان للتمويه … وها هو يُقتحم مرتين في يوم واحد.
أحمد: أهناك مَن اقتحمه غيرنا؟
رقم «صفر»: نعم … فبعد أن ترككم سائق السيارة الذي عبر بكم الحدود من «سويسرا» سار خلفكم وعرف إلى أين تذهبون … وبالطبع أبلغ «زائيفي» الذي تحرى عن المباني المجاورة … وعرف أن هذا المبنى بالذات مملوك لشخص غير ألماني … فأمر رجاله باقتحامه. ألم أقُل إنه يبحث عن أعوانكم وزملائكم.
أحمد: إذَن أين الكلب الذي قابلناه من قبل؟