الفصل الثاني
(المنظر: قطاع طولي في بيت
العائلة، يشمل حجرة نوم الوالدين إلى يمين المسرح، وتحتل الصالة المنطقة
الوسطى الكبرى من المسرح، بينما يحتل المدخل الجانب الأيسر.
حين يُرفَع الستار تبدو الصالة فقط، بينما الجزءان الآخَران
(المدخل وحجرة النوم) تحجبهما ستائر داخلية تُفتَح حين تنتقل إليهما
الأحداث في جزء متقدِّم من الفصل.
الصالة مُستعمَلة حجرة طعام، في المواجهة يُفتَح عليها باب يؤدِّي
إلى حجرة مسعد وزوجته، إلى يمينه باب على شكل «آرش» يؤدِّي إلى المطبخ
وبقية أجزاء البيت.
في الصالة كل معدات حجرة الطعام التي تُستعمَل للزينة أكثر ما
تُستعمَل لتناول الطعام. وإنْ كان قد أصابها القِدم وشاخت.
بين باب حجرة مسعد والباب المؤدي إلى المطبخ توجد ساعة حائط غريبة
الشكل تبدو وكأنها أول ساعة حائط صُنِعَت، وإن كانت لا تزال تؤدي عملها
ولا تزال دائرة. أسفل الساعة توجد حقيبة يعتز بها الحاج نصار كثيرًا
ولهذا يُعلِّقها في هذا المكان المرتفع. الحقيبة قديمة جدًّا ومصنوعة من
الخشب ويطل منها منشار علاه الصدأ.
حين يرتفع الستار نجد سعد وسامح يقفان في المدخل أمام الباب
الخارجي يرتديان القمصان والبنطلونات. سامح شاب طويل نحيل أطول من سعد
كثيرًا وله «قتب» ويرتدي نظارة طبية سميكة، وتحس من ملابسه وطريقة حديثه
أنه كما يقولون «ابن عيلة» أي أنه ابن عائلة أغنى قليلًا من العائلات
المتوسطة.
الوقت حوالي التاسعة والنصف مساءً.)
سامح
:
تفتكر نوصل هناك إمتى؟
سعد
:
حنقوم من هنا الساعة اتنين، أظن نوصل هناك ع الصبح.
سامح
:
ياخي قول حنوصل ع الضرب على طول.
سعد
:
حد عارف يا سامح؟
سامح
:
بس الواحد مش فاهم حاجة … إزاي الهجوم اليهودي دا يحصل، وإيه حكاية
الإنذار دي؟
سعد
:
شوف. دلوقتي إنت مش مدَني، إنت راجل عسكري، ما عليك إلا التنفيذ … مش
شُغلنا نناقش دلوقتي. أمر نسافر العريش لازم نسافر … اضربوا نضرب.
سامح
:
وإذا قالوا موتوا برضك نموت؟
سعد
:
مش دي اللحظة اللي بنستعد لها من زمان؟ أهي جاتلك لحد عندك … سامح
ياك تكون خايف؟
سامح
:
أنا؟ هو ده معقول؟ أخاف من إيه؟
دُكها حيكون معاه بندقية وأنا معايا بندقية حاخاف منه ليه؟ (يضحك وكأنه قد تذكَّر شيئًا) مش انت اللي
كنت دائمًا تقول إن الإنسان يجب أن يكون أشجع الحيوانات؟ والحيوانات ما
بتخفشي من بعضها … عُمْر أسد ما خاف من أسد، ولا القطة بتخاف م القطة،
فاشمعنى الراجل يخاف من راجل زيه؟
سعد
(مبتسمًا)
:
تخاف لَيضربك.
سامح
(بحماس)
:
أضربه قبل ما يضربني.
سعد
:
يمكن هو اللي يضرب الأول.
سامح
:
أنا اللي أكيد حاضرب الأول.
سعد
:
تضمن منين؟
سامح
:
لأن هو اللي حيخاف الأول،
واللي يخاف الأول رصاصته تطلع الآخِر.
سعد
:
وإيش ضمَّنْلك إن رصاصته تطلع الآخِر؟
سامح
:
درر صديقي سعد الغالية.
سعد
:
درر إيه؟
سامح
:
مش فاكر الضُّهر واحنا بناكل
سندوتشات من الكانتين، وانت متحمِّس وبُقك مليان طعمية وبتقول: أنا مش
ممكن أخاف؛ أنا الأقوى؟ هو جاي يسرق بلدي وأنا بدافع عنها؟ هو غريب وأنا
في أرضي؟ هو بيحارب بماهية وأنا بحارب بإيمان؟ هو اللي حيخاف
الأول؟
سعد
:
لأ برافو! جدع يا سامح! قد
نصَّبْتُك فارسًا على العريش فاركع وتقبَّل بركاتي.
(يركع سامح) اذهب فأنت فارس. إنما قول
لي، بذمتك مش خايف بجد؟
سامح
(بعد أن ينظر إليه مليًّا من فوق نظارته)
:
شوية. وانت؟
سعد
:
أبدًا … إيدي أهه.
سامح
:
وتفتكر أنا جبان عشان خايف شوية؟
سعد
(بعصبية)
:
جبان؟ إيه الكلام الفارغ ده؟ دا
هُم شوية الخوف الصغيرين دول هُم الشجاعة. أنا مرَّة واحد قال لي إن شوية
الخوف دول هم اللي بيعملوا أشجع الشجعان، هُم المَصْل اللي ضد الجُبن، زي
الواحد ما بياخد جرعة مرض صغيرة فتديلو مناعة ضد المرض الكبير. اذهب يا
بني فأنت فارس العريش بلا نزاع … بس إياك، باباك ما يزعلش.
سامح
:
بابا؟ انت مش عارفه؟ دا لما
غبت عن التدريب يوم كان حايطردني من البيت. دا راجل واخد الحكاية جد قوي
… الظاهر من كُتر قراءته لروايات الجيب … طول النهار قاعد يقرا فيها
وسايب زباين الأجزاخانة … دا أنا إن ما كُنتش أسافر يمكن يضربني بالنار …
والله يعملها بعقله. دا ملك منظمة سيده، اسمع! ما عندناش وقت، أنا مروح
وحافوت عليك واحدة ونص تمام؟
أصفَّر لك تطلعلي على طول. أوكي؟ سعيدة بقى.
سعد
:
سعيدة يا سامح.
(سامح يأخذ
طريقه هابطًا السلم ثم يتوقَّف ويلتفت إلى سعد.)
سامح
(بصوت مرتفع)
:
تحيا مصر يا سعد.
سعد
:
وطِّي حِسَّك. (ثم بصوت منخفض)
تحيا مصر يا سامح.
(يختفي سامح ويدق سعد جرس الباب الخارجي فيخرج مسعد
بجلباب النوم من حجرته ويوقد نور الصالة ويفتح الباب.)
مسعد
:
سا الخير يا باشمهندس.
سعد
(يرد بهز رأسه)
:
بابا نايم؟
مسعد
:
نايم قوي.
سعد
(متوقِّفًا في الطريق إلى الباب الآرش)
:
مسعد
مسعد
:
خير.
سعد
:
احنا مسافرين الليلة الميدان. وأنا … وأنا …
مسعد
:
الميدان الميدان؟ حتحارب يعني ولَّا إيه؟ دي الظاهر بقت جد. دا مراتي
عندها حق. مسافر صحيح؟
سعد
:
أمال بنلعب.
مسعد
:
طب بقى ماتسبنيش خدني معاك.
سعد
:
يا أخي اعقل. انت فاكرها إيه؟ دي حرب، حرب، الحرب يا اخوانا! الحرب
اللي عمالين نستناها وندَّرب لها.
مسعد
:
وأقعد أنا هنا أعمل إيه؟
سعد
:
بس أنا عايز آخُذ رأيك في حاجة يا مسعد.
مسعد
:
مسافر الليلة الليلة؟
سعد
:
بقول لك عايز آخُد رأيك في حاجة … أقول لأبويا ولَّا
ماقولُّوش.
مسعد
:
الحاج نصار؟
سعد
:
أيوة.
مسعد
:
وانت يعني إذا قلت له يسيبك؟
سعد
:
ما فيش قوة تقدر تمنعني.
مسعد
:
إلا أبوك دا عنده قوة ذرية، والله ما يعرف لو قطعت رقبته ما يخليك
تخطي العتبة.
سعد
:
يعني أسافر من غير ما أقول له؟
مسعد
:
خلي دي عليَّ أنا … دي سهلة.
سعد
:
بس يا مسعد … يمكن … يمكن أموت.
مسعد
:
لا لا لا موت إيه؟ إن شاء الله حتجيب أجَلهم وتيجي زي الهبوب.
سعد
:
دي حرب يا مسعد.
مسعد
:
جرى إيه يابو السعود؟ ما تشد أعصابك أمال.
سعد
:
أعصابي زي الحديد. انت فاكرني يعني ممكن أخاف؟ إيه الكلام اللي
بتقوله ده؟
مسعد
:
طب … طب وطِّي حِسك لَحْسن أبوك يسمع، لا تلحق تروح ولا تيجي، واسمع
انت إن شاء الله ماشي إمتى؟
سعد
:
سامح حيفوت عليَّ واحدة ونص.
مسعد
:
طب وانت خارج تحاسب قوي، إوعى تعمل صوت لَحْسن الراجل يصحى ويحوشك …
وأنا حتلقاني مستنيك ع المحطة. حافظ على نفسك يا باشمهندس وارجع لنا سليم
وربنا معاك.
سعد
:
طب خُش انت يا مسعد، خُش انت.
مسعد
:
حتلقاني ع المحطة.
(يدخل إلى حجرته ويوصد الباب).
سعد
(يهم بالنداء عليه)
:
يا مسعد: (ولكنه يعدل عن النداء ويتمشَّى
قليلًا في الصالة حتى يصل إلى مرآة الشمَّاعة فيحدِّق في صورته
ويُحَدِّث نفسه). تعرف المشكلة إيه يا سعد؟ انت مش خايف. كل
الحكاية إنك خايف لَحْسن ساعة الجد تخاف. صحيح انت خايف لتخاف. فعلًا أنا
حاسس بكده. حاسس كأن الدنيا مغيِّمة خوف، وكأنها حتمطر، ولو! لازم أقاوم
كل ده. منين جالي إحساسي ده؟ منين؟ بس معلش … الفار ما بيخافش م الفار،
والأسد ما بيخافش م الأسد. وأنا مش حاخاف، دا ضعف سخيف لازم أتخلص منه.
تحيا مصر يا وَلَه.
(يخرج من الباب الآرش وما يكاد يختفي حتى ينفجر باب
مسعد مفتوحًا وتخرج منه فردوس وهي في ملابس الخروج ومعها حقيبة وفي أعقابها
مسعد في حالة تحفز ظاهر.)
مسعد
:
خشي يا بت جوا اختشي.
فردوس
:
مش داخلة.
مسعد
:
عليَّ الطلاق …
فردوس
(مقاطعة)
:
مانا داخلة، وديني إن ما ودِّيتني لرايحة لواحدي.
مسعد
:
يا بت إنذار إيه ده اللي انتي خايفة منه؟ افرضي حتى ضربوا البلد ما
هو بيت أبوكي برضك ف البلد، وإذا كان فيه موت فالموت هنا مش زي الموت
هناك؟
فردوس
:
هناك أهلي، أموت ف وسطيهم.
مسعد
:
وهنا أهلك برضك.
فردوس
:
هنا أهلك انت.
مسعد
:
يا بت ما دام اجَّوزنا ماعدشي فيه لا أهلي ولا أهلك دلوقتي أنا أهلك
وانتي أهلي، جاك داء الجرب في أهلك. إذا عشنا نعيش مع بعض إذا مُتنا نموت
مع بعض، في حضن بعض كمان … كده ولَّا لأ؟
فردوس
:
لأ.
مسعد
:
ليه يا فردوس؟
فردوس
:
أنا عندي أموت في حضن عزرائين أحسن. (تتجه
إلى الباب) جاي معاي ولَّا أروح لوحدي؟
مسعد
:
لا جاي معاكي ولا مروَّحة لوحدك وإن رِسْيِت على قتيل.
فردوس
:
أبقى أصحِّي عم الحاج يروَّحني.
مسعد
:
عمك الحاج؟ لو كان اجَّوزك ونسيكي عمك الحاج ده؟ ولَّا يعني كان
اجَّوزك ونسيكي؟ … جك داء في عمك الحاج.
نصار
(من الداخل)
:
الداء يجيلك ما تبراش منه يا مسعد يا ابن هنية. حاج مين اللي جه
داء؟
مسعد
:
هو انت سمعت؟ (بصوت مرتفع) دا الحاج أبوها. خشي يا بت ما دام صحي بقى
نروح نشوف رأيه إيه ف العبارة دي.
فردوس
:
والله ما أنا مستنية إلا دقيقة واحدة، وإن ما جتشي ما الَّا قايلة
لعم الحاج يروَّحني.
مسعد
:
أيوة، ما انتي كأنِّك مراته … والله باينِّك مراته. طب تكوني مراتي
إزاي وأنا لا خطبتك ولا اتجوزتك؟ هو اللي شافك وخدني أشوفك قُلت له بُقها
واسع، يقوم الراجل يومها يقول لي إيش فهمك انت في النسوان يا جردل؟ هو
لولا أمك كان بُقها واسع كنت اتجوزتها؟ تبقي مراتي إزاي؟ نشوف رأي عمك
الحاج إيه يا ست مراتي.
فردوس
:
بقى بُقي أنا اللي واسع يابو شلاضيم (وهي
داخلة) دقيقة واحدة، سامع! أنا ما استنَّاش أموت هنا.
(مسعد يغلق وراءها الباب ويتمشَّى في الصالة
مُحدِّثًا نفسه.)
مسعد
:
تموتي هنا؟ أما حكاية! تعمل إيه يا وَلَه يا مسعد يا وَلَه؟ الحكاية
زنقت قوي ورسيت لما بقت عيلتك كده ومراتك كده. عيلتك بتحبها ومش هاينة
عليك. ومراتك يا وَلَه يا مسعد يا ولة حلوة وبرضه مش هاينة عليك، أبوك
كوم ومراتك كوم. تاخد أنهي كوم فيهم؟ تسيب أبوك وتاخد مراتك، ولَّا تسيب
مراتك وتاخد أبوك؟ ولَّا تسيب أبوك ياخد مراتك وتاخد انت مرات أبوك؟ هو
انت بقى مسطول وابتديت تخرف يا وَلَه يا مسعد يا وَلَه. (يشاور فكره هنيهة) طيِّب تكلم أبوك في
الموضوع ده، ولَّا دا موضوع ما يصحش الكلام فيه؟ كلِّمه ولَّا أقول لك
بلاش، ما تكلموش. ولَّا كلِّمه أحسن. (يتجه ناحية باب حجرته ثم يعدل عن
رأيه ويتجه ناحية حجرة أبيه، ثم يعدل ويتجه إلى باب ثم إلى باب أبيه ويدق
عليه).
أبا. أبا نصار.
نصار
:
عايز إيه؟
مسعد
:
عايزك في كلمة.
نصار
:
وفَّرها للصبح.
مسعد
:
مستعجلة قوي.
نصار
:
وانت حواليك مستعجل؟ خليها للصبح.
مسعد
:
ماتستناش.
نصار
:
والله إن ما كانت مستعجلة لمخليها ليلة سودة فوق راسك. خُش.
(يفتح مسعد الباب ويدخل ويرفع الستار المُسدَل على
حجرة النوم في نفس الوقت فيبدو ما بداخلها ويدير مفتاح النور فيظهر بطول
الحائط المواجه سرير نحاس يرقد عليه نصار وهنية، وعلى اليمين دولاب ملابس
بمراية كبيرة جدًّا، وبجوار الحائط الأيسر كنبة إسطمبولي.)
مسعد
:
يابا، فردوس عايزة تروح عند أهلها.
نصار
(يستدير ليواجهه وهو لا يزال راقدًا على
الفراش)
:
ليه؟
مسعد
:
عشان الإنذار الإنجليزي.
نصار
:
إنذار إيه يا بني؟
مسعد
:
مش أنذروا بضرب البلد! ودي قال دي عايزة تروح عشان إذا ماتت تموت مع
أهلها.
نصار
:
بقى دي الكلمة اللي قلقت منامي علشانها؟ ياخي جك البعيد داء … روح
اجري ومدِّد رجليك. إنذار إيه وكلام فارغ إيه؟
مسعد
:
يعني ما خليش فردوس تروح؟
نصار
:
والله إذا كنت راجل وتعرف تحكمها ما تخليهاش.
مسعد
:
إذا كنت راجل؟ والله كلك نظر يابا.
نصار
:
روح يا شيخ، روح نام. وَلَه يا مسعد (ينظر إليه نظرة ماكرة ويغمز
بعينه) يمكن كلامها ده إنذار ليك يا واد عشان تتحرك … اتحرك بالطزانة
اتحرك.
مسعد
:
لا يابا. أنا في الحاجات دي بغداد لي قوي.
(يتجه إلى الباب خارجًا ولكنه يعدل عن
خروجه ويقول) أمال الإنذار ده حكايته إيه! دا كل الناس عمالة
تقول.
نصار
:
امشي روح نام واصطبح على خير. وخليهم يقولوا.
مسعد
:
يعني فِكرك ما فيش ضرب؟
نصار
:
يا بني روح نام. دا كله تهويش (يعتدل في
الفراش) أنا مش عارف الناس جرى لهم إيه؟ اتلحسم؟ يا عالم
اليهود زي عوايدهم عملوا مناوشة وبقى لهم عشر سنين نازلين مناوشات،
الإنجليز زي عوايدهم حبوا يستفيدوا من الحكاية دي ويتمحكوا فيها زي طول
عمرهم ما بيتمحكوا، فنقوم نقول خلاص قامت الحرب.
مسعد
(بصوت جاد)
:
لأ الظاهر يابا الحكاية المرة دي جد.
نصار
:
جد في عينك! إيش عرفك انت بالإنجليز؟ اسألني أنا اشتغلت معاهم خمس
سنين وأعرفهم كويس قوي، دول أكبر مهوشتية في العالم. أيام الحرب كنت
باشتغل في ورشة في التل الكبير اسمها اﻟ «فايف بي أو دي»، تعرف كانوا طول
النهار بيشغلونا ف إيه؟ نعمل دبابات خشب وورق وندهنها بوية عشان يهوشوا
بيها روميل. الإنذار بتاعهم دا ورق.
مسعد
:
ما بيقولوا فيه أسطول كمان في البحر يابا، دا راخر ورق؟
نصار
:
أمال؟ لازم يسبكوا التهويش، مهو حاكم تهويش عن تهويش يفرق … فيه واحد
يهوشك تفتكره جد، وفيه واحد يكلمك جد تفتكره تهويش … أهو الإنجليز دول
حركاتهم طول عمرها تهويش ومصيبتنا إننا بنفتكرها جد.
مسعد
:
دا فيه ناس حتى شافت الأسطول بعينها.
نصار
:
ولا شافت ولا ديالو ولو. أهو اللي يقول شاف الأسطول يبقى لازم مسطول.
انت مصدق حكاية الأسطول دي؟
مسعد
:
هو أنا مسطول؟
نصار
:
يحاربونا ليه؟ احنا عملنا فيهم حاجة؟ دول كانوا هنا قاعدين قلنا لهم
يلَّا راحوا ماشيين، ولو كان في نيتهم حاجة كانوا تلحموا وقالوا مش
ماشيين. وأزية ما آزيناهمش. خُدها يا بني قاعدة كده على ميزان المية ما
دام ما تأزيش حد ما حدش يأزيك أبدًا. فاهم؟ روح نام بقى دوشتني الله
يدوشك.
مسعد
:
يعني أنام؟
نصار
:
نام بقولك.
(يخرج مسعد ونصار يكمل موجهًا حديثه
لهنية) يا ولية كل ليلة تستكرديني وتنيميني ع الحرف وانتي
عارفة إني باحب أنام جوة، ولَّا يكونشي ده إنذار ليك انت راخر يا
نصار؟
(يمد يده ويطفئ النور، وفي نفس الوقت يلتقي مسعد وهو
يخترق الصالة بفردوس وهي خارجة من حجرتهما.)
فردوس
:
هه؟ جاي معايا؟
مسعد
(بإصرار)
:
مانتيش مروحة.
فردوس
:
والله العظيم مانا …
مسعد
(يقاطعها بصوت رهيب)
:
قلنا مانتيش مروحة.
فردوس
(تتراجع بظهرها إلى باب حجرتهما)
:
وحد قال إنه عايز يروح.
(تدخل بظهرها ويطفئ مسعد نور الصالة ويدخل وراءها ولا
يقفل الباب.)
مسعد
:
اقلعي هدومك ونامي.
فردوس
:
مش نايمة انت شريكي؟
مسعد
(بنفس الصوت الرهيب)
:
قلنا نامي.
فردوس
:
الله مانا رايحة ف النوم أهه.
(يُغلَق باب حجرة مسعد ويُطفَأ نورها ويصبح المسرح في
ظلام دامس، بعد فترة يبدأ شخير نصار يتصاعد. ثم تختلط به دقات الساعة
الموضوعة في الصالة مُعلِنة الواحدة بعد منتصف الليل، ثم يزيق السرير في
حجرة نصار.)
هنية
:
حاج، حاج نصار. سامع؟
نصار
(بصوت النائم)
:
فيه إيه؟
هنية
:
فيه حِس في الصالة.
نصار
:
لازم القطة.
هنية
:
هو أنا عبيطة دا رِجل بني آدم بتتحرك.
نصار
(يمد يده على السرير ويوقد نور الحجرة)
:
مين اللي برة؟
(تُسمَع خبطة الباب.)
(بصوت أعلى) بنقول مين اللي
برة؟
(بصوت هامس) فين المسدس يا هنية.
أنا كنت حاطه تحت حرف المرتبة، هو فين؟
هنية
:
شِلته في الدولاب.
نصار
(وهو يفتح الدولاب ويتناول المسدس)
:
بقى دا كلام؟
هنية
:
وهو يعني انت بتعرف تضربه!
نصار
:
أنا ما بعرفش، إنما إيش عرَّف الناس إني ما بعرفش أضرب نار.
هنية
:
حاسب على روحك يا خويا، وإن كان حرامي سيبه ياخد اللي هو عايزه. كله
فدا شعرة من شعرك.
نصار
:
يا ولية سقطي قلبي.
(يقف خلف باب الحجرة ثم يفتحه ببطء وهو
يقول بصوت عالٍ) مين اللي برة؟ بنقول مين اللي برة؟
سعد
(من داخل الباب الآرش)
:
دا أنا.
نصار
:
انت مين؟
سعد
:
أنا سعد يا بابا.
نصار
(يخرج إلى الصالة ويوقد نورها)
:
سعد؟ ليه كده يا بني، ليه كده يا حبيبي؟ أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم. دا أنا شوية كنت حاضرب نار. انت خارج ولَّا داخل ولَّا انت
فين؟
سعد
:
أنا هنا يا بابا (يخرج من الباب الآرش وهو
يرتدي ملابس الميدان).
نصار
:
انت كنت نائم من بدري، إيه اللي صحاك؟ دا انا بإيدي لافف عليك الغطا،
صحيت ليه؟ (يفرك عينيه) الله إيه إلي انت عامله ده؟ لابس كده ليه؟
هنية
:
(تظهر على باب حجرة النوم مرتدية الروب) الله! إيه ده يا سعد؟
سعد
:
ما فيش. استدعونا قالوا لازم نسافر الليلة ونقدِّم نفسنا، اللي تم
تدريب واللي ما تمش.
نصار
:
تسافروا فين؟
سعد
:
غزة.
نصار
:
ليه؟
سعد
:
ما انت عارف يا بابا … اليهود هاجمين. انت مش عارف إن فيه حرب، وكمان
فيه إنذار مشترك، الله! ما انت عارف.
نصار
:
ويعني كنت عايزنا نصحى ما نلقاكشي ولَّا إيه؟
سعد
:
والله اللي حصل كده، مارضيتشي أزعجكم. وآدي انت عرفت أهه.
نصار
:
تخرج سرقة كده؟ انت رايح تحارب ولَّا رايح تشترك في سطو؟
سعد
:
حانعمل إيه؟ الواحد بييجي يعمل الحاجة قدامكم. ماترضوش، بتضطرونا
نعملها من وراكم.
هنية
:
شُفت بقى يا نصار؟ آدي اللي أنا عاملة حسابه من بدري. أقول لك سعد
بيدَّرب تقول لي ولا يهمك دا لعب عيال. أقولك حايحارب تقول لي هو فيه
حرب؟ يقولوا اليهود هجمت تقول تهويش. طب دلوقتي أنا أعمل إيه؟ أشق هدومي؟
أرقع بالصوت؟ ألم عليَّ البلد؟ صرَّفني حالًا أعمل إيه؟ أهو رايح يموِّت
نفسه أهه … أعمل إيه؟
نصار
:
اعملي لنا فنجان قهوة.
هنية
(مختنقة بالبكاء)
:
أعمل إيه أنا في مصيبتي السودة دي؟
نصار
:
بقول لك اعملي لنا فنجان قهوة. تشربها إيه يا سعد؟ سكر زيادة؟ واحد
سادة وواحد زيادة يلَّا اتحركي. انتي ليكي في الطبيخ في الغسيل، إنما
مسائل الحروب دي سيبيها لنا.
هنية
:
أسيبها لكم؟ أسيبها إزاي؟ لهو ابن مين ده؟ انت عارفه ابن مين ده؟ دا
انت إذا كان هو مسمي على اسمك بس … إنما دا حتة مني أنا … أسيبكو
إزاي؟
سعد
:
اسمعي وحياتك، كُتر الكلام مش حيفيد. خلاص انتهى وقت الكلام. دلوقتي
عايزيني أسلِّم عليكو أسلم. كلمة واحدة غير كده ما حاسمعهاش.
مفهوم؟
هنية
:
يعني تجيني شايلينك على نقالة ومش عايز كلام؟ تجيني الدم مدهولك
ولَّا البعيد متقطع حتت ومش عايز كلام؟ انطق يا نصار. صرفني أعمل إيه
دلوقتي؟
نصار
:
اعملي القهوة بقولك.
سعد
:
يا ستي أنا لي دماغ بفكر بيه. وإذا كنتي عايزاني أرجعلك تاني ما
تقوليش كده. أنا اللي في دماغي هو اللي حانفذه، إن شالله تنطبق السما ع
الأرض.
هنية
:
هي اللي بتكلمك غريبة يا بني؟ دانا أمك.
سعد
:
أمي ما تندبشي عليَّ كده.
هنية
:
أمال عايزني أزغرتلك.
سعد
:
أيوة. حد يودع ابنه بالطريقة دي؟ هو أنا رايح …
نصار
(وهو يدخل حجرة النوم)
:
أيوة صحيح هو رايح يحارب ولَّا رايح يندفن؟
هنية
:
ما هو يحارب زي يندفن. هم بيعملوا إيه غير إنهم بيدفنوا بعض.
سعد
:
يوهوه يا نينا. ما فيش فايدة من كلامي معاكي، ما فيش فايدة، أنا في
وادي وانتي في وادي. حرب ولَّا دفن انتي عايزاني أقعد جنبك؟
نصار
(عائدًا وهو لا يزال يرتدي البالطو فوق
الجلباب)
:
صحيح عايزاه يقعد جنبك يا ولية؟
هنية
:
أنا حارُد على مين ولَّا على مين؟ انت عايز تقتلني يا نصار انت
وابنك؟ أنا كنت عملت إيه في دنيتي يا ربي عشان يجرالي دا كله؟ عايز يسافر
تبقى تموتوني الأول.
نصار
:
يا هنية، قلت لك روحي اعملي القهوة.
هنية
:
ابعد عني يا أخي، سيبني أتكلم، أنا إن ما اكَّلمتش دلوقتي حاتكلم
إمتى؟
نصار
(يغضب حقيقي)
:
عليَّ الطلاق بالتلاتة إن ما رُحتي تعملي القهوة لتبقي طالق. سامعة،
ولَّا مانتيش سامعة؟
هنية
:
أبقى طالق أبقى طالق. وبعد سعد حايهمني إيه؟ أنا ضامنة إني حاخلف
تاني ولد ويكبر ويتعلم ويبقى مهندس زيه كده؟ احلف زي ما انت عايز.
نصار
:
(بنغمة خاصة) يا هنية.
هنية
:
يا نصار ارحم، ارحم يا نصار، دانا قلبي مهري من جوة. قلبي استوى
يا ناس ارحموا.
(تخرج وهي في حالة تأزُّم عنيف وبكاء.)
نصار
:
أعوذ بالله! إيه ده؟ نسوان عقولها فارغة. تعالَ يا سعد. ما شاء الله
ما شاء الله. حد طايل يكون له ولد بقى راجل زيك كده ورايح يحارب ويدافع
عن بلده؟ حد يزعل مِنْدي يا ولاد؟ تعالَ يا سعد. تعالَ هنا ف النور أما
أبصلك كويس. بالزمة مش حاجة تفرح القلب؟ وَلَا يا سعد، يخيِّبَك! بسم
الله ما شاء الله. تعالَ كده.
(يقف بجواره واضعًا كتفه بجوار كتف سعد.)
دا انت بقيت طولي حتى أطول مني. وشوف المغفلة أمك عايزة تقعدك
جنبها.
سعد
:
مرسيه يا بابا … يا سلام عليك، انت هايل. طب بقى قبل ما نينا تيجي
وتعمل لنا حكاية، سلام عليكو بقى. أصل سامح حيفوت عليَّ دلوقتي عشان نروح
سوا. سلام عليكو. أشكرك قوي يا بابا. مش حانسى لك دي أبدًا. انت أروع
إنسان في الدنيا. إنت وديني بطل. يعيش الحاج نصار بطل مصر والقومية
العربية!
نصار
:
أمال إيه؟ إنت فاكر يعني إن أبوك واد هلفوت من إياهم؟
سعد
:
أشوف وشك بخير يا بابا. عن إذنك بقى.
نصار
:
على فين؟
سعد
(باستغراب)
:
ماشي.
نصار
:
كدهه م الباب للطاق؟ استنى يا أخي شوية نشرب فنجان القهوة وأقولك
كلمتين من كلام الأبهات الفارغ ده اللي بيقولوه في المناسبات دي.
سعد
:
ضروري يا بابا؟ ما فيش وقت.
نصار
:
إلا ضروري؟
سعد
:
طب والنبي بسرعة يا بابا.
(يفتح مسعد باب حجرته ويطل منها وقد ارتدى جلباب
نوم.)
مسعد
:
الساعة كام يابا؟
نصار
:
الساعة اللي تسد بقك فيها وتنام.
مسعد
:
أنام إزاي وانتو عاملين الهيجان ده ف الصالة؟ شوية كده يا جدعان
اعملوا معروف.
(يختفي ويغلق الباب.)
سعد
(يهمس)
:
عايز تقول إيه يا بابا؟ وحياتك بسرعة. سامح أصله …
نصار
(مقاطعًا)
:
لاه … بسرعة إيه؟ دانا على مهلي قوي دا انت لازم تقعد هنا هه. وتقعد
كويس. أيوة كده وتولع سيجارة.
سعد
:
ما باشربش.
نصار
:
بتشرب.
سعد
:
أقسم لك يا بابا …
نصار
:
لا تقسملي ولا أقسملك. أمال إيه اللي نافخ جيبك اللي فوق دهه؟ طلعها
(يمد نصار يده ويخرجها) ولع واديني
واحدة وولع لي. وافتح لي مخك قوي واسمعني. أنا باشتغل إيه؟
سعد
:
يا بابا أنا مستعجل بتشتغل إيه إيه؟ صاحب ورشة نجارة.
نصار
:
وعارف أنا كنت الأول إيه؟
سعد
:
الله! مالوش لزوم ده.
نصار
:
حاتعرف لزومه حالًا. شايف الشنطة دي؟ دي كُنت باسرح بيها على باب
الله، أصلح كنب وكراسي. وفِكرك أنا ابتديت كده. عارف أنا ابتديت أشتغل من
إمتى؟
سعد
:
يا بابا.
نصار
:
ابتديت وأنا عندي تسع سنين. وبكتير؟ بتلاتة تعريفة ف اليوم. أي وحياة
الحسين والطاهرة بتلاتة تعريفة ف اليوم. كنت عايش بهم أنا وأمي. وتعرف
علشان أوصل لصاحب ورشة كان لازم أعمل إيه؟ كان لازم أتعشى شهور بعيش حاف،
وأبات أنا وأمك ليالي في الضلمة، وما اشتريش الجزمة إلا مستعملة وكل خمس
سنين، وأفضل أمشي حافي وأشيلها تحت باطي عشان نعلها ما يدوبش. علشان أبقى
صاحب ورشة كان لازم أدوس على كرامتي كتير، وأصهين كتير، وأتلزق على قفايا
ما تعدش، وأسمع شتيمتي بوداني وأسكت، ويتلعن أبويا قول ألف مرة ف اليوم،
علشان أبقى صاحب ورشة اتغربت وسافرت واشتغلت مع خواجات ويهود ونماردة،
وشلت غارات إسكندرية كلها على دماغي، وأسرني الطلاينة في طرابلس مرة،
وتُهت ف الصحراء أربعين يوم وأكتر من كده حاجات لو تعرفها يقف لها شعر
راسك. وعملت دا كله ليه؟ عشان أبقى صاحب ورشة. وأبقى صاحب ورشة ليه؟
علشان ما تشوفوش انتم اللي أنا شُفته. علشان ما تعيشوش فُقرا. الفقر انت
يا بني ما تعرفوش. ما تعرفوش يعني إيه الواحد لما يبقى فقير، ما وقعتشي
الدبانة ف الطبق اللي قدامك مرة واضطريت تشيلها وتغمِّس مطرحها، ما كلتش
العيش المخشب ولا الحاف ولا المعفن، ولا كانتشي غدوتك كلها أبدًا عبارة
عن حصوة ملح، ما قملتش، ما حستشي مرة أبدًا إن ريحتك طالعة وإنك قرفان من
نفسك، ما احتاجتش الشيء ومالقتوش، ماعشتش أمي لا تعرف تقرا ولا تكتب وكل
ما تشوف كلام مكتوب تحس إنك تُور، وإن اللي بيقروا بس هم اللي بني آدمين،
عارف؟ مقدر لما الواحد يحس إنه تُور بجد، وإن كل الباقيين بني آدمين؟
مقدر دي؟ ما تعرفشي انت الفقر يا بني وكان لازم ما تعرفوش، وعلشان كده
أنا تعبت واتعذبت واتغربت وشقيت عشان أضمن إنكم مش حاتشوفوا اللي
شُفته.
سعد
:
يا بابا فاهم. بس دي حاجة واللي احنا فيه حاجة تانية.
نصار
:
مستعجل على إيه؟ جايلك أهه في اللي احنا فيه وجاوبني. تقدر تقول لي،
أديني كافحت العمر الطويل دا كله، وثروتي النهارده إيه؟
سعد
:
الورشة طبعًا.
نصار
:
لاه. ورشة إيه؟ ثروتي انتم. إنت … إنت بالذات ثروتي. إنت كفاحي في
التلاتين سنة دول. إنت اللي طلَّعت أخوك مسعد دهه من المدارس علشان أقدر
أشغَّل معايا واحد ف الورشة وأعلِّم واحد … أعلِّمك إنت … إنت اللي فات
من عمري وانت اللي جاي، إنت مستقبلي … مستقبل إخواتك، إنت اللي حاضمن بيك
مستقبلهم. وبعد ما عملت أنا دا كله في سنين طويلة وسنين، جاي انت بسلامتك
النهارده عايز تضيعه في شربة مية. في لحظة، في نزوة طايشة، في لعبة؟
وعايزني أسيبك؟ وعايزني أطاوعك؟ ياخي دا ولا في الأحلام.
سعد
:
خلصت يا بابا.
نصار
:
يعني إيه خلصت؟ هو أنا بتكلم علشان انت ترد عليَّ؟ هو احنا في محكمة؟
أنا باتكلم كلام تسمعه وبس.
سعد
:
مش ممكن أسمعه وبس. ما فيش حد ف الدنيا بيسمع وبس. أنا مش شاكوش ولا
دكر أرنب مربيينه ف البيت. أنا بني آدم. أنا ابنك صحيح إنما أنا إنسان لي
عقلي وتفكيري ولساني، ولِيَّ كلامي اللي لازم تسمعه.
نصار
:
عايز تقول إيه؟
سعد
:
اسمع يا بابا. المرة دي احنا مش بنكلم على مصاريف الكلية أو تمن
البدلة. المسألة عامة … قضية عامة يا بابا. حاجة ماكنتش أبدًا أعتقد إنها
ممكن تبقى موضوع مناقشة بيني وبينك. بابا … لازم تفتح عينيك كويس وتشوف
اللي جوايا. ما تغمضش عينيك … انت قاعد مغمضهم من زمان كل اللي كنت شايفه
فيَّ إني سعد ابنك. لا، أنا مش ابنك وبس، أنا واحد تاني. لي حياة تانية
وآمال مُؤمِن بيها. الله! أنا بحب بلدنا يا أخي … جريمة دي؟ اشنقني
بقى.
نصار
:
واشنقك ليه يا بني؟ أنا كمان بحبها. دا حُب الوطن من الإيمان يا بني.
بس الحب شيء والموت والجنان دا شيء تاني.
سعد
:
دا مش جنان يا بابا. أنا مش أهبل ولا طايش ولا اللي بقول عليه دا
نزوة. دا مش من النهارده بس، دا من أيام أما كنت باجيلكو بهدوم مقطعة م
المظاهرات وتقول لي بتعمل كده ليه؟ أسكت. تحلِّفني إني ما اعملهاش أرجع
أعملها تاني … أنا مؤمن بحاجة تانية، والإيمان ده عايش جوايا من زمان.
والخلاف اللي بيننا ده مش أول خلاف، بس كان زمان ع المظاهرات دلوقتي ع
الحرب. زمان ما كنتش أعرف أقول ليه، دلوقتي عرفت. دلوقتي أقدر
أكَّلم.
نصار
:
ما تكَّلم يا أخي … اتكلم. عاوز تقول إيه بسلامتك؟
مسعد
(خارجًا من حجرته وهو بجلباب النوم)
:
ما دام بقى ما فيش نوم وفيها كلام، نسمع.
نصار
:
خُش أوضتك واقفل عليك بابك.
مسعد
:
وأعمل إيه؟
نصار
:
تنام وما اسمعشي حِسك.
مسعد
:
وأنام إزاي وأنا جوة سامع حِسك؟ ربنا ما يحرمنا من حِسك. يعني يا سي
سعد ماكنتش قادر تخرج من سُكات وكان بلاش الهللولة دي؟
سعد
:
انت بتقول إيه انت راخر؟ انت فاكرني عملت دوشة وصحيتهم؟ هم اللي
صحيوا.
مسعد
:
وأديني أنا راخر صحيت. نقعد نسمع بقى وأمرنا إلى الله.
نصار
:
تقعد بأدبك ولا تفتحشي بُقك. عاوز تقول إيه يا باشمهندس؟
سعد
:
عايز أقول إيه؟ أيوة (يتنحنح
مرتبكًا) النهارده بلدنا في خطر. أيوة خطر صحيح. ولازم ندافع
عنها.
نصار
:
هيه؟
سعد
:
أنا مع احترامي لكلامك يا بابا بس أنا شايف إن مصر عندك هي عيلتنا
بس. عندي أنا عيلتنا الحقيقية هي مصر … وعيلتنا دي في خطر فلازم ندافع
عنها.
نصار
:
تدافع عن مين يا بني؟
سعد
:
عنا يا أخي … الله! عنك … عن أخويا مسعد ده. عن جيراننا. عن أمي. عن
قرايبنا وأصحابنا وأصحاب أصحابنا عن كل المصريين أهل بلدنا. وأهل
إسكندرية وحلب وكل واحد يقول أنا عربي.
مسعد
:
الظاهر الواحد ابتدى يستمخ م الكلام.
نصار
(لمسعد)
:
احترم نفسك واقفل بُقك العكر دا ولا تفتحوش. (ثم لسعد) يا بني جيرانا مين وأهل إسكندرية
مين؟ أنا محدش جاع لما جُعت، ولا حدش اتعرَّى لما اتعريت، اشمعنى ساعة
الجوع أجوع لوحدي، وساعة الموت عايزني أموت علشانهم؟ ما حدش يابني بيجوع
عن حد، ولا حدش بيموت عن حد. كل واحد بيدافع عن نفسه بس، ويدافع لما يكون
حد مهاجمه.
سعد
:
أمال لما المسألة كده كنت بتتعب وتجوع وتخاطر بحياتك علشانا ليه؟ ما
قلتش ساعتها إن كل واحد مسئول عن نفسه.
نصار
:
وانتم غُرب عني يا بني؟ دا انتم عيلتي وأولادي، إنتم أنا.
سعد
:
وأهي مصر رخرة أنا.
نصار
:
انت ابني يا بني.
سعد
:
بس النهارده لازم أكون ابن مصر.
مسعد
(يغمغم لنفسه)
:
الكلام كلام حلو يا جدعان بس يا خسارة الرك ع التنفيذ.
نصار
:
(لمسعد) ولا كلمة بقول لك. (لسعد) مصر دي إيه دي؟ مصر دي كانت
خلِّفتك ولَّا ربتك ولَّا علمتك ولَّا قاست عشانك؟ إنت ابني أنا.
سعد
:
أنا ابنك وانت ابنها وكلنا أولادها. ومش انت ربتني بس … كل الناس
ربوني، وانت ما علمتنيش القراية والكتابة اللي علمني مدرس مصري، واللي
عالجني دكتور مصري.
نصار
:
كل الناس مين دول؟
سعد
:
الناس اللي سلِّفوك وانت فقير، واللي قاولوك لما اغتنيت، واللي
اشتغلت عندهم وانت صبي، واللي اشتغلوا عندك لما كبرت، واللي بنوا بيتنا
وبيَّضوه، واللي بيصطادوا لنا السمك، ويزرعوا لنا الرز. ماتعرفشي دول؟ هو
فيه حد بيعلم نفسه ولَّا يربي نفسه؟ دول كلهم النهارده في خطر … مش لازم
أدافع عنهم؟
نصار
:
وتعرَّض نفسك للهلاك؟
سعد
:
أعرَّضها.
نصار
:
وإذا مُت تبقى عملت إيه بشطارتك؟
سعد
:
أبقى عملت الواجب.
نصار
:
الواجب؟
سعد
:
أيوة الواجب اللي خلاك تخاطر بحياتك علشانا.
نصار
:
حاقول لك إيه يا بني؟ كلامك جميل بس مش داخل هنا (مشيرًا إلى قلبه) دماغي يا بني وياك بس
قلبي أوديه فين؟
سعد
:
قلبك يجَمِّد قلبي.
نصار
:
قلبي أنا؟ يا بني انت مش شايف قدامك إلا البلد اللي بتقول عليها بس،
مانتاش شايفني ولا حاسس بي … أنا شايفها وشايفك. وإذا كان من جهتي أنا إن
مصر بتاعتي، فافرض لا قدر الله مُت ساعتها تبقى مصر بتاعتك عندي تسوى
إيه؟ قنال السويس يسوى إيه؟ الشعب اللي بتقول عليه يسوى إيه؟ الدنيا
بحالها تسوى إيه؟ انت مستعد تموت عشان البلد تعيش، وانت ما تعبتش فيها
ولا لكشي فيها أي حاجة. أنا تعبت فيك ولي فيك كل حاجة، ومستعد أموت ميت
مرة عشان تعيش انت مرة واحدة.
سعد
:
مستعد تموت علشان أنا أعيش. كلام كويس … وإيه فايدتي أنا بقى؟ أنا
فين في الحكاية دي؟ هو انت تعمل كل حاجة وأنا ما اعملش حاجة أبدًا؟ اسمع
يا بابا، أنا ممكن أكون رايح صحيح أدافع عن بلدنا، بس انت عايز الجد أنا
لي هدف خاص من المرواح.
نصار
:
هدف إيه؟
سعد
:
عايز أعرف أنا أستحق أكون راجل ولَّا ما استحقش. عايز أعمل حاجة …
عايز أمتحن نفسي … عايز أشوف ساعة الجد الواحد يبقى إزاي.
نصار
:
وتمتحن نفسك على حسابي أنا؟ وتمتحن نفسك ليه؟ ما انت أهه راجل ملو
هدومك قدامي.
سعد
:
راجل إيه يا ناس! الرجولة دي مش سن، دا لقب كبير … رُتبة، لازم
الواحد يعمل حاجات كتيرة علشان يستاهلها. الناس بتقول على الواحد راجل
لما بيكون شجاع وملو هدومه. وبتقول عليه مَرَة مش لأنه أنثى، لأنه خوَّاف
وجبان وجعجاع. فانت عايزني مَرَة ولَّا راجل؟
نصار
:
أنا عايزك مهندس.
سعد
:
عشان أبقى مهندس لازم الأول أبقى راجل، والمهم إنك تخلِّف راجل مش
مهندس.
نصار
:
ما انا خلِّفت رجالة أهه. انت يا بني عندي أرجل راجل.
سعد
:
وهو المهم عندك؟ المهم عندي أنا، سيبني أثبت لنفسي وأطلع
راجل.
نصار
:
تثبت لنفسك إيه يا بني؟ انت قدامنا راجل ابن راجل. قدامنا راجل ولَّا
لأ يا مسعد؟ ما تنطق! افتح بُقك العكر ده وانطق.
مسعد
:
قلنا ننطق قلتو اطلعو م البلد.
نصار
:
انطق.
مسعد
:
كلامه معقول يابا.
نصار
:
طب اخرس بقى ما تنطقشي.
مسعد
:
أهو ده جزى للي يقول كلمة الحق.
نصار
(بزعيق)
:
تثبت لنفسك إيه؟ تثبت لنفسك علشان تضيَّع نفسك؟ تيجي تثبت إنك راجل
تطلع جثة.
سعد
:
الله! ما تسيبني يا أخي. إذا طلعت جثة طلعت لنفسي، وإذا طلعت راجل
طلعت لنفسي. ما تسيبني أنا رايح أدافع عن حاجة مؤمن بيها، عن حاجة في دمي
وكياني وأعصابي. الله! أنا حر في نفسي. لازم تفهم دي يا بابا. أنا مش جزء
من ممتلكاتك. أنا صحيح كنت جزء منك بس دلوقتي كبرت وبقيت مستقل، بقيت
واحد لوحدي لي رأي، ومن حقي ولا بد ان انفذ اللي في عقلي … أنا، مش اللي
في عقلك إنت.
هنية
(داخلة حاملة صينية القهوة)
:
اتفضل القهوة يا حاج نصار بالهنا والشفا. اشربها يا خويا وعَمَّر مخك
قوي. اشربها وديني كله منك انت … وربنا المعبود كله منك.
نصار
:
أول مرة أسمعك يا ولية تكَّلمي كلام مظبوط. كله مني أنا صحيح، أتعب
نفسي أنا واضيَّع عمري وشبابي، وبعدين يطلعلي حتة ولد أوديه المدرسة
يتعلم عشان ييجي في الآخر يقول لي أنا مش جزء منك.
سعد
:
لا مؤاخذة يا بابا ما أقصدشي، أنا برضه متأثر من كلامك وزعلان لزعلك.
بس انت فاهم إني رايح انتحر … أنا مش رايح انتحر يا بابا، رايح أعيش،
أقسم لك إني رايح أعيش.
نصار
(بعصبية وضيق صدر)
:
يعني ضامن إنك تعيش؟
سعد
:
أضمن منين؟ حد ضامن إنه يعيش … إنت ضامن يا بابا إنك تعيش؟
نصار
:
اللي يلزم بيته يضمن حياته. اقعد هنا وأدِّي واجبك، وإذا كنت عايز
تدافع دافع عنَّا وعن بيتنا.
سعد
:
يعني أشوف الخطر جاي وأعمل إني مش شايفه؟ بلدنا وأرضنا في خطر وأقعد
أنا في بيتي؟
نصار
:
بلدك وأرضك أهم (مشيرًا إلى أرض
الصالة).
سعد
:
كل مكان في مصر النهارده أرضي.
مسعد
:
فلتعيش يا خويا يا سعد … أنا جسمي قشعر. أهه ده الكلام.
نصار
(يجذب مسعد من يده)
:
طب فِز قوم بقى.
مسعد
:
والله ما أقوم.
نصار
:
عليَّ الطلاق إن ما قُمت …
مسعد
:
عليَّ الطلاق ما أنا قايم!
نصار
:
إنت بتحلف عليَّ بالطلاق يا كلب؟
مسعد
:
ما انت حلفت عليَّ بالطلاق.
نصار
:
طيب أما أروق لك. (ثم ينفجر بغضب
شديد) هو أنا كفرت يا عالم؟ أنا حالاقيها منين ولَّا منين؟
(لسعد) اسمع يا ولد. وديني لما تطَلَّعلي أبويا من طربته يقول لي كلامك
ده ما يدخل مخي.
سعد
:
الله! هو انت بس يا بابا؟ دا أبو سامح كان حايطرده م البيت لما مارحش
المعسكر يوم.
نصار
:
سامح أبوه يا بني ما تعبش فيه. مولود وفي فمه معلقة من الدهب، أبوه
دكتور صاحب أجزاخانة. إنما أنا تعبت فيكم. عايزني ألعب بيكم قمار؟ حرام
عليك يا بني دا أنا أبوك. انت نسيت إني أبوك؟
سعد
:
الكلام ده نفسه سمعته من أمي دلوقتي.
نصار
:
ما انت يا بني اللي خليت كلامي يحصَّل كلام أمك. ماعدش عندي أقوله
إلا كلام النسوان.
مسعد
:
وحامق روحك كده ليه ما تسيبه يروح.
نصار
:
ما تخرس انت قطع لسانك. فِز اصلُب حِيلك قوم. فِز قُوم عليَّ الطلاق
ما انت قاعد.
هنية
:
قوم يا مسعد قوم.
مسعد
:
نقوم. هه … قُمنا (يخبط على باب
حجرته) يالله يا بت يا فردوس. مش عايزة تروحي بيت أبوكي؟
يالله بينا أوديكي.
فردوس
:
لا مش حاروح.
مسعد
:
الله! ما كان دلوقت راكبِك عفريت المرواح.
فردوس
:
أنا جاني الهاتف دلوقتي وقال لي الصباح رباح يا فردوس.
مسعد
:
بقى جالك الهاتف؟ والله عال! يلَّا معاي يا بت.
فردوس
:
ما قلنا الصباح رباح.
مسعد
:
عليَّ الطلاق …
نصار
(متدخِّلًا)
:
طلاق في عينك. انت ما فيش في بُقك إلا كلمة الطلاق؟ غور من
وشي.
مسعد
:
ماغورشي. دهده! ما تسيبونا بقى ندبر أمورنا وكل واحد أولى
بمراته.
فردوس
:
أنا مش من أمورك يا ادلعدي.
مسعد
:
ليكي حق، إذا كنتي بتسمعي كلام الهاتف ولا تسمعيش كلامي (يحاول جذبها بالعنف) يلَّا يا بت.
نصار
(يجذبه من يده)
:
قلت لك غور من وشي … اسمع يا ولد انت وهُوَّ … اللي مش سامع منكم
يسمع. البيت ده بيتي أنا، وطول ما أنا عايش كلمتي بس هي اللي تمشي فيه،
وأمورك دي تدبرها في بيتك لما يكون لك بيت.
مسعد
:
برضه ليك حق يا حاج … البيت ده يظهر إنه مش بيتي (لسعد) مستنيك ع المحطة يابو السعود بس
ماتتأخرش، حاكم شايفك ملقلق كده إوعى يغلبوك.
نصار
:
على برة امشي.
مسعد
:
ماشي يا حاج أهه ماتعكرشي دمك. ماشي، إياك اعتر لي أنا راخر في حتة
مصر تنفع لي.
هنية
(بعد اختفاء مسعد)
:
يا مسعد، يا مسعد.
نصار
:
سيبيكي منه. كلها سواد الليل ويقرصه الجوع وتلقيه راجع. وانت بقى
يا سعد باشا إيه رأيك؟
سعد
:
أنا؟ أنا معادي مع سامح قرَّب يا بابا … وأنا ما عنتش قادر أتناقش،
وما فيش فايدة من النقاش. ولا عمري باقنعك ولا عمرك بتقنعني، فبنتناقش
ليه؟ (يأخذ طريقه إلى الباب) عن إذنك يا بابا. سلامو عليكم.
نصار
(معترضًا طريقه)
:
رايح فين؟
سعد
:
إوعى يا بابا.
نصار
:
أوعى؟ أوعى إزاي يا بني؟ انت فاكرني مجنون؟ أسيبك تموت! دا انا أبقى
حيوان، دا حتى الكلاب يابني بتحافظ على أولادها، أسيبك إزاي؟ البلد فوق
دماغي من فوق. إنما إذا كان لا بد حد يموت أموت أنا، أنا خلاص يلَّا حُسن
الختام، إنما انت لسة بدري … لا يمكن أسيبك تتفعص. انت مش بتقول الناس هم
اللي عملوا لي الورشة داني مديون لهم وهم دلوقتي في خطر؟ أنا اللي أرد
الدين. هي مصر عملت لك انت إيه؟
سعد
:
إوعى يا بابا! كفاية إنها عملتك لي، وهي اللي حاتعمل لي
المستقبل.
نصار
:
كلام فارغ، مستقبل إيه؟ هو فيه بعد الموت مستقبل؟ خليك انت للمستقبل
وخليني أنا مع اللي فات. أنا بدالك.
(تُسمع صفارة من الخارج.)
سعد
:
دا سامح يا بابا … إوعى من فضلك، ماحدش بدال حد. يوم ما قامت الحريقة
الصغيرة في الورشة كل الناس كانت بتطفي وما كانش حد بيقول أنا بدال حد ثم
(بحماس) النهارده حريقة كبيرة في الورشة الكبيرة. إوعى من فضلك. الله!
انت عايزني أتخانق معاك ولا إيه؟
نصار
:
اللي تحسبه.
سعد
(بهياج)
:
مش كده يا بابا عيب. إوعى.
نصار
(يدير له خده)
:
اضرب. تحت أمرك.
سعد
:
يوه! يا ناس مش كده. مش كده. الله ماتخلينيش أتجرأ عليك. إوعى من
فضلك (يهم بدفع أبيه).
نصار
:
الله! كده يا سعد، هي حصَّلت؟
سعد
(منفجرًا)
:
إنت اللي مخليني أعمل كده. وأنا بقول لك أهه. أنا مستعد أرتكب أي
حاجة. فاهم؟ أي حاجة. وديني أي حاجة.
نصار
:
يعني ما فيش فايدة يا سعد؟
سعد
:
ريح نفسك.
نصار
:
طيب يا بني انت حُر، أنا عملت اللي عليَّ وانت حُر. آدي انت بقيت
كبير ومتعلم صلاة النبي راجل ترفع عليَّ إيدك. انت حر.
سعد
:
يا بابا …
نصار
:
ما دام المسألة حصلت كده خلاص يا بني اللي عايزه اعمله.
سعد
:
إنت أصلك …
نصار
:
انتهيت. بس لي رجاء واحد عندك … رجاء صغير.
(تُسمَع صفارة سامح من الخارج.)
سعد
:
إيه؟
نصار
:
تستنى دقيقة واحدة ألبس وآجي معاك أودعك ع المحطة.
سعد
:
ما فيش داعي يا بابا تتعب نفسك، وسامح دلوقتي قلق وما فيش
وقت.
نصار
:
أتعب نفسي إيه يا بني؟ وده معقول! حد عارف الموت م الحيا يا سعد؟
يمكن يمكن يا بني — حد عارف — أودعك واللقا بقى يا بني يوم اللقا؟
سعد
(مخنوقًا بالبكاء)
:
بابا.
نصار
:
دقيقة واحدة ألبس وأجيلك.
سعد
:
بس بسرعة يا بابا وحياتك.
نصار
(يتجه إلى الباب الآرش ثم يتوقف)
:
بس أنا خايف يا باشمهندس من حاجة … انت مالكشي أمان، تخليني أخش من
هنا وتمشي انت من هنا.
سعد
:
لا، مش حامشي يا بابا … بشرفي ما حامشي.
نصار
:
على بابا الكلام ده؟
سعد
:
ثِق في كلمتي يا بابا … وبسرعة ما فيش وقت أرجوك.
نصار
:
لا لا يا عم. انت تدخل هنا (مشيرًا إلى باب
حجرته) وأقفل عليك بالمفتاح لحد ما أخلص لبس. ما اضمنكشي إلا
كده.
سعد
:
عيب يا بابا.
نصار
:
تبقى لازم عايز تضحك عليَّ وتمشي.
سعد
:
أبدًا أبدًا.
نصار
:
إذا كان كده خايف تخش ليه؟
سعد
(بعصبية)
:
أنا مش خايف بس ما عدشي وقت.
نصار
:
خش خش ما تخفش تعالَ (يجذبه من يده ويدخله
الحجرة).
(تُسمَع صفارة سامح من الخارج.)
سعد
:
يا بابا ما فيش وقت. أنا خشيت أهه، ما فيش داعي تقفل.
نصار
:
وده اسمه كلام؟ يبقى لازم في نيتك حاجة (يتجه إلى البوفيه ويفتح درجًا فيه) المفتاح كان هنا.
أهه.
سعد
(يضحك)
:
أنا ما فيش في نيتي حاجة. بس إوعى انت يا بابا يكون في نيتك حاجة
وتقفل عليَّ ولا تفتحشي.
نصار
:
هو أنا يا بني عيل صغير؟ يرضيك أحلفلك بإيه؟
سعد
:
برحمة والدك اللي ما بتحلفش بيها باطل.
نصار
:
طيب يا سيدي. ورحمة أبويا (يغلق الباب
بالمفتاح مرتين) ما انا فاتح أبدًا يا سعد إلا أما يرجع كل
شيء كما كان.
سعد
:
الله! مش كده يا بابا. مش وقت الهزار. افتح الباب (يخبط على
الباب).
نصار
:
أنا صدقت أقفل عليك.
(تُسمَع صفارة سامح من الخارج.)
سعد
:
(ينهال على الباب ضربًا) افتح. الله!
افتح بقول لك. دا شغل عيال ده. انت حلفت برحمة أبوك. افتح يا
بابا.
(يُسمع طلقة مدفع ثم صفارة سامح من الخارج.)
نصار
(وهو ينظر من الشباك)
:
يا أستاذ سامح سعد سبقك على المحطة وبيقول لك تحصله. مع
السلامة.
سعد
:
افتح الباب بقول لك. ودِيني أكسره (يخبط
على الباب).
نصار
:
تكسره؟ دا يا بني باب زان أنا اللي عامله على إيدي. إن كنت جدع
اكسره. انت مش عايز تثبت إنك راجل؟ اكسره إن كنت راجل.
سعد
(وهو ينهال على الباب خبطًا ودفعًا)
:
افتح بقول لك، وديني أرمي نفسي م الشباك.
نصار
:
دا حديده مايفوتشي دراع. ارمي.
سعد
:
افتح يا حاج نصار. افتح بقول لك. دا مش شُغل رجالة … دا شغل جبانات.
افتح … افتح يا جبان.
نصار
:
أنا جبان يا بني؟ معلهش. بكرة لما تخلِّف تعرف أنا عملت كده ليه …
وساعتها حاتعرف إن أبوك ما كانش بيعمل كده لأنه جبان.
(يتوج كلامه الأخير بهدير مدافع من الخارج.)