الشاهدة
«يا قارئًا كتابي
ابكِ على شبابي»
شاهدة بين القبور تبكي
تستوقف العابرَ، يا صحابي
غضوا الخُطا ولتصمتوا، إن القرون تحكي
في جملةٍ خُطَّت على التراب
من نام في القبر ودودَ القبر
يُسأل لا ينطق بالجواب؟!
سيَّان عنده اتئلاقُ الفجر
وظلمة الليل بلا ثياب،
بلا طعام، لا هوًى، لا حقد
أفقر أهل الفقر
فيه وأغنى الأغنياء، تعدو
في قبره الجرذان، وهو غافٍ
نام من الديدان في لحافِ.
•••
لي نومة مع التراب في غد
صباحها أولُ ليل الأبد،
يمر بي الشيوخ والشبانُ
يثرثرون: «يدها فوق يدي
وعينها …» ويُنفث الدخانُ
رُبَّ فتًى مُورَّدِ
يقرأ من شِعري على الصحابِ،
يقرأ في كتابي
قصيدة خضراء عن جَيْكُور،
غافية تحت غصون النور
تحلم بالسحاب،
مرَّ على قبري فقال: «قَبرُ،
وأين من هذا الرميم الشعرُ
يدفق بالعواطف
كهبَّة العواصف القواصف؟!»
مرَّ على قبري فكاد الصخر
يصرخ: «تحتي نام هذا الشاعر
صاحبُ هذه القوافي، يسمعُ
ما قلتموه، فالعيون تدمعُ
في عالم لا يرجعُ المسافرُ
منه ولا للنوم فيه آخر
رفقًا به، دعوه في رقدته
تؤنسه الديوان في وحدته،
كان له قلبٌ وكان أمسُ،
حتى إذا استنزف من مدته
توسد الترابا،
لا تقرءوا الكتابا!»
•••
ثم تغيبُ الشمسُ.
درم، ٦ / ١ / ١٩٦٣