الفصل الثالث والثلاثون
توسلت مدام موستل إلى مرغريت ابنتها من صميم قلبها بأن تعود بالعجل إلى زوجها، فلم تُعِرْ كلامها جانب الإصغاء، وبعد أن ذكَرتْ لها ابنها الصغير أجابت: إني أفكر فيه وفي نفسي أيضًا، كما أنه ليس باستطاعة أحد أن يأخذ مني ولدي، وسأدافع عن نفسي ما استطعتُ. بدأت أمها تُلِحُّ عليها متوسلةً إليها بأن تعود إلي بيتها ٣ أو ٤ ساعات ثم ترجع، وهي تقوم مقامها في خدمة ألبير وتمريضه، فلم تُبالِ بهذا القول، بل انقلبت راجعة إلى حجرة العليل وهي تقول لها: في الزمن الماضي كنتُ أعمل بموجِب أمركِ ونَهْيكِ، أما الآن فلا. نعم، قد تغيَّرتُ تغيُّرًا كليًّا؛ وذلك لأن ألبير هو زوجي الشرعي أمام الله والناس ونفسي، ولو كان في حالة النزاع، ولا يكون مكاني إلا بالقرب منه في الحياة بل وفي الممات أيضًا.
– وابنُكِ يا مرغريت؟
– ابني لا يحتاج إليَّ اليوم ولا غدًا، بل وفي الحالين لا أترك ألبير، قد تركته مرة في الحياة وذلك لا يعني أني أتركه في ساعة الموت. قالت هذا وخنقتها الدموع فلم تدرِ أمها ماذا تقول؟ ولا كيف تعمل؟ وأين تتوجه؟
– يا ابنتي مرغريت، قد تركت روجر كالمجنون، فهل تسمحين لي أن أعود بعد ذهابي إلى هنا وأبقى معكِ إلى حين رجوعكِ إلى بيتكِ.
– نعم.
رفعت أمها يديها إلى السماء وجعلت تناجي ربها قائلة: آه يا لها من تعاسة! لِمَ لَمْ تسمح يا الله بأن يقترن ألبير بمدام فارز؟ بل كيف شاء العدل الإلهي أن يكون هذا الرجل سببًا لتعاسة ابنتنا أولًا وثانيًا، مع ما هي عليه من التمسك بشرائعه والمحافظة على وصاياه! ثم مضت وهي لا تعي على شيء، ولا تدري بما تجيب ذلك الذي كان ينتظرها في حالٍ يُرثَى لها ويرقُّ الجلمود الأصم. وعندما وصلت أخبرته بما دار من الحديث بينهما، وأن العليل مطروح على فراش الموت يقاسي آلام النزاع وهو لا شك مائت، وكان روجر يسمع كلامها ولا يفهم معناه. قد بذلت مجهودي، تُرَى ماذا يلزم أن أصنع أكثر، وكنت قلت لها بأني أرجع إلى عندها لأكون بصحبتها، وهذا الرأي هو في غاية الموافقة واللياقة، فهل من مانع عندكَ؟
لم يُجِبْها روجر على الفور، بل فكَّر وقتًا طويلًا ثم قال: لا بأس من رجوعكِ إلى هنالك.
– لله دَرُّكَ يا روجر! فقد خلَّصتَنا بهذه الحيلة من ألسنتهم.
– لا يلزم أن تُظهِري اضطرابكِ هذا أمامهم، وخذي كل ما تحتاج مرغريت إليه معكِ.
حينئذٍ ترقرق الدمع في مقلتيها وقالت: لله ما أطيب قلبك! وما أسلمه! كيف لا تحبك يا أحسن الرجال وأسماهم بالفِعَال والأعمال!
– اذهبي حالًا؛ فإني متَّكل عليكِ في مثل هذه الأحوال.