الفصل الرابع والعشرون
انصرف المدعوُّون الواحد بعد الآخَر، أما مدام موستل فظلت قلقة البال مضطربة البلبال؛ لما أنبأها به الدكتور توري، أخيرًا خرج روجر لعيادة المرضى وبقيت مرغريت وحدها في حجرتها، حيث أضاءت النور الكهربائي ووقفت أمام المرآة ترى ذاتها، فسمعت كلام هنرى يرن في أذنيها وهو: يخال لي اليوم أنك مرغريت الأولى.
ثم نظرت إلى ذاتها مندهشة وقالت: وماذا تغيَّر فيَّ عن الماضي؟ نعم، إنه مصيب في كلامه؛ إن ماضيَّ لا يُهدَم، وما من قوة أرضية تقدر على هدمه؛ لأنه حي في قلبي. نعم، إن ماضيَّ حيٌّ وسيحيا إلى الأبد، إن مصارعتي لنفسي لا تجدي نفعًا، وأراني أجتهد في محو رسم ألبير من مُخَيِّلتي، غير أن شوقي يزداد إليه كل يوم، وودي له ينمو في كل ساعة.
تُرَى هل نسيني؟ بل لِمَ لا يكتب لي ويسأل عني؟ ومن يعلم إن لم يكن انشغل عني بغيري؟ نعم، طالما تمنَّيْتُ الابتعاد عنه إتمامًا لواجباتي، غير أني أصارع قلبي وفكري بدون فائدة على ما أرى.
إن واجباتي تنهاني عن البحث عنه والتوصُّل إليه والتمتع بحديثه الرائق، لكن من جهة أخرى لي الحرية بأن أحبه وأميل إليه وأشتاقه، بل وأبكيه كما لو كان تحت التراب.
ثم أجالت طرفها في ما حولها وهي مذعورة، فشعرت بألم في قلبها، وأغمضت عينيها ثم فتحتهما وصوبتهما نحو صورة وحيدها مكسيم، عند ذلك ابتسمت لهذا الوجه الصبوح الجميل وشعرت بقبلاته اللذيذة، ودعته لمساعدتها ليحميها من ذكر ألبير، وهيهات ذلك. وكان رسم إﻳﭭﻮن معلَّقًا فوق صورة مكسيم.
عندما رأت رسم إﻳﭭﻮن وهي مائتة تحدق بها الأزهار، غلى دمها وجرى مسرعًا في عروقها، ثم بسطت ذراعيها وهي لا تعي على شيء لكنها ترتعش شوقًا وحزنًا، ثم ضمتهما إلى صدرها وأغمضت مُقْلَتَيْها، ولفظت بصوت مرتفع تلك الكلمة المحرِقة التي كانت ترفرف دائمًا على شفتيها، أَلَا وهي: ألبير!