الفصل السابع والعشرون
انطلقت مدام فارز من عند ألبير حزينة النفس، قلقة البال، مضطربة البلبال، لا تعي على شيء، لا تعلم ولا تدري كيف تذهب إلى مرغريت ومتى تذهب إليها، ماذا تقول لها؟ وبأي عبارات تُبلِغ امرأة ذات زوج هذا الكلام؟ وكيف يسوغ لها أن تحرضها وتستقدمها إلى رجل كان زوجها في الماضي وانفصلت عنه برضاها؟ وفيما هي سائرة صادفت مَرْكَبة فركبتها وأفهمت السائق بأنها تقصد شارع بروني متظاهرة بنسيان عدد المحل، قالت ذلك حتى إذا عدلت عن النزول أمام بيت مرغريت تعود بسهولة دون أن يعلم السائق شيئًا من تغيير عزمها. وفيما كانت كذلك نظرت إلى ساعتها وقالت في نفسها: الساعة الآن ٥، وربما لا أجدها بالبيت في مثل هذه الساعة، مع ذلك يجب أن أتمم وعدي وأذهب دون تغيير، وكانت العربة تسرع بها حتى إذا بلغت إلى الشارع المعين منها أعلنت للسائق عدد المحل المقصود، وعندما انتهت إليه أعطت الخادم بطاقة زيارتها، فذهب وعاد بعد برهة يسيرة معتذرًا عن سيدته من أنها تتهيأ للذهاب إلى فرساي ولا تستطيع مقابلة أحد في هذا الوقت.
فلم تكتفِ بهذا الجواب بل تناولت قلمًا وقرطاسًا وكتبت بعض كلمات يسيرة أودعتها ضمن غلاف أرسلته ثانية مع الخادم، فلم يبطئ أن عاد إليها يدعوها إلى حجرة مرغريت التي عندما رأتها حيَّتها بأرق الألفاظ، معتذرة باستقبالها وهي تلبَس ملابسها؛ لأنها عما قليل تتوجه إلى فرساي.
– يا سيدة مرغريت هل يسمعنا أحد؟
– لا أحد يسمعنا، تكلمي هل من خبر جديد.
– أريد أن أقول لكِ أمرًا سريًّا والأحرى …
– قولي فإني أعرف كل شيء.
– وكيف تعرفين؟
– قلتُ لكِ أعرف، وماذا يهمني؟
– نعم، ولكن لا تفهمين غاية مجيئي إلى هنا، إني آتية من قِبَلِ ألبير.
– لا يعنيني أمره ولا علاقة له بي، وليس له عندي رجاء البتة!
– إنه مريض، ولكن في حالة يُرثَى لها، ويتوسل إليك أن تزوريه في هذه الحالة.
– وهل ألبير ذاته أرسلكِ لإقناعي بهذا؟
– نعم، هو استدعاني وكلمني بهذا الخصوص بكل إلحاح ولجاجة، وهأنذا آتية من عنده الآن.
قالت مرغريت في نفسها: إن المسألة فيها نظر. وتذكرتْ ما حصل لها من الغيظ والغيرة عندما أُخْبِرَتْ بما قاله الدكتور توري بخصوص ألبير ومدام فارز هذه، وكذلك لمَّا ابتدأت مدام فارز بمكالمتها في ذلك، فلم يكن هذا إلا بقصد طلب رضاها للاقتران بألبير، قالت: كيف يسوغ لهذه المرأة التي هي غريبة عن ألبير بالكلية أن تذهب إلى بيته وتحادثه وتجالسه بل وتمرِّضه، بينما إني أنا زوجته ومع ذلك لا أتجاسر على ذلك حتى ولا أن أفتكر فيه. وكانت الغيرة في غضون ذلك تعظُم في قلبها وتزداد في أفكارها، حتى اضطربت كل أعضائها فأجابت بقساوة: جاوبيه بأن أمره لا يعنيني مهما كانت حالته، ولن أذهب إلى بيته ما حييتُ.
– سأبلغه الكلمات عينها حرفيًّا، لكن بقي عليَّ أن أقول لكِ كلمة كنت نسيتُها، وهي أنه يستحلفكِ ويناشدكِ باسم إﻳﭭﻮن بأن لا تُخيِّبي أمله وهو على فراش الموت. قالت ذلك وخرجت لا تلوي على شيء.