نقش الإفرنج
أبلغي يا ريح عني
عالم الإفرنج جهرَا:
أنما العقل أسير
زاده التحليق أسرَا
يتحدى العشق برقًا
منه هذا العقل فرَّا
سحر العقل، وكان الـ
ـعشق بالأكباد أدرى
تبصر الأعين لونًا
حينما تبصر زهرَا
ووراء اللون معنى
هو أجلى منه يُدرى
ما عجبنا أن إعجا
ز مسيحٍ نلتَ خُبرَا١
قد عجبا لمريض
داؤه عندك أشرى٢
تجمع العلم وتلقى القـ
ـلب لا ترغب فيه
آه ذا نقد ثمين
ضاع في كف سفيه
إنما الحكمة أمر
ليس فيه من نهايَةْ
ليس في كتَّابها للـ
ـحب والعشق بدايَةْ٣
قطعت سبل قلوب
يقظات بالعمايةْ
ذات طرف ذي كلام
هو في الفتنة آيَةْ
ودلال لا ترى فيـ
ـه إلى القلب سرايَةْ
ليس فيها لذة الـ
ـوخزة من غمز الرعايَةْ
طوت البيد ولم تظـ
ـفر بظبي في النهايَةْ
طافت البستان لم تبـ
ـلغ من الأزهار غايَةْ
فهلموا نسأل العشـ
ـق سدادًا ورشادَا
واقصدوا العشق سجودًا
وابلغوا منه مرادَا
•••
سلك العقل طريقًا
ذا شعاب حين سارا
ملأ العالم هرجًا
وأصار الماء نارَا
في يديه كمياء
ردت الرمل نُضارَا
لم يضع إكسير حب
في قلوب أو أنارا
سحره قد خال فينا
فقلبناه جهارا
ذاك قطَّاع طريق
قطع السبل نهارا
فنه قد هدَّم الـ
إفرنج والنقع أثارا
ثم في مقلة عيسى
ذر من ذاك غبارا
كم زرعنا من شرار
وحصدنا من لهيب
كم عقدنا وحللنا
عقدًا فوق القلوب
•••
أين من خفق الشواهيـ
ـن جناح العندليب
أين من يلقط من حَبٍّ
على الأرض تريب
من فتى يلقط عنقو
د الثريا لا يخيب
أين من يسري بروض
كنسيم في هبوب
من بصير في ضمير الـ
ـزهر للسر يصيب
أين فوق الأرض ظن
سار أو شك مريب
من طموح جاوز الأفـ
ـلاك للمسرى الرحيب
حبذا عقل فسيح
قد أحاط العالمين
نور أملاك ونار الـ
أُنس فيه دون مين
نحن من خلوة عشق
قد برزنا بالسجايا
فجعلنا موطئ الأقـ
ـدام في الأرض مرايا
فانظرن همتنا كيـ
ـف لعبنا بالعطايا
قد أضعنا الكون جهرًا
حين حزناه خفايَا٤
قد نزلنا شط نهر
نبصر الموج سرايا
تبصر الأعين سطرَا
من غدو وعشايا
قلبنا بيَّت هذا الـ
ـدير لا يبغي سبايا٥
فرمى النار برطب
ويبيس في البرايا
شعلة كُنَّا جميعًا
وانتثرنا كالشرر
أهل شوق وحنين
ورجاء ونظر
أصبح العشق غَوِيًّا٦
قاطعًا كل وكاء
فتنة للناس فيها
خَفق حوت في العراء
آثر الحرب على الخفـ
ـض وعبَّى للقاء
لم يُرَوِّ السيف إلا
من صدور الأوفياء
قطع الطرق وسمَّى الـ
ـقطع حفظ الأمناء
أخذ الدف وغنَّى
راقصًا دون حياء
رافعًا في الكف كاسًا
من دماء الأصفياء
حان أن نحدث نهجًا
ونجدَّ النظرا
فاغسلن لوح فؤاد
وأجِدَّ الأسطرا
لحن إسكندر ولَّى
وتقضى لحن دارَا
وأتى فرهاد يبغي
ملك برويز جهارَا
يوسف فارق سجنًا
وعزيز الملك صارَا
وخرافات زليخا
ورُقاها تتوارى
كل سرٍّ كان يخفى
غشي الشوق نهارا
ومضى حفل الندامى
وبريق القول بارَا
فافتح العين وأمعِنْ
لترى ما لا ترى
إنما تبني الحياة الـ
ـيوم كونًا آخرَا
أنا في الأرض بصير
عارف سر الحياة
أبصر الذرات طرًّا
كنجوم ناظرات
وأرى الحبة تحت الـ
ـترب من قبل نبات
ذات أصل وفروع
وثمار يانعات
وأرى الأطواد ريشًا
في رياح قلقات
وأرى الريش ثباتًا
كجبال راسخات
وانقلاب ليس يحويـ
ـه ضمير الكائنات
قد أراه لست أدري
كيف في العين يواتي
حبَّذَا المبصر جهرَا
فارسًا في ذا القَتَر
ويرى جوهر لحن
في اهتزاز بالوتر
بالحياة النهر جارٍ
وسيجري في مضاء
عاتق الراح فتيٌّ
وسيبقى في فُتاء
كل أهل لوجود
سوف يحظى بالضياء
ووجود غير أهل
سوف يحويه الفناء
إنما العشق عيون
ترقب الحسن ظماء٧
ومُنى الحسن ظهور
وسيبدو في جلاء
إن هذي الأرض فيها
لي دموع من دماء
سيرى الدمع عقيقًا
في حشاها ذا بهاء
«في ظلام الليل جاءتـ
ـني من الصبح بشاره
أطفئ الشمع ولاحت
لي من الشمس أمارةْ»
جمعية الأمم
بؤساء الأرض راموا سننا
لتزول الحرب في هذي العصور
وسمعنا أن نبَّاشي قبور
شركة شادوا لتقسيم القبور
شوبن هاور ونيتشا٨
طار من عشه يسير بروض
فأصابته شوكة من زهور
لعن الروض والزمان ونادى
بثبور لنفسه والطيور
ورأى وسمة الشقائق جورًا
وطلسم البرعوم خدع خبير٩
قال ذي الدار شيدت باعوجاج
كل صبح بها إلى ديجور
ناح حتى تقاطرت نغمات
من دما، بدمع عين غزير
وشجا الهدهد النواح فوافى
ينزع الشوك من جناح الكسير
قال: أخرج من كل خسرك ربحًا
مزق الورد صدره للعبير
واجعل الجرح بلسمًا فسترضى
وألف الشوك تغد كلك روضَا
الفلسفة والسياسة
لا تقيسوا فلسفيًّا بارعًا
بسياسي، وبالعدل احكموا
ذاك عين جهرت١٠ في شمسها
وجمود عين ذا لا ترحم
ذاك في الحق دليل واهن
ذا لدى الباطل قول محكم
نيتشا
ثار من ضعف الأناسي قلبه
فبرى الخلق المكمل لُبه
فتنة في الغرب من ذي جنون
كان في دار الزجاجي ضربه
بايرن١١
قطرات رشحت من كاسه
شعلة تنمو كورد وشقيق
ذو رسالات بها حرُّ الجوى
فرسول الحب منها في حريق
ضاق بالإفرنج بردًا طبعه
فهو في الأوطان في غم وضيق
وخيال كم بنى من ملعب
فيه للحور مراح وبريق
جلوات للشباب ائتلقت
فهو في الغشية منها لا يفيق
طائر فارق عشًّا ورأى
حلق الشباك١٢ أولى بالحلوق
جلال وهيگل١٣
ليلة بتُّ أعاني حلَّها
مشكلات لحكيم الألمان
ذاك من أبرز في إبداعه
أبديُّ الكون من ستر الآني١٤
يخجل العالم من أفكاره
شاكيًا ضيق زمان ومكان
سرت في بحر له فالتطمت
سفن العقل بموج الطوفان
نفث النوم بعيني سحره
فحماني فكر باقٍ أو فاني
وأحدَّ الشوق طرفي فإذا
نور وجه لحكيم رحماني
إنه الشمس تجلَّت في الضحى
كل أفق بسناها نوراني
نوره في مظلم الأفق سرى
كمنار في طريق الركبان
تنبت الأفكار في ألفاظه
مثل ما ينمو شقيق النعمان
قال: قم يا أيها النائم! هل
تمخر السفن سراب القيعان
«في طريق العشق بالعقل يسار؟
بسراج تبتغي شمس النهار»١٥
بتوفي (شاعر مجري قُتِلَ شابا في الدفاع عن وطنه، ولم يُعثر على بدنه لتبقى له ذكرى أرضية)
لعروس الرياض غنيت حينًا
زدت قلبًا جوًى وأسليت قلبَا
وخضبت الشقيق من دمك المسـ
ـفوك وجدًا وجل ذلك خضبَا
كم بآه الصباح في المرج يسري
في صدور الأكمام فتحت قلبَا
نغمات من الجوى ذبت فيها
في «مزار» القريض تدفن حبَّا
وإلى الترب لم تعد بممات
ذاك حق فليس أصلك تربَا
جلال وگوته١٦
شاعر الألمان في روض أرم١٧
فاز بالصحبة من شيخ العجم
شاعر يشبه ذا العالي الجناب
ما نبيًّا كان لكن ذو كتاب١٨
قصَّ للعارف بالسر القديم
ما وعى إبليس والشيخ الحكيم
فأجاب الشيخ: يا رب العلاء
أنت صياد ولكن في السماء
قد خلا فكرك في القلب السليم
فأجدَّ الروح في الكون القديم
فرأيت الدُّرَّ في قاع البحار
ودبيب الروح من خلف الستار
ليس كلٌّ قد تجلَّى العشق لَهْ
ليس كلٌّ أهل هذي المنزلَةْ
«قد تجلى لسعيد ألمعي
مكر إبليس وعشق الآدمي»١٩
رسالة برگسون٢٠
إذا ما شئت أن تحظى بسر
تبوح به الحياة لمستجيب
فلا تبعد بنفسك عن لظاها
كما جفل الشرار عن اللهيب
ولا تصحب سوى نظر عريف
ولا تمرر بأرضك كالغريب
وما صورتَه وهم فأعدد
لعقل شبَّ في أدب القلوب
حانة الفرنج٢١
عهد حانات فرنج
ذكرنِّي يا خليلي
ربَّت الخمرة فيها
عين خمَّار جميل
نظرة الساقي رسالا
ت لشرَّاب الشمول
عقلها الخاتر غاز
عشقها كل سبيل
جوها ما أشعلته
نار آهات الحيارى
ليس فيها من خليع
فيه ترنيح السكارى
حكماء:٢٢
كنت٢٥
فطرة ضاءت شرابًا ولها
نجم كاس من حريم الأزل
برگسون
ما له من أزل خمر وكاس
ناره من حرقة القلب الشقيق
شعراء:
بايرن
منة للخضر لا تلهب صدري
فبماء القلب كاسي أملأ
غالب٢٨
لأزيد الخمر والصدر لهيبا
أصهر الدن وكأسي أملأ
جلال الدين الرومي
أين مزج من سنا جوهرها
من عروق الكرم كاسي أملأ
حانات الفرنج
أمس في حانة الفرنجة وهنا
راعني قول ماجن ذي خلاعةْ
قال ليست كنيسة تغشاها
في دُمًى للغناء تبغي سماعَهْ
إنها حانة الفرنج وفيها
كل ما ذمَّه البرية طاعَةْ
قد وزنَّا الأعمال فيها بوزن
غير ما حسَّن الأنام اصطناعَهْ
لا تزن وزن أمة ذات دين
رث ميزانهم فحاذر متاعَهْ
كل قبح يزيد جاهك حسن
كل حسن يضر فهو شناعَةْ
إن تفكرت فالحياة رياء
وبها الصدق قولة خداعةْ
إنما الصدق والوفاء حجاب
يحرم الساعي الغرير ارتفاعَهْ
شيخنا قال: موِّهن كل صفر
بنُضار وزَيِّفَنْ كل ساعَةْ
ذاك سر الحياة لا تُفْشِيَنَّهْ
تربحنْ في يديك كل بضاعَةْ
١
الخطاب لعالم الإفرنج.
٢
شرى الداء إذا اشتد، وأشرى للتفضيل؛ يعني أنه كالمسيح في المعجزات، ولكنه لا
يشفي.
٣
أي ليس في كتابها ألم العشق وحزه كما يبرى القلم. م.
٤
يعني استولينا عليه بقوة أرواحنا وبذلته أيدينا احتقارًا. م.
٥
في الأصل: الدير القديم وهو كناية عن الدنيا. م.
٦
أحسب الشاعر يقصد في هذه الأبيات إلى أن العشق وهو الوجدان السليم قد صار هوى
وطمعًا ففعل ما فعل. م.
٧
هذا البيت ضمن في شعر إقبال وهو الغالب.
٨
فيلسوفان ألمانيان معروفان: الأول متشائم والثاني يُعجب بالقوة واحتمال الشدائد في
هذه الحياة. م.
٩
في الشقيقة سواد يجعلها الشعراء وسمة من الحرقة، وطلسم البرعوم يريد به انطباقه
وانبهاعه كالطلسم. م.
١٠
جهرت العين لم تبصر في الشمس. م.
١١
الشاعر الإنكليزي المعروف.
١٢
بايرن فارق وطنه إلى بلاد اليونان لنصرة الثائرين بها ومات هناك والشباك
الشبكة.
١٣
جلال الدين الرومي، وهيگل الفيلسوف الألماني.
١٤
يريد أنه أدرك من الشيء الموقَّت حقائق أبدية، والآني نسبة إلى الآن. م.
١٥
البيت الأخير للرومي.
١٦
شاعر الألمان گوته صاحب القصة المعروفة فوست، وفي هذه القصة يبين الشاعر درجات تطور
الإنسان في إطار من رواية قديمة عن العهد الذي كان بين الحكيم فوست والشيطان، وقد بلغ
فيها الفن درجة لا يدركها الخيال.
١٧
يقصد الشاعر بأرم: الجنة. م.
١٨
شيخ العجم: جلال الدين الرومي، والبيت الثاني من قول الجامي عن الرومي: ماذا أقول
في هذا العالي الجناب، لم يكن «نبيًّا» ولكن له كتاب. م.
١٩
البيت الأخير لجلال الدين الرومي. م.
٢٠
فيلسوف فرنسي.
٢١
يقصد الشاعر في هذه الأبيات إلى ما يعوز الإفرنج من الإيمان وحرارة الوجدان.
م.
٢٢
صور الشاعر كلًّا من هؤلاء الفلاسفة ببيت، وهذه الكنايات لا يدركها إدراكًا تامًّا إلا
من عرف هؤلاء الفلاسفة وعرف خصائص كل منهم. م.
٢٣
فيلسوف إنكليزي.
٢٤
شقائق النعمان. م.
٢٥
فيلسوف ألماني.
٢٦
شاعر إنكليزي.
٢٧
ماء الخضر عين الحياة التي شرب منها الخضر فخلد وحرمها إسكندر. م.
٢٨
أسد الله غالب شاعر بالفارسية والأردية توفي سنة ١٨٦٨. وهذا البيت لغالب نفسه.
م.
