شمال وجنوب!
كان اتساع هوة الخلاف بين الشمال والجنوب أمرًا لا بد أن تفضي إليه الظروف؛ فإن مشكلة الرق أمست كبرى المشاكل القومية، حتى إنه ليمكن القول بأن أكثر ما نجم من المسائل منذ منتصف القرن التاسع عشر، إنما يرد إلى تلك المشكلة التي أعضلت على الحل، والتي وصفها جفرسون من قبل وصفًا بليغًا في قوله: «إنها مثل الذئب نمسكه من أذنيه فلا نستطيع أن نظل ماسكيه، ولا نستطيع أن نطلقه ونضمن السلامة.»
خفف اتفاق مسوري حدة الخلاف بين الشمال والجنوب زمنًا ليس بالقصير، فقد عقد ذلك الاتفاق سنة ١٨٢٠، وعاد الخلاف يتهدد الاتحاد بسبب مسألة كليفورنيا سنة ١٨٥٠.
أراد الجنوبيون أن تكون كليفورنيا من ولايات الاسترقاق، وأراد الشماليون أن تكون من الولايات الحرة، وشايع أهلها الشماليين فيما ذهبوا إليه، واحتدمت الخصومة بين الجانبين، حتى بلغ الأمر بالجنوبيين أن رددوا كلمة الانسحاب من الاتحاد، وحتى ظن بعض الناس أن هذا الخلاف الجديد لا بد مؤدٍّ إلى انقسام البلاد إلى اتحاد شمالي واتحاد جنوبي.
كان أهل الجنوب ينظرون في قلق إلى تزايد عدد الشماليين نتيجة لما درته الصناعة والتجارة عليهم من خير، ونتيجة لتيسير سبل الاتصال بين الشرق والغرب بتعبيد الطرق ومد سكك الحديد؛ مما أدى إلى نزوح أهل الشمال إلى الجهات الغربية يعمرونها وينسلون فيها، هذا إلى أن دعاة التحرير تزداد أصواتهم ارتفاعًا، كأن لم تكف أهل الشمال عداوتهم السلبية للرق فيريدون أن يقضوا عليه بين يوم وليلة.
لهذا أصر الجنوبيون على أن تكون كليفورنيا من ولايات الرق، فإن سكان الولاية عند الانتخاب للمجلس النيابي يقدر عددهم على أساس البيض كلهم مضافًا إليهم ثلاثة أخماس السود، وكان الجنوبيون يطمعون أن يعمروا بقاعًا جديدة، كما يفعل الشماليون وينشروا فيها الرقيق، فلا أقل اليوم من أن يقروا مبدأ الرق في كليفورنيا، وما أجدرهم أن يعظم سخطهم على الشماليين لوقوفهم بينهم وبين ما يبتغون، وكان الرئيس يومئذ هو تيلور، فأعلن رأيه مؤيدًا الشماليين قائلًا في صراحة إن من السخف أن يحمل أهل كليفورنيا على أمر لا يريدونه، وزاد رأيه هذا بالضرورة سخط أهل الجنوب، وملأ قلوبهم غيظًا وثورة، ولكن تيلور ما لبث أن مات وحل محله نائب الرئيس، فسهل موته العمل على الوصول إلى اتفاق جديد؛ إذ كان تيلور عنيدًا يتمسك برأيه ولو أنه بقي لبعد الأمل في التسوية، وكان نائبه سهل الخلق لا يأبى إذا حزبه أمر أن يترك الرأي فيه لمن يراه أقوى على الخلاص منه.
ومن عسى أن يدبر للبلاد مخرجًا من هذه الأزمة؟ بهذا تلفت الناس يتساءلون، فاتجهت قلوبهم إلى صاحب اتفاق مسوري؛ إلى هنري كلِيي، ومن غير كلِيي إذا اشتد بالناس الخلاف؟ وكان الرجل في عزلته منذ فشله سنة ١٨٤٤، وقد تقدمت به السن وأخذ الضعف يدب في بدنه، ولكنه وقد أهاب به داعي الوطن لم يكن ليستطيع أن يتخلف وهو الشهير بصدق وطنيته وقوة حرصه على بناء الاتحاد، فبرز من عزلته يمد يده إلى وطنه من جديد.
وأملت عليه مهارته حلًّا يرضي الجانبين المتنازعين؛ فلتكن كليفورنيا ولاية حرة كلها، وإن كان ما يقرب من نصفها يقع جنوبي خط اتفاق مسوري، وفي مقابل ذلك تفتح للرق أريزونا ومكسيكو الجديدة، وهما من البقاع التي لم تستعمر بعد استعمارًا تامًّا، إذا شاءت حكومتاهما ذلك بعد تكونهما، وإنما يكتفى الآن بتقرير المبدأ. يبقى بعد ذلك أمران؛ أولهما: وجود الرق منذ القدم في منطقة كولومبيا التي تقع فيها مدينة وشنطون، بل ووجود مستودع كبير للرقيق على خطوات من مقر الحكم، وهذا مما اشمأزت منه قلوب الأحرار، وتأذت نفوسهم سنوات طويلة، وكان مصدر شقاق وشحناء بين أنصار التحرير والمتمسكين بالرق. أما الأمر الثاني: فهو قانون الرقيق الآبقين إلى ولايات غير التي كانوا فيها، وكان يقضي الدستور بإعادتهم إلى حيث كانوا، ولكن كثيرًا من الولايات أصدرت تشريعات محلية تعطل حكم الدستور في هذا الأمر.
ورأى كلِيي في أول الأمرين أنه مع الاعتراف بأن كولومبيا منطقة من مناطق الرق، إلا أنه يجب أن يوقَف بيع العبيد وشراؤهم في العاصمة، وفي ذلك ما ترتاح له نفوس الشماليين وأنصار التحرير على العموم، ورأى في ثاني الأمرين أن تنفذ الولايات حكم الدستور فيعاد الآبقون إلى ولاياتهم، ولا يحق للولاية التي لجَئوا إليها أن تدافع عنهم، وفي هذا ما يرضي أنصار الرق الذين خافوا من تسرب الرقيق إلى الولايات الحرة فرارًا من العبودية.
وهكذا يحاول كلِيي كما فعل في اتفاق مسوري سنة ١٨٢٠ أن يرضي الجانبين في اتفاق كليفورنيا سنة ١٨٥٠، وقد ارتاح الناس في الشمال والجنوب لهذا الاتفاق؛ حرصًا على الاتحاد.
ولكن ارتياحهم — وا أسفاه! — لم يطل؛ فلم يلبثوا حتى دب بينهم الخلاف؛ إذ كان اتفاق كليفورنيا، على الرغم مما في ظاهره من عوامل التوفيق، ينطوي على أسباب قوية النزاع.
كره أهل الشمال تنفيذ حكم الدستور فيما يتعلق بالرقيق الآبقين، ورأوا في ذلك تمكينًا للرق، وهم يعملون على استئصاله. وكان قد صدر قانون سنة ١٧٩٣، بمقتضاه يتعقب مالك الرقيق أو من ينوب عنه طلبته، حتى إذا وقع عليها قدَّم حيث وجدت للسلطات ما يثبت ملكيته، وبذلك يحصل على أمر مكتوب، به يستطيع أن يرجع بالهاربين إلى مقرهم، ويحكم بغرامة قدرها خمسمائة ريال على من يضع العقبات في سبيله. ولم يكن للرقيق الفارين حق الدفاع عن أنفسهم، وقد احترف بعض الناس تصيد هؤلاء الآبقين نظير أجر معلوم. وكثيرًا ما كان هؤلاء المحترفون يضعون أيديهم على أي فريق من السود ممن لا يتبعون أحدًا، ويقسمون جهد إيمانهم أنهم هم المطلوبون؛ وعلى هذا فلن ينفع السودَ الفرارُ إلا أن يبلغوا كندا. وقد وصف القصصي العظيم شارلز دكنز تلك الحال عند زيارته أمريكا، فكان مما قاله: «باسم الرأي العام وضع ذلك القانون، كان لأي شرطي في وشنطون — تلك المدينة التي سميت باسم زعيم الحرية الأمريكية — أن يأخذ بناصية أي رجل من السود ويلقي به في السجن وإن لم يرتكب أية جريمة، وحسب الشرطي أن يقول إنه يظن ذلك الأسود من الآبقين، ويمكن الرأي العام لهذا الشرطي أن يعلن في الصحف عن هذا الأسود، فيدعو مالكه أن يأتي فيطلبه وإلا بيع ليدفع نفقات الحبس، ولنفرض أنه قد تبين أن هذا الأسود ليس يملكه أحد؛ أعني أنه حر، فالذي يتبادر إلى الذهن هو إطلاق سراحه، ولكن الحال لم يك كذلك، وإنما كان يباع ليكون ثمنه عوضًا لسجانه، وكان يقع ذلك ثم يقع مثنى وثلاث ورباع، وليس للأسود ما يثبت به حريته، ولم يكن له ولي ولا ناصح ولا رسول ولا مساعد على أية صورة ولا من أي نمط، وربما كان هذا الأسود ممن خدموا سنين طويلة ثم اشترى حريته، ولكنه هكذا يلقى به في غيابة السجن في غير ما جريرة ولا تفكير في جريرة، ثم يباع ليدفع نفقات سجنه.»
تلك هي حال الفارين حتى سنة ١٨٥٠، وكانت بعض الولايات الشمالية قد أرادت أن تشترط أن يثبت طالبو الفارين السود أن هؤلاء كانوا رقيقًا لم يعتقوا قبل فرارهم، ولكن المحكمة العليا أصدرت وهي المرجع في تفسير لدستور سنة ١٨٤٢ قرارًا مؤداه أنَّ تدخُّل الولايات في هذا الشأن عمل غير دستوري، وأراد أهل الجنوب أن يزيدوا سلطة ذلك القانون البغيض، وعلى ذلك أضافوا إلى مواده بعد اتفاق كليفورنيا ما زادوا به الغرامة على من يعوق تنفيذه إلى ألف ريال مع الحبس ستة أشهر، وفضلًا عن ذلك يكون عرضة للعقاب من لا يلبي طلب المساعدة عند القبض على الفارين.
ولقد ترتب على ذلك أن ازداد الناس نفورًا واشمئزازًا من هذا القانون، وبسبب تنفيذه احتدمت المعارك بين الشرطة والناس في بعض الولايات الشمالية، ودخل السجن بعض ذوي المكانة من الأساتذة والأطباء ورجال الدين، وتنبه إلى دعوة التحرير من لم يكونوا يبالون بها من قبل، وطاف بالناس شعور عام أن الرق لم يعد يطاق، وأنه عمل تتبرأ منه الإنسانية، وخليق أن يخجل منه كل منصف، وألا يسكن أولوا النخوة حتى يقضوا عليه.
وفي سنة ١٨٥٤ نجمت مشكلة جديدة عصفت باتفاق كليفورنيا، ولما يمضِ عليه إلا أربع سنوات، وزلزلته من أساسه؛ وتلك هي مشكلة كنساس نبراسكا، وكانت البلاد قد فقدت هنري كلِيي منذ سنتين وانطوت حياة الرجل الذي عمل مرتين على حفظ بناء الاتحاد.
وشهد الكونجرس رجالًا جددًا أبرزتهم السياسة؛ فمن الشماليين سيوارد، وهو من نيويورك وينتمي إلى وجر، وقد اشتهر بمعارضته قانون الرقيق الفارين، فهيأه ذلك لزعامة أنصار التحرير في الشمال، ومن الجنوبيين جفرسون ديفز، وكان خطيبًا مفوهًا وجنديًّا أبلى بلاء حسنًا في الحرب ضد المكسيك، ومن الجهات الغربية ستيفن دوجلاس الذي انتخب عن إلينوى لمجلس الشيوخ، وكان يلقب بالمارد الصغير.
ولقب دوجلاس بالمارد على صغر جرمه لعظم قوته وشدة حوله؛ فقد كان خطيبًا يتدفق حيوية وبلاغة، وهبه الله صوتًا يسمع الآلاف، كما وهبه جَلَدًا على الكلام ساعات، يخرج من الخطبة الطويلة قد جرد لها عزمه وبذل فيها غاية جهده، وكأنه أكثر فتوة وأعظم حيوية منه حين بدأ الكلام! وكان له من قصره واستدارة وجهه وكبر رأسه وثاقب نظراته وشدة تأثيره فيمن هم دونه؛ ما يجعله قريب الشبه بنابليون، فلا عجب أن ينعته الناس بالمارد، فهم إنما يشيرون إلى قوة نفسه وشدة مراسه، وما لبثت الظروف أن جعلته في الكونجرس أعلى الرجال صوتًا وأبعدهم صيتًا.
كانت كنساس ونبراسكا تقعان شمالي خط اتفاق مسوري، وبناء على هذا الاتفاق لا يسمح بالرق فيهما، فلما أريد تعميرهما والحث على الهجرة إليهما كخطوة نحو الغرب، جعلها الشماليون والجنوبيون مسرحًا للنزاع القائم بينهما؛ فالشماليون يتمسكون باتفاق مسوري، والجنوبيون يريدون ألا يعبئوا به، وهذه هي المعضلة.
ويخطو حينئذ دوجلاس خطوة يرج البلاد بها رجة عنيفة، ويزيد مشكلة الرق تعقيدًا، ويوقد نار الفتنة في البلاد، وكان دوجلاس مقرر اللجنة التي تنظر في مشكلة كنساس نبراسكا في الكونجرس، فأعلن أن تقييد حرية الولايات عملٌ يخالف روح الدستور الذي يقرر مبدأ سيادة الشعب، ويجعل لكل ولاية الحق أن تضع دستورها كما تريد، وعلى هذا فليترك لأهل كنساس ونبراسكا حرية الاختيار، فتكون هاتان الجهتان من مواطن الرق أو من مواطن الحرية، حسبما ينتهي إليه رأي السكان، وحمل دوجلاس الكونجرس بنشاطه ومهارته على قبول هذا المبدأ، وصدرت به لائحة.
ومعنى ذلك أن اتفاق مسوري قد نقض من أساسه، فلا عبرة اليوم إلا بما يشاء أهل أي جهة تريد الانضمام إلى الاتحاد، ولقد سرت في الشمال موجة من الهياج والسخط لن يصفها كلام، وباتت نذر الشر تتهدد البلاد.
وتنافس الشماليون والجنوبيون في الهجرة إلى كنساس، تريد كل طائفة أن تكون أكثر عددًا وأعز نفرًا، وأقامت كل منهما حكومة وزعمت كل حكومة أنها الجهة الشرعية، ورأى حتى أقصر الناس نظرًا في هذا نذيرَ التفرقة وشرارة الحرب الأهلية، واشتد النضال بين الجانبين عند انتخاب المجلس التشريعي، ولجأ الناس من الجانبين إلى التزوير والشغب، وقتل في ذلك الصراع فريق من كل جانب وجرح فريق، وصارت تذكر كنساس باسم كنساس الدامية، وظهر للناس أول الأمر أن الفوز للجنوبيين لكثرة عددهم، ولكن جمعيات في الشمال تألفت من أجل هذه المشكلة، جمعت المال وأمدت به من استحثتهم للهجرة، وانتهى الأمر بعد عامين بفوز الشماليين، وجاءت أغلبية أعضاء الولاية من أنصار التحرير.
بقي بعد ذلك أن تضع الولاية لها دستورًا، ولا بد من مؤتمر عام لتقرير مبادئ هذا الدستور، ثم إن الولاية سوف تطالب بعد أن يتم وضع الدستور بانضمامها إلى الاتحاد، وسوف تكون مسألة الرق هي المشكلة عند وضع دستور الولاية، وسوف تكون مثار نزاع عظيم بين أنصار الرق وأنصار التحرير.
ومهما يكن من أمر كنساس، فإنَّ وجه المشكلة الآن هو أن كل ولاية تستطيع إذا شاءت أن تقرر مبدأ الرق، ومَرَدُّ ذلك كما هو واضح إلى خطوة دوجلاس.
وما كان دوجلاس ليعجز عن أن يبرر عمله أو أن يتلمس له الأوجه القانونية، وإذا عجز دوجلاس عن هذا فمن يقدر عليه؟! وإنه لأعلم الناس يومئذ بألاعيب السياسة وأضاليلها، يصدر في ذلك عن طبع وعن خبرة، ويسدد الرمية في لباقة وخفة.
ولم يكن اهتمام دوجلاس بتلك المسألة إلا جزءًا من خطته التي رسمها، وأراد أن يدلف بها إلى الغاية التي لا يرى دونها غاية؛ ألا وهي الظفر بالرياسة متى حان الوقت، وهو يتحرق شوقًا إليها ويتقطع تلهفًا عليها، ولا يفتأ يتبين السبيل المؤدية مهما كانت وعورة مسالكها، والآن تسنح الفرصة فيقتنصها، وهو باقتناص الفرص جد خبير. موَّه على الناس أنه يمكن لسلطان الأمة إذ يرد مسألة الرق إلى رأي الأمة، وأنه يجعل بذلك كلمة الشعب هي العليا لا كلمة الكونجرس، وهو إنما يرمي في الواقع إلى كسب قلوب أهل الجنوب، الذين كانوا يرون من أول الأمر أن يكون لكل ولاية من الحرية ما يحفظ لها شخصيتها أن تتلاشى في الاتحاد، والذين يريدون أن يتخلصوا من اتفاق مسوري.
وكانت أوشكت أن تنتهي أثناء ذلك مدة مجلس الشيوخ، وانصرف الأعضاء سنة ١٩٥٤ إلى البلاد يدعون لأنفسهم تمهيدًا للانتخابات الجديدة، وكان دوجلاس نائبًا عن شيكاغو في شمال إلينوى، فذهب إلى هناك يدعو لنفسه، ولكن هاله من رآه من غضب الناس عليه؛ فهو أينما تولى يجد من الناس إعراضًا عنه، بل إنهم كانوا يجبهونه بالسوء من القول ويظهرون له ما كانوا يضمرون من حقد ومقت.
وإنه ليجزع ويستولي عليه الحنق إذ يرى الرايات في شيكاغو منكسة في هامات السفن، ويرى الجدران وعليها عبارات صارخة تلذع قلبه، ويسمع النواقيس تجلجل في الجو في نغمة حزينة كأنما أصبحت المدينة في مأتم شعبي، وهو يحاول أن يخطب الناس، ولكنهم يرعدون في وجهه ويسلقونه بألسنة حداد، وتتهاوى لكماتهم على أشياعه وهم بينهم قلة؛ حتى يرغموه على الرحيل، وقد امتلأ قلبه عليهم غيظًا كما امتلأ منهم كمدًا.
وينتهي بالمسير إلى سبرنجفيلد، ولو كان يعلم الغيب لتحول عنها، ففي تلك المدينة سوف يأفل نجمه ويبعد بينه وبين غايته، وكانت المدينة غداة وصوله إليها تموج بالناس؛ إذ كانت في موسم سوق من أكبر أسواق الزراعة، ولقد خُيل إليه أن في وجود مثل هذا الجمع الحاشد فرصة، ووقف يخطب الناس ثلاث ساعات وختم خطابه بقوله: «علمت أن مستر لنكولن أحدَ سكان هذه المدينة يريد أن يرد على خطابي هذا، وإني لآمل أن يفعل ذلك.» وكان لنكولن في جولة من جولاته القضائية في المحاكم مع القاضي ديفز حين بلغه نبأ هذا التحدي، وكان قد آلمه وضايقه ما فعله دوجلاس بشأن مشكلة كنساس.