الليلة الأخيرة
وفي الصباح يا مدينةَ الضبابْ
والشمس أمنيَّةُ مصدورٍ تُدير رأسها الثقيل
من خلل السحابْ،
سيحملُ المسافر العليلْ
ما ترك الداءُ له من جسمه المذاب،
ويهجرُ الدخان والحديد
ويهجر الأسفلتَ والحَجَرْ،
لعلَّه يلمح في درامَ من نَهَرْ،
يلمح وجه الله فيها، وجهه الجديد
في عالم النقود والخمور والسهَر.
•••
رُبَّ صباحٍ بعد شهر، بعدما الطبيب
يراه — من يعلم ماذا خبأ القدر؟ —
سيحمل الحقيبة المليئهْ
بألف ألفِ رائعٍ عجيب،
بالحُلِيِّ والحجر،
باللعب الخبيئهْ،
يفجأ غيلانَ بها، يا طول ما انتظر!
يا طولَ ما بكى ونام تملأ الدموعْ
برنَّة الأجراس، أو بصيحةِ الذئاب
عوالمَ الحُلم له، وتنشر القلوعْ
يجوب فيها سندبادُ عالم الخطَر،
هناك فارس النحاس يرقبُ العُباب
ويُشرع السهمَ ليرمي كلَّ من عَبَرْ.
•••
إن يكتبِ اللهُ ليَ العوْدَ إلى العراق
فسوف ألثَمُ الثرى، أعانق الشجر،
أصيحُ بالبشر:
«يا أرجَ الجنةِ، يا إخوة، يا رفاق،
ألحسنُ البصري جابَ أرض واقِ واق،
ولندن الحديد والصخر،
فما رأى أحسنَ عيشًا منه في العراق.»
ما أطولَ الليلَ وأقسى مدية السهر،
صديئة تحزُّ عينيَّ إلى السَّحَر!
•••
وزوجتي لا تطفئ السراجَ: «قد يعودْ
في ظلمة الليل من السَّفَر.»
وتُشعل النيرانَ في موقدِنا: «برود
هو المساء، وهو يهوى الدفءَ والسَّمَر.»
•••
وتنطفئ مدفأتي، فأضرمُ اللهيب،
وأذكر العراقَ: ليت القمر الحبيب
من أفق العراق يرتمي عليَّ: آهِ يا قمر!
أما لثَمْتَ وجهَ غيلانَ؟ أنا الغريب
يكفيه لو لثمت غيلان، أن انتثر
منك ضياء عبر شبَّاك الأبِ الكئيب،
ومس منه الثغر والشعر:
أحسُّ منه أنَّ غيلان — شذًى وطيب
من كفه اللينة انتشر —
عابثَ شعري، صاحَ: «آهِ جاء
أبي، وعاد من مدينة الحَجَرْ!»
وشدَّ بالرداء.
ما أطولَ الليلَ وأقسى مُدْيَةَ السَّهَر
ومُدْيَةَ النوم بلا قمر.
لندن، ٤ / ١ / ١٩٦٣