الشباب والفنون الجميلة
من أحسن العلامات التي تبعث التفاؤل والأمل في الشاب أو الفتاة أن يهوى كلاهما الفنون الجميلة بصورها وأشكالها المختلفة في سنٍّ مبكرة، والشاب الذي يشرع عقب المراهقة في البحث عن دواوين الشعر ويحاول نظم الأشعار، وكذلك الفتاة التي ترسم أو تَزور المتاحف والمعارض وتهتم بالموسيقى؛ كلاهما يبدأ الحياة العاملة وهو مزود بالذوق الفني الذي سوف يلازمه طِيلة حياته.
واشتغال الشبان والفتيات بالفنون الجميلة هو استمتاع سامٍ، يزيد الحياة خصوبة ويفتح الأبواب الجديدة لدراسات فنية مختلفة، ويغير القِيم الاجتماعية، ويحثُّ على بحثها والتنقيب عن حقائقها؛ إذ ليس من المعقول أن ينشد الشاب الجمال في نظم الأشعار وبناء الخيال على المعاني الفنية التي اكتسبها عقله من الدراسات الفنية، ثم يرضى بعد ذلك عن الواقع القبيح من فقر وقذر وجوع وحرمان.
ذلك أن الاشتغال بالفنون الجميلة يجعله يفكِّر في الاقتصاد والاجتماع؛ لأنه لا يطيق المقارنة بين الواقع المؤلم وبين الخيال الفني السامي، والفنون تحفل بالثراء اللفظي، وهو ثراء يزودهما بموسيقى النظام، وأشعار بلا موسيقى لا قيمة لها، وكلمة «شعر» تعود إلى أصلٍ سامي قديم وهو «شير» بمعنى غناء.
فالشعر غناء وإيقاع، أي موسيقى.
وليس بعيدًا أن تنتهي هواية التأليف للشعر والقصة، أو هواية الرسم أو الموسيقى إلى تبريز في مستقبل العمر عندما يأخذ النضج والإتقان مكان التجارب الأولى المتعثرة.
ولكن ليس هذا قصدنا من هذه الكلمة الموجزة، إنما القصد أن نعكس على حياة الشباب من الجنسين مرانة الفن والنزوع إليه والتمرُّس بأهدافه، أو بكلمة أخرى نتمرن على الفنون لترقية واقع حياتنا.
وكان يجب أن نذكر أن كل مهارة تحتاج إلى تدريب ودراسة ومثابرة.
ولذلك يجب ألا ينسى الشاب أو الفتاة التعَب والعرق، يبدأ كلاهما بشراء كتب الفنون ودراستها مع المقارنة والنقد، ثم محاولة التأليف مع الرضا بنبذ ما يؤلفه أحدهما إذا لم يكن على المستوى العالي، فإن أسوأ ما يقع فيه المبتدئ أن يرسم صورة أو ينظم مقطوعة أو يؤلف قصة أو نحو ذلك من المحاولات الفنية، ثم يعتقد أن ما أنجزه يعدُّ في قمة الفن، ويحرص عليه ويطبعه وينشره، مع أنه لا يستحق النشر، وليس كل منَّا قادرًا على أن يكون فنانًا، ولكننا جميعًا قادرون على أن نتذوق الفنَّ وننتفع به في التسامي بأذواقنا وأنفسنا وتطوير حياتنا.