الظل الكبير
عنوان مجموعة أقاصيص للآنسة سميرة عزام، وقد أصدرت قبلها مجموعة أخرى من طرازها عنوانها «أشياء صغيرة». ذكرني هذا العنوان الأخير بكتاب لألفونس دوده عنوانه «الشيء الصغير»، كما ذكرني العنوان الأول «الظل الكبير» بحكاية ثعلب لا أذكر أين قرأتها، قالوا: أقعى ثعلب على صخرة مع الفجر، وراح يفكر كيف يحصل قوت ذاك النهار، فقد طاردته الكلاب والناس أمس، وانتزعوا من فمه ذاك الديك الأرقش، فعاد إلى وكره مكسورًا، وربحت الكلاب المعركة، ونام هو بلا عشاء.
وبينما كانت تلك الأفكار السوداء تملأ رأسه إذا بالشمس تطلع من خلفه، فيرى ظله الممدود على صخور الجبل المناوح فقال: لا بد لغدائي من جمل؛ فكيف أحصله؟ ثم ارتفعت الشمس قليلًا فتقلص الظل، ولما رآه قال: يكفيني خروف، وارتفعت الشمس أكثر فتضاءل الظل فقال: نشكر الله صار يكفيني ديك حبش، وابتلع الوادي ذاك الظل، وإذا به ينكمش كما كان فقال: لحم الدجاج أطيب اللحوم؛ فلنسعَ وراء رزقنا.
تلك حالة بطلة أقصوصة الظل الكبير التي حملت المجموعة اسمها، وهي حكاية طريفة تصور لنا تعنُّت الفتيات الذي يؤدي بهن إلى العنوس.
وفي الكتيب أقاصيص أخرى تصور حالات شتى من حالات الأنثى تصويرًا دقيقًا تحسنه الآنسة سميرة عزام أيما إحسان، وليس عهدي بالآنسة عزام بقريب، فمنذ ١١ / ١١ / ١٩٥٠ ظللت أنصت إليها وأسمع أقاصيصها وأقاصيصهن زهاء ثلاث سنوات ونصف السنة، وأعلق على ما أسمع من محطة الشرق الأدنى، وأنتقد انتقادًا شديدًا من غير عنف. كانت تعجبني أقاصيصها وما زالت، وإذا خفت عليها من شيء، فمن رسالة أديبنا الذي يحب أن يتفلسف؛ الأستاذ ميخائيل نعيمة. إن هذه «المراسيم» التي تصدر عن ناسك الشخروب يغر ثناؤها الشيوخ، فكيف بالغواني؟! ترى أما وجَد الأستاذ ضعفًا قط ليبرئ ذمته ويكون انتقد؟
فلنفرض أن الآنسة سميرة عزام بلغت درجة موبسان وتشيكوف وجورج ساند، فلا بد مما يقال، ألم ير إلى اللحن والخطأ اللغوي وإن كانا قليلين؟ مسكينة اللغة وقواعدها، وأصبحت لا يُسأل عنها كأنها ليست من مقومات الكاتب والكاتبات، وكأني بها تهتف في أذن ميخائيل صارخة: وأنت أيضًا يا بروتوس؟
اثنان خطرهما شديد على حملة الأقلام من ذكور وإناث: مقدمات سعيد عقل، ومراسيم ميخائيل نعيمة، فعسى أن لا تغر من تكتب لهن ولهم، ويقفوا حيث هم. وإني أنصح الآنسة سميرة عزام ألا تنام على إكليل الغار، فتظل حيث هي. إن ما أدركته الآن لا يكفي، فعبارتها يجب أن تصفى وتنقى، والحوار الذي تتولى هي أكثره بالنيابة عن شخوصها يجب أن يترك لهم لتسير الأقاصيص سيرًا هينًا لينًا.
إننا في حاجة إلى من يصور أفكار المرأة وهواجسها وميولها، ومن أدرى بهذا من أنثى موهوبة خواص القص مثل صاحبة الظل الكبير وأشياء صغيرة؟ فليتها تخرج من هذه الدائرة وتراقب الجنس الخشن، أيضًا، فالشباب يستحقون من يصورهم، ويصفع من كانوا على شاكلة فارس أحلام بطلة الظل الكبير. يظهر أن هذه البطلة كانت حافية، وإلا لكانت أسمعتنا خفق النعال بدلًا من «مسح دموع عينيها وشق الطريق في عتمة المساء.»
وأخيرًا أثني أحر الثناء على صراحة سميرة عزام المغلفة بالمخمل الناعم جدًّا، وحسبك أن تقرأ ختام أقصوصتها «القارة البكر» فتوافقني وتشاركني في هذا الثناء العاطر.