رقم «صفر» مرة أخرى!
أحمد: نعم … هناك من دخل غرفة رقم «صفر».
عثمان: كيف عرفت؟
أحمد: لقد سمعت صوتًا لحظيًّا خرج من سماعة الإذاعة الداخلية.
نظرت له «ريما» في تساؤل ثم قالت: أتراه يفضح نفسه؟
في هذه اللحظة خرج صوت صريح وواضح من السماعة يسأل «ريما» قائلًا: من هذا الذي سيفضح نفسه؟
وفي سعادة قالوا جميعًا: رقم «صفر»؟!
فقال لهم في ودٍّ خالصٍ: نعم … لقد أبليتم بلاءً حسنًا … وهي خطوة جيدة في طريقكم للقبض على «زائيفي» فقد عرف الرجل قدركم … وأصبح يُدرك أن المعركة معكم لن تكون نزهة كما كانوا يظنون … لقد قتلتم الكثير من رجالهم … واستوليتم على طائرتهم … التي لا أعرف أين هي؟
إلهام: إنها «هايدلبرج» في إحدى الغابات على مشارف «هايدلبرج».
قال رقم «صفر» في سعادة: عظيم يا «إلهام» ستغادرون «ألمانيا» إلى «فرنسا» جوًّا … وتذهبون إلى «أنماس» من هناك.
وهنا صاحت «ريما» في دهشة تقول: الطائرة مرة أخرى يا زعيم؟
رقم «صفر»: هذه المرة ستكون طائرة خاصة بنا.
أحمد: هل سنسافر الآن؟!
رقم «صفر»: لا … غدًا صباحًا … فأنتم الآن مرهقون … ولا تبيتوا هنا الليلة. فهناك فندق بالقرب من المطار. تم حجز غرف لكم به بأسماء مستعارة من ملف خمسة … ستمر عليكم سيارة أُجرة وتتوقف أمام الباب الخلفي لحديقة المقر في تمام الساعة الواحدة صباحًا … سيسلمكم السائق جوازات سفركم الجديدة، وأجهزة محمول متطورة ذات أرقام كودية وبعض الفرنكات.
صاحت «ريما» قائلة: بعض؟!
ضحك رقم «صفر» وعاد يقول: أقصد الكثير من الفرنكات … ولا تخشي شيئًا يا «ريما» … فسيسلمكم بطاقات صرف آلي دولية … يمكنكم السحب بها على ماكينات صرف النقود وأيضًا شراء ما تريدون … واتخذ صوته طابع الجدية وهو يقول لهم: في إحدى بنايات الحي اللاتيني لنا شقة. ستمرون عليها للحصول على أسلحتكم الشخصية ومزيد من المعلومات … ستمضون بهذه الشقة يومَين قبل أن تتحركوا إلى أطراف «فرنسا» حيث ستعبرون الحدود إلى «سويسرا» وبالتحديد قرية «أنماس» … أرض العملية … عنوان هذه الشقة سيكون ضمن الأوراق التي سيسلمها لكم السائق … برجاء تخزين كل المعلومات على ساعاتكم في شريحة ذاكرة منفصلة … والاحتفاظ بهذه الشريحة في جراب الساعة.
وهنا سألته «إلهام» في ودٍّ بالِغ: هل سنراك في «فرنسا» يا زعيم؟
ابتسم الزعيم وهو يقول: لن تروني لا في «فرنسا» ولا هنا ولا في «مصر».
ضحك الشياطين … قبل أن يكمل رقم «صفر» قائلًا: أنا سأبقى في «ألمانيا» … فلديَّ عمل كثير … وفقكم الله!
تبادل الشياطين النظرات للحظات قبل أن يصيح «عثمان» قائلًا: لقد نسيت أن أسأل رقم «صفر» سؤالًا خطيرًا.
وفي لهفة سألته «ريما» قائلة: وما هو؟!
عثمان: هل يوجد طعام للعشاء أم لا؟!
ضحكوا جميعًا في سعادة … وصدَّق «أحمد» على كلامه قائلًا: لك كل الحق في أنه أخطر سؤال الآن.
وانطلق «عثمان» إلى المطبخ وهو يقول: وأنا مَن سيجيبكم عليه.
ولأنهم جميعًا كانوا في شدة الجوع … فقد انطلقوا تباعًا إلى المطبخ … وتعاونوا في إعداد عشائهم … وما إن انتهوا من إعداده حتى كانوا قد انتهوا من تناوله … فقد كانوا يأكلون كل ما يعدونه أولًا بأول.
وخرجوا سويًّا يحملون أكواب الشاي الساخنة … والتي لم تعُد ساخنة بمجرد أن خرجوا بها من المطبخ … فقد كان الجو غاية في البرودة … مما دفع «عثمان» لاقتراح إدارة التكييف دورة ساخنة، وهنا اعترضت «ريما» قائلة: سيكون هذا ضارًّا بنا جدًّا لأننا سنخرج إلى الشارع خلال ساعات.
عثمان: إننا سنركب السيارة.
أحمد: تحمَّل البرد قليلًا … بدلًا من معاناة المرض طويلًا.
كان الشياطين منهكين … وكانوا في حاجة ماسة للنوم … غير أن النوم الآن وحتى الساعة الواحدة ميعاد مغادرتهم للمقر … سيزيدهم شعورًا بالبرد والإرهاق … لذلك كان الحل هو اللجوء إلى البديل الأمثل … الاسترخاء.
وقال لهم «أحمد» وهو في هذه الحالة: أتعرفون أن كثيرًا من قادة الجيوش أثناء الحرب العالمية الثانية كانوا يلجئون للاسترخاء بديلًا عن النوم.
فقال «عثمان» وهو شبه نائم: في الحرب العالمية الثالثة لن يجدوا لا نومًا ولا استرخاءً.
فسألته «إلهام» وقد أعجبتها الدُّعابة: لماذا يا «عثمان»؟
عثمان: لأنه لن يكون هناك حرب عالمية ثالثة!
أحمد: صدقت … لن تكون حربًا … بل دمارًا عامًّا متبادلًا.
مرَّ الوقت سريعًا. وقبل الواحدة بدقائق كان السائق يجلس خلف عجلة سيارة الأجرة أمام الباب الخلفي للمقر.
وعند تمام الواحدة … كان الشياطين يغادرون المقر ومعهم حقائبهم … ويركبون السيارة ويغلقون أبوابها.
وبعد نظرة سريعة على الطريق قال «أحمد» للسائق: ما اسمك؟
الرجل: «شمث».
أحمد: هل أنت ألماني؟
الرجل: نعم … من «بافاريا».
أحمد: أرجو أن تتحرك.
انطلق الرجل بالسيارة بنعومة أثارت إعجاب الشياطين … وكان ﻟ «إلهام» سؤال مهم يشغلها فقالت له: هل تعرفنا؟!
السائق: نعم … فأنا زميل لكم.
تنفسوا جميعًا بعمق … وعاد الرجل يقول لهم: إن لكم عندي بعض الأوراق.
وعلَّقَت «ريما» تُداعبه قائلة: وبعض الفرنكات!
قال «شمث» وقد بدا الصدق في صوته: أنا لا أعرف أكثر من أنها بعض الأوراق.
قال هذا ومدَّ يده بحقيبة جلدية صغيرة إلى «أحمد» الذي كان جالسًا بجواره … فأخذها منه … وأخرج ما فيها … وسَلَّم كلَّ واحد منهم ما يخصه.
فقالت «ريما» تُعلق على ما يحدث: من الأفضل أن يتم هذا في الفندق يا «أحمد».
وهنا تدخَّل «شمث» قائلًا: ما يفعله السيد «أحمد» هو الصواب … لأنكم في حاجة لجوازات سفركم في مكتب استقبال الفندق.
ابتسم «أحمد» موافقًا على ما يقوله «شمث» مع أمنيات بلقاء آخَر … ثم دخلوا تباعًا إلى الفندق وليس شيء في خاطرهم إلا النوم … فهم في حاجة إليه بعدما مرُّوا به اليوم وقبل ما سيبدءونه غدًا … كانت الساعة قد قاربت الثانية صباحًا حين استسلموا جميعًا للنوم … مستغرقين في عمق سحيق … ومع ذلك وفي تمام الساعة السادسة صباحًا … استيقظوا كعادتهم نشِطين فساعاتهم البيولوجية، قد تم ضبطها بالتمرين الطويل.
ولأن رقم «صفر» يعرف ذلك جيدًا … فقد حدَّد لهم ميعاد السفر في تمام السابعة، ولأن المطار كان قريبًا من الفندق … لم يستغرقوا وقتًا في الوصول إليه … وكذلك لم يستغرقوا وقتًا في الوصول إلى مطار «شارل ديجول، بباريس» وهناك لم يجدوا أحدًا ينهي لهم إجراءات دخول «فرنسا» … فقد كان عليهم دخولها كطلبة دراسات عُليا لتكنولوجيا المعلومات … لا أعضاء منظمة أمنية دولية مهمة.
ولم تستغرق إجراءات الدخول وقتًا … فالنظام هنا صارم … والوقت له ثمن.
وخارج المطار استوقفوا تاكسيًا وطلبوا منه التجول لبعض الوقت في شوارع العاصمة الجميلة فهم في شوق لشارع «الشانزليزيه» و«قوس النصر» وحدائق «لافايت» وغيرها الكثير من معالم «باريس» الرائعة … وهنا تدَّخل «أحمد» قائلًا: سنتناول إفطارنا في مطعم «جون فيرن» أولًا … ثم نتحرك من هنا.
سكت الجميع ولم يُعلِّق أحد على ما قاله … ففهم السائق أن عليه أن يتوجَّه بهم إلى برج «إيفل» حيث يقع المطعم في الطابق الثاني.
رغم أن سكوتهم يعني موافقتهم على ما قرره «أحمد» … إلا أن أسئلة كثيرة جالت بخاطرهم ولهم الحق في ذلك … ألم يطلب منهم رقم «صفر» التجول بحرية في «باريس» لمدة يومين قبل الانتقال إلى «أنماس» … لماذا إذَن اتخذ «أحمد» هذا القرار بالتوجه مباشرة إلى برج «إيفل»؟!
وكان هذا السؤال هو أول الحديث عندما جلسوا يتناولون الإفطار في أشهر برج في العالم، فقال لهم «أحمد»: قد نتحرك اليوم إلى «أنماس».
عثمان: لماذا؟
أحمد: لقد أثار «زائيفي» ما جرى لرجاله في «هايدلبرج» … وبدأ يتخذ قرارات عصبية تصل إلى حد عمليات التخريب.
إلهام: تخريب ماذا؟
أحمد: تخريب منشآت حكومية على الأراضي العربية … وضرب مصالح أجنبية فيها كالسفارات ومكاتب التمثيل التجاري وغيرها من المنشآت الحيوية.
ريما: والمطلوب سرعة مواجهته؟
أحمد: هو كذلك.
عثمان: علينا أن نتحرك الليلة.
ريما: في هذا الجو البارد؟!
عثمان: نحن جاهزون لكل الظروف … أليس كذلك؟
أجاب الجميع قائلين: نعم … دائمًا.
كان الطريق إلى «أنماس» تغطيه الثلوج … وكانت السيارة التي تقل الشياطين ذات دفع رباعي … ورغم ذلك فقد قاست كثيرًا في هذا الطريق … ذلك لأن الثلوج زاد ارتفاعها على الطريق عن المتر … وأصبحت حركة السيارات عليه مستحيلة، وكان عليهم انتظار كاسحات الثلوج … لتُخلي لهم الطريق … ولم يكُن هذا حالهم وحدهم … بل كان حال كثير من أصحاب السيارات.
معنى هذا أننا سنبيت في السيارة؟!
هذا ما قالته «إلهام».
فقال «أحمد» في استسلام يجيبها: نعم … وليس لدينا حل آخَر.
ريما: وهل هناك حل لهذا البرد الذي أشعر به؟
أحمد: نعم … اشربي شايًا دافئًا.
وهنا صاحت «إلهام» قائلة: قدماي لا أشعر بهما.