زواج بلا دموع
وحسبنا أن نقول بوجه عام: إنه يمكن التبكير في الزواج، أي حوالي سن العشرين، إذا كان الزوجان يتفقان على الامتناع عن التناسل، وإذا كانت الزوجة ترضى بأن تعمل وتكسب كما يعمل ويكسب زوجها، وهما إذا فعلا ذلك فإن نفقات العيش لا تزيد على الزوج؛ إذ هو يعيش عندئذٍ مع زوجته ولا ينفق أكثر مما كان ينفق وهو أعزب، وقد أخذ الأمريكيون بالزواج المبكر على أساسٍ من هذا النظام الجديد، وهو أن الزوجة تعمل وتكسب، ثم يؤجل التناسل سنوات إلى أن يجد الزوجان أنهما قادران على نفقات الأطفال، وقد تكف الزوجة عندئذٍ عن العمل والكسب أو لا تكف.
والطلبة في الجامعات الأمريكية يتزوجون الطالبات.
هذا ما كتبتُه قبل نحو سبع سنوات.
وقد عرفت أن بعض الطلبة يتزوجون الطالبات في جامعة القاهرة مع الاتفاق على تأجيل إنجاب الأطفال إلى ما بعد تخرجهما وقدرتهما على الإنفاق عليهم.
وهذا الزواج لن يزيد أعباء الزوج أو الزوجة، فإن الزوج كان طالبًا قبل زواجه وهو لا يزال طالبًا بعده، وكان أبوه يؤدي له مبلغًا شهريًّا ينفق منه، فلن يزيد هذا المبلغ، وهكذا الشأن في الفتاة التي أصبحت زوجة فإنها لن تطلب من والدها مليمًا واحدًا زيادة على مصروفها أيام العزوبة السابقة.
بل هناك حالات يعود فيها الزواج بين الطالبات أقل نفقة من العزوبة، وذلك حين يكون الآباء في الريف والأبناء في القاهرة أو الإسكندرية مثلًا، فإنهما يقيمان في مسكن واحد أحدهما عند والدي الزوج أو والدي الزوجة.
والنقطة الأساسية هي الامتناع عن إنجاب الأطفال حتى يتم تخريجهما من الجامعة.
•••
إن الذي يعوق الزواج الآن هو أنَّ الزوجة لا تعمل، بل تقنع بالإقامة في البيت تنتقل من السرير إلى الكرسي إلى الكنبة، فهي تحتاج إلى مَن ينفق عليها، ولا يمكن الشاب الطالب أن ينفق عليها ونحن نجعل نفقات الزواج مرهقة بالدبلة والشبكة والمهر وجهاز العروس ووليمة العُرس وحفلة الخطبة، وكل هذه نفقات يمكن الاستغناء عنها كلية، كما أن إنجاب الأطفال يمكن تأجيله سنتين أو ثلاث سنوات أو أكثر حتى يعمل الزوج والزوجة ويكسبان.
ولا بدَّ من أن تعمل المرأة وتكسب؛ إذ إن من الظلم الجائر أن يتحمل الزوج نفقة اثنين: هو وزوجته، وصحيح أن هناك من الشبان من يسعدهم الحظ بعمل كاسب وفير الكسب، مثل الأطباء والمحامين والتجار وكبار الموظفين، وهؤلاء يستطيعون أن ينفقوا على أنفسهم وعلى زوجاتهم، ولكن متوسط الكسب بين معظم الشباب لا يكفي لأن يقوم دخل الواحد بتكاليف اثنين، فلا بدَّ من أن نعد بناتنا للكسب بعد الزواج، كما لا بدَّ أن نلغي هذه التكاليف الابتدائية المرهقة التي انحدرت إلينا بالتقاليد والعادات، مثل وليمة العروس والمهر والجهاز، إلخ.
الزواج هو رجل وامرأة يتفقان على المعاشرة بُغية التناسل قبل كل شيء، وهذه المعاشرة ممكنة في غرفة واحدة بين الطالب والطالبة دون أن يكلفهما عقد الزواج أكثر من بضعة قروش.
ليس الزواج شَبْكة من الذهب أو الألماس تكلف مئات الجنيهات، وليس الزواج ليلة حمراء تحوي لحوم الخراف والدنادي وشراب الكونياك والويسكي.
وليس الزواج جهازًا نشتريه بألف جنيه.
الزواج أبسط من هذا، هو اجتماع اثنين ومعاشرة الواحد للآخر، وحبُّ الواحد للآخر وخدمته له، غرفة واحدة متواضعة يمكن أن تحتوي مثل هذا الزواج.
ومثل هذا الزواج يتم الآن في جامعات أمريكا وأوروبا كما تم مثال منه في جامعتي القاهرة، ولكن ميزة الزواج عند الطلبة الأمريكيين أنهم يعملون ويكسبون، شبَّانًا وفتيات، وهم طلبة وطالبات، والأغلب أن هذا غير ممكن في بلادنا في الوقت الحاضر، ولكن حتى مع عجز الطلبة والطالبات عن الكسب فإن الزواج يمكن أن يتم بلا زيادة يتحملها أب الزوج أو أب الزوجة على ما كانا يدفعانه قبل الزواج لابنيهما.
إن العائلات تكره مثل هذا الزواج خشية أن تتهم بالفقر أو البخل، مع أن تسعة أعشار هذه العائلات من الفقراء، ومع أن البخل فضيلة هنا، إذا عرفنا أن الكرم هو بعثرة النقود الغالية في طعام وشراب وشخاشخ من الذهب والألماس وجهاز من الكراسي والنجف والأسرة.
وكثير من العائلات يقع في الديون المرهقة للقيام بهذه «الواجبات» التي تمليها تقاليد وعادات اجتماعية بالية، وقد يعيشون سنين وهم يسددون هذه الديون.
ونحن في مصر منكوبون بطائفة من الناس نشئوا على الخوف من الدنيا والشك في المستقبل، فهم لذلك يتعلقون بالتقاليد كما لو كانت شاطئ الأمان للغريق يخشى أن ينزلق منه إلى بحرٍ تتلاطم أمواجه، ومن هذا الخوف هو الجهل بأساليب الحياة الجديدة، وأنها أروج للنفس وأبعث على التفاؤل والأمل من التقاليد وأدعى إلى سعادة الزوجين.
•••
ولست أقول إن فيما كتبته هنا حلًّا نهائيًّا لمشكلة الزواج؛ لأننا بتقاليدنا العديدة قد أرهقتنا هذه المشكلة بالعقد المختلفة، وليس إصرارنا على الشَّبْكة والمهر من جانب الزوج والجهاز من جانب العروسين سوى بدل من الحب، هذا الحب الذي يجب أن نعرف أنه ليس هناك أساس أجمل منه وأثبت للزواج السعيد.
الشاب لا يحب الفتاة التي يخطبها ولم يجد الفرصة لهذا الحب بالاختلاط السابق، فهو يطلب الجهاز، مالًا بدلًا من العاطفة.
والفتاة لا تحب الشاب ولم تجد الفرصة لهذا الحب بالاختلاط السابق، فهي تطلب المهر والشبكة مالًا بدلًا من العاطفة.
ولكن لو كانت كلمة الحب مقدسة، ولو كان الشاب والفتاة يختلطان نحو خمسة شهور قبل الزواج، لما كان لهذه الأشياء؛ الشبْكة، المهر، الجهاز، أي معنًى؛ لأن حبهما كان يلغي هذه الأشياء جميعًا، ثم يتصرفان معًا بالاتفاق بينهما التصرف الحكيم لتأسيس بيت المستقبل.