ربيع الجزائر
سلامًا بلادَ اللظى والخرابِ
ومأوى اليتامى وأرضَ القبور،
أتى الغيث وانحلَّ عقد السحابِ
فروَّى ثرى جائعًا للبذور
وذاب الجناح الحديد
على حُمرة الفجر تغسل في كل ركن بقايا شهيد،
وتبحث عن ظامئات الجذور
وما عاد صبحك نارًا تَقَعْقَعُ غَضبى وتزرع ليلًا
وأشلاءَ قتلى
وتنفثُ قابيلَ في كلِّ نارٍ يَسَفُّ الصديد،
وأصبحتِ في هدأةٍ تسمعين نافورةً من هتافٍ
لديكِ، يبشِّر أن الدجى قد تولَّى،
وأصبحتِ تستقبلين الصباح المطلَّا
بتكبيرةٍ من ألوف المآذن كانت تخاف،
فتأوي إلى عاريات الجبالِ
تبرقع أصداءها بالرمالِ.
•••
بماذا ستستقبلين الربيع؟
بِبُقْيَا من الأعظم الباليهْ
لها شعلة رشَّتِ الداليهْ،
تعيرُ العناقيد لونَ النجيع
وفي جانبَي كل درب حزين
عيون تحدِّق تحت الثرى،
تحدِّق في عورة العاجزين!
لو تستطيع الكلامَ
لصبَّت على الظالمين
حميمًا من اللعنات، من العار، من كل غيظ دفين!
ربيعك يمضغ قَيْحَ السلام.
•••
بيوتك تبقى طوال المساء
مفتَّحةً فيك أبوابها،
لعلَّ المجاهد بعد انطفاء اللهيب وبعد النوى والعناء
يعود إلى الدار يدفن تحت الغطاء
جراحًا، يفرُّ إليه الصغار، ترفرف أثوابها
يصيحون: «بابا»، فيُفطَر قلب السماء
– «وماذا حملتَ لنا من هديَّة؟»
– «غدًا ضاحكًا أطلعتْه الدماء.»
وكم دارةٍ في أقاصي الدروب القصيَّة
مفتَّحة الباب، تقرعه الريح في آخر الليل قرعا
فتخرج أم الصغار
ومصباحها في يدٍ أَرْعَشَ الوجد منها،
يرود الدجى، ما أنار
سوى الدرب قفر المدى، وهي تُصغي وتُرهف سمعا
وما تحمل الريح إلا نباح الكلاب البعيد،
فتُخفت مصباحها من جديد.
•••
«ولما استرحنا بكيْنا الرفاق!»
هماس لأنييس عبر القرون
وها أنتِ تدمع فيك العيون
وتبكينَ قتلاك
نامت وغًى فاستفاق
بكِ الحزنُ عاد اليتامى يتامى،
ردًى عاد ما ظُنَّ يومًا فراق!
سلامًا بلادَ الثكالى، بلادَ الأيامى
سلامًا …
سلاما.
بيروت، ٧ / ٦ / ١٩٦٢