الفصل الثلاثون
عندما دخلت مرغريت إلى حجرتها غيَّرت ثيابها وأسرعت إلى حيث ابنها نائم، فسمعته يبكي ويصرخ مناديًا: يا أماه. مع أن المرضع كانت تحمله على ذراعيها وتسير به في أرض الغرفة، وهو لا يزداد إلا صياحًا وبكاءً، فسألت أمه عن سبب بكائه، فأُجِيبَتْ بأنه يتألم من إحدى أسنانه، ولم يكفَّ عن الصراخ حتى تناولته أمه وحملته على ذراعيها وهي تلاعبه وتغني له أغنية محزنة، وفي أثناء ذلك عاد الدكتور روجر من غيابه، وبمروره أمام غرفة ابنه سمع صوت مرغريت التي كانت تغنِّي للطفل بلحن محزن، فلبث برهة مصغيًا ليفهم المعنى، ثم فتح الباب ببطء، وإذا بمرغريت لابسة ثوبًا أبيض بوجه شاحب، صفراءُ اللون، فدنا منها وقال بلطف: دعيني أحمل مكسيم.
– هو لا يبكي الآن.
ففهم من هذه الجملة أن دخوله هو في غير محله؛ لأن الولد ساكت، فذهب حينئذٍ واضطجع على سريره. ومضى وقت طويل ولم تذهب إلى سريرها، فقام وحَتَّمَ عليها بأن تنام، فأطاعت لأنها شعرت باحتياج كلي إلى الراحة.
– لا تَدَعِ الولد يبكِ؛ فإن صراخه يزعجني.
– نامي بحراسة الله ولا تخافي.
عندما وضع الأب ابنه بين ذراعيه سكت سكوتًا تامًّا، فانطلقت أمه إلى غرفتها ونظر روجر يشيعها، وحينما اضجعت نامت في الحال.
وقد رأت أحلامًا مزعجة في نومها هذا، منها: أنها كانت تمشي في أحد شوارع باريس حاملة ابنها على ذراعيها، وكان يثقل شيئًا فشيئًا حتى اضطرت أن تجلس على الحضيض؛ إذ لم يكن بوسعها أن تقوى على القيام والسير بعدُ. أخيرًا جمعتْ ما بقي لها من القوة ونهضت، وإذا بهُوَّة كبيرة أمامها فلم تلبث أن سقطت فيها، وإذا بها منتبهة من نومها مذعورة مضطربة.
ثم استوت على فراشها جالسة، وهي تُعِيد في مخيلتها كل ما كان جرى لها في نهارها، على أنها تنتظر بفروغ صبر طلوع الفجر؛ إذ ينشغل روجر بعيادة مرضاه، وحينئذٍ تسنح لها الفرصة بالذهاب إلى ألبير.