إن أعداد العد ، ، … هي فقط جزء صغير في منظومة الأعداد الأوسع نطاقًا. هذا الجزء هو
بالطبع أول جزء استكشفناه، ولبعض الوقت ربما نظن أنه لا يوجد سواه في منظومة الأعداد،
لا سيما إذا ظَلِلْنا عازفين عن النظر إلى ما وراءه. وخلال هذا الفصل، سوف نتناول أولًا
الأعداد الصحيحة السالبة، وبالتعمق للوصول إلى الكسور — الموجبة والسالبة — نجد
المجموعة التي يُطلَق عليها الأعداد النسبية. وعادةً ما تُرسم مجموعة الأعداد هذه على
طول خط الأعداد؛ بحيث تقع الأعداد الموجبة على يمين الصفر، وتكوِّن الأعداد السالبة
الصورة المقابلة لها على اليسار. مع ذلك، اتضح أن خط الأعداد هو موطن للأعداد الأخرى
التي لا يمكن التعبير عنها في صورة كسور؛ مثل و. يطلق اسم «الأعداد الحقيقية» على كل الأعداد الموجودة على خط
الأعداد، وهي تلك الأعداد التي يمكن تمثيلها عشريًّا (بالمفكوك العشري) من أي نوع، كما
هو موضح في الشكل ٦-١.
مع ذلك، كان أحد أعظم إنجازات القرن التاسع عشر الإدراك التام بأن نطاق الأعداد
الحقيقي ليس أحاديَّ البعد ولكنْ ثنائيَّ البعد. ومستوى الأعداد المركبة هو النطاق
الطبيعي للنقاش في قدر كبير من علوم الرياضيات. وقد ظهر هذا النطاق للرياضيين والعلماء
من خلال حل المسائل؛ فلِكَي تكون قادرًا على إجراء التحقيقات اللازمة لحل مسائل العالم
الحقيقي — التي يبدو كثيرٌ منها متعلقًا بأعداد العد العادية — يصبح من الضروري توسيع
أفق التفكير في الأعداد لديك. وتفسير كيفية ظهور هذا البعد الإضافي سوف يأتي في نهاية
هذا الفصل وسيُشرح بعمق في الفصل الثامن.
شكل ٦-١: الجزء المركزي لخط الأعداد بالقرب من الصفر.
الجمع والطرح
مصطلح الأعداد الصحيحة يطلق على مجموعة الأعداد كلها، موجبة وسالبة، والصفر. وهذه
المجموعة — التي يرمز لها غالبًا بالرمز — ليس لها نهاية في الاتجاهين كليهما:
وغالبًا ما تُصور الأعداد الصحيحة بوقوعها على نقاط بينها مسافات متساوية على خط
الأعداد الأفقي، بالترتيب المبين سابقًا. والقواعد الإضافية التي نحتاج إلى معرفتها من
أجل القيام بالعمليات الحسابية على الأعداد الصحيحة يمكن تلخيصها على النحو
التالي:
(أ)
لجمع أو طرح عدد صحيح سالب، ، نتحرك مسافات مساوية للعدد نحو اليسار في حالة الجمع، ومسافات مساوية للعدد نحو اليمين من أجل الطرح.
(ب)
لضرب عدد صحيح في ، نضرب العدد الصحيح في ثم نغير العلامة.
بعبارة أخرى، اتجاه جمع وطرح الأعداد السالبة هو عكس اتجاه جمع وطرح الأعداد الموجبة،
في حين ضَرْبُ عددٍ ما في يغيِّر علامته إلى العلامة الأخرى. على سبيل المثال: و و.
يجب ألا تُواجِه أية مشكلة مع العملية الحسابية الأخيرة. أولًا: من المنطقي أنَّ
ضَرْب عدد سالب في عدد موجب يُنتج إجابة سالبة: عندما تُفرض فائدة (مضاعف موجب أكبر من
) على دَينٍ ما (عدد سالب)، فإن الناتج يكون دَينًا أكبر؛ أي عددًا
سالبًا أكبر. جميعنا مدركون تمامًا لهذا الأمر. ويبدو متَّسِقًا أيضًا أن تؤدي عمليةُ
ضَرْب عدد سالب في عدد سالب آخر إلى النتيجة العكسية؛ أيْ نتيجة موجبة. ويمكن بسهولة
تقديم برهان تقليدي على أن ناتج ضرب عددين سالبين هو عدد موجب. ويعتمد البرهان على
افتراض أننا نرغب في أن يشمل نظامُ الأعدادِ الصحيحةِ المتوسعُ النظامَ الأصليَّ
الخاصَّ بالأعداد الطبيعية، ويجب على النظام الأكبر مواصلة الخضوع لقواعد الجبر
العادية. وبالفعل، تأتي نتيجة ذلك على ناتج ضرب عددين سالبين من أن أي عدد يُضرب في صفر
يساوي صفرًا. (هذا أيضًا ليس افتراضًا، ولكنه بالأحرى نتيجة لقوانين الجبر.) لدينا الآن:
إذا ضربنا الأقواس بعد ذلك، ندرك أنه لكي تُساوي الجهةُ اليسرى صفرًا، فإن
الطرف يجب أن يحمل العلامة المعكوسة للمعادلة ؛ بعبارة أخرى .
الكسور والأعداد النسبية
بالطريقة نفسها التي تؤدي بنا عمليةُ الطرح إلى الأعداد السالبة، تؤدي بنا أيضًا
عمليةُ القسمة إلى الخروج من مجموعة أعداد العد الطبيعية إلى عالم الكسور الأكبر. مع
ذلك، فطبيعة العملية الحسابية الجديدة التي نقابلها مختلفة. فعند الجمع أو الطرح، لا
تتوافق الكسور ذات المقامات (العدد السفلي) المختلفة. وينبغي أن يُعبَّر عن الكسور محل
النقاش باستخدام مقامٍ موحَّد قبل إتمام العملية الحسابية. أما الضرب، فهو عملية بسيطة
نسبيًّا، كل ما نحتاجه فيها هو ضرب البَسْطَين (العددين العلويين) معًا والمقامين معًا
من أجل الحصول على الإجابة. والقسمة هي العملية المعكوسة للضرب؛ لذا فالقسمة على توازي الضرب في مقلوبه . وبوجه عام، ينتقل هذا الأمر إلى الكسور؛ إذ إنه للقسمة على الكسر نضرب في مقلوبه ؛ حيث إن ذلك يعكس تأثير الضرب في .
كان المصريون القدماء راضين ﺑ «كسور الوحدة»، التي هي المقلوب البسيط للأعداد الصحيحة
، ، ، وما إلى ذلك (مع أنهم احتفظوا برمز خاص للكسر ). ولم يُنظر لكسر مثل كوحدة ذات معنًى في حد ذاته، وكانوا يسجلون هذه الكمية كناتج جمع
مقلوبَين: . (وترميز الكسور المستخدم هنا بالطبع من النوع الأوروبي الحديث، الذي
له أصول في الرياضيات الإغريقية.) مع ذلك، فليس من الواضح أنه من الممكن بالضرورة كتابة
أيِّ كسرٍ كناتجِ جمعِ عددٍ من كسور الوحدة المختلفة، وهو ما أصروا عليه. مع ذلك، يمكن
القيام بذلك دائمًا، وشرحُه سوف يسمح لك بصقل مهاراتك في التعامل مع الكسور.
إذا كنت ترغب في اكتشاف التحليل المصري لكسرٍ مثل ، فإن ما تحتاجه فحسب هو طرح أكبر كسر وحدة يمكنك طرحه من العدد
المذكور، وتكرار هذه العملية، حتى يصبح الباقي نفسه كسر وحدة. سوف يأتي ذلك بثماره
دائمًا، وعدد الكسور التي تنطوي عليها هذه العملية لا يتخطى أبدًا بسط الكسر الأصلي.
هذا لأنه، في كل مرحلة، يظل بسط الكسر دائمًا أقل من البسط السابق؛ وذلك غير منطقي
ولكنه حقيقي. في هذا المثال، سوف تحصل في المرحلة الأولى على:
بعد ذلك، نجد أن أكبر كسر وحدة أقل من هو . (وللتأكد من ذلك، راجع نتائج الضرب التبادلي: ؛ لأن .) وبالطرح مرة أخرى، نجد أن:
ومن ثم نستعيد التحليل المصري:
إنَّ هذا النهجَ النَّهِم الذي يَطرح دائمًا أكبرَ كسْرِ وحدةٍ متاحٍ هو ناجح بالفعل،
ولكن ربما لا يؤدي لأقصر عملية تحليل موجودة، كما نرى حتى في هذه الحالة؛ حيث إن . مع ذلك، يمكن التوصل إلى عملية تحليل المكونة من كسرين من خلال استخدام الطريقة الموجودة في بردية أخميم،
وهي مخطوطة إغريقية اكتُشفت في مدينة أخميم على النيل، ويعود تاريخها إلى ٥٠٠–٨٠٠ قبل
الميلاد. وبالترميز الحديث، يمكن التعبير عن هذه الطريقة بالاتحاد الجبري الذي يسهل
التحقق منه:
وبتطبيق هذه المعادلة عندما تكون ، ، ، ينتج لنا على الفور .
ربما مرت سنوات منذ آخر مرة جمعتَ فيها حتى كسور بسيطة معًا لأن كل العمليات الحسابية
العملية تقريبًا تُجرى في الوقت الحالي باستخدام الصيغة العشرية. ولقد اكتُشف استخدام
الكسور العشرية في الصين القديمة والأمم العربية في العصور الوسطى، ولكن لم ينتشر
استخدامها في أوروبا إلا في الجزء الأخير من القرن السادس عشر، عندما بُذلَت جهود حثيثة
من أجل تحسين الطرق العملية للحساب. مع ذلك، يوجد ثمن لا بد من دفعه مقابل الالتزام
بالصيغة العشرية؛ ففي العمليات الحسابية في النظام العشري العادي، نستغل حقيقة أن أي
عدد يمكن كتابته كمجموع مضاعفات قوى العشرة. وعندما نعبِّر عن كسر بصورة عشرية، فإننا
نحاول كتابة العدد كمجموع قوى . ولكن للأسف، حتى بالنسبة للكسور البسيطة للغاية مثل ، لا يمكن القيام بذلك، ويستمر المفكوك (التمثيل) العشري بلا نهاية: . وفي الواقع، إننا ندرك أنه من خلال وقف تكرار المفكوك العشري بعد
عدد معين من الخانات (اعتمادًا على الدقة التي نريدها)، يمكننا الحصول على الكسر العشري
غير المتكرر الناتج، الذي يقترب من الكسر الصحيح. وأيُّ عدمِ دقةٍ يُعد هامشيًّا
مقارنةً بالراحة الناجمة عن إجراء كل الأعمال الحسابية في الإطار المرجعي للنظام العشري
المعياري. ويمكن النظر للمفكوك العشري على أنه أقرب ما يمكننا الحصول عليه للتوصل إلى
مقام مشترك لكل الكسور.
مع ذلك، فمن الطبيعي أن نسأل: أيُّ كسر من الكسور سيتوقف تكرارُ مفكوكِه العشري
(وأيها لن يتوقف تكرار مفكوكه)؟ الإجابة هي أنه ليس الكثير منها سيتوقف تكرار مفكوكه؛
ففي أكثر الأحيان، يتخذ المفكوك العشري للكسر نمطًا متكررًا: ؛ حيث يتكرر جزء 36 للأبد. وكل كسر
يولد كسرًا عشريًّا متكررًا بطريقة أو بأخرى، مع أنه في حالة الكسر العشري غير المتكرر
مثل ، فإن الجزء المتكرر يمثل ببساطة سلسلة لا متناهية من الأصفار: ؛ ولذلك لا تكتب صراحة. على أية حال، فإن طول الجزء المتكرر في أي
مفكوك عشري متكرر لا يزيد عن قيمة أقل من قيمة المقام. يمكن إدراك ذلك بتأملِ ما يحدث
عندما نُجري عملية القسمة المطولة المقابلة: فإذا كان المقام ، فإن الباقي بعد كل خطوة في
القسمة سوف يكون إحدى القيم . إذا كان الباقي في مرحلةٍ ما يساوي صفرًا، فإن القسمة تتوقف عن
التكرار، وكذلك يتوقف تكرار المفكوك العشري: على سبيل المثال: يساوي بالضبط . وإلا فإن القسمة تستمر للأبد، ولكن بمجرد أن يتكرر الباقي، وهو
الأمر الذي لا مفر منه، سوف نُجبر على إجراء الحلقة نفسها من عمليات القسمة مرة أخرى،
وهذا يقدم نمطًا متكررًا لن يَطول جزؤه عن . وسوف يتوقف تكرار
المفكوك — بالضبط — عندما يكون المقام
ناتجًا من نواتج العاملَين الأوليَّين و من نظامنا العشري، ولكن لن يتوقف حال وجود عامل آخر. على سبيل
المثال: الكسور ذات المقامات و و كسور متناهية، ولكن كسور مثل و ليست متناهية ولن تتوقف عن التكرار؛ لأن العاملين الأوليَّين و على الترتيب في مقاميهما يُجْبِران المفكوكَ على الدخول في دائرة
متكررة.
مع ذلك، يبين هذا أن توقُّف مفكوك الكسر عن التكرار من عدمه لا يتحدد بالعدد نفسه
فحسب، ولكن بالأحرى يعتمد على علاقة العدد بالقاعدة التي تعتمد عليها. فعلى سبيل
المثال، إذا كنا نعمل وفق نظام ثلاثي (القاعدة ثلاثة)، فإن سوف تمثل ؛ حيث إن بعد العلامة العشرية سوف يشير إلى ، وليس ، كما يشير في المفكوك العشري.
كذلك العملية المعاكسة بتحويل كسر عشري متكرر إلى كسر اعتيادي بسيطة للغاية، مما
يدل
على وجود تماثل ثنائي بين الكسور الاعتيادية والكسور العشرية المتكررة، ويمكننا استخدام
أي تمثيل يتناسب بصورة أفضل مع غرضنا الحالي. ومثال بسيط على ذلك: افترض أن . نظرًا لأن طول الجزء المتكرر عددان، فيمكننا تبسيط ذلك — كما سترى —
من خلال الضرب في للحصول على . تم إعداد ذلك لكي تُلغي الأجزاءُ المتكررة للعددين و — عند الطرح — بعضُها البعضَ لكونها متطابقة، فتسمح لنا باستنتاج أن ، وبذلك .
وكثيرًا ما يُستخدم هذا النوع من الخدع لتبسيط أيِّ تعبير جبري ينطوي على عملية
متكررة غير متناهية. على سبيل المثال، ألقِ نظرة على العبارة المركبة التالية:
من خلال التربيع، ثم إعادة التربيع، يصبح الجانب الأيسر من المعادلة ، في حين يعطينا التعبير الجبري الذي على الجانب الأيمن:
نظرًا لأن ما يتلو هو نسخة أخرى من التعبير الجبري الممثل ﻟ ، نستنتج أن بحيث أو، إذا كنت تفضل، هو الجذر التكعيبي ﻟ . سوف نعود لهذه الطريقة مجددًا في الفصل السابع عندما نتناول ما يطلق
عليه الكسور المستمرة.
هل تقدم لنا فئة الكسور كل الأعداد التي قد نحتاجها؟ كما ذكر آنفًا، مجموعة الكسور
جميعها — مع الكسور السالبة المقابلة لها — تكوِّن مجموعة الأعداد المعروفة باسم
الأعداد النسبية، وهي كل الأعداد الناتجة عن الأعداد الصحيحة والنسب بينها. وهي ملائمة
لإجراء العمليات الحسابية؛ إذ إن أي ناتج ينتج عن العمليات الحسابية الأربع الأساسية
—
الجمع والطرح والقسمة والضرب — لن يأخذك بعيدًا عن عالم الأعداد النسبية. وإذا كنا
سعداء بذلك، فإن مجموعة الأعداد تلك هي كل ما نحتاجه. مع ذلك، سنوضح في الجزء التالي
كيف تكون الأعداد على غرار السابق غير نسبية.
الأعداد غير النسبية
تعني الصفة «غير نسبي» ببساطة — عندما تنطبق على العدد — أن العدد ليس نسبيًّا؛ أي إنه لا يمكن كتابته في صورة كسر. ولقد
اكتُشفت الأعداد غير النسبية لأول مرة منذ فترة طويلة في عصر الإغريق. فَهِمَ فيثاغورس
الطبيعة غير النسبية للجذر . ولم يفكر الإغريق من منظور المفكوك العشري، ولكنهم كانوا راضين
بمعرفة الطول الموضح في هندسة المسطرة والفرجار بأنه يمثل قيمة حقيقية. وبوجه خاص، تنص
نظرية فيثاغورس على أن الضلع الأطول في مثلث قائم الزاوية — الذي يبلغ طول ضلعيه
القصيرين وحدة واحدة — يساوي بالضبط الجذر التربيعي للعدد .
كان فيثاغورس قادرًا على إثبات أن الجذر التربيعي للعدد لا يساوي أي كسر؛ ومن ثَم أوضح أن الأعداد غير النسبية موجودة حقًّا.
على وجه الخصوص، لا يمكنك قياس قطر مربع على نحو دقيق بالوحدات نفسها التي تقيس بها
الضلع؛ لأنه إذا كنت تستطيع، فإن القطر
سيكون — بالضبط — مضاعف كسري للضلع، وفي هذه
الحالة سيكون مساويًا لهذا الكسر. مع ذلك، يتعارض الطولان تعارضًا جذريًّا، أو
فلنقُلْ «لا يمكن قياسهما» بالطريقة المذكورة في النصوص القديمة. وينطبق الأمر نفسه على
، التي تساوي تقريبًا الكسر ، ولكنها مختلفة عنه وعن أي كسر ترغب في ترشيحه لها. (مع ذلك، فالنسبة
سهلة التذكر المكونة من «زوج من ، وزوج من ، وزوج من »: تقترب بدقة من قيمة لأكثر من جزء من المليون.)
مع أنه من الصعوبة بمكان إثبات أن غير نسبية، فإنه يمكن تسوية مشكلة الجذر التربيعي للعدد بسهولة من خلال برهان تناقُض بسيط. أولًا، نلاحظ أنه بالنسبة لأي عدد ، فإن أعلى قوة للعدد التي هي عامل للعدد ، تُعد ضعف أعلى قوة للعدد التي هي عامل للعدد . ومن ثم فإن أعلى قوة للعدد — على نحو خاص — تقسِّم أي عدد مربع، يجب أن تكون في حد ذاتها عددًا
زوجيًّا. على سبيل المثال، ، بينما ، وفي هذه الحالة أعلى قوة للعدد ، تقسم العدد، تتضاعف بالفعل من إلى عند التربيع. وهذه هي الحال دائمًا، ولا تنطبق بالفعل على قوى فحسب، ولكن تنطبق أيضًا على أي عامل أوَّلي للعدد الأصلي.
افترض الآن أن كان يساوي الكسر . فبتربيع كلا طرفي هذه المعادلة، يمكننا استنتاج أن ، وهو ما يؤدي إلى . ومن خلال الملاحظة السابقة نرى أن أعلى قوة للعدد — تقسم الطرف الأيمن من هذه المعادلة — زوجية، في حين أن أعلى قوة
تقسم الطرف الأيسر فردية (بسبب وجود الإضافية). وهذا يبين أن المعادلة لا قيمة لها؛ ومن ثم يجب ألَّا
يكون ممكنًا كتابة في صورة كسر في المقام الأول. ومثل فيثاغورس، نواجه نحن أيضًا
الأعداد غير النسبية.
البراهين من هذا النوع تسمح لنا بإيضاح أنه بوجه عام إلى حدٍّ ما، عندما نأخذ الجذر
التربيعي (أو التكعيبي أو أي جذر أكبر) لعدد ما، فإن الناتج — إذا لم يكن عددًا صحيحًا
— دائمًا ما يكون عددًا غير نسبي، وهذا يفسر السبب في أن الكسر العشري على شاشة آلتك
الحاسبة لا يُظهر أبدًا نمطًا متكررًا عند ضرورة حساب هذا الجذر.
اكتشف فيثاغورس أنه لكي يجري حساباته، فإن ذلك يتطلب مجالًا من الأعداد أوسع من مجرد
الكسور. وكان الإغريق يعتبرون العدد حقيقيًّا إذا كان طوله يمكن تكوينه باستخدام فاصل
وحدة معيارية باستعمال مسطرة (ليست مسطرة مخططة، مجرد حافة فحسب) وفرجار. واتضح أنه على
الرغم من أن عمليات الجذر التربيعي تنتج بالفعل أعدادًا غير نسبية، فإن المجموعة
بأكملها لا تتخطى كثيرًا الأعداد النسبية. فالأعداد الإقليدية — كما سنشير إليها — هي
كل هذه الأعداد التي يمكن التوصل إليها من العدد من خلال إجراء أيٍّ من العمليات الحسابية الأربع أو جميعها، وأخْذ
الجذور التربيعية لأي عدد من المرات. على سبيل المثال، العدد هو عدد من هذا النوع. وحتى الجذور التكعيبية تتخطى حيز الأدوات
الإقليدية. وكان ذلك أساس أول مسألة كبيرة غير محلولة في الرياضيات على الأرجح. وكانت
أول مسألة من مسائل ديليان الثلاث — كما كان يطلق عليها — عبارة عن طلب التوصل للجذر
التكعيبي للعدد ، باستخدام مسطرة وفرجار فحسب. وتقول الأسطورة إن هذه كانت المهمة
التي وضعها الرب عندما استشار مواطنو جزيرة ديلوس عرَّافةَ دلفي من أجل معرفة ما ينبغي
عليهم فعله من أجل إبعاد الطاعون عن أثينا؛ فصيغتِ المسألة في صورة مضاعفة حجم المذبح
بالضبط، الذي كان عددًا مكعبًا مثاليًّا.
فظلت هذه المسألة بلا حل في العصور القديمة؛ ولم يُتوصل إلى أن الجذر التكعيبي للعدد
كان يتجاوز قدرة الأدوات الإقليدية إلا في عام ١٨٣٧ على يد بيير
وانتسل (١٨١٤–١٨٣٨)؛ حيث كان الأمر يتطلب وصفًا جبريًّا دقيقًا لما هو ممكن باستخدام
الأدوات الكلاسيكية من أجل إدراك أن الجذر التكعيبي للعدد هو عدد من نوع مختلف جوهريًّا. وتَعَلَّق الحل بإيضاح أنه لا يمكن
أبدًا استخراج جذور تكعيبية من الجذور التربيعية والأعداد النسبية. وعند صياغة الأمر
بهذه الطريقة، تبدو الاستحالةُ معقولةً على نحو أكبر، مع أن هذا لا يمثِّل برهانًا على
الإطلاق.
الأعداد المتسامية
تقع عائلة الأعداد المتسامية الغامضة ضمن مجموعة الأعداد غير النسبية؛ وهذه الأعداد
لا تظهر من خلال الحسابات العادية للعمليات الحسابية واستخراج الجذور. ومن أجل التعريف
الدقيق، نقدم أولًا مجموعة الأعداد الجبرية المتممة، وهي الأعداد التي تَحل بعض
المعادلات متعددة الحدود التي تتضمن معاملات صحيحة: على سبيل المثال، المعادلة مثال على هذه المعادلات. ومن ثم يشار إلى الأعداد المتسامية بأنها
مجموعة الأعداد غير الجبرية.
ليس من الواضح على الإطلاق أن مثل هذه الأعداد موجودة بالفعل. مع ذلك، فهي موجودة
بالفعل وتكوِّن مجموعة سرية للغاية، لا يفشي أعضاؤها سرَّ انتسابهم لها بسهولة. على
سبيل المثال، العدد مثال على العدد المتسامي، ولكن هذه ليست حقيقة تنكشف علنًا. وسوف
نوضح في الفصل التالي على نحو دقيق — عند استكشاف طبيعة المجموعات غير المنتهية — لماذا
تُعد «معظم» الأعداد أعدادًا متسامية.
في الوقت الحاليِّ، سوف أكتفي بتقديم ما ربما يكون أشهر الأعداد المتسامية على
الإطلاق، وهو العدد . يظهر هذا العدد باستمرار في الرياضيات المتقدمة والتفاضل والتكامل.
إنه أساس ما يطلق عليه اللوغاريتم الطبيعي، الدالة التي تخبرك بالمساحة الواقعة وراء
الرسم البياني لدالة المقلوب. وهو أيضًا القيمة النهائية لمتتالية الأعداد التي تحصل
عليها عند رفع نسبة عددين صحيحين متتاليين — — للقوة . (استخدم آلتك الحاسبة لحساب قيمة ؛ ويمكنك تسريع عملية رفع الأس تلك: احسب فحسب ثم قم بتربيع الناتج سبع مرات؛ إذ إن .)
تظهر هذه المتتالية عندما نفكر في مسألة القيمة النهائية لمعدل فائدة مركبة، في حين
تقلل الفواصل الزمنية للسداد على نحو أقصر من فاصل سنويٍّ إلى شهريٍّ إلى يوميٍّ، وما
إلى ذلك. ولتوضيح هذه الفكرة بأفضل صورة، افترضْ أن الفائدة تُدفع بمعدل سنوي بالمائة، مضاعفًا قسط في السنة؛ مما يعني أن استثمارك الأولي يُضرب في عامل ، بعدد مرات في كل شهر على مدار العام. حينها سيضرب رأس مالك في العامل . وكلما زاد عدد مرات دفع الفائدة كسبْتَ أكثر؛ حيث تبدأ في جمع فائدة
على فائدتك في وقت أسبق؛ لأن تصبح أعلى. مع ذلك، في حين تزداد قيمة ، فإن معدل النسبة المئوية السنوي الفعَّال لا يزيد ليتجاوز كل
الحدود، ولكنه بالأحرى يصل إلى السقف، أو كما يطلق عليه علماء الرياضيات: إلى النهاية
العليا. والمضروب فيه المحدِّد هذا — الذي ينطبق على رأس مالك في حالة الفائدة
المستمرة، في حين تزداد — هو القيمة النهائية للعدد:
توجد طريقة أخرى يظهر من خلالها العدد الغامض من خلال مجموع مقلوب المضروب، وهذه الطريقة توفر وسيلة لحساب بدرجة دقة عالية؛ حيث تتجمع هذه السلسلة بسرعة لأن حدودها تصل إلى
الصفر سريعًا في الواقع:
يسمح لك هذا التمثيل بأن تبيِّن من خلالِ برهانِ تناقضٍ بسيطٍ نسبيًّا — مذكور هنا
—
أن عدد غير نسبي. نفترض أن المتتالية السابقة للعدد تساوي الكسر ثم نضرب كِلا الطرفين في . الطرف الأيسر حينها سيكون عددًا صحيحًا، ولكن الطرف الأيمن سيتكون
من حدود من أعداد صحيحة متبوعة بسلسلة لا متناهية من حدود غير صحيحة. ومن خلال المقارنة
بمتتالية هندسية بسيطة، نستنتج أن هذا «الذيل» يؤدي إلى أقل من ؛ ومن ثم لا يمكن أن يكون الطرف الأيمن عددًا صحيحًا، وهنا يكمن
التناقض المطلوب. وإيضاح أن ليس عددًا غير نسبي فحسب، بل عدد متسامٍ أيضًا، يتطلب المزيد من
الجهد.
علاقة مع المضروب تُظهر نفسها أيضًا في معادلة شهيرة لعالم الرياضيات
الاسكتلندي جيمس سترلينج (١٦٩٢–١٧٧٠)، الذي سميت أعداد سترلينج (انظر الفصل الخامس)
تيمُّنًا به. أوضح سترلينج أنه كلما زادت ، تُقرب قيمة أفضل وأفضل بالتعبير الجبري .
نظرًا لأن تَظهر بطرق متنوعة مختلفة وبسيطة إلى حدٍّ ما، فإنها تظهر باستمرار
في جميع فروع الرياضيات، وغالبًا حيث لا تتوقع أن تجدها. على سبيل المثال، خذ مجموعتين
من أوراق اللعب — مخلوطتين بغير نظام — واقلب الورقة العلوية لكل مجموعة، وقارن بينهما.
استمر في فعل ذلك حتى تنتهي من قلب أوراق المجموعتين كلتيهما. ما احتمالات أنه في
مرحلةٍ ما سوف تصل لتطابُق تام؟ أي إنه في إحدى المرات تكون الورقتان الظاهرتان هما نفس
الورقة بالضبط؛ مثلًا ورقتا السبعة من نوع الأسباتي أو القلوب أو أي نوع. يُستنبط من
هذا أن نسبة المرات التي تؤدي فيها هذه التجربة إلى تطابُق واحد من هذا النوع على الأقل
توشك ألا تختلف عن ، التي تصل إلى حوالي بالمائة. وينتج هذا من تطبيق ما يعرف ﺑ «مبدأ التضمين والاستبعاد»،
الذي يصل إلى الحل عن طريق مجموع حدود، يمثل كلٌّ منها تصحيحاتٍ متبادلة أو تصحيحات
متعاكسة. وفي هذا المثال، يقدم المبدأ — هذه المرة — سلسلة مقلوبات المضروبات مع إشارات
متبادلة تتقارب إلى .
الأعداد الحقيقية والأعداد التخيلية
تعاملت الفصول الخمسة الأولى من هذا الكتاب — على نحو رئيسي — مع الأعداد الصحيحة
الموجبة. وركزنا على سماتِ عمليةِ تحليلِ هذه الأعداد الصحيحة إلى عوامل، وهو ما قادنا
إلى التعرف على أعداد لا تخضع بطريقة سليمة لعملية التحويل إلى عوامل؛ وهي الأعداد
الأولية؛ المجموعة التي تحتل موقعًا محوريًّا في التشفير الحديث. وكذلك دَرَسْنا
أنواعًا معينة من الأعداد مثل أعداد ميرسين الأولية، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا
بالأعداد الكاملة، وقضينا وقتًا في تقديم بعض الفئات الخاصة من الأعداد الصحيحة التي
تُعد مهمة في حساب مجموعات معينة تنشأ على نحو طبيعي. وكانت خلفية ذلك كله نظام الأعداد
الصحيحة، وهي أعداد العد الموجبة والسالبة والصفر.
تجاوزنا في هذا الفصل الأعداد الصحيحة، أولًا إلى الأعداد النسبية (الكسور، سواء
كانت
موجبة أو غير ذلك)، ثم إلى الأعداد غير النسبية، وضمن فئة الأعداد غير النسبية
تَعرَّفنا على الأعداد المتسامية. والنظام الأساسي الذي تقع ضمنه كل هذه الأعداد هو
نظام الأعداد الحقيقية، الذي يمكن التفكير فيه بوصفه مجموعة كل المفكوكات العشرية
الممكنة. ويمكن تمثيل أي عدد حقيقي موجب بالصيغة ؛ حيث يكون عددًا صحيحًا غير سالب، وتُتبع العلامة العشرية بسلسلة لا متناهية من
الأرقام. وإذا وصلت هذه السلسلة في النهاية إلى نمط متكرر، فإن يكون في الواقع عددًا نسبيًّا، وقد أوضحنا كيفية تحويل هذا التمثيل
إلى كسر اعتيادي. وإذا لم تصل لنمط متكرر، فإن يكون عددًا غير نسبي؛ ومن ثم فإن الأعداد الحقيقية تنقسم لهاتين
المجموعتين: أعداد نسبية وأعداد غير نسبية.
في تخيلاتنا الرياضية، غالبًا ما نتصور الأعداد الحقيقية على أنها تقابل كل النقاط
الموجودة على خط الأعداد، في حين ننظر من الصفر نحو اليمين من أجل رؤية الأعداد
الحقيقية الموجبة، ثم نحو اليسار من أجل رؤية الأعداد الحقيقية السالبة. وهذا يخلف لنا
صورة متماثلة؛ حيث تمثِّل الأعداد الحقيقية السالبة صورة معكوسة للأعداد الحقيقية
الموجبة، ويُحافظ على هذا التماثل عند التعامل مع الجمع والطرح؛ ولكن ليس عند التعامل
مع الضرب. فبمجرد الانتقال إلى الضرب، تختفي الحالة المتساوية بين الأعداد السالبة
والموجبة؛ مثل العدد الذي يمتلك خاصية لا يمتلكها أي عدد آخر؛ إذ إنه «المحايد الضربي»؛
بمعنى أن ، لأي عدد حقيقي . إن الضرب في يثبِّت موقع أي عدد، ولكن
— في المقابل — الضرب في ينقل العدد إلى صورته المعكوسة على الجانب الآخر من الصفر. وبمجرد
دخول الضرب للمشهد، فإن الاختلافات الجوهرية لطبيعة الأعداد الموجبة والسالبة تظهر.
وعلى وجه الخصوص، تفتقد الأعداد السالبة الجذور التربيعية داخل نظام الأعداد الحقيقية؛
لأن مربع أي عدد حقيقي دائمًا ما يكون أكبر من الصفر أو مساويًا له.
وهذه هي إشارة وصول الأعداد التخيلية. ولسوف نتناول هذا الموضوع مرة أخرى في الفصل
الأخير؛ وسوف نقدم بعض التعليقات التمهيدية حوله في الوقت الراهن.
تظهر هذه الأعداد عند البحث عن حلول للمعادلات البسيطة متعددة الحدود. فعلى نحو خاص،
نظرًا لأن مربع أي عدد حقيقي لا يكون سالبًا أبدًا، فلا يمكننا إيجاد حل للمعادلة . وبشجاعة، اخترع علماء الرياضيات حلًّا يشار إليه ، وهو يمتلك تلك الخاصية؛ لذا فإن . للوهلة الأولى، يبدو هذا مصطنعًا واعتباطيًّا ولكنه لا يختلف كثيرًا
عن السلوك الذي انخرطنا فيه من قبل. فبالرغم من كل شيء، في حين ندرك أن أعداد العد ، ، … أهم من غيرها، فإننا — لكي نتعامل بسلاسة مع الأمور العامة للأعداد
— نتوجه إلى نظام الأعداد النسبية الأوسع نطاقًا، الذي يجمع كل الكسور والأعداد الموجبة
والسالبة والصفر. مع ذلك، اكتشفنا بعدها أننا ليس لدينا حل للمعادلة ؛ إذ إننا أوضحنا أن مربع أي عدد نسبي لا يمكن أن يساوي بالضبط. وللتعامل مع ذلك، كان علينا اختراع . وعند هذه النقطة، أمكننا أن نسلك التوجه البديل، ونقول إننا أثبتنا
أن الجذر التربيعي للعدد ببساطة غير موجود، وتلك هي نهاية الأمر. مع ذلك، فقليلٌ مَن يشعرون
بالرضا لإغلاق هذا الباب بهذه الطريقة. فبالتأكيد، لم يكن الإغريق راضين بترك الأمر عند
هذه النقطة؛ إذ كان بإمكانهم تكوين مفكوك يمثل باستخدام الفرجار والمسطرة؛ ومن ثم كان العدد — وفق طريقة تفكيرهم —
حقيقيًّا تمامًا، وأيٌّ من الأنظمة الرياضية كان ينكر ذلك اعتُبر منقوصًا.
ربما نتفق مع فيثاغورس لسبب مختلف تمامًا. ربما نَرُدُّ بقول إننا يمكننا تقريب إلى أي درجة من الدقة من خلال مفكوكه العشري: ، وبهذا فإن يكون العدد الذي يُمثل — بدقة — بإجمالي مفكوكه. وربما يجد المرء في
العصور الحديثة مزيدًا من القوة في هذا البرهان، ويُصِر لهذا السبب على أن نظام الأعداد
يحتاج للمفكوك إلى ما وراء الأعداد النسبية.
مع ذلك، ربما نقول من الوهلة الأولى إن الأمور مختلفة عندما تتعلق بالعدد ؛ إذ إنه لا يبدو أن هناك حاجة مُلِحَّة للقلق حِيالَ عدم ظهوره بين
مجموعة الأعداد التي نطلق عليها في العادة أعدادًا حقيقية. ويتضح من ذلك أنه بينما
يتقدم علم الرياضيات لدينا لأبعد من ذلك قليلًا، فإن الحاجة لوجود أعداد تخيلية تصبح
مُلحَّة للغاية، وأي ممانعة أولية للتعامل معها تتبدد عندما يزداد فهمنا للأمور
الرياضية.
ظهر أول عدد من هذا النوع في القرن السادس عشر، عندما تعلَّم علماءُ رياضيات إيطاليون
كيفيةَ حل المعادلات متعددة الحدود التكعيبية ومن الدرجة الرابعة بطريقةٍ تُوسِّع نطاق
الطريقة المستخدمة في حل المعادلات التربيعية. غالبًا ما تتضمن طريقة كاردانو — كما
أطلق عليها — جذورًا تربيعية للأعداد السالبة، مع أنه قد تَبيَّن في النهاية أن حلول
المعادلات أعداد صحيحة موجبة. ومن خلال مراحل بدأت بهذه النقطة تم توضيح أن استخدام
الأعداد المركبة — التي تأخذ الصيغة ؛ حيث و عددان حقيقيان عاديان — يُسهل إجراء مجموعة متنوعة من الحسابات
الرياضية. على سبيل المثال، كشف أويلر في القرن الثامن عشر المعادلة الصغيرة المدهشة
واستغلها، وهي لا تخفق أبدًا في إدهاشِ أيِّ شخص يقابلها لأول
مرة.
وفي بدايات القرن التاسع عشر تقريبًا، درس وسِل وأرجاند التفسير الهندسي للأعداد
المركبة بوصفها نقاطًا على المستوى الإحداثي (النظام المعياري للإحداثيين و)، ومنذ ذلك الحين أصبح استخدام الأعداد «التخيلية» مقبولًا بوصفه
رياضيات عادية. ويسمح تحديد العدد المركب بنقطة على المحورين بدراسة سلوك الأعداد المركبة من ناحية سلوك النقاط على المستوى
الإحداثي، واتضح أن ذلك يساعد كثيرًا في الفهم. إن نظرية «المتغيرات المركبة» — التي
يُمثَّل موضوعها بدوالِّ الأعداد المركبة، وليس الأعداد الحقيقية فحسب — ازدهرت على نحو
مذهل على يدي أوجستين كوشي (١٧٨٩–١٨٥٧). وهي الآن ركيزة من ركائز الرياضيات، وتشكِّل
أساسَ قدرٍ كبيرٍ من نظرية الإشارة الكهربية، كما يعتمد مجال حيود الأشعة السينية
بأكمله على الأعداد المركبة. وثَبَتَ أن هذه الأعداد لها معنًى حقيقي، وأدهى من ذلك أن
النظام مكتمل؛ حيث إن كل معادلة متعددة الحدود لها مجموعتها الكاملة من الحلول داخل
منظومة الأعداد المركبة. وسوف نعود إلى هذا الموضوع في الفصل الأخير. ولكن قبل أن نفعل
ذلك، سوف نتناول الطبيعة غير المتناهية لخط الأعداد الحقيقية بالتفصيل في الفصل
التالي.