الكتاب الثامن
(٨-٢) في كل فعلٍ تهم به اسأل نفسك: «هل يلائمني ذلك؟ هل سأندم عليه؟ لسوف أموت بعد بُرهةٍ وينقضي كل شيء. ماذا أطلب أكثر إذا كان هذا العمل الذي أُؤدِّيه هو عمل كائنٍ عاقلٍ واجتماعي، يشارك اللهَ قانونًا واحدًا؟»
(٨-٤) حتى لو انفَجرتَ من الغيط فسوف يمضون على سنتهم ويعملون على شاكلتهم.
(٨-٥) قبل كل شيءٍ لا تبتئس، فكل شيءٍ يمضي وفق طبيعة العالم. وبعد برهةٍ ستكون لا شيء وفي لا مكان، مثلما هو الآن هادريانوس وأوغسطس. ثم انصرِف إلى عملك الذي تُؤدِّيه وانظر إليه ماذا يكون. وتَذكَّرْ أن واجبك أن تكون رجلًا صالحًا وتذكَّرْ ما يقتضيه ذلك. ثم امضِ في عملكِ لا تَلوي على شيء. وتحدَّث بما تراه الأصوب. على أن تفعل ذلك دائمًا برفقٍ وتواضُع وبغير رياء.
(٨-٧) كل كائنٍ حيٍّ قانعٌ بنفسه إذا هو اتبع الطريق الصحيح لطبيعته. والطريق الصحيح للطبيعة العاقلة هو ألَّا تُسايِر أي شيءٍ زائفٍ أو مبهمٍ فيما ينطبع على عقلها، وأن تُوجِّه نزعاتها إلى الفعل الاجتماعي وحده. وألَّا ترغب أو تتجنَّب إلا في حدود قُدرتها، وأن ترضى بكل ما قَسمَته لها طبيعة العالم؛ ذلك أنها جزءٌ من طبيعة العالم، مثلما أن طبيعة الورقة جزءٌ من طبيعة النبات؛ عدا أن طبيعة الورقة تفتقر إلى الإدراك أو العقل، وأنها عُرضةٌ للإعاقة. أما طبيعة الإنسان فهي جزءٌ من طبيعةٍ غير معاقة، طبيعةٍ عاقلةٍ وعادلة؛ فهي تُقدِّر لكل كائنٍ قَدْره العادل من الزمن والمادة والصورة والنشاط والخبرة، ولكن هيهاتَ أن تجد تَناظُر واحدٍ لواحدٍ بين كل شيءٍ وضريبه من الأشياء، بل ستجد بالأحرى تكافؤًا كليًّا بين هذا الشيء وذاك في جملتهما وعمومهما.
(٨-١٥) أعجيبٌ أن تُنبِت شجرة التين تينًا؟ فأيُّ عجبٍ في أن يُنتِج العالم هذه الأشياء أو تلك مما هو مُنتِجُه؟ أَيَعجبُ الطبيب لحُمَّى مريضٍ، أويعجب القبطان لريحٍ معاكسة؟
(٨-١٦) تذكر أن تغييرك لرأيك أو قبولك لتصويبٍ يأتي من غيرك هو شيءٌ يتسق مع حريتك قدْرَ اتِّساقِ عنادك وإصرارك على خطئك؛ فالفعل فعلك، تحثه رغبتك أنت وحكمك، وفهمك في حقيقة الأمر.
(٨-١٧) إذا كنت مخيرًا في هذا الشيء فلماذا فعلته؟ أما إذا كان غيرك هو المُخيَّر فيه فمن تُراك تلوم؛ الذرات (المصادفة) أم الآلهة؟ كلاهما حماقة؛ فلا محل للوم، بل قَوِّم هذا الفاعل إن استطعتَ، فإذا لم تستطع فقَوِّم الشيء على الأقل. فإذا لم تستطع فأي هدفٍ يُحقِّقه اللوم؛ إذ كل فعلٍ ينبغي أن يتم لهدف.
(٨-١٨) كل ما مات لا يسقط خارج العالم، بل يبقى هنا ويتغيَّر، وهنا أيضًا يتحلل من مُكوِّناته الصحيحة التي هي عناصر العالم وعناصرك. هذه أيضًا تتغيَّر ولا تتذمَّر.
(٨-٢٠) تُقيِّض الطبيعة لكل شيءٍ نهايتَه مثلما تُقيِّض له بدايته ودوامه. الأمر هنا أشبه برجلٍ يقذف كرةً إلى أعلى؛ فأيُّ فضلٍ للكرة إذ تُقذف إلى أعلى، وأي ضيرٍ عليها إذ تهبط إلى أسفلَ أو حتى إذ ترتطم بالأرض؟ أي خيرٍ للفُقاعة إذ تنتفخ، وأي شرٍّ إذ تنفجر؟ الشمعة أيضًا شأنها شأن الكرة وشأن الفقاعة.
(٨-٢١) قلِّبَ الجسد ظهرًا لبطن، وانظُر أي صنفٍ من الأشياء هو، أي صنفٍ من الأشياء إذ يكبر، وأي صنفٍ إذ يمرض، وإذ يموت.
قصيرةٌ هي حياة المادحِين والممدوحِين معًا، الذاكرِين والمذكورِين. كل هذا في مُجرَّد ركنٍ من قارَّةٍ واحدة. وحتى هنا ليس الجميع في تناغُم بعضهم مع بعض، ولا حتى الفرد في تناغُم مع نفسه، والأرض بِرُمَّتها مجرد نقطةٍ في الفضاء.
(٨-٢٢) انصرف إلى المسألة التي أمامك، سواء أكانت رأيًا أم عملًا أم كلمة، إنك تستحق ما أنت فيه؛ لأنك اخترتَ أن تكون صالحًا غدًا لا أن تكون صالحًا اليوم.
(٨-٢٣) هل أنا فاعلٌ شيئًا؟ أفعله وعيني على خيرِ البشرية، هل أَلمَّ بي شيء؟ أتلقَّاه فأنسبه إلى الآلِهة وإلى المَصدرِ الكُليِّ الذي تصدُر منه الأشياء جميعًا مرتبطةً مُتواشِجة.
(٨-٢٥) دَفنَت لوكيلا فيروس، ثم ما لبِثَت لوكيلا أن ماتت ودفُنت. وسيكوندا دَفنَت ماكسيموس، ثم ماتت هي بدورها. كذلك إبيتينخانوس وديوتهوس، وأنطونينوس وفاوستينا. القصة هي القصة دائمًا وأبدًا. مشى كيلير في جنازة هادريانوس، ثم مضى فيما بعدُ إلى قبره. أين هم الآن، أين تلك العقول الذكية، سواء المُتنبِّئون أو المُتزمِّتون؟ لا شك أن خاراكس وديميتريوس ويودايمون وأمثالهم كانوا عقولًا ذكية، ولكن الكل زائل، والكل ميتٌ منذ زمان. البعض اختفى الآن حتى من الأسطورة.
إذن تذكَّرْ هذا؛ أن هذا المرُكَّب الهزيل، الذي هو أنت، لا بُدَّ أنه سوف يتبدَّد، أو أن روحك الضئيلة سوف تَبيد، أو ستُهاجر وتتخذُ مقامًا آخر.
(٨-٢٦) بهجة الإنسان أن يؤدي العمل اللائق بالإنسان. والعمل اللائق بالإنسان هو الإحسان إلى جنسه الإنساني، وازدراء نَزَغات الحواس، وتكوينُ حُكمٍ سليمٍ من الظواهر المقبولة، والتفكُّر في طبيعة العالم وكلِّ ما يجري فيه.
(٨-٢٧) لديك ثلاث علاقات؛ الأولى بالجسد الذي يُحيط بك، والثانية بالسبب الإلهي الذي يصدُرُ عنه كل ما يجري للبشر، والثالثة بِرفاقِك ومُعاصرِيك من الناس.
(٨-٢٨) إما أن الألم شرٌّ للجسد؛ إذن فلْتدَع الجسد يقول فيه ما يراه، وإما للروح، ولكن بوسع الروح أن تحتفظ بصفائها وسكينتها وألَّا تقيم الألم على أنه شر؛ لأن كل رأيٍ وحركة ورغبة ونفور هو في الداخل، حيث لا شرَّ يمكن أن يَبلُغ إليه.
(٨-٢٩) امحُ خيالاتك، بأن تقول لنفسك دومًا: «بمقدوري الآن أن أحفظ روحي بعيدةً عن أي رذيلةٍ أو انفعال، أو أي اضطرابٍ على الإطلاق، فأرى الأشياء كما هي في طبيعتها وأستخدم كلًّا منها بحسب قيمته.» تذَكَّرْ هذه القُدرة التي مَنحَتكَ إياها الطبيعة.
(٨-٣٠) عندما تتحدث في مجلس الشيوخ، أو إلى أي شخصٍ كان، كن جادًّا مستقيمًا غير مُتحذلِق. استخدم لغةً واضحةً تَنضَح بالصدق.
(٨-٣١) بلاط أوغسطس قيصر؛ الزوجة، الابنة، الأحفاد، أبناء الزوجة، الأخت، أجريبا، الأقارب، الأهل، الأصدقاء، أريوس، مايكيناس، الأطباء، العرافون؛ البلاط كله ميت، والتفِت الآن إلى الباقِين، غير ناظرٍ إلى موت إنسانٍ واحد، بل إلى موت أسرةٍ حاكمةٍ بأَسْرها، مثل آل بومبي. والتفِت إلى النقش الذي تراه على أحجار القبور: «آخرُ سُلالته.» تأمَّلْ كم اهتم السابقون بأن يتركوا وراءهم وريثًا على العرش، وكيف أن واحدًا لا بُدَّ من أن يكون آخرَ العائلة الحاكمة. هنا أيضًا انظر إلى موت عائلةٍ بأَسْرها.
(٨-٣٢) من واجبك أن تُنظِّم حياتك تنظيمًا جيدًا في كل فعلٍ مُفرَد، وأن تقنع إذا كان كل فعلٍ يُحقِّق هدفه على أفضل نحوٍ ممكن، وليس بمُكنةِ أحدٍ أن يحول بينك وبين تحقيق هذا الهدف.
– «ولكن عائقًا خارجيًّا ما سوف يقف في طريقي.»
– لا شيء سيقف في طريق الفعل العادل الرصين الحصيف.
– «ولكن ربما أُعيقَ أيُّ مصدرٍ آخرَ للنشاط.»
(٨-٣٣) بلا زهوٍ تَقبَّل الرخاء إذا أتى، وكن مستعدًّا لِفقدانِه إذا ذهب.
(٨-٣٥) مثلما أن طبيعة «الكل» هي مصدرُ جميع الملَكات الأخرى في كل مخلوقٍ عاقل فقد وهبَتنا هذه القدرة أيضًا — بنفس الطريقة التي تُحوِّل بها الطبيعة أي شيءٍ معيقٍ أو مُضاد إلى غرضها الخاص واضعةً إياه في المُخطَّط المقدور للأشياء وجاعلةً إياه جزءًا منها — كذلك بِوُسع الكائن العاقل أن يُحوِّل كل عائقٍ إلى مادةٍ لاستعماله الخاص، وأن يستخدمه لمصلحة غرضه الأصلي أيًّا كان هذا الغرض.
(٨-٣٦) لا تُزعِج نفسك بالتأمُّل في المشهد الكُلي لحياتك، لا تدَع فكرك يضم في آنٍ معًا كل ما أزعجك فيما مضى وكل ما يمكن أن يُزعجك فيما بعدُ، بل اسأَل نفسك في كل ظرف حاضر: «أي شيءٍ في هذا يفوق احتمالي وينوء بي؟» ولسوف تخجل من مثل هذا الإقرار. ثم ذكِّر نفسك أنه لا المستقبل ولا الماضي هو ما يثقُل عليك، بل الحاضر وحده، وكم يهون عبء الحاضر إذا أمكنك فقط أن تُحدِّده وتضعه في حجمه، وأن تُوبِّخ عقلك إذا كان يكِلُّ عن الصمود لشيءٍ مُخفَّف كل هذا التخفيف.
(٨-٣٧) ألا تزال بانثيا أو بيرجاموس تقعد عند قبر فِيروس؟ أو تجلس خابرياس أو ديوتيموس عند قبر هادريان؟ وا أسفاه. وإذا كُنَّ جالساتٍ هناك فهل يدري الموتى بذلك؟ وإذا كانوا يدرون فهل يسُرُّهم ذلك؟ وهل سرورهم يُخلِّد الباكِين على موتهم؟ أليس مصير هؤلاء أيضًا أن يكبَروا ويصيروا شيوخًا وشيخاتٍ ثم يموتون؟ وماذا عسى موتاهم السابقون أن يفعلوا عندئذٍ؟ الأمر كله عفنٌ وفسادٌ في كيسٍ من العظام.
(٨-٣٩) لستُ أرى في جِبلَّة الكائن العاقل فضيلةً مضادةً للعدل، ولكني أرى فضيلةً مضادةً للذة؛ وهي فضيلة الاعتدال.
(٨-٤٠) إذا نحَّيتَ حُكمَك على أي شيءٍ يبدو مُؤلمًا فأنتَ نفسُك ستكون مُحصَّنًا تمامًا من الألم.
– «نفسك؟ أية نفس؟»
– العقل.
– «ولكني لستُ مجرد عقل.»
(٨-٤١) إعاقة الإدراكات الحية شيءٌ مؤذٍ للطبيعة الحيوانية. وإعاقة الرغبات شيءٌ مؤذٍ بالمثل للطبيعة الحيوانية (شيءٌ آخر سيكون كذلك معيقًا ومؤذيًا لطبيعة النبات). يترتب على ذلك أن إعاقة العقل شيءٌ مؤذٍ للطبيعة العاقلة.
(٨-٤٢) ليس لديَّ ما يدعوني إلى إيلام نفسي؛ فأنا لم أَتعمَّد حتى إيلام شخصٍ آخر.
(٨-٤٣) تختلف المباهج من شخصٍ إلى آخر. أمَّا أنا فبهجتي في أن أحتفظ بعقلي المُوجِّه نقيًّا فلا أزدري أي إنسانٍ أو أي شيءٍ يحدث لإنسان، بل أَنظُر إلى كل شيء نظرة احتفاءٍ وأستخدم كل شيءٍ بحسبِ قيمته.
(٨-٤٤) اغتنِم اللحظة الحاضرة؛ فإن الذين ينصرفون عنها ابتغاءَ المجد بعد الموت لا يُقدِّرون أن الأجيال التالية سيكون بها أناسٌ يُشبِهون تمامًا أولئك الذين يُبغِضونهم الآن. وهؤلاء أيضًا سوف يموتون. وماذا يُجديك على كل حال إذا كان هؤلاء القادمون في مُقبِل الأيام يَلهَجون بهذا أو ذاك ويَرَون فيك هذا الرأي أو ذاك؟
(٨-٤٥) خذني وارمِ بي في أيِّ مكانٍ شئت؛ فأينما كنت فسوف أحفظ الجانب الإلهي مني سعيدًا؛ أي قانعًا، ما دام وِجداني وفِعلي يتبعان فطرته الخاصة.
هل هذا التغيُّر في المكان سببٌ كافٍ لأن تشقي نفسٌ ويسوء مِزاجها فتكتئب أو تتوق أو تنكمش أو تخجل؟ وهل ستجد في المكان الجديد أيَّ سببٍ يدعو إلى ذلك؟
(٨-٤٦) لا شيء يحدُث للإنسان خارج نطاق الخبرةِ الطبيعية للإنسان. كذلك الأمر في الثور فلا شيء في خبراته غريبٌ على طبيعة الثور، والكرمة لا شيء لديها غريبٌ على طبيعة الكرم، والحجر لا شيء لديه خارج خصائص الحجر. فإذا كان كل شيءٍ يخبر ما هو معتادٌ وطبيعي بالنسبة له ففيم تشكو؟ ما دامت طبيعة العالَم لم تجلب لك شيئًا فوق احتمالك.
(٨-٤٧) إذ كان بك كربٌ من شيءٍ خارجي فإن ما يكرُبك ليس الشيء نفسه بل رأيك عن الشيء؛ وبِوُسعِك أن تمحو هذا الرأي الآن. فإذا كان ما يكربك هو شيء في موقفك أنت فمن ذا الذي يمنعك من أن تُصحِّح رأيك؟ وحتى لو كنتَ محزونًا لأنك لا تُحقِّق شيئًا مُعيَّنًا ترى أنه ذو فائدة، فلماذا لا تواصل السعي بدلًا من الشكوى؟
– «ولكن أمامي عقبةً كئودًا لا أستطيع التغلب عليها.»
– إذن ليس لك أن تبتئس ما دام الأمر خارجًا عن إرادتِك.
– ولكن الحياة لا تستحق أن تُعاش إذا ما فَشِلتُ في ذلك».
(٨-٥١) لا تكن متثاقلًا في فعلك، ولا مُشوَّشًا في محادثتك، ولا غامضًا في تفكيرك. ولا تترك عقلك نهبًا للانقباض ولا للتيه، واجعل في وقتك ساعةً للفراغ والترويح.
– «إنهم يقتلونني، يمزقونني، يلعنونني.»
– وكيف يمكن لكل ذلك أن يحول بين عقلك وبين الصفاء والحكمة والرصانة والعدل؟ هب واحدًا أتى إلى نبعٍ من الماء النمير وأخذ يلعنه، فهل سيمنع النبعَ من أن يظل يتدفق بالماء الزُّلال؟ وهَبْه ألقى فيه بشيءٍ من الطين والرَّوْث … فلن يلبث النبع أن يُفتِّته ويُزيحه ويعود إلى نقائه. كيف إذن تُؤمِّن لنفسك نبعًا دائمًا لا مجرد صِهريج؟ بأن تُوطِّن نفسك طول الوقت على الحرية، وتظل قانعًا، بسيطًا، متواضعًا.
(٨-٥٢) من لا يعرف ما هو العالم لا يعرف أين هو. ومن لا يعرف لأي غايةٍ وُجد العالم لا يعرف مَن هو ولا ما هو العالم. ومن يجهل أي شيء من هذه لا يمكنه حتى أن يقول لماذا وُجد هو ذاته. ما رأيك إذن في ذلك الرجل الذي يتجنَّب أو يطلُب المديح من أناسٍ لا يعرفون أين هم ومن هم؟!
(٨-٥٣) هل ترغب في أن يمدَحَك إنسانٌ يلعن نفسَه ثلاثَ مراتٍ كل ساعة؟ هل تود أن تُرضِي إنسانًا لا يستطيع أن يرضى عن نفسه؟ وهل يمكن أن يرضى عن نفسه من يَندَم على كل شيءٍ يفعله؟
(٨-٥٤) لا تعُد تتنفس فقط من الهواء المحيط، بل خذ فِكرك أيضًا من العقل الذي يضُم الأشياء جميعًا؛ فالقوة العاقلة مُنتشِرةٌ، كالهواء، في كل مكان ومُتخلِّلةٌ في كل شيء، طوع من يشاء أن يتشربها، تمامًا كالهواء لمن يستطيع أن يتنفسه.
شيءٌ شبيهٌ بذلك ينطبق على تدفُّق عقل العالم وانتشاره؛ ليس تيارًا ينفَد بل إشعاعٌ دائم. ولن يكون ثَمَّةَ قهرٌ أو عنفٌ في اصطدامه بالعقبات التي يلتقي بها؛ لن يسقط بل سيستقر هناك ويضيء كلَّ شيءٍ يتلقاه. وكل ما هو غير عاكسٍ سوف يَحرِم نفسه من هذا الضياء.
(٨-٥٨) من يخشى الموتَ إنما يخشى فقدان الحسِّ أو يخشى حسًّا من صنفٍ آخر. فإذا كنت سوف تَفقِد الحس فلن تشعر أيضًا بأي أذًى. أمَّا إذا كنت ستكتسب شعورًا مختلفًا، فسوف تكونُ كائنًا آخر ولن تَتوقفَ الحياة.
(٨-٦٠) يتحرك السهم بطريقة، ويتحرك العقل بطريقةٍ أخرى. ومع ذلك فإن العقل، حتى عندما يمارس الحَيطة أو يدور حول بحثٍ مُعيَّن، إنما يتحرك بنفس الاستقامة، ويمضي قُدُمًا إلى هدفه.