سفر أيوب
١
لك الحمدُ مهما استطال البلاءْ
ومهما استبدَّ الألمْ،
لك الحمدُ، إن الرزايا عطاء
وإن المصيباتِ بعضُ الكَرَمْ
ألم تُعطني أنت هذا الظلامْ
وأعطيتني أنت هذا السَّحَرْ؟
فهل تشكرُ الأرضُ قَطْرَ المطر
وتغضبُ إن لم يَجُدْها الغمام؟
شهورٌ طوالٌ وهذي الجراحْ
تمزِّق جنبيَّ مثلَ المُدى،
ولا يهدأ الداءُ عند الصباح،
ولا يمسح اللَّيْلُ أوجاعه بالردى
ولكنَّ أيُّوبَ إن صاح صاح:
«لك الحمدُ، إن الرزايا ندى،
وإن الجراح هدايا الحبيبْ،
أضمُّ إلى الصَّدْر باقاتِها،
هداياكَ في خافقي لا تغيب،
هداياك مقبولةٌ، هاتِها!»
أَشُدُّ جراحي وأَهِتف بالعائدينْ:
«ألا فانظروا واحسدوني، فهذي هدايا حبيبي!»
وإن مسَّتِ النارُ حُرَّ الجبين
توهَّمْتُها قُبلةً منكَ مجبولةً من لهيبِ
جميلٌ هو السُّهدُ أرعى سماكَ
بعينيَّ حتى تغيبَ النجومْ،
ويلمسَ شبَّاكَ داري سناكْ
جميلٌ هو الليل: أصداء بوم،
وأبواقُ سيارةٍ من بعيد،
وآهاتُ مرضى، وأمٌّ تُعيد
أساطيرَ آبائها للوليد
وغاباتُ ليل السُّهادِ؛ الغيوم
تُحِجِّبُ وجْهَ السماءْ،
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيُّوبُ كان النداءْ:
«لك الحمد يا راميًا بالقَدَرْ،
ويا كاتبًا — بَعْدَ ذاكَ — الشِّفاء!»
لندن، ٢٦ / ١٢ / ١٩٦٢
٢
من خَلَلِ الثلج الذي تنثُّه السماءْ،
من خَلَلِ الضباب والمطَرْ،
ألمح عينيْك تَشعَّان بلا انتهاء
شعاعَ كوكبٍ يغيب ساعةَ السَّحَرْ
وتقطران الدمعَ في سكونْ
كأنَّ أهدابهما غصون
تَنْطفُ بالندى مع الصباح في شتاء
من خلل الدُّخان والمداخن الضخامْ،
تمجُّ من مغارِ قابيلَ على الدروب والشَّجَرْ،
ذرًّا من النجيع والضرام،
أسمع غيْلانَ يناديكِ من الظلام،
من نوْمهِ اليتيم في خرائب الضجرْ
سمعتِ كيف دقَّ بابَنا القَدَر
فارتعَشتْ على ارتجاف قرْعِهِ ضلوعْ،
ورقْرقتْ دموع،
فاختلس المسافرُ الوداعَ وانحدر؟
•••
وقبلةٍ بين فمي وخافقي تَحار
كأنها التائه في القفار
كأنها الطائرُ إذْ خرَّب عشَّه الرياحُ والمطرْ،
لم يحوها خدٌّ لغيْلانَ ولا جبينْ،
ووجْه غيلانَ الذي غابَ عن المطار،
وأنتِ إذْ وقفتِ في المَدى تُلوِّحين.
•••
إقبالُ … إنَّ في دمي لوجهكِ انتظار،
وفي يدي دمٌ، إليك شدَّهُ الحنينْ،
ليتكِ تُقْبلين
من خَلَلِ الثلج الذي تنثُّه السماء،
من خَلَلِ الضباب والمطر!
لندن، ٢٧ / ١٢ / ١٩٦٢
٣
بعيدًا عنك، في جَيْكُور، عن بيتي وأطفالي
تشدُّ مخالبُ الصَّوَّان والأسْفلتِ والضَّجَرِ
على قلبي، تُمزِّق ما تبقَّى فيه من وترِ
يدَندنُ: «يا سكونَ الليل، يا أنشودَةَ المطَر!»
تشدُّ مخالبُ المالِ
على بطني الذي ما مرَّ فيه الزادُ من دَهَرِ
عيون الجوع والوحدهْ،
نجومي في دجًى صارعتُ بين وحوشه بَرْدَهْ،
وإن البرد أفظعُ، لا، كأنَّ الجوعَ أفظع، لا، فإنَّ الداءْ
يشلُّ خطايَ، يربطُها إلى دوَّامةِ القَدَرِ
ولولا الداءُ صارعتُ الطَّوى والبرد والظلماء
بعيدًا عنكِ أشعر أنني قد ضِعت في الزحمهْ،
وبين نواجذ الفولاذ تمضغ أضلعي لُقْمَهْ
يمرُّ بيَ الورى متراكضين كأنْ على سَفَرِ،
فهل أستوقف الخطواتِ، أصرخُ: «أيها الإنسان
أخي، يا أنتَ، يا قابيلُ … خُذْ بيدي على الغُمَّهْ!
أعنِّي، خفِّفِ الآلامَ عني واطْردِ الأحزان»؟
وأين سواكِ من أدعوه بين مقابر الحَجَر؟
•••
ولولا الداءُ ما فارقتُ داري، يا سنا داري،
وأحلى ما لقيتُ على خريف العُمْر من ثَمَر!
هنا لا طيرَ في الأغصان تشدو غيرَ أطيارِ،
من الفولاذ تهدر، أو تُحمحِمُ دونما خوفٍ من المطرِ،
ولا أزهارَ إلا خَلْفَ واجهةٍ زجاجيَّهْ،
يُراح إلى المقابر والسجون بهنَّ والمستشفياتِ
ألا … ألا يا بائعَ الزهَرِ
أعندك زهرةٌ حيَّهْ؟
أعندك زهرةٌ مما يربُّ القلبُ من حُبٍّ وأهواءِ؟
أعندكَ وردةٌ حمراءُ سَقَّتْها شموسٌ إستوائيَّهْ؟
•••
أأصرخُ في شوارع لندنَ الصَّماءِ: «هاتوا لي أحبائي»؟
ولو أني صرختُ فمن يُجيب صراخَ منتحِرِ،
تمرُّ عليه طولَ الليلِ آلافٌ من القُطُرِ؟!
لندن، ٢٨ / ١٢ / ١٩٦٢
٤
يا ربِّ أيُّوبُ قد أعيا به الداءُ
في غربةٍ دونما مالٍ ولا سَكَنِ،
يدعوك في الدُّجنِ،
يدعوك في ظَلَموت الموت: أعباءُ
ناءَ الفؤادُ بها، فارحمه إن هَتَفا!
يا مُنْجِيًا فُلْكَ نوحٍ مَزِّقِ السُّدَفا
عني، أعدني إلى داري، إلى وطني!
•••
أطفالُ أيُّوبَ من يرعاهمُ الآنا؟
ضاعوا ضياعَ اليتامى في دجًى شاتِ
يا ربِّ أَرْجِع على أيُّوبَ ما كانا:
جَيْكُورَ والشمسَ والأطفالَ راكضةً بين النُّخَيْلات،
وزوجَه تتمرَّى وهي تبتسمُ،
أو ترقبُ البابَ، تعدو كُلَّما قُرِعا:
«لعلَّه رَجَعا!»
مشَّاءةً دون عُكَّازٍ به القَدَمُ!
•••
في لندنَ الليلُ مَوتٌ نزعُهُ
السَّهَرُ،
والبَرْدُ والضَّجرُ،
وغُرْبةٌ في سواد القلب سوداءُ
يا ربِّ يا ليتَ أنِّي لي إلى وطني
عَوْدٌ لِتَلْثِمَني بالشمس أجواءُ
منها تنفَّست روحي طينها بَدني،
وماؤها الدمُ في الأعراق ينحدرُ
يا ليتَني بين مَن في تُربها قُبروا!
•••
لأنه منكَ، حُلوٌ عنديَ المرضُ،
حاشا، فلستُ على ما شئتَ أعترضُ
والمالُ؟ رزقٌ سيأتي منه موفور،
هيهات أن يذكر الموت وقد نهضوا
من رقدةِ الموت، كم مصَّ الدماءَ بها دودٌ ومدَّ بساطَ
الثلجِ ديْجورُ!
إني سَأُشْفى، سأنسى كلَّ ما جَرَحا
قلبي، وعرَّى عظامي فهي راعشةٌ والليل مقرور،
وسوف أمشي إلى جَيْكورَ ذات ضُحى.
لندن، ٢٩ / ١٢ / ٦٢
٥
نازلًا نازلًا من صحاري السماء،
من عصور جليديَّةٍ، من قبور
نام فيها الهواء
أيُّها الثلج، يا حشرجات الدهور،
وانتحابَ المساكين في كل كهفٍ يغور،
في جبال السنين!
كُن لهيبًا على أوجه العابرين،
قنِّعِ الخوفَ فيها بلون الرجاء!
•••
أيُّها الثلج، رحماكَ! إني غريب
في بلادٍ من البرد والجوع سكرى،
إن لي منزلًا في العراق الحبيب،
صبِيتي فيه تَعْلُك صخرا
آهِ، لولاك يا داءُ ما عفتُ داري،
ما تركت الزهورَ التي فتَّحتْ في جداري،
والعصافيرَ في ركن بيتي لهنَّ اختصامُ
مرَّ يومٌ، فشهرٌ، فشهر، فعامُ.
•••
والزمان ارتماءٌ بدون انتهاء،
تَزْفِرُ الأرض عنه وتبكي السماء،
ربِّ هل لي إلى منزلي من رجوع؟
كم أمدُّ الذراع وأهدم سقفَ الضلوع؟
لا أمسُّ المدى أو أصيبُ الزمانا،
فهو شيء على الروح يسعى؛ هباءٌ وظُلْمَهْ
ليت عَصر النبوَّات لم يطوِ حُلمه!
وشَّتِ المعجزاتُ الحواشي فكانت وكُنَّا.
•••
ليتني العازرُ انفضَّ عنه الحِمام،
يسلك الدرب عند الغروب،
يتمهَّلُ لا يقرع الباب: من ذا يئوب
من سراديبَ للموتِ عبر الظلام؟
لن تصدِّق أني … ستهوي يداها
عن رتاجٍ، وتصفرُّ لي وجنتاها
ثم تركض مذعورةً، تشد بخيط الدروب
نحو قبري، وتطويه حتى تمسَّ الضريحَ الحُطام.
•••
إيهِ إقبالُ! لا تيأسي من رجوعي
هاتفًا قبل أن أقرع الباب: عادا
عازرٌ من بلاد الدجى والدموعِ،
سورُها كان ملحًا، نجيعًا، رمادا
قَبِّليني على جبهةٍ صكَّها الموت صكًّا أليما،
حدِّقي في عيونٍ شهدْنَ الردى والمعادا
عدتُ، لن أبرح الدار حتى لوَ انَّ النجوما
دحرجت سُلَّمًا من ضياءٍ وقالت:
تخطَّ السديما!
لندن، ٣١ / ١٢ / ١٩٦٢
٦
خيالُ الجسدِ العاري
يُطل عليَّ محمولًا على موجٍ من النار،
من المدفأة الحمراءِ، ذاك الرَّحِم الضاري.
•••
لكلِّ تقلُّب من موجها خفقٌ من القلب،
تدحرجَ عُرِّيَ النهدان، بانَ الجِيدُ والساقُ،
تدحرجَ لي على الجنبِ،
تدحرجَ ثم صكَّ أضالعي، وتُثار أعراقُ
ويطفر للجبين دمٌ، ويعروني
دُوارٌ منه تصطكُّ النواجذُ؛ خوفَ بحَّارِ
يُطل فيُبصر التيار يَزْفِر مثلَ تنينِ،
ويصرخ آدمُ المدفونُ فيَّ: رضيتُ بالعار،
بِطَرْدِي من جِنان الخُلدِ أركض إثرَ حوَّاءَ!
أريدكِ، يا سرابًا في خيالي ليس يسقيني،
أريدكِ. ثم تُطوى موجةٌ وتطير أشلاءَ
فقاعاتٌ من النيران، من شوقٍ وتذكار.
•••
وجاء الجسدُ العاري،
خيالًا جاء محمولًا على موجٍ من النار
من المدفأةِ الحمراء، ذاك الرَّحِمِ الضاري.
•••
يميل عليَّ كيف أشاءُ، أَعْصُره كما أهوى،
ولا يقوى
على رفضي، على تهديم عَرْشٍ من لظًى وارِ،
أتوِّج فوقه الآمال راعشةَ القوى شهوى
بحار بيننا؛ ليلان من مُدُنٍ وأمطار،
وإنك منكِ أقرب، أنتِ بعضُ دمي،
خيالي أنتِ، أمنيَّات عمري … كل أمنيَّهْ
بعاطفتي تُحرَّك لا عواطفك الأنانيَّهْ
علامَ مددتِ بحرًا بيننا، دنيا جليديَّهْ
أعانقُ في دجاها جسمك العاري
يطلُّ عليَّ محمولًا على مَوجٍ من النار
من المدفأة الحمراء، من وهمي وأفكاري؟
لندن، ٣١ / ١٢ / ١٩٦٢
٧
البردُ وهَسْهَسَةُ النارِ
ورماد المدفأةِ الرَّمْلُ
تطويه قوافلُ أفكاري
أنا وحدي يأكلني الليلُ
•••
ويخبُّ المركب إلى داري
برقٌ يتلامح في الآفاق، يعرِّيها
ويُذرِّيها
كرماد المبخرة الثكلى
في مقبرةٍ تَهَبُ اللَّيلا
ألوان الموت وآهات الموتى فيها.
•••
يا ليل، لكم طال الدربُ
تَعِبَ الرَّكْبُ
وعراقي شطَّ، وسمَّاري
ناموا، وبقيتُ ولا زادٌ
عندي، وظمئتُ ولا ماءٌ، ظمئ القلبُ
لا سقيا غير شظيَّات البرق الواري
يا أغصانَ الليل انهمري ثمرًا إذ يؤكل يزداد
السلةُ منه سأملأها حتَّى إن عدتُ إلى داري
فرحَ الأطفالُ به، هتفوا: «بابا …»
يا برق، أما تخبو؟
فيغيبَ الدربُ، ولا يبدو
كم منه على الساري بَعْدُ.
•••
البرد وهسهسةُ النار
ورماد المدفأة الرملُ
تطويه قوافلُ أفكاري
أنا وحدي يأكلني الليلُ.
لندن، ١ / ٢ / ١٩٦٣
٨
ذكرتُك يا لميعةُ والدجى ثلجٌ وأمطار،
ولندنُ ماتَ فيها الليل، ماتَ تنفُّسُ النورِ
رأيتُ شبيهةً لكِ شعرُها ظُلَمٌ وأنهارُ،
وعيناها كينبوعَين في غابٍ من الحُورِ
مريضًا كنتُ تُثقِل كاهلي والظهرَ أحجارُ
أحِنُّ لريف جَيْكُورِ
وأحلم بالعراق وراء بابٍ سدَّتِ الظلماء
بابًا منه، والبحرُ المزمجرُ قام كالسورِ
على دربي
وفي قلبي
وساوسُ مظلماتٌ غابت الأشياءْ
وراء حجابهنَّ وجفَّ فيها منبع النورِ
ذكرتُ الطلعةَ السمراء،
ذكرتُ يديك ترتجفان من فَرَقٍ ومن بَردِ
تنزُّ به صحارى للفراق تسوطُها الأنواء
ذكرتُ شحوبَ وجهكِ حين زمَّرَ بوقُ سيَّارهْ
لِيُؤذِنَ بالوداع. ذكرتُ لذْع الدمع في خدِّي
ورعشةَ خافقي وأنينَ روحي يملأ الحارهْ
بأصداء المقابر، والدجى ثلجٌ وأمطار.
لندن، ٢ / ١ / ١٩٦٣
٩
بالعَضَلِ المفتول والسواعد المجدولهْ
هِرَقلُ صارع الردى في غارِه المحجَّبِ
بظلمةٍ من طُحلُبِ
وقام تمُّوزُ بِجرحٍ فاغرٍ مخضبِ
يصك «موتَ» صكةً، محجِّبًا ذيوله
وخطوَهُ الجليدَ بالشقيق والزنابقِ.
•••
وانخطف الموتُ عليَّ كانخطاف الباشقِ
على العصافير، أحال ظهري
عمودَ مِلحٍ أو عمودَ جمرِ،
أحرِّك الأطراف لا تطيعني، مشلولهْ،
ماتَ الدَّمُ الفوَّارُ فيها، أُطفئ الشبابُ،
وامتد نحو القبر دربٌ، بابُ
من خشب الصليب، فالمسيح
مات، وفي الطوفان ضلَّ نوح
وأُغضيتْ نواظري الذليلهْ
لعلها تعتاد من دجاها
على دُجًى غطاؤها الضريح!
•••
أيُّ سلاح، آهِ، أيُّ ساعدِ؟
أيةُ أزهارٍ تمدُّ فاها
لتأكل الموت؟ وأي ناصرٍ مساعدِ؟
سللتُ من قصائدي
سيفًا كأن البرق حدَّادٌ رمى أصوله
وصبَّ مقبضًا له وشَفْرَهْ
بالشعر، بالمبرق، بالمُجلجلِ المدوِّي
رميتُ وجه يهوي نحوي
كأنه الستار في رواية هزيلهْ،
رميت وجه الموت ألف مرَّهْ
إذا أطل وجهه البغيضُ
كأنه السيرين، يسعى جسميَ المريضُ
نحو ذراعيه بلا تردُّدِ،
فأنتضي من سيفي المجرَّدِ،
ويقطر الشِّعر ولا يغيضُ،
لأنني مريضُ
أودِّع الحياة أو أشُد بالحياةِ
بخيطه الموروث عن أمواتِ
لم يدفعِ الشِّعر مناياهم وقد
جاءت إليهم غِيلَهْ!
٢ / ١ / ١٩٦٣
١٠
يا غيمةً في أول الصباحْ،
تعربد الرياح
من حولها، تنتفُ من خيوطها، تطير
بها إلى سماوة تجوع للحرير،
سينطوي الجناح،
ستنتِفُ الرياحُ ريشَهُ مع الغروب،
يا غيمةً ما أمطرتْ، تذوب!
•••
فأبرقي وأرعدي وأرسلي المطرْ
ومزِّقي ذوائبَ الشجرْ
وأغرقي السهوب،
وأحرقي الثمرْ!
سترجحنَّ بعدك السنابل الثقالُ بالحبوب،
وتقطف الورودَ والأقاح
صبيةٌ يؤجُّ في وجنتها الجنوب،
وأنتِ ذرَّة من الدماء والجراح.
•••
وأنتَ يا شاعر واديك، أما تئوب
من سفرٍ يطول في البطاح،
تُراقص النَّهَرْ
وتلثم المطرْ؟
أما سمعت هاتف الرواح:
«خامٌ وزِنْبِيلٌ من التراب
وآخر العُمر ردًى»، ويطلع القمر؟
فأبرق، ارْعُدْ، أرسلِ المطرْ
قصائد احتوى مداها دارةَ العُمرْ،
يا غيمةً في أول الصباح،
يا شاعرًا يَهُمُّ بالرواح،
وودِّعِ القمر.
لندن، ٢ / ١ / ١٩٦٣