ميناء القدر
قصة طويلة كتبها الأستاذ فيكتور حكيم، ولعلها تكون أول أثر أدبي له في لغته الأم، عرفناه في الأدب الفرنسي من كتاب الطليعة، وها هو يكتب لنا قصة طريفة بالعربية، عنوانها ميناء القدر؛ لتكون مرفأ لسندباد بحري بيروتي، وهكذا لم يضع حق بيروت من بطل كهذا.
أعجبتني قصة الأستاذ حكيم؛ لأنها ليست من الطراز الذي مللناه لكثرة التهافت عليه، فما كان أحوجنا إلى مثل هذا اللون يدخله على مأدبتنا القصصية كاتب كالأستاذ حكيم! نعم، إنه لا يجيد كتابة العربية كالفرنسية، ولكنه في مثل هذه القصة التي أبدعها لا يحتاج إلى أكثر مما فعل. ليس لنا أن نطلب من الأديب أن يفصل قماش فنه على ذوقنا، وليس لنا أن نعد قصته غير ناجحة لأنها غير مفصلة على الهنداز الذي عرفناه من الكتب، فالذي يخلق فنه هو أجدر بالذكر والحياة من الذي يسير وراء غيره على الطرق المعبدة.
أهدى رينه بازين قصته الراعوية التي عنوانها القمح إلى أناتول فرانس، ثم جاء ليرى رأيه فيها، فقال له فرانس: ما لك ولهذا اللون؟ فقد كتبت فيه جورج ساند. اخلق لونًا جديدًا إذا شئت أن يبقى لك ذكر.
وعندي أن الأستاذ فيكتور حكيم قد أحسن بتغلغله في فيافي الخيال، وبجعل ساحة معركته البحر، وهل هناك أغنى من البحر؟ وهل أصلح منه ساحة يصطرع فيها الإنسان والقدر؟
كان البحر ميدانًا، للبناني الأول، فاستخرج منه ما أخرج، وها هو ذا اللبناني الجديد يستكشف سر الغد المغلق.
وإذا كان همنغواي الكاتب الأميركي الشهير صارع دلفينًا من دلافين البحر، فها هو ذا فيكتورنا يصارع القدر، ومن يستطيع أن يأخذ من القدر حقًّا أو باطلًا؟
أقول هذا وإن كنت لا أستطيب ألغاز الحياة ولا أحاول حلها، ففي نظري أن الحياة وجدت لنحياها لا لكي نحلل أسرارها التي لا تحل، ولكن في القصة كل شيء محلل وجائز وطريف. من منا لا يعجب برؤيا يوحنا؟ ومن منا لا يحاول قراءتها وإعادة تلك القراءة؟ فهي سندباد سماوي يحاول أن يحل لنا سر الخلود والمصير.
إن مخيلة الملهمين تخلق العجائب، وقد تدرك بالإلهام ما يمكن أن يكون حقيقة لا غبار عليها، ولكن الحقيقة التي يحاول كشفها الملهمون منا لا تظل وراء الحجاب لو كانت موجودة. أخذ الله بيد الحكيم ليواصل رحلاته ولا يطوي شراعه.