الفصل الرابع
الجزء الأول
سلمان
:
كيف المليك أتى، وماذا قالا
أرأيت شخصًا أم رأيت خيالا؟
قد حار فكري فيه حتى ما درى
أتبعت حقًّا أم اتبعتُ ضلالا
ويلاه قد كثرت عليَّ مصائبي
وتجمعت فغدت عليَّ ثقالا
نوبٌ تمرُّ، وهي جديدة
مع إن عهد حدوثها قد طالا
لم يبقَ مما مرَّ بي شيءٌ سوى
أني أسيرٌ أحمل الأغلالا
أضحى أبو قابوس حاكم منزلي
وغدوت مغلول اليدين مذالا
لكنما ماذا يهمُّ، فإنني
أنقذت فيه الأهل والأطلالا
أحييت أوطاني بتسليمي له
فغدا عليها قائلًا فعالا
هذا أبو قابوس، وهو ألدُّ أعـ
ـدائي، وأكثرهم عليَّ وبالا
خصمان معتركان يقتل عسكري
حينًا، وأقتل عنده الأبطالا
فني الزمان، وليس فيه غيرنا
باقٍ، وكل خليطنا قد زالا
قرب السقوط لواحد منا وها
هو قائمٌ يرمي لأسقط حالا
غلبتني الأقدار لكن بعد ما
عانت عليَّ معاركًا وقتالا
فقل: السلام على انتصاري إنه
ولى ومجدي إنه قد حالا
وعلى حروبي والمعارك والعلا
والعز أدركه الزمان فمالا
ضربت بي المثل الأعارب في الوغى
وغدت بذلي تضرب الأمثالا
ويقال: قد سقط العزيز من الذرى
وغدا على غدر الزمان مثالا
ماذا أسلمان الشريد يذل هل
مثلي يصادف في الورى إذلالا
كلا لتخزى كبرياؤك أنت يا
مَن كنت قبلًا مجرمًا قتالا
فاخفض جبينك إن تزد قبر الـ
ـذي فاجأته وقتلته محتالا
في ذا المكان قتلته في ليلة
وهنا جرى دمه الزكي وسالا
ويلاه من جرم تقادم عهده
فغدا يجدد في الحشا الأوجالا
جرم فظيع قد ندمت عليه لو
تغني الندامة فاتكًا قتالا
سبعون عامًا أو تزيد قضيتها
أبكي وأضرع للإله تعالى
أرجو السماح عن الذنوب ندامةً
فأزيدها بندامتي أثقالا
وكفاك تبكيت الضمير فقد غدا
طي الفؤاد عقاربًا وصلالا
والناس تحسبني شريفًا ماجدًا
مثل العطاش تظن ماءً آلا
أزياد مع حسناء عفوًا عن أخي
جرمٍ بكى الأيام والأحوالا
كثرت مصائبه وأثقلها الأسى
فغدت على عدد الرمال جبالا
سقطت حصوني واغتدى ابني عاجزًا
وبنوه زادوني جوى ونكالا
وابني الصغير فقدته ومصائب الـ
أطفال فينا لم تكن أطفالا
وبحثت عن ليلى وحسانٍ فلم
أبصرهما ومصائبي تتوالى
فالموت أولى فلأمت من خنجري
فلقد غدا موتي لديَّ حلالا
أزياد عفوًا عن غصوب فقد بدا
حدُّ السلاح بصدره يتلالا
فأنا غصوب ولست سلمانًا فدع
للعفو عن ذنب الغصوب مجالا
الجزء الثاني
(سلمان – شمطاء)
شمطاء
:
قابيل.
سلمان
:
يخيل لي أني سمعت صوتًا، وأظن أن ذلك رجع الصدى بل صوت سكان القبور، فإن هذه
الحجرة العميقة لا يدخلها أحد غيري، وقد مات من كان يعلم سرها من سنين، فأصبح
لا يعلم بها أحد سواي، يا زياد الشهيد البريء مرحمةً وعفوًا عن غصوب.
شمطاء
:
قابيل.
سلمان
:
لم يعد ريب فيما سمعته فقد سمعت صوتًا يتكلم، فأنت أيها الخيال المتكلم
كائنًا من كنت اضرب وخلصني من حياتي، فقد سئمت الحياة، اضرب فإنه خيرٌ لي أن
أموت من أن أسمع هذا الصدى الهائل الذي يردد كل كلمة من كلامي فيزيد
آلامي.
شمطاء
:
قابيل. قابيل. قابيل …
سلمان
:
ويلاه، لم أعد أقدر أن أقف، أفي يقظة أنا أم في منام، وهل ما أسمعه حقيقة أم
أضغاث أحلام؟ يا رب إن أحزاني قد استحالت إلى جنون، ولا شك أن ما أسمعه هو حلم
هائل، نعم هو حلم يتبعني كيف سرت، ويزيدني اضطرابًا ورعبًا في هذا المكان
المخيف. أنت أيها الصوت المرهب الخارج من القبور، ها أنا أمامك، قل ماذا تريد
أن تعلم مني؟ واسألني؟ فإني أجيبك عن كل ما تريد.
شمطاء
(تدخل)
:
أريد أن أقول لك ما قاله الله لقابين قاتل قابيل، ماذا فعلت بأخيك؟
سلمان
:
من هذه المرأة …؟
شمطاء
:
هي فوق الأرض أسيرة، وهنا ملكها، أنت تعلم أيها الأمير أن هذا الحصن كثير
المداخل والكهوف، وأن تحت قاعاته الواسعة غرفًا كثيرة مظلمة، والآن فاعلم أن كل
ما تنيره الشمس هو لك وفي سلطتك، وكل ما يخفيه الظلام هو ملكي وتحت سلطاني، وها
أنا قد قبضت عليك ولم يعد لك من خلاص.
سلمان
:
مَن أنتِ أيتها المرأة؟
شمطاء
:
اسمع قبل ذلك لأقص عليك حكاية هائلة جرت منذ سبعين عامًا: انظر إلى هذه
الغرفة، وإلى أشعة القمر الساطعة فيها، في مثل هذه الليلة، وفي هذا المكان نفسه
كان اثنان عاشقان يشكوان سر الهوى على نور القمر، وإذا برجل قاتل خرج عليهما
والسيف في يده.
سلمان
:
رحماكِ، كفى بالله …
شمطاء
:
أتعرف هذه الحكاية؟ إذن فاعلم أن المكان الذي سقط فيه زياد طعينًا هو هذا،
واليد التي طعنته هي هذه.
سلمان
:
اطعنيني أنت أيضًا، ولكن اسكتي.
شمطاء
:
وبعد أن سقط زياد قتيلًا أخذوه ورموه من هذه النافذة بعد أن كسروا حديدها بيد
شديدة، واليد التي كسرت الحديد هي هذه أيها الأمير.
سلمان
:
بالله عفوًا أو سماحًا.
شمطاء
:
لقد كانت العاشقة الحزينة الثكلى تطلب منك العفو والسماح أيضًا في ذلك الحين،
وهي أنا، ولكنك سخرت بي هازئًا وأخذتني فربطتني هنا، ثم أخذت القيد بنفسك
ووضعته في هذه الرجل بلا رحمة ولا شفقة.
سلمان
:
حسناء.
شمطاء
:
نعم لقد كنت في ذلك الحين حسناء، وأما الآن فقد غيرتني السنون والأيام، وصارت
تلك الفتاة الجميلة تدعى اليوم شمطاء … إنك ستموت أيها الأمير.
سلمان
:
يا رب شكرًا فهذا الذي أريد.
شمطاء
:
ولكن اصبر قبل أن تشكر الله، واعلم أن ابنك الذي خطفوه منك لا يزال
حيًّا.
سلمان
:
ماذا تقولين …؟
شمطاء
:
وأنا الذي خطفته منك.
سلمان
:
أين هو بالله؟
شمطاء
:
وكان هذا العقد في عنقه.
سلمان
:
رحمةً وعفوًا إني أقبل قدميك فدعيني أنظر إليه نظرة واحدة.
شمطاء
:
إنك تنظره قريبًا، فهو الذي سيقتلك في هذا المكان.
سلمان
:
ويحكِ ماذا فعلت بابني هل جعله حقدك وانتقامك وحشًا كاسرًا يتجاسر على قتل
أبيه؟
شمطاء
:
إن ابنك هو الفارس حسان.
سلمان
:
تبارك الله، كذلك كنت أرجو أن يكون، إنه شريف نبيل لا دناءة في أخلاقه
فباطلًا تعتمدين عليه في قتلي، وإن آمالك ستذهب أدراج الرياح.
شمطاء
:
اسمع أيها الأمير لقد كنت تمشي في النور وأنا أدب وأسعى في الظلام، حتى وصلت
إليك على مهل وسكون من غير أن تشعر مني بشيء، فاستيقظ الآن من غفلتك يا غصوب
فقد وقعت في الشرك الذي نصبته لك، واعلم أنك بينما كنت واقفًا مع الملك
والأمراء ذهبت أنا إلى مخدع ليلى سرًّا، وسقيتها شرابًا شديدًا جعل على وجهها
هيئة الأموات، التفت الآن وانظر (تريه تابوتًا).
سلمان
:
ويلاه تابوت، يا رب ليلى … لقد قتلتها يا كافرة.
شمطاء
:
إنها لم تمت بعد، وأنا معتادة مثل هذه الأمور، فهي مائتة لدى كل من يراها،
ولكنها نائمة عندي، وإن شئت فعلت بها ما أريد.
سلمان
:
وماذا تطلبين لكي توقظيها؟
شمطاء
:
اطلب موتك، وقد أخبرت حسانًا بالأمر، وهو الذي يختار بين حياتها أو مماتها،
فليختر بين الأمرين، إذا شئت أن تهرب فاهرب، فأنا لا أمسكك، ولكن حسانًا وليلى
يموتان، وهما في قبضة يدي.
سلمان
:
ويلاه، ويلاه …
شمطاء
:
اترك حسانًا يقتلك، مت وليلى تحيا.
سلمان
:
اسمعي، إني ألتمس منك التماسًا، إن الموت هين عليَّ فخذي حياتي كما تشائين،
ولكن لا تدعي ولدي البريء الطاهر يرتكب هذه الجريمة الشنعاء، رحمة بالله فإنني
قد بكيت كثيرًا وبكتني ضميري تبكيتًا شديدًا وذلك جزاء القاتلين، فاقتليني أنا
وحدي وارتضي بقتيل واحد، فإني أستحق أشد العقاب، ولكن اعفي عن ولدي بالله
أتريدين أن يدخل إلى هنا بريئًا شريفًا، ويخرج بالخزي والعار بعد قتل أبيه، قد
كفاك أنك أخذته مني وحملتني من فقده الحزن والعذاب كل هذه الأيام، فلا تزيدي
عليَّ هذا الهوان، إنه قد صار ولدك مثل ما هو ولدي، فاشفقي عليَّ من هذا الجرم
الشديد فقد كفاني شدة وعذابًا، عاقبيني على ذنبي لك، ولكن لا تتجاوزي مقدار
ذنبي في هذا العقاب، لا تكوني أقسى مني إذا كان لك قلب يرحم.
شمطاء
:
إنني لم يعد لي قلب فقد نزعته مني يا قاتل.
سلمان
:
إذن أموت هنا كما تشائين، ولكن ليس من يده.
شمطاء
:
إن الأخ هنا قتل أخاه، فهنا الولد يقتل أباه.
سلمان
:
ارحميني واشفقي عليَّ، اقتليني أنت استحلفك بالله.
شمطاء
:
آه يا ظالم، لقد كنت ألتمس منك أكثر من هذا الالتماس عندما قتلت حبيبي، لقد
كنت راكعة على قدميك أقرع صدري بيدي، وأسألك الرحمة والعفو عنه، وأقول لك: ارحم
شبابه وشبابي، ولكنك صممت أذنك عن كلامي وقتلت زيادًا حبيبي ورميته من هذه
النافذة غير مشفق ولا راحم ورفستني برجلك، وقلت لي: خذي ثأرك إذا كنت تقدرين،
وها أنا الآن آخذ ثاري.
سلمان
:
إن ابني لم يسئ إليك بشيء فارحميه وارحميني، اعذريني بالله فقد كنت أهواك،
وكنت غيورًا عليك.
شمطاء
:
اسكت يا خائن، اسمعي أيتها السماء إنه لا يزال يتجاسر على ذكر الغرام هذا
الأثيم القاتل، ولقد كنت أحب أنا أيضًا أيها الغادر فرد لي حبيبي إذا كنت تقدر،
رد لي حبيبي يا قاتل أخيك.
سلمان
:
أيعرف حسان أنه سيقتل أباه.
شمطاء
:
لا، بل هو سيقتلك من غير أن يعرفك؛ لكي يخلص ليلى من الموت.
سلمان
:
حسان ولدي … ما هذه الليلة الهائلة …
شمطاء
:
إنه سيدخل عليك الآن كما يدخل الجلاد لقطع رأس المجرم، وهذا جلَّ ما يعرفه
عنك، فخذ هذا القناع وضعه عليك ومت مقنعًا ساكتًا، ولا تنطق بحرف فقد رضيت
بذلك، إني أسمع وقع أقدام وها هو قادم فأنا سأتركك وأدخل، ولكن اعلم أنني سأسمع
كل شيء وأن ليلى لا تزال في قبضة يدي (تدخل).
سلمان
:
اللهم لطفك …
الجزء الثالث
(سلمان – حسان)
حسان
:
إلى أين جئت بي؟ ما هذا المكان الهائل؟ ويلاه قد ذهب وبقيت وحدي، يا رب أين
أنا؟ أهنا مكان القتل؟ لقد بدأت أرجف وأضطرب، ما هذا الخيال الذي أراه؟ يا رب
من هذا؟ ويلاه ما أصعب الجريمة والقتل! أهنا تُسفك الدماء؟ أهذا هو القتيل؟ يا
غصوب التعيس المذنب، هل هذا أنت؟ أجبني، إنه لا ينطق بحرف فهذا هو بعينه. أنت
أيها الشخص الراكع أمامي كائنًا من كنت تكلم، أجبني، عفوًا وسماحًا إذا قتلتك،
فإن حبيبتي ليلى نائمة نومة الموت في هذا المكان ولا تفيق من نومها إلا بقتلك،
فاعذرني واشفق عليَّ أيها الشيخ المسكين الشقي، كلمني وقل: إنك تغفر لي جرمي
وذنبي، كلمة عفو واحدة أيها الشيخ، وشفق على قلبي الذائب.
سلمان
:
حسان ولدي تعالَ إليَّ.
حسان
:
مولاي سلمان …
سلمان
:
لا، لم أعد أقدر أن أسكت وقد كفاني عذابًا، لا أقدر أن أموت قبل أن أعانقه،
تعالَ إلى صدري، دعني أقبلك وأنظر إليك، فإنني لا أصدق إنني أراك، وهذه أول مرة
رأيتك فيها مع أني أبصرك كل يوم، دعني أقبل جبينك وأناملك كما أريد، لقد كنت
تتكلم الآن يا بني، وأنا ساكت، ولكن كلامك كان شديدًا مؤثرًا حتى لم أقدر أن
أسمعه وأسكت، انظر يا بني إنك تجد سيفي وآلة جلادي معلقةً في حجرتي، فخذها كلها
فقد وهبتك إياها، وكن بطلًا عظيمًا فأنا أباركك وأدعو لك، اللهم باركه برحمتك،
واجعل أيامه طويلة مثل أيامي، ولكن بغير جرائم ولا ذنوب.
حسان
:
مولاي …
سلمان
:
اللهم إني أبارك هذا الشاب في كل ما فعل، وفي كل ما يفعل الآن فاسمع لي يا
بنيَّ، إنني قد فقدت كل شيء وذهب ملكي ضياعًا، وأصبح أبنائي أسرى، وذلك لكي
أخلص بلادي من الذل والاستعباد، فلم يبقَ إلا أن أقتل نفسي وأستريح، ولكن يدي
ضعيفة ترتجف ولا تقدر فساعدني على قتلي فمن يدك أنتظر هذه الخدمة
الكبرى.
حسان
:
أمن يدي أنا؟ ولكن ألا تعلم أني أبحث هنا عن رجل؟
سلمان
:
إنك تبحث عن غصوب وهو أنا.
حسان
:
ويلاه ماذا أرى وماذا أسمع؟ أنت يا مولاي، أنت الشيخ الجليل الذي أعتبرك
وأحبك، ويلاه، هو بعينه يا رب رحمتك ولطفك، إنه سلمان الكبير سيدي ومولاي،
أبدًا لا أرفع يدي عليك أيها الأمير الجليل وحاشا لله أن أقتلك.
سلمان
:
اسمع يا حسان، إن قبري قد انفتح وأنا مجرم مذنب، وهذه حبيبتك ميتة لا محالة
إذا أنت لم تقتلني فاضرب وخلصها. اقتل الشيطان العاتي وخلص الملك الجميل، خلص
حبيبتك من الموت، أنقذها يا بنيَّ وأسرع.
حسان
:
أتموت أنت لكي أخلصها …؟
سلمان
:
ويحك وهل تتردد …؟ أترى من جهة شيخًا عاجزًا بيضت شعره السنون، كما سودت وجهه
الذنوب والآثام، وترى من جهة فتاةً بريئةً طاهرةً جميلةً تدعوك وتصرخ إليك، ثم
تتوقف بينهما وترتاب، ألا تزال تتردد، أتحار بين قتل المجرم وحياة البريء، إن
مماتي خلاص لي وخلاص لها، فاضرب وخلصنا كلينا، فإنك بضربة واحدة تخلص نفسين،
اضرب ولا تتوقف.
حسان
:
ويلاه …
سلمان
:
اضرب يا بنيَّ وأسرع فإنك تنقذني من حياتي، خذ وعجل وخلصني من الذنوب وتبكيت
الضمير.
حسان
:
هات الخنجر …
سلمان
:
ما بالك تتوقف؟
حسان
:
لقد خطر لي فكر هائل، لقد قلت لي اليوم: إنه كان لك ولد ثم خطفوه منك وهو
صغير، وأنا قد خطفت من أهلي صغيرًا وربتني امرأة غريبة، أفلا يمكن أن أكون أنا
ذلك الولد؟ ألا يمكن أن تكون أبي؟
سلمان
:
ويلاه، إن الخوف قد أضاع صوابي يا حسان، فأنت لست بابني.
حسان
:
لكنك كنت أحيانًا تقول لي: يا ولدي.
سلمان
:
ذلك لأني أحبك كثيرًا؛ ولأن هذه الكلمة معروفة يقولها الجميع.
حسان
:
إنني أشعر بشيء في قلبي.
سلمان
:
لا تصدق …
حسان
:
مولاي … مولاي، أشفق عليَّ، ألا يمكن أن أكون ابنك؟
سلمان
:
بالله لا تذهب بك الظنون إلى هذا الحد، فإن ابني الذي خُطف مني قد قُتل ولا
أمل لحياته، وقد أخبرتك بذلك اليوم.
حسان
:
لا …
سلمان
:
تذكَّر فقد قلت لك: إنهم قتلوه انتقامًا مني فأنت لست بولدي، ولو لم أكن على
ثقة من أنهم قتلوه، وأنهم أحضروا إليَّ جثته في حينها لكنت أشك مثلك وأظنُّ إنك
ولدي، ولكن ذلك مستحيل، فإن ابني قد مات؛ إذن فكن على ثقة مما أقوله لك يا
ولدي، انظر إنني لا أزال أقول لك: يا ولدي؛ لأنها كلمة قد تعودتها، وهي التي
يقولها الشيوخ للفتيان في كل حين، كن على ثقة واضربني فإني لست أباك ويا حبذا
لو كان لي ولد مثلك، تقدم يا حسان واضرب، وكن آمنًا مما تفعل فإنك لست ولدي ولا
أنا بأبيك.
(لقد أصبحت ليلى على شفا الموت، ولا يمكن أن تنتظر أكثر من ربع ساعة.)
حسان
:
ليلى …
سلمان
:
ويحك، أتريد أن تقتلها؟
حسان
:
يا رب، ماذا أصنع؟ ويلاه قد ضاع رشادي في هذا المكان المخيف.
سلمان
:
اضرب وكفى تردد.
حسان
:
بالله لا تدفعني لهذا العمل، اصبر وأشفق عليَّ، فإني لا أكاد أمسك نفسي وأحسب
أنني سأرتكب جرمًا فظيعًا هائلًا فتمهل ولا تشدد عليَّ.
سلمان
:
إذن فاضرب، فأنت تعاقب مذنبًا وتخلص بريئًا طاهرًا.
حسان
:
ألا تدري أنني أكاد أرتكب القتل؟ وأن صوابي قد ضاع مني، فأنا الآن بلا
عقل.
سلمان
:
لقد حان لي أن أموت يا حسان، إن أخي قد سألني الرحمة كثيرًا في هذا المكان
فقتلته، ولم أعفُ عنهُ، فكن أنت مثلي الآن، كن آلة العدل المنتقمة، كما كنت أنا
آلة الجريمة والظلم، انظر أي وحش ضارٍ أمامك واعلم أنني قتلت هنا رجلًا بريئًا،
وأنني طعنتهُ بيدي غير شفيق ولا رحيم، إن القتيل البريء هو أخي.
الجزء الرابع
(سلمان – حسان – الملك – ثم شمطاء وليلى)
الملك
:
هو أنا.
سلمان
:
هو أنت …؟
حسان
:
الملك …؟
الملك
:
نعم، فأنا الذي أرسلني أبي إليك ثم ضربتني بخنجرك، وألقتني من هذه النافذة،
وأنت تقول لي: اذهب غير مأسوف عليك، ولكن الله خلصني فلم أمت (تدخل شمطاء)، وكانت نجاتي على أيدي جماعة من
الرعاة أخذوني وأنقذوني من الهلاك، ثم سعيت بشجاعتي وإقدامي فصرت ملكًا،
ولقبوني بأبي قابوس؛ ولذلك خفي عنك أمري، ولم تعلم أن أخاك لا يزال في قيد
الحياة وأنقذوني.
سلمان
:
ها أنا راكع بين يديك فعاقبني وخذ بثأرك.
الملك
:
انهض يا أخي وعانقني، فأنا أسامحك وأعفو عنك.
شمطاء
:
لقد زال الحق ومات الانتقام، وقد عاد حبيبي زياد حيًّا، فلم يعد لي ثار ولا
طلب خذوا كل ما أخذته منكم في أيام كرهي وغضبي، فخذ أنت حسان ابنك، وخذ أنت يا
حسان ليلى عروسك.
حسان
:
ليلى … أبي …
ليلى
:
حبيبي … مولاي …
سلمان
:
يا رب حمدًا وشكرًا.
شمطاء
:
أما أنا فقد حان مماتي … يا قبر خذني إليك.
الملك
:
ماذا تصنعين …؟
شمطاء
:
قد أقسمت أن لا أخرج هذا التابوت فارغًا، فدعني بالله.
الملك
:
ولماذا تموتين …؟
شمطاء
:
تأمل بي يا زياد إنني أموت مسرورة بلقياك، فأنا حبيبتك حسناء.
الملك
:
حسناء … أنتِ هنا … أنت؟!
شمطاء
:
نعم، لا أزال حية، وقد كنت آخذ ثارك.
الملك
:
إذن فاعفي عن نفسك الآن، كما عفوت أنا عن عدوي إذا كانت أيام الحب قد زالت
فقد عاد الحبيب، ولم يعد على الدنيا عتب أو ملام، فلنعد كما كنا سعداء ولنقضِ
باقي أيامنا في سلام، أما أنت يا سلمان فعد إلى إمارتك، وأنا عائد لتدبير أحوال
البلاد:
قد تمَّ ما أبغي فعودوا كما
كنتم وسيروا سيرة تصفو
أردت قبل الموت أن أمنع الـ
ـظلم، وأن ينقطع العسفُ
وأن أرى وجه شقيقي، وأن
أعفو كما يقضي به العرفُ
وقد بلغت الآن ما أشتهي
ونال قلبي ما له يهفو
طوبى لمن بارك أعداءه
… … … … … …
سلمان
:
… … … … … … …
طوبى لمن يقدر أن يعفو