السلوك الزوجي
كما نحن في المجتمع في المدرسة والمصلحة والمكتب والنادي، كذلك نكون في البيت مع الزوجة والأطفال؛ لأن الأخلاق لا تتجزأ، أي إننا لا نستطيع أن نسلك سلوكًا مهذبًا في المجتمع، ثم نسلك سلوكًا وحشيًّا في البيت، ولا نستطيع أن نكون أنانيين خارج البيت ثم نكون إيثاريين داخله.
والأخلاق تتصل بما يلازمها من اعتياد بالعواطف، أي إننا كما هو شأننا في كل عادة، ولو كانت اختيار لون من الطعام أو الثياب، نحسُّ الألم عندما نحاول وقف العادة؛ ولهذا السبب لكل منَّا طريقته في الجدل أو أسلوبه في العمل، أو اتخاذه لِزيٍّ معين أو نحو ذلك.
كذلك أخلاقنا وأهدافنا في الحياة، لا نحب تغييرها، خاصة أنها، أي الأخلاق، كثيرًا ما تتصل بمذهبنا في الدِّين، ويكاد التغيير يؤلمنا هنا كما لو كنَّا نغير ديانتنا، ونحن لذلك ندافع عن أسلوبنا في الأخلاق كما ندافع عن عقيدة عميقة في نفوسنا.
ولكننا مع ذلك، ومع الألم، نغير أحيانًا أخلاقنا، كما يغير أحد عاداته في التدخين أو شرب الخمر إذا وثق أنهما مضران.
ولكن الذي يجب أن نثبته أن عاداتنا العامة في المجتمع هي أيضًا عاداتنا الخاصة في البيت، وقلَّ أن تجد رجلًا سيئ السلوك مخاصمًا مناكدًا يتسرع إلى الغضب مع زوجته وأبنائه، إلا وهو على هذه الأخلاق أيضًا في المجتمع، أي في المكتب أو المتجر، أو بكلمة أخرى يعامل الرجل زوجته كما يعامل معارفه وأصدقاءه.
عرفت رجلًا كان يسرق شقيقه ويسرق أمه ويسرق مزارعيه، وأيضًا، وهنا العبرة، كان يسرق زوجته؛ ذلك أن السرقة كانت أسلوب حياته في الكسب، ولم يكن يرتاح إذا وجد الفرصة وامتنع عن استغلالها؛ ولذلك تعست حياته الزوجية تعاسة كبرى.
وعرفت آخرَ سرق أباه ونصب على أصدقائه وغشَّهم بضروب مختلفة من الغش؛ ولذلك لم أستغرب إن غشَّ أبناءه أيضًا، أجل، أجل إن الذي يخون المجتمع يخون أسرته بل عائلته.
والرجل الكريم الرقيق البشوش مع الناس يبقى على هذه الحال مع زوجته وأبنائه، فهو سعيد في مجتمعه، وسعادته تنتقل إلى بيته.
بل هناك ما هو أعمق مما ذكرناه.
فإن الرجل الذي يسيطر عليه الخوف في حياته العامة تجد فيه علامات معينة، كالسرعة والهرولة كأنه يريد الفرار، أو قد تجد فيه العكس، في البطء الزائد والصوت المنخفض والتردد في الأعمال.
وهذه الأخلاق تلابسه حتى فيما يمارس من حب زوجي مما يسيء إلى العلاقة الزوجية.
وهذا بخلاف الرجل المتزن الذي لا يسيطر عليه الخوف، فإن اتزانه في المجتمع ينعكس أثره في علاقته الزوجية الحميمة.
إن العائلة جزء من المجتمع، وهي تحتاج إلى أخلاق اجتماعية حسنة كما يحتاج إليها المتجر والمصلحة والمكتب، والرجل الأناني الخطاف في المجتمع يعود أنانيًّا خطافًا في علاقته الزوجية التي تسوء إلى أبعد حدٍّ لهذا السبب.
وهناك شذوذات اجتماعية تتبلور في العلاقات الجنسية.
فالرجل الذي نشأ على العدوان في معاملاته الاجتماعية يعود ساديًّا شاذًّا في علاقاته الحميمة مع زوجته، التي قد لا تستطيع التحمل فتنفر منه إلى الطلاق، ويكون من هذا تدمير البيت، وكذلك الرجل الذي نشأ على نزق وطيش، ينتقل من عمل إلى آخر بلا ثبات ولا جَلد تنعكس أخلاقه أيضًا على أخلاقه الجنسية، فهو لا يثبت على حب، بل يثب من امرأة إلى أخرى.
إن كثيرًا من مسائلنا الزوجية يعود إلى أنا نعيش في مجتمع انفرادي اقتنائي كل منا يقول فيه: «أنا وحدي.» أي إنه ليس مجتمعًا تعاونيًّا، والزواج يفاجئنا بمسئوليات تعاونية لم نتدرب عليها قبل ذلك، أي يطالبنا بالانتقال من الأَثرَة إلى الإيثار، وهنا المشقة؛ لأن الأخلاق لا تتغير بسهولة.
بل إن المدرسة التي نتعلم فيها تطالبُ كلًّا منَّا بالتفوق على أقرانه، ومعنى التفوق عليهم ألا يتعاون معهم، وهو يسير قُدمًا إلى نهاية منطقه فيتعود العادات الاقتنائية الأنانية، بل قد يرتكب الرذائل والجرائم المستترة في سبيل ذلك، ولا يمكن أن يعيش مجتمعنا بغير ذلك؛ إذ هو ليس مجتمعًا تعاونيًّا، والمغزى هنا أنَّ بعض رذائلنا التي تؤدي إلى تعاستنا الاجتماعية والعائلية يعود إلى أسس أصلية في مجتمعنا.
ولكن مع ذلك يجب ألا نهمل العلاج، أو بعض العلاج، مهما تكن النتائج صغيرة القيمة، فعلى الآباء مثلًا أن يدربوا أبناءهم على التعاون والإيثار، وأن يبدءوا بذلك منذ أيام الطفولة، فيجب أن يلقى الطفل التشجيع والثناء عندما يقدم لشقيقه أو لأمه بعض الحلوى التي يأكلها، وأن يكلف أعمالًا للغير، بحيث ينشأ على إحساس الخدمة باعتبارها فضيلة يرتاح إلى ممارستها.
فإذا كبر الطفل فإننا يجب أن نُلحقه بالأندية التي يجد فيها الأصدقاء الذين لا يتبارى معهم في الدروس، وإنما يتعاون معهم في الألعاب، ومع أن لعبة الكرة مثلًا تجعل فريقًا ضد فريق يحاول التفوق عليه، فإن الشاب يجد أنه يتعاون مع فريقه، ولا يطلب النصر لنفسه، وإنما للفريق الذي ينتمي إليه، فينشأ عنده إحساس التعاون الذي ينمو فيه بملابسات اجتماعية أخرى.
ولكن الحياة الزوجية السليمة تحتاج أيضًا إلى الاختلاط بين الجنسين قبل الزواج حتى يعتاد الشاب كما تعتاد الفتاة معاملة الجنس الآخر، وصحيح أن معاملة الشاب لأفراد جنسه تؤثر في الحياة الزوجية المستقبلة، ولكن الأثر يكون أكبر إذا كان الشاب، وكذلك الفتاة، قد اختلطا بالجنس الآخر قبل الزواج في المدرسة والجامعة والمكتب والمصلحة والمتجر والنادي.
هذا الاختلاط هو تعارف، هو معرفة كل من أحد الجنسين للآخر، هو تهيئة للزواج؛ إذ ليس أتعس من شاب أو فتاة يلتقيان في أول يوم لزواجهما دون دراية سابقة بأخلاق الرجل من ناحية المرأة أو بأخلاق المرأة من ناحية الرجل، ولا يمكن أن يكون الجهل بهذا الموضوع أو بأي موضوع آخر حسنًا.
هذا الانفصال الذي يجعل كلا من الجنسين يحيا حياة خاصة تختلف عن حياة الجنس الآخر، هو العلة الكبرى للمآسي التي تحدث بعد الزواج؛ لأن كلًّا من الزوجين يجهل الآخر وأحيانًا؛ لأنه ينتظر في خيالات رومانسية سينمائية حالًا من السعادة الصبيانية ليس لها وجود في الواقع.
إن الواقع يجب ألا يغيب عن إحساسنا وذهننا قبل الزواج وبعده ولا يمكن هذا إلا بالاختلاط بين الجنسين قبل الزواج.