إن تكوين الأعداد المركبة أكثر بساطة ويتم بسلاسة أكبر من تكوين الأعداد الحقيقية.
فالمرحلة الأولى من تكوين الأعداد الحقيقية هي إنشاء الأعداد النسبية، وهي المرحلة التي
ينبغي علينا فيها توضيح ما يعنيه الكسر. فالكسر — مثل — هو مجرد عددين صحيحين نعبِّر عنهما بهذه الطريقة المألوفة على
الرغم من تميُّزها. وليس من الصعب فهْم فكرة الأجزاء الكسرية، مع أن الحسابات المتوافقة
معها تتطلب جهدًا حثيثًا لإتقانها. وطالما شَرَحَ المعلمون لك في جملة أشياء أخرى أن
كسورًا على غرار و و وما شابهها متساوية؛ ومع أنها لا تُمثِّل بالأزواج العددية نفسها،
فإنها تمثل بالفعل أجزاءً متساوية. وهذا ليس أمرًا يصعب تقبُّله، ولكنه يلفت انتباهنا
إلى حقيقة أن العدد النسبي هو في الواقع مجموعة لا متناهية من الكسور المتساوية التي
يُمَثَّل كلٌّ منها بِزَوج من الأعداد الصحيحة. يبدو هذا مفزعًا، وربما نفضل ألا نفكر
فيه كثيرًا؛ لأن احتمالية التلاعب بالمجموعات غير المتناهية التي تضم أزواجًا من
الأعداد الصحيحة ربما تثير بعض القلق. ولكن هناك ميزة تنقذنا من ذلك؛ وهي أن أي كسر
يمكن تمثيله تمثيلًا فريدًا ومختزلًا، يكون فيه البسط والمقام عددين أوليَّين، ويمكن
الحصول عليهما من خلال التخلص من أي عوامل
مشتركة في الكسر تكون قد بدأتْ بهما أولًا. ومع ذلك، بمجرد أن تعتاد على خصائص الكسور
وقواعد استخدامها، ينبغي ألا تَحيد الأمور عن سياقها الصحيح، حتى لو أظهر الفحص الدقيق
أنك تتلاعب ضمنًا بمجموعات لا متناهية تضم أزواجًا من الأعداد الصحيحة، بينما تجري
عملياتك الحسابية.
مع ذلك، تسوء الأمور أكثر عند المرحلة التالية عند محاولة تحديد ماهية الأعداد
الحقيقية حقًّا. دعنا نبدأ بمشكلة فيثاغورس؛ إذ اكتشف أنه لا يوجد كسر يساوي ؛ لذا يمكننا تقديم رمز جديد ، ونمنحه خاصية ، ونكوِّن حقلًا جديدًا للأعداد من الأعداد النسبية والعدد الجديد . وهذا فعَّال لأن مجموعة كل الأعداد التي تكون في صيغة — حيث و عددان نسبيان — تخضع لكل القواعد الجبرية العادية؛ فيمكننا حتى
قِسْمتها؛ لأن مقلوب العدد من هذه الصيغة يحتفظ بصيغته، كما يمكن رؤيته من خلال مناورة
جبرية بارعة يطلق عليها «ترشيد المقام».
يوفِّر العددان الجديدان و حَلَّي المعادلة ، ولكن ماذا عن المعادلة ؟ يبدو أننا في حاجة لضم عدد جديد آخر من أجل حل هذه المعادلة؛ حيث
إنه من اليسير التحقق من أنه لا يوجد عدد بصيغة سيكون ناتج تربيعه . (يكفي هنا الاستعانة ببرهان تناقُض بسيط: بافتراض أن ، فإن ذلك يسمح لك باستنتاج العبارة الجبرية الخاطئة التي تقول إن أحد
العددين أو — على الأقل — نسبيٌّ بالرغم من كل شيء.)
إننا لَنرغب في تجاوُز كل هذه المخاوف حول معادلاتٍ بعينها، لِنعلن ببساطة أننا نعرف
بالفعل ماهية الأعداد الحقيقية؛ فهي المجموعة التي تضم كل المفكوكات العشرية الممكنة،
الموجبة والسالبة. وهذه الأعداد مألوفة للغاية، وإننا — بالممارسة — نعلم كيفية
استخدامها؛ ومن ثم نشعر بأننا نقف على أرضية صلبة، على الأقل لِحِين طرح أسئلة أساسية
للغاية. والسمة الرئيسية للأعداد هي إمكانية إجراء الجمع والطرح والضرب والقسمة عليها.
ولكن على سبيل المثال، كيف يُفترض بك أن تضرب كسرين عشريين غير متكررين ولا متناهيين؟
إننا نعتمد على الكسور العشرية المتناهية لكي «نبدأ من النهاية اليمنى»، ولكن لا يوجد
مثل هذا الأمر مع المفكوك العشري غير المتناهي. يمكن القيام بذلك، ولكنه أمر معقد
للغاية نظريًّا وعمليًّا. إن نظام الأعداد الذي تعاني فيه من أجل توضيح كيفية الجمع
والضرب لا يبدو مُرضيًا.
كما أن هناك عثرات صغيرة أخرى: عندما تضرب في ، يكون الناتج . وعندما تضرب في ، فإن الناتج بالتأكيد يكون . وهي بالفعل الحالة التي يمكن أن يعبِّر فيها مفكوكان عشريان مختلفان
عن العدد نفسه: . وفي الواقع، يحدث ذلك مع أي كسر عشري غير متكرر، على سبيل المثال: . ومن ثم، فإنه لا يمكن أن يكون من الصائب أبدًا قول إن الكسور
العشرية والأعداد الحقيقية تعبِّر كلٌّ منهما عن الأخرى؛ إذ نرى أن مفكوكين عشريين
مختلفين يمكن أن يساويا العدد نفسه. علاوة على ذلك، سوف تتغير الأعداد ذات المفكوكات
العشرية غير الفريدة، إذا عملنا على قاعدة أخرى غير القاعدة العشرية، وهذا يسبب تعقيدًا
آخر. وإذا عرَّفنا الأعداد الحقيقية باستخدام الكسور العشرية، فإننا نجعل البنية تعتمد
على خيار تعسفي (القاعدة العشرية). وإذا بَنَيْنا البنية نفسها في صورة ثنائية، فهل
ستكون مجموعة «الأعداد الحقيقية» كما هي؟ وما الذي نعنيه بعبارة «كما هي» في أية
حالة؟
قد تَجِدُ الأسئلةَ الأساسيةَ المُثارةَ أعلاه مثيرةً للاهتمام، أو قد تضيق ذرعًا
بكل
هذا التمحيص؛ إذ يبدو أننا نثير المتاعب لأنفسنا في حين كانت كل الأمور سابقًا تسير
بسلاسة. مع ذلك، يوجد هدف جاد من وراء كل ذلك. فعلماء الرياضيات يدركون أنه كلما تُطرح
أمور رياضية جديدة، فإنه من المهم تأسيسها على أمور رياضية معروفة، على سبيل المثال،
بالطريقة التي يمكن من خلالها التفكير في الكسور على أنها زوج من الأعداد الصحيحة
العادية. وبهذه الطريقة، ربما نضع بحذرٍ القواعدَ التي تَحْكم النظام الموسَّع الجديد،
ونعرف وضْعنا الحالي. ولكن إذا تجاهَلْنا القواعد الأساسية تمامًا، فسوف تُلاحقنا فيما
بعد. على سبيل المثال، أدى التطور السريع للتفاضل والتكامل — الذي نَتَج عن دراسة
الحركة — إلى نتائج مذهلة مثل التنبؤ بحركة الكواكب. مع ذلك، فالتلاعب بالأمور غير
المتناهية والتعامل معها على أنها متناهية قدَّم أحيانًا رؤًى مدهشة، وفي أوقات أخرى
كان هراء. وبترسيخ الأنظمة الرياضية على أساس صلب يمكننا معرفة الفارق. وفي الواقع
ينغمس علماء الرياضيات كثيرًا في تلاعبات «رسمية» من أجل معرفة إن كان استحداث بعض
النظريات الجديدة الواعدة وشيكًا. وإذا كانت النتيجة جديرة بالاهتمام، فإنه يمكن
إثباتها بدقة من خلال العودة للأساسيات، واللجوء إلى النتائج التي ثَبَتَت مصداقيتها
سابقًا على نحو صحيح.
هذا هو السبب في تحمل يوليوس ديديكند (١٨٣١–١٩١٦) عناء وضْع نظام الأعداد الحقيقية
رسميًّا، اعتمادًا على فكرته التي يشار إليها الآن باسم «حدود ديديكند» على خط الأعداد.
مع ذلك، كان أول عالم رياضيات يتعامل بنجاح مع المعضلة التي سبَّبها وجود الأعداد غير
النسبية هو يودوكسوس النيدوسي (بزغ نجمه عام ٣٨٠ قبل الميلاد) الذي سمحتْ «نظرية
النِّسب» الخاصة به لأرخميدس باستخدام ما يطلق عليه «طريقة الاستنفاد» لدقة استنتاج
مساحات وأحجام الأشكال المنحنية قبل ظهور علم التفاضل والتكامل بعد ذلك بقرابة ١٩٠٠
سنة.
القطعة الأخيرة في أحجية الأعداد؛ الوحدة التخيلية
إنَّ إدخال رمز جديد يَنتج عن تربيعه هو إجراء ناجح على نحو مذهل؛ إذ إنه لا يحل في لمح البصر مشكلة توفير
حل لمعادلة واحدة فحسب، وإنما أيضًا يقدم حلًّا لكل المعادلات كثيرة الحدود، والكثير
إلى جانب ذلك. وبالتأكيد، إنَّ لدينا جذرين تربيعيين لأي عدد سالب ؛ حيث إن كلا العددين يُربع إلى بفضل خاصية أن وافتراض أن الضرب تبادلي — كما هي الحال مع العمليات الحسابية
العادية — بمعنى أن لأي عددين و. وبالفعل، إذا واصلْنا على أساس أن نظام الأعداد المركبة يجب أن يشمل نظام الأعداد الحقيقية (وهو ما يتوافق مع الحالة التي
يكون فيها )، وأنه يجب أن يستمر الالتزام بقواعد الجبر العادية، فلن تواجهنا
صعوبات، وسنجد الكثير من المفاجآت السعيدة. إن مجموعة الأعداد المركبة التي يُرمز لها
بالرمز هي «حقل» يضمن أن القسمة ممكنة أيضًا ضمن أشياء أخرى. مع ذلك،
فلمعرفة كيف يحدث ذلك كله، من الأفضل ترك أحادية خط الأعداد والنظر إلى الحياة من خلال
بُعدين.
شكل ٨-١: إضافة الأعداد المركبة عن طريق إضافة قطع مستقيمة موجهة.
تقدم العمليات الحسابية للأعداد المركبة نفسها تقديمًا بارعًا على «المستوى المركب»؛
إذ نفكر في العدد المركب بأنه يُمثَّل بالنقطة على المستوى الإحداثي. وعندما نضيف العددين المركبين و، فإننا نجمع مدخلاتهما الأولين معًا والثانيين معًا؛ لكي ينتج لدينا . وإذا استخدمنا الرمز ، ينتج لدينا على سبيل المثال .
وهذا يتوافق مع ما يُطلق عليه «جمع المتجهات» في المستوى المركب؛ حيث تُجمع القطع
المستقيمة الموجهة («المتجهات») معًا، من الأعلى للأسفل (انظر شكل ٨-١). نبدأ من نقطة الأصل التي يكون إحداثيَّاها ، وفي هذا المثال نرسم سهمنا الأول من هذه النقطة نحو النقطة . ولإضافة العدد الذي يمثَّل بالنقطة ، نذهب للنقطة ، ونرسم سهمًا يمثل التحرك وحدة واحدة لليمين في اتجاه أفقي (هذا هو
اتجاه «المحور الحقيقي»)، وثلاثة وحدات لأعلى في اتجاه رأسي («المحور التخيلي»). فنصل
إلى النقطة التي يكون إحداثيَّاها . ويمكننا — بالطريقة نفسها — أن نعرِّف طرح الأعداد المركبة عن طريق
طرح الأجزاء الحقيقية والتخيلية بحيث نحصل على سبيل المثال على: . ويمكن رسم ذلك عن طريق البدء من المتجه وطرح المتجه ، للانتهاء من الطرح وصولًا إلى النقطة .
أما الضرب، فهو موضوع آخر، ويسهل
القيام به بصورة تقليدية؛ إذ نضرب العددَين المركَّبَين من خلال ضرب القوسَين معًا،
متذكِّرِين أن . وبافتراض استمرار تطبيق «قانون التوزيع»، وهو قاعدة جبرية تسمح لنا
بفك الأقواس بالطريقة العادية، فإن عملية الضرب تحدث كما يلي:
على الجانب الآخر، يمكن حساب القسمة من خلال «المرافق المركب». فبوجه عام، المرافق
يرمز إليه بالرمز وهو ، بعبارة أخرى، هو انعكاس على المحور الحقيقي. وقاعدة الضرب التي تطبق على ينتج عنها ، وهو عدد حقيقي تمامًا كما يتضح أن الجزء التخيلي يبلغ صفرًا. وهذا
يساوي مربع المسافة بين ونقطة الأصل، التي يشار إليها بالرمز . ونعبر عن ذلك بالرموز كما يلي: . وربما نقسم الآن عددًا مركبًا على آخر عن طريق ضرب الجزء العلوي
والسفلي في مرافق القاسم؛ لكي نجعل عملية القسمة تتم على عدد حقيقي على نحو خالص، وهذا
يشبه الأسلوب المعياري لترشيد المقام الذي يُستخدم للتخلص من الجذور التربيعية في
النتيجة النهائية، الذي استخدمناه في حساب الكسر المستمر للعدد . على سبيل المثال:
عن طريق استخدام أعداد مركبة عامة بدلًا من الأعداد المركبة المحددة، يمكننا —
بالطريقة نفسها — إيجاد نتيجة القسمة العامة للأعداد المركبة من حيث أجزاؤها الحقيقية
والتخيلية، كما فعلنا آنفًا مع عملية ضرب الأعداد المركبة العامة. ومع ذلك، ما دام
الأسلوب مفهومًا، فلا توجد حاجة مُلحَّة لإنتاج وحفظ الصيغة الناتجة.
ولعملية الضرب تفسيرٌ هندسي يَظهر إذا غَيَّرْنا نظامنا الإحداثي من الإحداثيات
الكارتيزية العادية إلى إحداثيات قطبية. في هذا النظام تُحدد النقطة مرة أخرى عن طريق زوج مرتب من الأعداد، الذي سنعبر عنه كالآتي . العدد هو «المسافة» التي تبعدها نقطتنا عن نقطة الأصل (يطلق عليها في هذا السياق اسم «قطب»). لذا، ﻓ كمية غير سالبة، وكل النقاط التي تحمل قيمة نفسها تشكل دائرة نصف قطرها متمركزة عند القطب. ونستخدم الإحداثي الثاني لتحديد على هذه الدائرة عن طريق اعتبار الزاوية، وتقاس في اتجاه عكس اتجاه عقارب الساعة، من المحور الحقيقي
إلى الخط . ويُطلق على العدد «مقياس» ، بينما يطلق على الزاوية «البعد الزاوي» ﻟ .
شكل ٨-٢: موضع عدد مركب على الإحداثيات القطبية.
افترض الآن أن لدينا عددين مركبين و، إحداثياتهما القطبية و على الترتيب، فيتضح أن الإحداثيات القطبية للناتج تأخذ صورة بسيطة وظريفة. ويمكن التعبير عن قاعدة التركيب على نحو
منظم بلغة عادية على النحو الآتي: مقياس الناتج هو حاصل ضرب مقياس كلٍّ من و، بينما البعد الزاوي هو مجموع البعد الزاوي لكلٍّ من و. وبالرموز، للعدد إحداثيات قطبية . تندرج عملية ضرب الأعداد الحقيقية تحت هذه الطريقة الأكثر عمومية
للنظر للأشياء؛ على سبيل المثال، العدد الحقيقي الموجب له الإحداثيات القطبية ، وإذا ضربناه في إحداثيات عدد آخر ، فإن النتيجة تكون هي النتيجة المتوقعة ، المتوافقة مع العدد الحقيقي .
يتكشف المزيد من سمات ضرب الأعداد المركبة من خلال هذا التمثيل. وتتحدد الإحداثيات
القطبية للوحدة المركبة من خلال . (وفي العادة، لا تقاس الزوايا بالدرجات في هذه الظروف، ولكن بالوحدة
الرياضية الطبيعية «راديان»: يبلغ مقدار قياس زاوية الدائرة راديان؛ حيث إن لفة الراديان الواحد تضاهي التحرك بمقدار وحدة واحدة
على محيط الدائرة الوحدة، بالارتكاز على نقطة الأصل. والراديان الواحد يساوي تقريبًا
.) وإذا أخذنا الآن أي عدد مركب وضربناه في ، نجد أن . وهذا يعني أن «الضرب في يضاهي الدوران خلال زاوية قائمة حول مركز المستوى المركب». بعبارة
أخرى، الزاوية القائمة — هذه الفكرة الهندسية الأساسية — يمكن تمثيلها كعدد.
في الواقع، إنَّ تأثير الجمع أو الضرب في العدد المركب على كل النقاط في مساحة محددة على المستوى المركب يمكن تصويره
هندسيًّا. تَصوَّرْ أي مساحة تتخيلها على المستوى، إذا جَمَعْنا مع كل نقطة داخل المساحة، فإننا ببساطةٍ نحرك كلَّ نقطةٍ المسافةَ
نفسها في الاتجاه نفسه الذي يحدده السهم — أو المُتجَه كما نطلق عليه غالبًا — ممثلًا
ﺑ . بمعنى أننا ننقل المساحة إلى موضع آخر على المستوى، بحيث يُحافَظ
على الشكل والحجم كما هما، وكذلك وضعها، ونعني بهذا أن المساحة لا تتعرض لأي دوران أو
انعكاس. مع ذلك، فإن ضرب كل نقطة في منطقتك في له أثران، يتسبب في أحدهما ويتسبب في الآخر. ويزداد مقياس كل نقطة في المساحة بعامل ، وبهذا تزداد كل أبعاد المساحة بعامل أيضًا (وبهذا تُضرب مساحتها في عامل ). وبالطبع، إذا كان ، فإن هذا التوسع يوصف على نحو أفضل كَانْكِمَاش؛ إذ إن المساحة
الجديدة سوف تكون أصغر من المساحة الأصلية. مع ذلك، فسوف تحافظ المساحة على شكلها؛ على
سبيل المثال، يُنقل المثلث إلى مثلث مشابه له الزوايا نفسها كسابقه. أما تأثير — كما أوضحنا آنفًا — فهو تدوير المساحة من خلال زاوية ، في اتجاه عكس عقارب الساعة حول القطب. والتأثير الإجمالي إذن لضرب
كل نقاط منطقتك في هو توسيع وتدوير منطقتك حول القطب. وسوف تظل المساحة الجديدة محتفظة
بالشكل نفسه كما كانت، ولكن سيختلف حجمها الذي سيحدده ، وسوف يختلف وضعها كما ستحدده زاوية التدوير .
نتائج أخرى
إن النسخة القطبية من الأعداد المركبة مناسبة على نحو خاص لأخذ القوى والجذور لرفع
للقوة الموجبة . فببساطة نرفع المعامل لهذه القوة ونضاعف عدد من المرات؛ لنحصل على . وتنطبق الصيغة نفسها على القوى الكسرية والسالبة. ويمكن فهم القسمة
أيضًا بالصورة القطبية. فكما هي الحال مع الأعداد الحقيقية، القسمة على عدد مركب تعني الضرب في مقلوبه ، ولكن ما هذا العدد ؟ بفرض أن فإن العدد هو العدد الذي له خاصية ، وهو العدد . وهذا يوضح لنا أنه يجب أن يكون ؛ لكي يكون حينها ، كما نريد. وهذا يوفر بديلًا للمنهج الكارتيزي في القسمة الذي يستخدم
المرافقات المركبة.
يوجد عدد كبير من تطبيقات الأعداد المركبة، حتى على المستوى الأوَّلي؛ فالتفاعل بين
التمثيلات الكارتيزية والقطبية يحفِّز استخدام حساب المثلثات بطريقة مدهشة ومفيدة. على
سبيل المثال، التمرين العادي للطلاب هو اشتقاق المتطابقات المهمة التي تظهر الآن
بتلقائية شديدة عن طريق استخراج أعداد مركبة اعتباطية من معامل الوحدات (مثل )، ثم حساب القوى باستخدام الإحداثيات الكارتيزية ثم القطبية. ووضع
معادلة لصورتَي الإجابة يكشف حينها عن معادلة نِسب مثلثية.
إنَّ النقطة ذات الإحداثيين القطبيين لها — من خلال أساسيات حساب المثلثات — الإحداثيان الكارتيزيان . وإذا ضربنا الآن هذين العددين المركبين و في الإحداثيات الكارتيزية، نحصل على:
بينما ينتج عن العملية نفسها في الإحداثيات القطبية:
حيث إن معادلة الأجزاء الحقيقية والتخيلية لنسختَيْ هذا الناتج الواحد
تُنتج بسهولة صيغَ حساب المثلثات لمجموع قياس الزاوية المعيارية:
بدلًا من ذلك، يمكن اشتقاق النسخة القطبية للضرب المركب باستخدام هذه الصيغ الخاصة
بحساب المثلثات. وفي الواقع، القاعدة التي ذكرناها هنا — دون برهان — للضرب في النسخة
القطبية عادةً ما تُشتق أولًا من الصورة الكارتيزية عن طريق استخدام صيغ حساب
المثلثات.
يَحدث ما هو أكثر من ذلك بسهولة شديدة في الوقت الحالي؛ لأن استخدام الأعداد المركبة
يكشف عن رابط بين الدالة الأسية أو الدالة ذات القوة الجبرية، والدوال المثلثية التي
تبدو ظاهريًّا غير ذات صلة. فدون المرور من البوابة التي يقدمها الجذر التربيعي لسالب
واحد، ربما يمكن لمح الرابط دون فهْمه. وتنشأ الدالة التي يطلَق عليها «الدالة
الزائدية» من أخْذ ما يُعرف بأنه الأجزاء الزوجية والفردية للدالة الأسية؛ إذ يتوافق
مع
كل متطابقة مثلثية متطابقة أخرى شبيهة بها، ولكن ربما باستثناء العلامة، بما في ذلك هذه
الدوال المثلثية الزائدية. ويمكن التحقق من صحة ذلك بسهولة في أي حالة محددة، ولكن
حينها سيظل السؤال مطروحًا: لماذا يحدث ذلك من الأساس؟ لماذا ينبغي أن ينعكس سلوك فئة
من الدوال انعكاسًا دقيقًا على فئة أخرى، ويتضح بهذا الأسلوب المختلف للغاية ويتسم بهذه
السمة المختلفة؟ يُحل هذا اللغز عن طريق الصيغة ، التي توضح أن الدوال الأسية والدوال المثلثية ترتبط ارتباطًا وثيقًا
كلٌّ منها بالأخرى، ولكن فقط عن طريق استخدام الوحدة التخيلية . وبمجرد الكشف عن ذلك (لأنه مفاجئ وليس بديهيًّا على الإطلاق)، يصبح
من الواضح أن النتائج المذكورة حتمية عن طريق أداء الحسابات باستخدام التمثيلَين
البديلين اللذين تقدمهما هذه المعادلة، ثم المعادلة بين الأجزاء الحقيقية والتخيلية.
مع
ذلك، فدون الصيغة يبقى الأمر كله لغزًا.
الأعداد المركبة والمصفوفات
دعنا ندقق النظر في بعض نتائج اكتشاف أن الضرب في يمثل دورانًا بمقدار زاوية قائمة حول مركز المستوى الإحداثي. إذا كان ، إذن فإنه يكون لدينا من خلال فك الأقواس وإعادة ترتيب عمليات الضرب ، بحيث تنتقل النقطة بسبب هذا التدوير إلى ؛ انظر شكل ٨-٣. وبهذه الطريقة، يمكن اعتبار أن
الضرب في أُجري على النقاط في المستوى. ويتمتع هذا الإجراء بسمة خاصة، وهي أنه
بالنسبة لأي نقطتين و وأي عدد حقيقي ، يكون لدينا ، و.
علاوة على ذلك، إذا ضربنا عددًا حقيقيًّا في عدد مركب ، نحصل على . وفيما يتعلق بالنقاط على المستوى المركب، تُنقل إلى ، أو تكتب بطريقة أخرى: .
شكل ٨-٣: الضرب في يعمل على دوران العدد المركب بمقدار زاوية
قائمة.
تُعرف أنواع العمليات التي تتمتع بهاتين السمتين بأنها «خطية» ولها أهمية قصوى في
جوانب الرياضيات كلها. وهنا أتمنى فقط أن أَلْفِتَ انتباهك إلى حقيقة أن تأثير هذه
العملية يحدده عملها على النقطتين و، ولهذا دعنا نفترض أن و. ولهذا، فإنه لأي نقطة ، سيكون لدينا ؛ ومن ثم فباستخدام العمليات الخطية، نحصل على:
ربما تُختصر هذه المعلومة عن طريق ما يطلق عليه «معادلة مصفوفية»:
ذكرنا هنا مثالًا على ضرب المصفوفات، الذي يوضح طريقة تنفيذ هذا الإجراء بوجه عام.
و«المصفوفة» ما هي إلا نسق مستطيل من صفوف وأعمدة من الأعداد. مع ذلك، تمثل المصفوفات
نوعًا آخر من العناصر العددية ثنائية الأبعاد، وأكثر من ذلك أنها تتخلل تقريبًا كل فروع
الرياضيات المتقدمة، سواء البحتة أو التطبيقية؛ فهي تمثل أساس الجبر، ويسعى قدر كبير
من
الرياضيات الحديثة لتمثيل نفسه عن طريق المصفوفات، وذلك لفائدتها التي ثبتت بالبرهان.
ويمكن جمْع مصفوفتين تتضمنان العدد نفسه من الأعمدة والصفوف معًا — كل مدخل مع الآخر
—
على سبيل المثال، للتوصل إلى مدخل الصف الثاني والعمود الثالث في مجموع المصفوفتين،
نجمع فحسب المدخلين الموجودين في الموقعين المقابلين في المصفوفتين المَعْنيَّتين. غير
أن ضرْب المصفوفات يمنح الموضوع سمة جديدة ومهمة، وطريقة تنفيذ هذه العملية ظهرتْ من
تلقاء نفسها في المثال السابق؛ إذ يتكون كل مدخل في المصفوفة الناتجة عن طريق أخذ
المضروب العددي لصف من المصفوفة الأولى مع عمود من المصفوفة الثانية؛ مما يعني أن يكون
المدخل مجموع النواتج المتماثلة عند وضع صف المصفوفة الأولى أعلى عمود المصفوفة
الثانية.
تتبع المصفوفات كل قوانين الجبر
العادية عدا تبادلية الضرب؛ بمعنى أنه بالنسبة للمصفوفتين و ليس صحيحًا بوجه عام أن تكون . مع ذلك، فإن ضرب المصفوفات يمثل عملية تجميع؛ بمعنى أن نواتج أي
نطاق تُكتب على نحو لا لبس فيه دون الحاجة إلى وضع أقواس.
تُعد التحولات الخطية على المستوى — نموذجيًّا — دورانًا حول نقطة الأصل، وانعكاسات
في الخطوط عبر نقطة الأصل، وتوسعات وانكماشات حول نقطة الأصل؛ ومن ثم يُطلَق عليها
«المقصات» (أو الخطوط المائلة)، التي تحرِّك النقاط بالتوازي إلى محور ثابت بقدر يتناسب
مع بُعدها عن هذا المحور بطريقة تشبه تقليب صفحات الكتاب صفحة وراء الأخرى. وأيُّ تسلسل
من هذه التحولات يمكن أن يتأثر بضرب كل المصفوفات ذات الصلة معًا للحصول على مصفوفة
واحدة لها التأثير النهائي نفسه؛ إذ تعمل كل هذه التحولات بالترتيب. وصفوف المصفوفة
الناتجة تكون ببساطة صورًا للنقطتين و، كما رأينا آنفًا، تُعرف باسم «متجهات الأساس».
من الطبيعي الآن الالتفات إلى المصفوفة التي تمثل دورانًا عكس عقارب الساعة بمقدار زاوية قائمة حول نقطة
الأصل؛ إذ يجب أن تحاكي السلوك الذي شهدناه عند الضرب في الوحدة التخيلية . نظرًا لأن النقطة انتقلت للنقطة عن طريق التدوير، وعلى نحو مشابه انتقلت النقطة إلى ، فإن هذين المتجهين يشكلان صفوف مصفوفتنا . ونتيجة تربيع المصفوفة سوف تكون مصفوفة لها التأثير الهندسي لنقاط التدوير بمقدار حول نقطة الأصل. وتم حساب ذلك أسفله عن طريق ضرب المصفوفة. على سبيل
المثال، لمعرفة المدخل الأخير ناحية اليمين في المصفوفة ، نأخذ المضروب العددي للصف الثاني والعمود الثاني، الذي يكون . والحساب الكامل يتضمن الناتج التالي:
تمثل المصفوفة ذات الصفوف و المصفوفة المحايدة، وتسمى بهذا؛ لأنها تعمل كالعدد ؛ إذ إنها عند ضربها في مصفوفة أخرى ، فإن النتيجة تكون . أما المصفوفة ، التي تمثل دورانًا يعادل نصف لفة كاملة حول نقطة الأصل، فإنها تتصرف
مثل في أن . ونتيجة كل هذا هو أن المصفوفات — حيث و عددان حقيقيان — تحاكي بدقة الأعداد المركبة فيما يخص الجمع والضرب؛ ومن ثم تقدم تمثيلًا مصفوفيًّا لحقل العدد
المركب. والمصفوفة المقابلة للعدد المركب النموذجي هي:
تتبادل المصفوفاتُ التي تمثِّل الأعداد المركبة بالفعل بعضُها مع بعض، ولكن — كما
ذكرنا آنفًا — لا ينطبق كل هذا عمومًا على كل نواتج المصفوفات، والطريقة الأخرى التي
يمكن للمصفوفات بها أن تتصرف على نحو غير مألوف هي أنها لا يمكن عكسها جميعًا. وبالنسبة
لكل المصفوفات المربعة (وهي المصفوفة التي تحتوي على العدد نفسه من الصفوف والأعمدة)، ربما
نجد «مصفوفة معكوسة» فريدة من نوعها، يكون فيها ؛ أي تكون مصفوفة محايدة. مع ذلك، يعتمد وجود المصفوفة المعكوسة على
عدد واحد يقترن بالمصفوفة المربعة يُعرف باسم «المحدِّد». وبوجه عام، يمثل هذا العدد
مجموع نواتج مؤشَّر عليها تتكون عن طريق أخْذ مدخل واحد من كل صف وعمود من نسق
المصفوفة. وبالنسبة لنسق المصفوفة العادية المكونة من صفين وعمودين — كما ذكرنا آنفًا
—
فإن المحدِّد هو العدد . وللمحدداتِ الكثيرُ من الاستخدامات والسمات المستحسنة؛ فعلى سبيل
المثال، يمثل مقياس المساحة لتحوُّل المصفوفة المقابلة: شكل المساحة سوف يتحول إلى شكل المساحة عندما يتحول بفعل هذه المصفوفة (وإذا كانت سالبة، فإن الشكل يخضع أيضًا لعملية انعكاس؛ إذ ينعكس الاتجاه
الأصلي). علاوة على ذلك، إنَّ محدِّد حاصل ضرب مصفوفتين مربعتين هو حاصل ضرب محددات
هاتين المصفوفتين. والمصفوفة المربعة سيكون لها مصفوفة معكوسة إلا في حالة ، التي لن يكون للمصفوفة فيها معكوسٌ أبدًا. فالمحدِّد الذي يبلغ
صفرًا يقابل هندسيًّا تحولًا اضمحلاليًّا تنهار فيه مساحات المصفوفة وتتحول إلى مساحات
صفرية كقطعة مستقيمة أو حتى نقطة وحيدة.
في مصفوفة العدد المركب ، نلاحظ أن ، الذي لا يكون صفرًا أبدًا إلا عندما ؛ ولكن بالطبع لم يكن للصفر مقلوب من قبل، ولا تزال تلك هي الحال في
الميدان الأوسع للأعداد المركبة. ولكن هذا يؤكد بالفعل أن كل عدد مركب ليس صفرًا يمتلك
معكوسًا ضربيًّا.
نقف هنا على حافة العوالم الشاسعة التي تضم الجبر الخطي ونظرية التمثيل وتطبيقات
التفاضل والتكامل متعددة الأبعاد، ولكن لا يمكن التعمق في هذه العوالم الآن. مع ذلك
ينبغي للقارئ أن يدرك أن المصفوفات تنطبق على مساحات ثلاثية الأبعاد، وفي الواقع على
مساحات ذات الأبعاد ، عادة من خلال المصفوفات . ومع أن نسق المصفوفات يصبح أكبر وأكثر تعقيدًا، فإن المصفوفات نفسها
تظل كيانات عددية ثنائية الأبعاد.
أعداد فيما وراء المستوى المركب
إن حقل C الذي
يتضمن الأعداد المركبة جميعها يُعتبر «متكاملًا» بطريقتين مهمتين؛ إذ يُطلق على أي
متتالية لا متناهية من الأعداد المركبة — التي تتجمع فيها الحدود في دوائر أصغر حجمًا
ذات نصف قطر يصل إلى الصفر — اسم متتالية «متقاربة»؛ وأي متتالية متقاربة تضم أعدادًا
مركبة تصل إلى عدد مركب متناهٍ. وهذا أيضًا ينطبق على الأعداد الحقيقية، ولكنه لا ينطبق
على الأعداد النسبية؛ فالتقريب العشري المتتابع لأي عدد غير نسبي يمثل متتالية من
الأعداد النسبية التي تصل إلى حد خارج نطاق الأعداد النسبية. علاوة على ذلك، يُعد الحقل
C متكاملًا
(أو مغلقًا) من الناحية الجبرية؛ حيث يمكن توضيح أن أي معادلة كثيرة الحدود لها من الحلول (المركبة) — — تسمح حينها للطرف نفسه أن يتحلل بالكامل إلى عوامل .
وهذا الأمر والنجاحات المذهلة الأخرى للأعداد المركبة تُغني إلى حد كبير عن الحاجة
لتوسيع نطاق نظام الأعداد لما يتجاوز المستوى المركب. وفي الواقع ليس من الممكن بناء
نظام أعداد موسع يتضمن C ويحتفظ أيضًا بكل قوانين الجبر
العادية. علاوة على ذلك، يوجد فقط نظامان موسعان يحتفظان بالكثير من البنية الجبرية،
وهما «الكواتيرنيون» و«الأوكتونيون». ومع أن استخدامهما ليس منتشرًا تقريبًا بنفس قدر
انتشار الأعداد المركبة، فإن الكواتيرنيون يُستخدم — على سبيل المثال — في رسومات
الكمبيوتر ثلاثية الأبعاد. أما الأوكتونيون — الذي يمكن اعتباره زوجًا من الكواتيرنيون
— فلا يفتقر فقط إلى سمة التبادلية، وإنما يفتقر أيضًا إلى سمة التجميعية الخاصة بعملية
الضرب.
الكواتيرنيون هو عدد بصيغة ؛ حيث يكون الجزء الأول عددًا مركبًا عاديًّا، ووحدتا الكواتيرنيون و تستوفيان الشرط . ولكي نجري عمليات الضرب في الكواتيرنيون، يلزم أن نعلم طريقة ضرب
الوحدات بعضها في بعض، ويتحدَّد ذلك وفق القواعد ، ولكن الناتج المعكوس يحمل العلامة المعكوسة، بحيث يكون على سبيل
المثال: (وربما تُشتق كل هذه النواتج في الواقع من معادلة إضافية واحدة: ). وبذلك، يشكل الكواتيرنيون نظامًا جبريًّا متقدمًا يستوفي كل قوانين
الجبر باستثناء تبادلية الضرب، بسبب تغيرات العلامة المذكورة سابقًا في النواتج
المعكوسة. وكذلك يمكن إيضاح اتساق النظام من خلال تمثيل المصفوفات المكونة من عمودين
وصفَّين، ولكن هذه المرة نسمح بوجود العناصر المركبة لا مدخلات الأعداد الحقيقية فقط.
ويرتبط العدد مرة أخرى بالمصفوفة المحايدة ، ولكن يكون للوحدات و و نظراؤها في المصفوفة:
في حين يكون للكواتيرنيون العادي مصفوفته الخاصة:
مع ذلك، فليس تمثيل الكواتيرنيون بالمصفوفات فريدًا من نوعه، ولكن لتمثيل الأعداد
المركبة بمصفوفات بدائل مكافئة أيضًا بالفعل. علاوةً على ذلك، من الممكن تمثيل
الكواتيرنيون دون استخدام الأعداد المركبة، ولكن فقط على حساب استخدام نسق مصفوفات
أكبر؛ فالكواتيرنيون يمكن تمثيلها بمصفوفات معينة ذات أربعة صفوف وأعمدة بمدخلات من
الأعداد الحقيقية فحسب.
ظهرت أنواع جديدة من الأعداد، وكذلك التوسعات في الأنظمة القديمة؛ بسبب الحاجة لأداء
عمليات حسابية لم يكن من الممكن الوصول إلى نتائجها باستخدام نظام الأعداد كما هو. وكل
حضارة تبدأ بأعداد العد، ولكن العمليات الحسابية التي تتضمن الأجزاء تؤدي إلى الكسور،
والتي تتضمن الديون تؤدي إلى الأعداد السالبة، وكما اكتشف فيثاغورس، تؤدي تلك التي
تتضمن الأطوال إلى الأعداد غير النسبية. ومع قِدَم اكتشاف حقيقة أنه لا يمكن التعامل
مع
كل الأمور العددية باستخدام الأعداد الصحيحة ونسبها، فإن هذا الاكتشاف كان دقيقًا على
نحو أعمق من كل ذلك. فعندما أصبحت العلوم أكثر تقدمًا، لزم أن تنضج أنظمة الأعداد لكي
تتوافق مع هذا التقدم. ولا يتطلع العلماء بوجه عام إلى إنشاء نظم أعداد جديدة بطريقة
شاذة يصعب التنبؤ بها. بل على العكس من ذلك، تُقَدَّم هذه الأنظمة في كثير من الأحيان
على مَضَض وبتردُّدٍ في البداية للتعامل مع المسائل البحثية. على سبيل المثال، رغم عرض
المصفوفات لأول مرة في القرن التاسع عشر، فإنها ظهرت على نحو لا يُقاوم في ميكانيكا
الكم في بدايات القرن العشرين عندما واجه علماء الفيزياء كمية بصيغة لم تبلغ صفرًا مع ذلك. وفي أي نظام أعداد يتسم بالتبادلية كانت تبلغ صفرًا بالطبع؛ لذا لم تكن الكيانات العددية اللازمة هنا
كالكيانات التي صادفوها من قبل، بل كانت مصفوفات.
يبدو الآن أن عالَم الرياضيات والفيزياء لديه أنواع كافية من الأعداد؛ ومع وجود أنواع
لم تُذكَر هنا في هذا الكتاب، فإن الأنواع التي تُستخدَم على نحو شائع في الرياضيات
والعلوم لم يلزم تغييرها بقدر كبير منذ النصف الأول من القرن العشرين.
مع ذلك، فَبِوُصولنا لهذه الملاحظات نكون قد وَصَلْنا إلى نهاية رحلتنا في عالم
الرياضيات، بعد أن بدأْنا الرحلة بالمستوى التمهيدي وتدرَّجْنا صعودًا إلى أعلى حيث آمل
أن يلقي القارئ نظرة على عالم الأعداد الثري والغامض.