اختطاف الهليكوبتر!
استجاب رقم «صفر» لرغبة الشياطين في الإجابة عن كل الأسئلة التي تدور بذهنهم، وأخبرهم أن الكلب خرج في مهمة رسمية … وهنا فجَّر «أحمد» سؤاله القنبلة حيث قال له: لماذا شنقتموه يا زعيم؟!
انزعج رقم «صفر» وسأله قائلًا: هل وجدتم أحدًا مشنوقًا؟
أحمد: إنها دُمية وجدناها مُعلقة في السقف وبها قنبلة.
رقم «صفر»: ليس هذا أسلوبنا إنها حيلة من حيلهم.
أحمد: معنى هذا أنهم يعلمون أننا في «ألمانيا»؟
رقم «صفر»: ويظنون أن هذا مقركم … وتركوا لكم هذه الدُّمية لإخباركم بذلك … ولجئوا إلى هذا الأسلوب لإظهار مدى دمويتهم وقدرتهم على القتل والتدمير.
أحمد: أي يقصدون إرهابنا؟
رقم «صفر»: نعم.
أحمد: إنه أسلوب صبياني!
رقم «صفر»: حقًّا … ولكن متى ستأتون إلى المقر؟!
كان لدى «أحمد» سؤال آخَر، لذا وبدلًا من الإجابة على سؤال رقم «صفر» … طرح هو سؤاله قائلًا: لماذا لم يستجب جهاز فتح الباب لبطاقتي الأمنية؟
رقم «صفر»: لأنه لا يفتح ببطاقات مغناطيسية.
ضحك «أحمد» ساخرًا من نفسه … ثم قال لرقم «صفر»: هل نتحرك الآن؟
رقم «صفر»: نعم … وسأغادر أنا … إلى اللقاء.
دقائق مَضَت قبل أن يتحرك الزميلان لمغادرة سطح المقر الهيكلي … وقبل أن يبلغا سلم النزول … رأيا سيارة دفع رباعي «مرسيدس» سوداء تخرج من باب المقر فعرفا أنه رقم «صفر» فتابعت عيونهما سيارته إلى أن اختفت في الظلام فانتبها إلى صوت محرك هليكوبتر يقترب منهما … وشعاع كشَّافَين ينطلق من أسفلها … فيبدِّد ظلمة المكان حولهما … فانبطح كلٌّ منهما في مكان بعيد عن الآخَر لكيلا يكتشفهما مَن بالطائرة … فدارت أضواء الكشَّافَين تمسح سطح المقر بحثًا عنهما … وهما يتقلبان ذات اليمين وذات اليسار لتفاديها … وصاح «عثمان» يقول ﻟ «أحمد»: إنهما يبحثان عنا.
فقال له: وهو يحاول الاختباء خلف درج الكشَّاف دون أن يروه: وكيف عرفوا أننا هنا؟!
تلوَّى «عثمان» كالدودة حتى وصل إلى برج الاتصال فاختبأ خلفه، وصاح يقول ﻟ «أحمد»: هناك مَن يراقبنا من حديقة المقر.
زادت ضوضاء محرك الهليكوبتر … فأخفت صوت الطلقة التي خرجت من ماسورة بندقية تطل من نافذتها … فأصابت الكشاف القابع مظلمًا أعلى البرج … فتهشم زجاجه … وسقط شظايا على رأس «أحمد» الذي رفع يدَيه ليتحاشاه … في نفس اللحظة أرسل «عثمان» أول طلقة من سلاحه الآلي فأصابت أحد كشَّافَي الطائرة غير أنها لم تكُن إصابة بالِغة … فقد ظلَّ الكشاف مضيئًا.
وبالطبع كانت هذه طلقة استكشاف أعقبها دفعة من عدة طلقات في نفس الاتجاه مع تعديل بسيط في زاوية الانحراف … تسببت في تهشيم أحد الكشَّافَين ودارت الطائرة دورة مجنونة حول نفسها … ثم خرجت من مسارها لتدور حول سطح المقر الهيكلي … ولم يكُن الشيطانان أقل منهم ذكاءً … فقد دارا حول البرجَين اللذين يحتميان بهما … وتواجهوا للمرة الثانية «أحمد» و«عثمان» والطائرة … مع اختلاف بسيط … فهذه المرة كان «أحمد» قد التقط بندقيته وصوبها إلى زجاج الطائرة الأمامي.
وكأنهم رأوه … فقد دارت الطائرة مرة أخرى حول نفسها … وقبل أن تستقر مُحلِّقة في مكانها … كانت ترسل دفعة رشاش … أصابت عنق الكشاف … فسقط مُحلقًا في الهواء … وقبل أن يصطدم برأس «أحمد» كان «أحمد» قد خرج من مكمنه خلف البرج.
كان هذا ما يريده الجبناء … فقد انهالت عليه من أركان الطائرة الأربع طلقات يعلو صوتها على صوت هدير محرك الطائرة.
وسقط «أحمد» يتخبط من هول الصدمة، وكان سقوطه سبب نجاته فقد مرت الرصاصات تدوي من فوقه وتصطدم ببرج الكشاف فتطن في أصوات متتابعة تتابع الطلقات وحسمت المعركة … دفعة الطلقات الثانية التي أطلقها «عثمان» على كشاف الطائرة الآخَر … فأظلمه للأبد … وسقط زجاجه شظايا في الهواء.
جُن جنون مَن بالطائرة … لم يرتضوا بهذه النتيجة … وعلى ضوء كشَّاف يدوي قفز منها أربعة رجال بالمظلات … في حماية وابل من الرصاص يفرش سطح المقر كله … كانت «ريما» و«إلهام» تتابعان ما يجري من مكمن فوق سطح المقر الرئيسي … وكان حماس «ريما» للاشتراك في التصدي لهؤلاء الهابطين من السماء في المظلات سببًا في إثارة أعصاب «إلهام» التي قالت لها: احذري يا «ريما» فقد يكتشفون وجودنا.
ريما: وهل نترك «أحمد» و«عثمان» لمواجهة أربعة رجال يحميهم مثلهم في الطائرة؟!
إلهام: تعرفين أن بإمكانهما مواجهتهم، وقد نتدخل ولكن ليس الآن.
وفي انفعال قالت «ريما»: متى إذَن يا «إلهام»؟!
إلهام: عندما يكون هناك خطر على حياة زميلَينا.
ريما: ولكنهما في خطر!
وهنا قالت «إلهام» في نفاد صبر: المقر هو المُعرَّض الآن للخطر بسبب ما تفعلينه.
لم تُعلِّق «ريما» على ما قالته «إلهام» التي توقفت فجأة عن الكلام … وكان السبب هو انتقال الطائرة الهليكوبتر من موقعها فوق المقر الهيكلي إلى أجواء المقر الرئيسي … وأخذت تدور حول نفسها لدقائق قبل أن تهبط على أكثر المساحات اتساعًا على سطحه … وقبل أن يهبط من بها كانت «ريما» ومعها «إلهام» قد هبطتا إلى قبو المقر فحصلتا على أسلحة آلية … وعادتا واتخذتا موقعًا بأعلى السلم الداخلي … يكشف سطح المقر … ومنه اكتشفتا أن مَن بالطائرة هبطوا بها في هذا الموقع ليشتركوا في الصراع الدائر بين رجالهم وكلٍّ من «أحمد» و«عثمان»، وأنهم جميعًا يقفون خلف السور الأمامي المواجه لسطح مبنى المقر الهيكلي.
تبادلت الشيطانتان نظرات تفاهُم واتفاق وأخيرًا، إشارة بدء التنفيذ … لقد اتفقتا على اختطاف الطائرة القابعة في الظلام … خالية من ركابها … دائرة المحرك … تنتظر مَن يُحلق بها … لقد اتفقتا على أن تُحلقا بها وتحسما المعركة من السماء وما إن أشارت «إلهام» برأسها … حتى انطلقت «ريما» تقفز كالفهد درجات السلم المتبقية لبلوغ السطح شاهرة بندقيتها … ومن خلفها «إلهام» تقبض هي الأخرى على مدفع رشاش لتحمي ظهرها.
لم يشعر أحد بهما … فصوت هدير مروحة الهليكوبتر كان عاليًا.
لم يشعر أحد بهما إلا عندما زادت سرعة المروحة وزادت ضوضاء هدير المحرك فاستدارت فوهة بندقية في يد أحد الرجال إليهما … فأسقطتها «ريما» بطلقة أصابت ذراع الرجل … في الوقت الذي كانت «إلهام» تحرِّك عصا توجيه الطائرة إلى تجاه الصعود … لقد صعدت الطائرة … وانطلقت الرصاصات من حولها مجنونة.
لقد جُن جنون الرجال على سطح المقر … وعلى سطح المقر الهيكلي.
وقد ضحك «عثمان» طربًا لما آلَ إليه رجال العصابة … الذين آثروا أن ينهوا المعركة لصالحهم بهذا العدد الكبير من الرجال … وهذه الأسلحة الحديثة التي يستخدمونها … فسخر منهم ذكاء الشياطين. وحوَّلَهم إلى فئران مذعورة تجري هنا وهناك.
لقد انطلقت رصاصات «ريما» و«إلهام» تفرش سطح المقر … وتعربد بين أقدام الرجال فتعلو صرخاتهم … ومن وسط هذا الضجيج صاحت «إلهام» تقول ﻟ «ريما»: حاولي أن تمنعيهم من الاقتراب من سلم النزول حتى لا يدخلوا المقر.
فقالت «ريما» بصوت عالٍ ليمكنها سماعها وسط هدير المحرك: أنا أريدهم أن يدخلوا المقر.
إلهام: لماذا؟!
ريما: إن لنا رجالًا في المقر الآن.
إلهام: تقصدين أن يقبضوا عليهم؟!
ريما: نعم.
إلهام: أنا لا أراها فكرة صائبة.
ريما: لماذا؟!
إلهام: لأنهم سيعرفون شيئًا عن المقر … وقد يجرهم هذا الشيء لأشياء كثيرة وخطيرة.
ريما: إذَن نقضي عليهم!
إلهام: لا قتل إلا في الضرورة.
وفجأة صرخت «ريما» … فقد أمسكت بساقها يدٌ بشرية … فرفعت ساقها وجذبتها محاولة التخلُّص من هذه القبضة فلم تتمكن … بل وجدت نفسها في الطريق للسقوط من الطائرة … فالقبضة قد جذبت ساقها إلى خارجها، إنها قبضة قوية لرجل قوي وصرخت تستنجد ﺑ «إلهام» قائلة: سأسقط يا «إلهام».
جزعت «إلهام» … واتخذت قرارها سريعًا بالهبوط بالطائرة … وصرخت «ريما» تمنعها قائلة لها: لا يا «إلهام» إن هبوطنا سيقضي علينا.
ودوت رصاصة بجوار الطائرة جعلت الرجل يصرخ قائلًا: لا تطلقي النار ستُصيبينني.
غير أن الطلقات لم تنقطع … وارتطمت إحداها بريشة المروحة، فقفزت عائدة لتُصيب الرجل في قدمه … فعاد يصرخ فيها قائلًا: لا تطلقي النار … سأموت!
رأت «إلهام» أنها فرصتها للتخلص من هذا الرجل … فدارت بالطائرة وجعلته في مواجهتهما.
فصاحت «ريما» تقول: لا يا «إلهام» فقد يصيبونني.
فقالت «إلهام» في ثقة: لا تخشي شيئًا … سأنهي هذا الموقف.
وفي حركة مفاجئة. انطلقت بالطائرة فوق البرج الذي كان يحمل الكشاف … وجعلت الرجل يحتك به بقوة … فلم يتمالك نفسه … وتخاذلت قبضتاه … فسقط يصرخ … حتى ارتطم بالأرض!
كان الفزع قد تمَلَّك من كلِّ رجال العصابة … على سطح المقر الهيكلي وعلى سطح المقر الرئيسي … وبالطبع كانت فرصة جيدة ﻟ «أحمد» و«عثمان» ليحسما المعركة مع رجال المظلات الذين هبطوا عليهما من الطائرة … وكانت الخطوة التالية بالطبع هي معاونة «إلهام» و«ريما» في القبض على بقية رجال العصابة … فهبطا الدرج سريعًا إلى حديقة المقر الهيكلي ومنه انتقلا بمهارة إلى المقر الرئيسي … وقبل أن يتجاوزا حديقته … شاهدا جثثًا تطير في الهواء … وتستقر على أرض المقر.
بالطبع كان هذا وضعًا خطيرًا … فالأجهزة الأمنية الآن في طريقها إليهم بعد كل ما أحدثوا من ضوضاء … فقام «أحمد» باختراق كل المحاذير الأمنية … والاتصال برقم «صفر» فحكى له سريعًا ما جرى … وطلب منه التصرف.
ولم تمضِ غير بضع دقائق عندما أحاطت بمبنى المقر الهيكلي … سيارات الإسعاف والشرطة والمطافئ … وكان الشياطين قد نقلوا كلَّ الجثث لحديقة هذا المقر … أما الطائرة فقد طارت بها «إلهام» بعيدًا … إلى منطقة غابات على أطراف «هايدلبرج» وعادت إلى المقر هي و«ريما» في سيارة أجرة.
كانت المعركة شرسة، وكانت النتيجة المطلوبة هي القبض على «زائيفي» … غير أنهم لم يجدوا «زائيفي» وسط مَن قتلوهم، وللأسف لم يقبضوا على أحد حي … ليستخدموه في الإرشاد عن رجالهم في «هايدلبرج» … أو الإدلاء بمعلومات قد تفيدهم في استكمال العملية حتى يقبضوا على «زائيفي».
و«زائيفي» لم يكُن بين هؤلاء المرتزقة لأنه رجل لا يحارب بيدَيه … إنه يخطِّط ويدير من مكمنه وكما قالت «ريما» لهم: إنه لواء سابق … ورجل علوم عسكرية … ومثله قليل … أما هؤلاء المساكين فهم يُقتلون ويموتون مقابل المال!
ومن على أحد المقاعد الوثيرة قال لها «عثمان» يداعبها: أرى أنكِ تُعجبين به!
ريما: بمَن؟!
عثمان: باللواء متقاعد «زائيفي».
وهنا صاح «أحمد» قائلًا: هناك مَن هرب من رجالهم إلى داخل المقر.