محاضرات ومقالات تربوية
هذه كلمة — ستليها كلمات — جرنا إليها الفحص العتيد ومحاضرات في التربية والتعليم للأستاذ واصف بارودي، مفتش معارف الجمهورية اللبنانية. أخرجتها مكتبة الكشاف في ثلاثة أجزاء بعدما ألقاها مؤلفها في مدن مختلفة، وأذاعتها الصحف والمجلات في حينها تعميمًا للفائدة. إن مواضيعها طريفة نفيسة، وقد عالجها الأستاذ بارودي متوخيًا إفادة المعلم والمتعلم لا التفاصح والشهرة. لا يزعم المؤلف أنه كانت أو سبنسر أو ديوي ودُركايم في التربية وفلسفتها. إنه رجل ينهض بأعباء واجبه، ومن أحرى من المفتش بتشخيص الداء ووصف الدواء؟
إن الناظر إلى محاضراته ومقالاته نظرة متسلسلة يدرك التطور السريع في تفكيره وتعبيره، فالمجموعة الثالثة أرقى فنًّا وأسلوبًا، ثم يزداد تعمقًا وبُعد نظر في مقال «الضمير في المجتمع والتربية». وهذه المقالة وأخوات لها لا تزال لؤلؤًا منثورًا لا ينظمها سلك.
قل بيننا من يُعنى بالتربية والتعليم، وندر من ناقش المعلم ليصل وإياه إلى طريقة تعليمية أقرب إلى العمل منها إلى النظريات، وأندر من كليهما من شمر عن ساعديه ليسعف الأستاذ على سياسة القطيع الصغير الذي عهد إليه برعيه.
المدرسة بحاجة شديدة إلى التجدد، وإلى نبذ تلك الطرق القديمة العقيمة التي لم تجد منها الأمة إلا الانحطاط والخمول. هي بحاجة شديدة لاعتناق المذاهب التربوية العلمية الحديثة، والتي تتفق مع ما تتطلبه كل أمة تنفض عنها غبار الخمول والجمود، وتنتزع للحياة الصحيحة بكل ما فيها من مظاهر سامية، وحركات مباركة.
ولا تتخلَّص المدرسة من تلك الطريقة الببغائية العقيمة، التي تزرع في أدمغة التلاميذ بذور الغرور والعُجب، وتبعدهم عن العمل المنتج، إلا إذا تبادل رجال التربية والتعليم في الأمة الآراء حول الطرق الحديثة، وكتبوا فيما يرونه أكثر ملاءمة للبيئة التي يعيشون فيها؛ إذ بتبادل الآراء وتصادمها تظهر بارقة الحقيقة.
لا رقي لأمة إلا برقي معاهد التربية في بلادها، ولا ترقى تلك المعاهد إلا بمطاوعتها لما يقتضيه العصر، عصرنا، وتتطلبه الأحوال الطارئة عندنا، من مبادئ وأصول يجب أن تكون في صميم الطرق التي تسير عليها المدرسة. ولا ندعي الكمال فيما نكتب، وإنما هي محاولات يغذيها الإخلاص في المبدأ، والغيرة على هذه الأمة المتحفزة للوثوب، والتي لا تستطيع الوصول إلى غرضها إلا بالتربية الصالحة التي تنهض بالأمم وترفعها إلى المستوى اللائق.
فهدفنا واحد لم يتبدل، وهو نشر المبادئ الحديثة لفن التربية والتعليم بصورة عامة، والتفكير في إيجاد وسائل جديدة لتدريس لغتنا المحبوبة.
لا عجب أن رأينا الأستاذ بارودي يوجه كل اهتمامه إلى تدريس اللغة العربية، فهو ربيب عمه العلامة الحسيني الجليل صديق الشدياق العظيم، ناهيك بأن اللغة القومية تحتل في جميع المناهج العالية صدر المقام. وهذا جون ديوي إمام فلاسفة التربية يضع اللغة القومية في رأس المنهاج، ويليها الحساب فالجغرافية وعلم الصحة، أما الكيمياء والفلسفة والجبر والهندسة والفلك فيراها تصلح لفريق من الناس دون غيره، ويضعها في المحل الثاني من المنهاج الحديث.
يظهر لي من مقالات الأستاذ بارودي ومحاضراته أنه متشبع من موضوعه، كبير الاطلاع على ما كتبه ويكتبه علماء التربية، فكيفما اتجهت في مؤلفاته تنهض أفكارهم وآراؤهم أمامك، مصدقة قوله الذي تقدم: «وهدفنا واحد لم يتبدل؛ وهو نشر المبادئ الحديثة لفن التربية والتعليم.» فكل ما أذاع واصف ونشر مبني على هاتين العبارتين، وهما دعامة التربية والتعليم: المدرسة تربي أولًا، وتعلم ثانيًا. الولد أتون يحمى لا وعاء يملأ.
هذا شعار المذهب التربوي الحديث. أما ما أصابته منه مدارسنا فكهلال الشك، لا يكاد يدرك. إن الظلمة ما زالت تكتنف الأسرة والمحيط، فمن أين يأتي المدرسة النور؟
تدور هذه المحاضرات والمقالات — وهي ثلاثة أجزاء — على قطب التربية والتعليم، ومواضيعها على تنوع عناوينها تنحصر في اللغة وتدريسها، والمعلم، والمدرسة، والولد، وتربيته؛ فالعصر عصر الولد.
لا يزعم الأستاذ واصف البارودي أنه أستاذ أعظم في التربية وفلسفتها، بل صرح في مقدمة مقالاته بقوله: «فهدفنا واحد لم يتبدل؛ وهو نشر المبادئ الحديثة لفن التربية بصورة عامة، والتفكير في إيجاد وسائل جديدة لتدريس لغتنا المحبوبة بصورة خاصة.»
قلت: أما البحث في التربية بصورة عامة فلا يطعم من جوع، ولا يؤمِّن من خوف، فالتربية تختلف باختلاف الناس وبيئاتهم، ولا يستفيد الناس من قوانين التربية العامة إلا إذا رجعوا إلى عصر المغاور والكهوف، فصارت أهدافهم ومُثلهم العليا واحدة، ومن يعتمد على كتب التربية العامة كمن يعتمد على كتب الزراعة الأوروبية؛ فلكل تربة خواص لا بد من تحليلها ودرسها لمن يطمع بالدر الغزير.
إن التربية عندنا اسم بلا مسمى. أبناؤنا هَمَل تتولى رعيهم مدارس متباينة النزعات، وليس من يربأ بهم أن يرعوا هكذا، فكأنهم:
ادخل إلى أحد المقاهي وانظر بعينيك إلى كرات البليار والرماح تسدد إليها، فتلك حالة أبنائنا في مدارسنا: لا هدف موحد، أكثر ما هنالك مدارس تعلم ولا تربي. وهذا الذي جعل البيت اللبناني دوليًّا، لكل فرد منه هدف وجَّهته إليه مدرسته.
ما لنا وللتربية فلبحثها موعد، أما الآن فلننظر في أهداف البارودي وقد دل عليها تصريحه في مقدماته.
من تتبع مقالات واصف يدرك تطورها تفكيرًا وتعبيرًا، فالمجموعة الثالثة خير من أختها، وقد قرأت له مقالين صدرا أخيرًا — الضمير في المجتمع والتربية، وتطور التربية — فسرني تمكنه وتعمقه؛ إذ رأيته هضم وتمثل ما قرأه هنا وهناك.
نقدر أن نقسم مقالات البارودي ومحاضراته هكذا: الجزء الأول والثاني في التعليم، والجزء الثالث في التربية.
ففي القسم العلمي يحاول الوصول إلى طريقة تعليمية عملية أكثر منها نظرية، ونعم الذي فعل؛ كان حاتميًّا في إرشاد المعلمين؛ فهو يريدهم عمليين في تعليمهم، مفكرين غير آليين في عملهم اليومي، منكبين على استنباط وسائل جديدة، فتتمشى الحياة في مفاصل المدرسة كتمشي البرء في السقيم، ولكن هذا الإبداع الذي يتطلبه واصف يعجز عنه أساتذة أخرجتهم دار المعلمين؛ لأن ثقافتهم محدودة.
ندر عندنا من شمر عن ساعديه ليسعف المعلم على رعي القطيع الصغير؛ فالمعلمية عندنا لم تبلغ درجة يُثنى عليها، فهي أولى وسائل المرتزقة. إذا ضاقت مسالك العيش على الشباب استغاثوا بالمدارس فدخلوها ملتجئين، فتوليهم تعليم الفتيان. كان هؤلاء أول من أمس تلاميذ تعرك آذانهم عند كل شذوذ، وبين ليلة وضحاها صاروا معلمين، فيا خيبة حكومة تؤدي الجزية عن يد لأناس قد لا يعترفون بها!
لا يكلف فن التربية والتعليم المعلم إلا تنبيه غرائز تلاميذه وإثارتها، فعليه أن يفتح لهم الأبواب دون أن يلجها هو قبلهم؛ فالمعلم المنشود مرشد ومعين لا يجديه علمه الغزير في مهمته إن لم تطغ عليه خصلة التعاون مع تلميذه ليأخذ بيده إلى الهدف؛ فالمعلم المستبد برأيه، المعلم الذي يملي مذاهبه إملاء على تلاميذه لا ينفع أمته، فتلك المذاهب تدخل من أذن وتخرج من أخرى، فعلى التلميذ أن يبحث ويجد بمعونة معلمه وإرشاده، فما يجده التلميذ بنفسه يبقى.
وإذا كان المعلم كما هي الحال عندنا جاهلًا الطبيعة الإنسانية، ولا عدة له إلا ما جمعه من نظريات، وكدسه من ملعومات، فأنَّى له تدريب فتيان يجهل هو الدرب مثلهم؟ بل من أين له الوصول إلى مطاوي نفس تلميذه إذا لم يعد إعدادًا فنيًّا لمهمته؟ فالتعليم فن قبل أن يكون علمًا، والجمهور عندنا يعبر عن هذا بقوله: المعلم الفلاني أسلوبه ممتاز، يفيد تلاميذه جدًّا، فآفة المدرسة معلموها كما أن آفة الحكومات موظفوها.
والمعلم يشغل حيزًا عظيمًا من محاضرات البارودي، وإليه يوجه نصائح لا تحصى، أكثرها من أقوال زعماء التربية العالميين، ولكن اقرأ تفرح، جرب تحزن. ما أجمل هذه الكلمة يا واصف: الولد أتون يحمى لا وعاء يملأ! كل التربية هنا يا صاحبي. أما الذي أصابته مدارسنا من هذا فقليل تافه، ما زالت الظلمات تكتنف الأسرة والمحيط؛ فمن أين يدخل المدرسة النور؟ لا يدير السائق سيارة إلا بعد امتحان عنيف، وقد أمسكوا عن هذه الإجازات لما كثر السواقون، أما المعلم فليس من يسأل عن خبرته ومقدرته، بل يسوقونه مساق غيره من العمال. ينظر إلى زوله وشهادته ثم يعهد إليه بأكبادنا التي تمشي على الأرض فترجع إلينا مهشمة مشوهة، فمن المسئول عن ذلك؟ طبعًا الحكومة، ولكنها حكومة مغلوبة على أمرها، لا تصل يدها إلى معاهد تقول لها: ليست الشريعة عليك يا أستير، فهي تستبد حتى بأعلى شهاداتها.
ليس على المدرسة إخراج بيانيين ورياضيين ومؤرخين، إنما مهمتها تكوين رجال للوطن بواسطة هذه العلوم، والمعلم لا يعطي صفات وطرقًا يتبعها، بل يخلق فيه ضميرًا حيًّا يرشده في مهمته؛ فكل شخص يعلم بلا إيمان تربوي هو شخص بلا روح، كما يقول دُركايم، فهدف المعلم الأول أن يخلق نفسًا في الجسد الذي يعلمه، ولا يقدر على دخول هذا الجسد أحد سواه. إن عملًا كهذا يستغرق حياة بكاملها؛ فكيف يقوم به من لم يكن معلمًا لو لم تضق به الدنيا، وهو لاط الآن في إحدى المدارس ينتظر أن تمر العاصفة ويفتح الله؟
وتبلغ نصائح البارودي للمعلم أوجها في الجزء الثالث. لقد ذكرتني نصائح عبد الحميد لولي العهد، ولكنني رأيت، بعد الامتحان، أنها أقل الأدوية نفعًا متى ضعف الدفاع الجسدي، ولم تكن النفس مهيأة لقبولها. وإلى جانب هذه النظريات قام واصف بعمل مجد في تدريس قواعد اللغة، وهذه طريقة جديرة بالاتباع، وعليها يجري العالم اليوم في تدريس لغته، فخير الطرق التعليمية هذه الطريقة الحدسية العملية، وليت المدرسين جميعًا يزاولونها.
رأيت أكبر هم واصف تدريس اللغة التي شوهت الأساليب الهرمة محاسنها. إن اللغة القومية تحتل في جميع مناهج الدنيا صدر المقام. وهذا جون ديوي إمام فلاسفة التربية اليوم يضعها في رأس المنهاج؛ منهاج المدرسة الحديثة.
وعدا تدريس اللغة، فجل ما كتبه واصف قواعد كلية، وقد أحسن في نقلها إلينا، ولعل هؤلاء المعلمين غصبًا عنهم يقرءونها فيفيدوا منها، وإليك واحدة منها الآن: المدرسة لا ترغب في أن تعلم كثيرًا، بل أن تعلم جيدًا.
قلت: ولماذا لا يبدي الأستاذ رأيه، وهو مفتش معارف في الجمهورية اللبنانية، في برنامج يحمله طلابنا وهو أثقل من الأمانة التي أشفقت الأرض من حملها؟
عفوًا، البارودي يعني التعليم الابتدائي، وأنا أعني برنامج التعليم الثانوي، فلندع هذا الآن أيضًا؛ فالحساب آتٍ، وهو عسير جدًّا، ولنؤيد الآن طريقة البارودي التي عبَّدها لمعلمي المدارس الابتدائية في تدريس اللغة؛ أي تدريس مبادئ الصرف والنحو أو الأجرومية كما كانوا يقولون في ذلك الزمان.
يا ليتنا من تلاميذ هذا العهد الذي تستريح فيه الذاكرة؛ ذاكرة الفتى قليلًا — اللهم إن لم يكن من طلاب الفلسفة — أذكر ولا أنسى واحدًا من معلميَّ الأفاضل كان كاهنًا في جبته رائحة أعزب الدهر، كث اللحية، متجهم الوجه كأنه المعري كما رسمه جبران، له كف مثل المدرى، أصابعه مصفرة من أثر دخان السيكارة، وسبابته مثل ململمة الفيل، يدخن بلا انقطاع كأن سيكارته نار المجوس التي لم تنطفئ إلا ليلة المولد الشريف. يتغلغل الدخان في لحيته ثم ينبعث منها رويدًا رويدًا كأنها حطب الموقد قبل اشتعاله، ولكنها ما اشتعلت يومًا كما كنا نتوقع. نعم بلغت النار مرة أقصى عقب سيكارته، فأخذت بعض شيء من شاربه الذي أكله داء الثعلب — الثعيلبة — فكحَّ وعرفنا إذ ذاك أن له أسنانًا.
كان مولعًا بأكل الليمون ملتوتًا بالسكر، والليمون في نهر الجوز رخيص، وفي مدرسة مار يوحنا مارون سكر كثير.
والرئيس راضٍ عن حضرة الأستاذ، يثق بعلمه، فهو يعرف الصبان والخضري والأشموني بشعره وبعره. ما دخل الصف يومًا إلا وسبقته إليه سلة الليمون وصحن السكر وحزمة من السكاير — دخان بلدي كوراني بشرقط مثل البارود — والأستاذ، أيده الله، يؤثر إشعال سيكارته من القداحة والصوانة؛ فتملأ الغرفة رائحة الصوفان.
كانوا في ذلك الزمان يفتتحون كل درس بصلاة «الأبانا» ويختمونه «بالسلام»، فنصلي عند كل أستاذ، وأذكر أنه كان يصلِّب باليمنى محتفظًا ببقية سيكارته باليسرى، وما تنتهي الصلاة حتى يولجها في ذلك الثقب الذي يذكر بأصبع الربيع بن زياد فتترحم على لبيد.
أما طرق الأستاذ التعليمية فدونك نموذجًا منها، وقد يكون هذا هو الذي حببه إلى سيادة المنسنيور.
– أتعرفون يا أولادي، لماذا نصبت إن الاسم ورفعت الخبر بعكس الأفعال الناقصة؟
فتطاولت أعناقنا إليه، فتنحنح وقال: هذه إن أشبهت الأفعال الناقصة في الوضع، وقصرت عنها في العمل، فأعطاها النحاة عمل الفعل مقلوبًا.
فقلت ضاحكًا: قصاصًا لها، فقال: وقصاصًا لك تكتب مائة سطر من باب إن وأخواتها في الصبان. ما أطول لسانك! قم يا شربل.
ووقف شربل الطويل منتصبًا كأنه هلال حديث الولادة، وتسمع إليه الأستاذ فشرع يسرد أمثولة ذلك اليوم عشرين بيتًا من ألفية ابن مالك، بعد أن صرف ليلة وفجرها وضحاها على استظهارها، وما بلغ المسكين هذا البيت حتى أخرجه هكذا:
فصرخ به الخوري كمن يطرد الذئب: والو … اقعد مطرحك يا حمار.
وقعد الأستاذ يشتمه ويخلع عليه خلعًا سنية لم يخلع مثلها السلطان على وزرائه. طبعًا لا بد من الإيضاح لماذا أخونا شربل حمار؟
– القافية مقيدة، وكيف يطلق شربل سراحها؟! يجب أن يقول: «ندر» بالسكون، فقال: «ندرا»، فقامت قيامة الأستاذ لأن من عثر بحرف من الناموس عثر بالناموس كله.
لا بد أيضًا من نادرة أخرى عن الأستاذ: سأل يومًا عن محل جملة من الإعراب فأعيت الصفَّ، وكان بجانبي أحدهم، واسمه أسعد بشارة من قرية ع، فقلت له: حالية، فانتصب أسعد بعدما أذن له، وما فتح فمه وقال: حا. حتى نهق حمار بوزيد، مكاري المدرسة، فصرخ الخوري بأسعد: اقعد، عمره أطول من عمرك.
كان خيرنا عنده من يحفظ جيدًا، ولا أنسى يومًا شغلنا فيه بأحوال الصفة المشبهة، كما وردت في الصبان، فإذا هي تبلغ الستة والثلاثين ألفًا من الحالات. الخلاصة صرفنا عنده سنة سوداء كمقلة الظبي الغرير، لم يبق في مخيلتنا من آثارها التعليمية إلا سيكارته وليموناته، ومنظر وجهه الجميل، فقد كان أصفر مستطيلًا كأنه كوساية أغفل البستاني قطفها في إبانها، وما كان أقبحه أكلًا! فإن فمه يعلو ويسفل كأنه كير الفرزدق!
قد غيرت، والحمد لله، هذه الأسرة الثمودية، واستراح التلاميذ، إلا بعضهم، من معلمين لا يحيدون عن حرفية الكتاب، ومن لم يتبع الطريقة الحدسية — البارودية — فقد اختط لنفسه طريقًا تشبهها.
ليت المدارس، حكومية وخاصة، تلزم معلميها وتلاميذها بالتكلم فصيحًا في ساعات تدريس اللغة والتاريخ والجغرافيا، فهي أقرب الوسائل إلى إتقان اللغة، ومتى صح تعبيرنا لا يعود يعنينا أن الفاعل اسم تقدم عليه فعل تام وأسند إليه.
الخلاصة لقد أحسن الأستاذ بارودي في توجيه معلم المدرسة ليكون تدريسه اللغة عمليًّا، أو حدسيًّا كما سماه هو، فيرسخ في الأذهان، ولكن القول شيء والعمل شيء آخر، فعسى ألا يظل ما كتبه البارودي حبرًا على ورق فيصح المثل المقول فيه.