الفصل الخامس عشر
البربر وآل بربروسا
-
عروج يزحف على الجزائر: ١٥١٦م.
-
موت عروج: ١٥١٨م.
-
الاستيلاء على اﻟ «بينون»: ١٥٦٠م.
-
بربروسا يبدأ الهجوم على إيطاليا: ١٥٣٤م.
-
الاستيلاء على تونس: ١٥٣٥م.
-
حصار كورفو: ١٥٣٧م.
-
التفكُّك الأوروبي: ١٥٣٨م.
-
دوريا مضطربًا: ١٥٣٨م.
-
تحالف بربروسا وفرنسا: ١٥٤٣م.
***
عدوانُ الناس على بعضهم البعض قديم، ومنذ أن عرف
الناس صناعةَ السفن الصالحة للملاحة، كانت القرصنة موجودة، وقد عرفها
البحر الأبيض. مارسها المسيحيون والمسلمون على السواء منذ العصور
المظلمة، أحيانًا بدواعي الحرب وأحيانًا بدونها … وغالبًا بضمير
مستريح. بالنسبة للأتراك كانت أعمال فرسان سان جون أثناء وجودهم في
رودس جديرةً بهذه التسمية، بينما كان من الصعب أن يعتبر فرديناند
وإيزابيللا — بعد أن هزما مملكةَ غرناطة — تحرُّش المسلمين المستمر
بالسفن الإسبانية في شمال أفريقيا، استمرارًا مشرفًا للحرب من جانب
المهزوم. إلا أن الأمر كان كذلك من جانب المعتدين؛ ومع دخول القرن
السادس عشر أخذت أعمال التحرش والاعتداءات هذه بُعدًا جديدًا، وأصبح
الساحل المغربي — أو ساحل البربر — مقرونًا بأعمال القرصنة.
بعد أول ظهور للعرب قبل نحو تسعمائة عام، كان ساحل شمال أفريقيا —
باستثناء «مليلة Melilla»، التي كان
الإسبان قد احتلوها في ١٤٩٧م وبقيت إلى الآن أرضًا إسبانية — تحت حكم
الخلافات الأموية والعباسية والفاطمية، والمرابطين والمهدية، إلى جانب
أسرٍ أخرى أصغرَ مثل بني حفص في تونس، وبني زيان في المغرب الأوسط،
وبني مرين في مراكش. في معظمها، لم تكن تلك الأنظمة بعيدةً عن
الاستنارة؛ فقد كانت تسمح بحرية العبادة للمجتمعات المسيحية الصغيرة
الموجودة بها، حتى إنه كان هناك في القرن الثالث عشر مطران في
«فاس Faz»، التي كان يعمل بها
«ليون الأفريقي Leo
Africanus»،
أمينًا لسجل «مستشفى الغرباء»، وقد بقيت كتابات ليون هذا أحدَ أهم
مصادر المعلومات الأوروبية عن الإسلام على مدى أربعة قرون تقريبًا، كما
أن له شهاداتٍ تعود إلى عام ١٥٢٦م عن «تحضُّر وإنسانية وحسن تعامل
البربر … أناس متحضرون يطبِّقون القوانين والأعراف على أنفسهم»؛ وكيف
كانوا على دراية بالعلوم والفنون والآداب. ويبدو أنهم، إلى جانب ذلك،
يقيمون علاقات تجارية وثيقة مع صقلية والجمهوريات التجارية الإيطالية،
وكانوا معروفين جيدًا حتى لتجار القرن الخامس عشر الإنجليز، الذين كان
الوصول إلى الجزائر أكثرَ سهولة بالنسبة لهم، منه إلى القسطنطينية، أو
حتى فينيسيا. ولكن بالرغم من أن حكامها استطاعوا أن يحظروا القرصنة،
فلم يكونوا قادرين على منْع القراصنة من الخروج إلى البحر، وكان
الضحايا المسيحيون — وخاصة من سردينيا ومالطة وجنوة واليونان — يدفعون
الكثير. حتى نهاية القرن الرابع عشر، كانوا يدفعون أفضل، وكانوا هم،
وليس المسلمين، الإرهابيون الرئيسيون في البحر الأبيض؛ ولكن مع ظهور
الأساطيل التجارية الكبيرة، فقدت حِرفتهم بعضَ مكانتها، ليحتل القراصنة
المسلمون مركزَ الصدارة.
كان القرن الخامس — كما رأينا — قد شهد حدثَين جللين، في كلٍّ من
طرفي المتوسط؛ في الشرق كان سقوط القسطنطينية في ١٤٥٣م — وتبِع ذلك
إغلاق البحر الأسود أمام الملاحة المسيحية — وفي الغرب كان الطردُ
التدريجي للمسلمين من إسبانيا في السنوات التالية لعام ١٤٩٢م. كلا
الحدثين أدَّى إلى انتشار عدد كبير من المشردَّين الذين لم يعرفوا
الاستقرار — مسيحيون في الشرق ومسلمون في الغرب — كلهم تعساء وساخطون
ويتطلعون إلى الثأر، ولجأ معظمهم لحياة القرصنة والمغامرة. كان من
الطبيعي أن يرسي المسيحيون قواعدهم في الحوض الأوسط من البحر الأبيض؛
في صقلية أو مالطة، أو حول الجزر العديدة القريبة من ساحل دالماشيا. من
الناحية الأخرى، لم يكن اهتمام المسلمين سوى أن يلحقوا بإخوانهم في
الدين في الشمال الأفريقي. كان هناك بين طنجة وتونس نحو ١٢٠٠ ميل،
معظمها شريط خصب تصل إليه المياه، وعليه عدد كبير من الموانئ الطبيعية
المثالية لخدمة أهدافهم. هكذا وُلدت أسطورة ساحل البربر.
بين قراصنة هذا الشاطئ، كان الأخوان بربروسا؛ «عروج Aruj» و«خضر Khizr»، هما الأكثر شهرةً وخطرًا، وكان الثاني معروفًا ﺑ
«خرالدين بربروسا». كانا من مواليد «ميتيلين Mytilene» (ليسبوس Lesbos
الحديثة) لواحد من الإنكشارية اليونانيين المتقاعدين كان يعمل بصناعة
الأواني الخزفية، وامرأة كانت قبل الزواج منه أرملةَ قس يوناني. (وحيث
إن كل الإنكشارية كانوا مسيحيين أصلًا قبل تحوُّلهم القسري، لم يكن في
الأخوين بربروسا قطرةٌ واحدة من الدم التركي أو العربي أو البربري، كما
أن لِحاهم الحمراء شهادة أخرى على ذلك). في بواكير شبابه كان عروج،
أكبرُ الأخوين، قد شارك في حملة فاشلة ضد فرسان سان جون وأُسِر خلالها
وأُجبر على العمل على جاليهاتهم (سفنهم الشراعية الكبيرة). بعد دفع
فديته (ولا نعرف مَن قام بذلك)، عَهد إليه تجار القسطنطينية بمركب
قرصنة ليعمل تحت إمرة حاكم مصر المملوكي.
وفي وقتٍ ما من سنوات القرن الأولى، ظهر هو وشقيقه في تونس بسفينتين
من نوع «الجاليوت
galleot»،
١ وفي ١٥٠٤م حصل عروج على أولى جوائزه الكبرى في القناة التي
تربط بين جزيرة «إلبا
Elba» والبر
الإيطالي؛ سفينتين بابويتين محمَّلتين عن آخرهما ببضائعَ نفيسةٍ من
جنوة. كانت السفينتان متجهتين إلى «شيفيتافيكيا
Civitavecchia» ولكنهما لم تصلا إليها، وبعد اقتحامهما
وأسْرهما أُعيدتا، بكل فخر، إلى تونس.
في السنوات التالية، سيتم اقتحام العديد من السفن الإسبانية، وسيكون
لذلك نفس النتائج، وفي آخرِ الأمر سيرسل «الكاردينال خيمينيث Cardinal
Ximenes» في ١٥٠٩م
«دون بدرو نافارو Don Pedro Navarro»
الشهيرَ، بما لا يقل عن تسعين سفينة، وجيش قوامه نحو أحد عشر ألف
مقاتل، بذريعة نشر المسيحية على امتداد الساحل الأفريقي الشمالي، بينما
كان السبب الحقيقي هو تأديب أولئك الأوغاد. عندما تم الاستيلاء على
«أوران Oran» (وهران) في قتالٍ سقط
فيه ثلاثون إسبانيًّا فقط، تم ذبح أربعة آلاف من سكانها بدم بارد،
وحُمل خمسة آلاف آخرين إلى إسبانيا، إلى جانب عمليات سلب ونهب تقدَّر
بخمسمائة ألف دوكاتية ذهب، وفي العام التالي لقيت كلٌّ من «بوجيا Bougia» و«طرابلس Tripoli» نفسَ المصير. ولكن عروج، الذي كان في ذلك الوقت
قد استولى على جزيرة «جربه Djerba»
كقاعدة لعملياته كان يزداد قوة، وفي ١٥١٢م استجاب لنداء من حاكم بوجيا
المنفي — مطرودًا بواسطة دون بدرو — لكي يعيده مقابل استخدام الميناء
مجانًا. وبعد أسبوع من القصف المكثَّف، كانت الحامية الإسبانية على
وشْك الاستسلام عندما أصابت طلقةٌ مباشرة ذراع عروج اليسرى لتقطعها. تم
رفع الحصار وعاد الأسطول إلى تونس، ولكن ليس قبل أن يأسِر إحدى سفن
جنوة وهو في طريقه.
سينتقم أبناء جنوة بعد وقت قصير؛ حيث سيسرع قائدهم البحري
«أندريا دوريا Andrea Doria» باثنتي
عشرة جالية إلى تونس للاستيلاء على القلعة ونهبها وأسر نصف أسطول
القراصنة. إلا أن عروج عاد إلى الهجوم بعد التئام جُرحه، وفي ١٥١٦م
تلقى نداءَ استغاثة آخر. كان النداء هذه المرة من الأمير الجزائري
«سالم». لم يكن دون بدرو قد احتل المدينة بعد، ولكن قبل عامين، في
محاولةٍ لمنع الهجمات الجزائرية المتواصلة على السفن الإسبانية، كان
الإسبان قد حصَّنوا جزيرةً قريبة من الشاطئ في الخليج المعروف ﺑ
«البينون The Penon»، الذي كانوا
يستطيعون منه التحكُّم في الميناء وتهديد المرور في كلا الاتجاهين. لم
يتردَّد عروج. كان سوء الحظ قد منعه من استعادة بوجيا، ولكن الجزائر
كانت جائزةً أكبر، ويمكن أن تكون عاصمة فخمة لمملكة البربر الكبرى …
ذلك الحُلم الذي كان يداعب خياله منذ أمد بعيد.
الآن، كان عروج قويًّا ويستطيع
تعبئة أسطولٍ من ستين سفينة تحت قيادة شقيقه خضر، وجيشًا من ستة آلاف
مقاتل. زحف بهذه القوة بحذاء الشاطئ إلى الجزائر، متوقفًا لفترة قصيرة
— فحسب — عند «تشرشل Cherchel» بعد
بضعة أميال غربًا؛ حيث كان قرصانٌ بحري آخر، تركي اسمه «كارا حسن Kara
Hassan» قد اقتطع لنفسه سلطنةً
صغيرة وجمع جيشًا صغيرًا من المسلمين والأتراك مع عددٍ من السفن. كان
بربروسا في حاجة إلى هذه الإمكانيات، ولكنه بدلًا من التوصل إلى تحالف
مع كارا حسن، وجد أن الأكثر سهولةً هو ضربة من سيفه المعقوف تطير رأس
الرجل. بمجرد وصوله إلى الجزائر بدأ قصفه المكثَّف للقلعة إلا أنه لم
يتمكن من تحقيق انتصار حاسم على مدى ثلاثة أسابيع، وهكذا كان أمام خطرِ
ضياع هيبته واعتباره أمام الأمير، فقرَّر تغيير خطته. بعد أيام قليلة،
وجدوا الأمير مقتولًا في الحمَّام الخاص به، وأعلن عروج نفسه سلطانًا
بشكل رسمي.
الآن، كان الجزائريون يدركون خطأ دعوتهم بربروسا لمساعدتهم، ولم
يمرَّ وقتٌ طويل حتى بدءوا محادثات سرية مع الحامية الإسبانية في
البينون لإسقاطه. ولكن عروج بما لديه من شبكة جواسيس واسعة في أرجاء
المدينة علِم بما كان يجري من حوله؛ وبينما كان كل أعيان المدينة من
المواطنين في الجامع الكبير، غُلقت الأبواب ليجد المصلون أنفسهم محاطين
بمسلحين قيَّدوهم بعماماتهم واقتادوهم إلى الباب الرئيسي لمشاهدة قطع
رءوس قادة المؤامرة.
سرعان ما وصلت أخبار الانقلاب
إلى إسبانيا؛ حيث انزعج خيمينيث غايةَ الانزعاج، وفي مايو ١٥١٧م أرسل
حملته الثانية ضد عروج. كانت الحملة مكوَّنة من عشرة آلاف مقاتل بقيادة
القائد البحري للبلاد «دييجو دي
فيرا Diego de Vera». مرةً أخرى، تصرَّف عروج بسرعة وانقضَّ على الإسبان
أثناء عملية إنزال معدَّاتهم من السفن وقبل أن ينظموا صفوفهم، وقتل
ثلاثة آلاف منهم؛ أما مَن بقي فعاد إلى السفينة على وجه السرعة لينجوَ
بحياته. حتى في مثل تلك الظروف كان الحظ يعاندهم؛ إذ هبَّت عاصفة عاتية
في آخر اليوم تقريبًا، لتعيد عددًا كبيرًا من السفن إلى الشاطئ حيث كان
رجال بربروسا في الانتظار؛ أما البقية الباقية من الأسطول المدمَّر
فكانت تشق طريقها بصعوبة، عائدة إلى بلادها.
بعد شهر، كان حاكم «تنيس Tenes»،
وهي مدينة تقع إلى الغرب من الجزائر بنحو تسعين ميلًا، كان من الحماقة
والطيش بأن يزحف على القرصان، وكانت النتيجة تدميرَ جيشه تمامًا.
وبالرغم من تمكُّنه من الهرب إلى التلال، سقطت مدينته في يد عروج الذي
أعلن نفسه سلطانًا مرة أخرى. بعد ذلك تبِعتها مدينة تلمسان على بُعد
مائتي ميل غربًا، وعندما دخلها عروج في سبتمبر، جاءوا له برأس حاكمها
السابق على رمح. باستثناء وهران وبوجيا والبينون وعدد قليل آخر من
الحصون الساحلية، كان عروج بربروسا الآن سيدًا على كل المساحة —
تقريبًا — التي تشكِّل الجمهورية الجزائرية الحديثة. لم يتطلب ذلك منه
سوى ثلاثة عشر يومًا.
إلا أن وهران، كما اتضح فيما بعد، كانت كعب أخيل
٢ بالنسبة له. بعد وصول شارل الأول — الإمبراطور شارل الخامس
فيما بعد — إلى إسبانيا في سبتمبر ١٥١٧م، سرعان ما عاد محافظ المدينة،
«ماركيز كوماريس
Marquis of Comares»
إلى إسبانيا، لكي يقدِّم فروض الولاء والطاعة ويبحث الوضعَ العام في
شمال أفريقيا، الذي كان قد وصل إلى مرحلةٍ تبعث على اليأس. كان آل
بربروسا يزدادون قوةً كل يوم، وكانت الممتلكات الإسبانية الباقية على
الساحل عرضةً لأخطارٍ وتهديدات تتزايد باضطراد؛ والآن … كان الوقت
المناسب للضرب مرة أخرى قبل فوات الأوان؛ وهذه المرة كان ينبغي عدم
التهوين من شأن العدوِّ وقوَّته ومهاراته مثلما حدث، على نحوٍ مأساوي،
في مناسبات سابقة. وافق الملك الشاب بسرعة، وأصدر أوامره على الفور
بتجهيز حملة الشتاء القادم، على أن تبحر في الربيع لتعقُّب بربروسا
والقضاء عليه.
كانت القوة هذه المرة مكوَّنة من «آرمادا
Aramada»
٣ حقيقي وصل إلى وهران في الأشهر الأولى من عام ١٥١٨م، وجيش
جيد التدريب انطلق متجهًا إلى تلمسان. لم يكن عروج واثقًا من دفاعات
المدينة، فأرسل استغاثةً عاجلة إلى سلطان فارس، يطلب جنودًا ومعدَّات
إضافية، إلا أن السلطان راوغ بينما كان جيش الإسبان يقترب، وليس هناك
وقت لإضاعته. سيكون عليهم أن يُضحوا ﺑ «تلمسان»، ولم يكن أمام عروج سوى
التقهقر إلى الجزائر. ولكن، ربما بسبب الانتظار بلا طائل لنجدة من فاس
لم تأتِ، كان أن غادرها متأخرًا جدًّا. عرف كوماريس بذلك وانطلق
يطارده. كان لدى عروج خيولٌ ممتازة إلا أنها لم تكن ندًّا للخيول
الإسبانية الأصيلة التي انطلقت وراءه عبر المستنقعات. يقال إن عروج كان
يلقي وراءه بذهبٍ وجواهرَ لكي يعطِّل مطارديه، ولكن كوماريس كان يمنع
جنوده من النزول من على خيولهم، لكي يلحقَ به في النهاية بينما كان
يخوض بجيشه نهرًا جبليًّا. كان عروج ومجموعته المتقدمة قد عبروا النهر
بالفعل، إلا أنه عاد ليكون مع الباقين الذين لم يكونوا قد عبَروه بعد،
وبذلك كان يقدِّم جبهةً متحدة للقوة الإسبانية. على ذلك الشاطئ، كانت
وقفته الأخيرة، وهناك قاتل بضراوة بذراع واحدة
٤ إلى أن لقيَ حتفَه. كان في الرابعة والأربعين.
كانت نهاية تليق بكلِّ ما سبق. كان عروج جسورًا دائمًا، أخرق
أحيانًا، ولعله كان أول وأعظم القراصنة المتهورين الذين تركوا أثرًا
باقيًا على مدى القرون التالية. من بين كل معاصريه، لم يكن هناك مَن
يضارعه شجاعةً وجسارة سوى القرصان «هيرنان كورتيس
Hernán Cortés»، كما كان يقال. لا بد
أن نضيف أنه في إنجازه المدهش — عندما بدأ هو مجرد شخص أجنبي بلا حليف
ولا يثق به أحد، وسط عِداء محلي وكلِّ ما يمكن أن ترميَه به إسبانيا،
ويتمكن اعتمادًا على قوة شخصيته فحسب من إقامة دولة قوية في شمال
أفريقيا في غضون سنوات قليلة، بقيت لفترة طويلة — لا بد من أن يكون مثل
هذا الرجل صنوًا لأعظم الفاتحين.
•••
بالنسبة لماركيز كوماريس، فإن موت أول بربروسا وتدمير جيشه، فتح
الطريقَ إلى الجزائر؛ ولو أنه زحف على المدينة لكانت قد سقطت بالتأكيد،
وعندما تكون الجزائر في يد إسبانيا، سيصبح باقي الشمال الأفريقي ملكًا
له. إلا أنه لم يفعل شيئًا من ذلك. بل إنه عاد مباشرةً إلى وهران،
وبذلك ضاعت الفرصة على إسبانيا … لمدة ثلاثمائة عام. في الوقت نفسه كان
خضر (أو خير الدين كما ينبغي أن نُطلق عليه) قد تسلَّم عباءة
أخيه.
كانت المهمة صعبة، ولكن خير الدين لم تكن لتنقصه الثقة. ربما لم يكن
له نفس حيوية عروج، ولكنه كان لديه كل طموحه، كل شجاعته، وربما حُنكة
سياسية وحكمة أكبر. لم يكن من الوارد، على سبيل المثال، أن يفكر عروج
في إرسال سفراء إلى القسطنطينية لإهداء الإقليم الجديد (الجزائر)
للسلطان بشكل رسمي. بالنسبة ﻟ «سليم الأول»، الذي كان قد غزا مصر قبل
عام، كان ذلك يعتبر توسعًا بالغَ الأهمية لإمبراطوريته الأفريقية في
اتجاه الغرب. على الفور، قام السلطان سليم بتعيين خير الدين حاكمًا
عامًّا باسم «بايلرباي
Beylerbey»،
٥ وزوَّده بحرس شرف من ألفي جندي من الإنكشارية، وبمساعدة
هؤلاء، تم استعادة كل الفتوحات الإسبانية باستثناء وهران وحصن البنيون
المنيع بالقرب من ميناء الجزائر.
بعد ذلك كانت هناك تحالفاتٌ مع كل القبائل العربية والبربرية داخل
البلاد؛ وفي وقتٍ قصير كان بربروسا الثاني، الأقوى من الأول كثيرًا، قد
أصبح يسيطر على الحوضين الأوسط والغربي من البحر الأبيض المتوسط. جمع
حوله جماعةً من كبار قراصنة البحر، كان من بينهم «دراجوت Dragut»، وهو مسيحي آخر متحول، أصبح يُعرف
فيما بعدُ ﺑ «سيف الإسلام المسلول» وسنان، يهودي سميرنا، الذي كان
متهمًا بأعمال السحر الأسود والشعوذة، و«أيدين رايس Aydin Reis» الرهيب، ونحو ستة آخرين، كانوا كلهم من رجال
البحر الممتازين. لم تكن هناك سفينة أجنبية بمأمن من هجومهم بين شهري
مايو وأكتوبر من كل عام، كما أنهم لم يكونوا يتردَّدون في المرور عبْر
المضايق والخروج إلى براح الأطلنطي انتظارًا لعودة السفن الإسبانية من
الكاريبي إلى «كاديز Cadiz» (قادش).
لم يكونوا يتطلعون للحصول على ثروات فحسب؛ إذ إن كل شيء كان له قيمة؛
فالأسرى المسيحيون مثلًا كان يمكن استعبادهم للعمل على السفن أو
تحريرهم فيما بعدُ مقابلَ فدية من الذهب.
هناك حدَث بعينه يصوِّر مدى تأثير القراصنة البربر في البحر الأبيض
المتوسط؛ ففي عام ١٥٢٩م انطلق أيدين رايس بأربع عشرة سفينة صغيرة من
نوع الجاليوت، في حملة إغارة على جزيرة «مايوركا Mallorca»؛ حيث كان قد سمِع عن جماعة كبيرة من
«الموريسكيين Moriscos» (مسلمون
متحوِّلون) يريدون الهربَ من سادتهم الإسبان، وكانوا على استعداد لدفع
مبالغَ كبيرة مقابل توصيلهم إلى شمال أفريقيا. بعد أن رسا بسفنه سرًّا
في الليل، قام بتحميل مائتي أسرة وأبحر عائدًا بكميةٍ كبيرة من الأموال
والنفائس؛ وحدث أن وصل أسطولٌ من ثماني سفن إسبانية كبيرة بقيادة
الجنرال «بورتوندو Portundo» إلى
المكان في الوقت نفسه. كان الأسطول عائدًا من جنوة؛ حيث كان بورتوندو
قد رافق شارل الخامس لتتويجه إمبراطورًا في بولونيا بواسطة البابا. كان
الأسطول يحمل عددًا كبيرًا من النبلاء الإسبان الذين حضروا الاحتفال.
قام أيدين بإنزال ركَّابه على وجه السرعة وعاد من فوره إلى البحر
ليهاجم سفينةَ قائد الأسطول ويقتحمها. قُتل بورتوندو في القتال
المتلاحم الذي دار، وبعد انتهاء المعركة تمكَّنت إحدى السفن من الهرب
إلى «أيبيزا Ibiza»، وتم أسرُ السفن
السبع الأخرى. تم إطلاق سراح العبيد المسلمين الذين كانوا يعملون على
السفن وتحريرهم من السلاسل وإحلال سادتهم السابقين محلَّهم؛ وبعد إصلاح
السفن المعطوبة أُعيد تحميل الموريسكيين، وتم اقتياد السفن المأسورة
بما عليها من مسافرين من علية القوم والعودة بها في موكبِ نصرٍ مع
توقُّع الحصول على فدية كبيرة.
أخيرًا، كان بربروسا يشعر بأنه يستطيع الهجوم على حصن البينون. كان
الحصن على الجزيرة الصغيرة في مدخل ميناء الجزائر تمامًا، وكان يشكِّل
خطرًا على سفنه باستمرار، بيْد أنه كان لديه الآن ما يكفي من المدفعية
الثقيلة لإنجاز المهمة. في السادس من مايو ١٥٦٠م بدأ الهجوم. بقي الحصن
تحت القصف المتواصل ليلَ نهار لمدة خمسة عشر يومًا قبل أن يصدر الأمر
بالهجوم النهائي، وعندما كانت القدرة القتالية للحامية الإسبانية قد
نفدت. تم تفكيك المبنى وتجريده من كل وسائل الدفاع، كما تم استخدام
العبيد المسيحيين على مدى العامين التاليين في البناء، واستخدام
الأحجار وحاجز الأمواج الضخم الذي يصل الجزيرة بالبَر ويحمي الميناء من
الجهة الغربية.
ولكن، لماذا كان للعالم الإسلامي كلُّ هذه السيادة البحرية في البحر
الأبيض المتوسط في النصف الأول من القرن السادس عشر؟ أولًا: لأن
منافسيهم المسيحيين كانوا قلة. كانت فينيسيا وجنوة تسيطران على
الأدرياتيكي مع «البحر
الأيوني Ionian Sea» مباشرةً إلى الجنوب؛ ولكن فرسان سان جون — أبرع
مقاتلي البحر في تلك الأيام — كانوا قد طُردوا من رودس في ١٥٢٢م،
ووجدوا وطنًا جديدًا لهم في مالطة بعد ذلك بسبع سنوات، وكان لا بد من
أن يمرَّ وقت طويل قبل أن يأمُلوا في استعادة نفوذهم وقوَّتهم السابقة.
إسبانيا، كما رأينا، لعبت دورًا كبيرًا، ولكن طاقاتها الرئيسية كانت
موجَّهة نحو العالم الجديد، إلى جانب أن المسيحية ظلَّت منقسمة؛ ولو
أنَّ إسبانيا وفرنسا، البابا والإمبراطور، الكنيستين الشرقية والغربية،
مملكتَي نابولي وصقلية، أمراءَ الشمال الإيطالي، لو كان أولئك كلُّهم
قد تجمَّعوا حول قضية مشتركة فلربما كانت النظرة إلى رعايا السلطان قد
أصبحت صارمةً بالفعل. كان الأوروبيون أكثرَ اهتمامًا بقتال بعضهم
البعض، منهم بالوقوف متحدين ضد الأتراك؛ وعلى النقيض من ذلك، ظل
الإسلام متحدًا.
كان هناك قائد مسيحي واحد يبدو قادرًا على البقاء محتفظًا بقوَّته.
في ١٥٣٢م حقَّق «أندريا
دوريا
Andrea Dorea» الجنوي عدةَ انتصارات على الأساطيل العثمانية في
المياه اليونانية. إلا أن هذه الانتصارات — على عكس المتوقَّع — كانت
هي التي جلبت ﻟ «بربروسا» أثمنَ لحظات تاريخه وأكثرها مجدًا. كان من
الواضح للسلطان سليم أن البحرية التركية أضعفُ من بحرية القراصنة، وأنه
كان لا بد من إعادة تنظيمها، إذا كان هناك رجل واحد هو الذي يستطيع
تحقيق ذلك. وهكذا كان أن وصلت إلى الجزائر في سبتمبر ١٥٣٣م بعثةٌ من
«الباب العالي
Sublime
Porte»،
٦ تدعو خير الدين للحضور إلى القسطنطينية في أقرب فرصة. قبِل
القرصان الدعوةَ بكل سرور وارتياح. وباعتباره أحدَ التابعين الأوفياء
للسلطان — وكان كذلك دون شك — لا بد من أن يكون قد قدَّر ذلك الشرف
الذي حظي به حقَّ قدره، ولا بد كذلك من أنه كان لديه أسبابه التي دعته
لقبول الدعوة. في مرحلةٍ ما، كانت عينه على تونس الجارة الشرقية
مباشرة. كانت تونس مركزَ القيادة بالنسبة له ولأخيه، ولكنهما لم يكونا
يعيرونها أيَّ اهتمام في السنوات الأخيرة. في ١٥٢٦م كان قد وصل إلى
العرش حاكم جديد من أسرة بني حفص بعد مقتل اثنين وعشرين من إخوانه (كما
يقال).
٧ على الفور، أثبت هذا الحاكم الجديد أنه كان كارثة، وبحلول
١٥٣٢م كان بربروسا يتلقى استغاثاتٍ عدة من أصدقائه في تونس ليأخذ
السلطة هناك. قبل أن يتخذ مثل تلك الخطوة، كان في حاجة إلى مباركة
السلطان، وإذا استطاع أن يقنع سليمان بإمداده بالسلاح والرجال فسيكون
ذلك أفضلَ كثيرًا.
في أغسطس التالي انطلق مبحرًا، حاملًا معه ما يليق بالسلطان من
هدايا، كان من بينها (إن كان لنا أن نصدِّق «ساندوفال Sandoval» أسقف «بامبلونا Pamplona») مائتا فتاة مسيحية للحرملك
الخاص بالسلطان، كانت كلٌّ منهن تحمل في يدها هديةً من الذهب أو الفضة؛
وتم استقباله بمثل ذلك الأسلوب. بعد أيام قليلة عُين عضوًا في الديوان
بلقب باشا، وقائدًا عامًّا للأسطول، وكان أن بقيَ في القسطنطينية لمدة
عام تقريبًا، أسَّس فيه البحرية العثمانية الحقيقية. في تقريرٍ له يعود
إلى عام ١٥٤٣م كتب الوزير الفرنسي في المدينة يقول:
بدأ التفوُّق التركي البحري منذ الشتاء الأول لخير الدين في
أحواض بناء السفن في هذه المدينة … عند «بيرا Pera» (في الجانب الجنوبي الغربي من القرن الذهبي)،
يوجد مكان على الشاطئ حيث يقومون ببناء وإصلاح الجاليهات وغيرها من
السفن. هناك تقريبًا مائتا عامل ماهر يعملون … أما المسئول عن ذلك
كله فهو قائد عام يدعوه الأتراك بايلرباي البحر، وهو كذلك المسئول
عن البحرية عند خروجها … قبل أن يتولَّى هذه المهمة، لم يكن
الأتراك يعرفون شيئًا عن فنون الملاحة. عندما كانوا يحتاجون أطقمًا
للأسطول، كانوا يذهبون إلى جبال اليونان والأناضول ويأتون بالرعاة
ويضعونهم على المجاذيف في الجاليهات أو للخدمة على السفن الأخرى.
كان ذلك بلا فائدة، لأنهم لم يكونوا يعرفون كيف يجذفون أو كيف
يصبحون ملاحين، ولا حتى كيف يقفون منتصبي القامة في البحر. لهذا
السبب لم يبرز الأتراك في هذا الفن. ولكن، فجأة … غيَّر بربروسا
النظامَ كله … ملهمًا رجاله بواسطة طاقته التي لا تنفد، استطاعوا
أن يصنعوا إحدى وستين جالية في فصل الشتاء، واستطاع أن يخرج إلى
البحر في فصل الربيع بأسطول مكوَّن من أربع وثمانين سفينة.
في يوليو ١٥٤٣م قاد خير الدين أسطوله الجديد، وانطلق من القرن الذهبي
عبْر بحر مرمرة نزولًا إلى «هيليزبونت
Hellespont» في البحر الأبيض المتوسط. ملتفًّا حول مقدم
الحافر الإيطالي، قام بالاستيلاء على «ريجيو
Reggio» التي قام جنوده بنهبها، ثم عبَر مضايق مسيني
وانطلق بحذاء الساحل نحو نابولي. الغريب أنه لم يكن هناك أيُّ ردِّ
فِعل من جانب نائب الملك الإسباني، فهل يا تُرى كان قد وصلته أيُّ
رسالة سرِّية من القرصان تَعِده بعدم التعرض للمدينة في حال عدم
المقاومة؟ على أية حال، لم تُمسَّ نابولي بسوء، وأكمل الأسطول طريقه
إلى «سبيرلونجا
Sperlonga»،
٨ التي كانت أقل حظًّا؛ حيث تم أسرُ صفوة نسائها وحملهن على
السفن.
كان بربروسا قد وضع عينَه على امرأةٍ بعينها، كان يراها هديةً خاصة
تليق بالسلطان؛ كانت «جيوليا
جونزاجا Giulia Gonzaga»، الفاتنةَ أرملةَ «فسباسيانو كولونا Vespasiano Colonna»، التي كان
هناك إجماعٌ على أنها أجمل نساء عصرها. رسم «سيباستيانو ديل بيومبو Sebastiano del
Piombo»
و«تيتيان Titian» بورتريهات لها، وكتب
فيها «أريوستو Ariosto» و«تاسو Tasso» شعرًا يتغنَّى بجمالها، وكان لديها
بلاط رفيع الثقافة في قصرها في «فوندي Fondi». كانت فوندي تقع على بُعد نحو اثني عشر ميلًا من
تيراسينا، وكان خير الدين يأمُل في الاستيلاء عليها وعلى جيوليا بعملية
مفاجئة. لحسن الحظ، كان قد بلغها تحذيرٌ قبل دقائق من وصولهم فاستطاعت
أن تهرب مع حاجبها، وكانت ما زالت بثياب النوم، وأمرت بقتله بعد ذلك
بدعوى استغلاله ظروف تلك المحنة؛ ولأنه كان «وقحًا» معها (ولعله كان
كذلك فعلًا بحسب الظروف) وكما كان متوقعًا، كان أن دفعت فوندي الثمن
المعتاد.
عاد عددٌ قليل من السفن إلى القسطنطينية محملًا بالأسيرات من النساء
اللائي كان مصير معظمهن أسواق العبيد التركية، وبالغنائم من المدن
المنهوبة. كانت السفن كذلك تحمل الجزء الأكبر من جنود الإنكشارية الذين
كان السلطان سليم قد وفَّرهم — ربما كانوا عائدين بأوامرَ من سليمان
الذي كان قد خرج لمحاربة فارس، وكان في حاجة إلى كل القوى البشرية التي
يمكن أن يضع يدَه عليها. اتَّجه الجزء الرئيسي من الأسطول، على أية
حال، إلى تونس. بالنسبة ﻟ «بربروسا» كانت حملته الإيطالية مجرَّد خطوة
تمهيدية، كانت تمرينًا صغيرًا لا ضررَ منه، لكي يترك انطباعًا جيدًا
لدى السلطان عن أسطوله الجديد بعامة، وقائده الجديد بخاصة. والآن، كان
قد حان وقت العمل الأكثر أهميةً وجِدية؛ إسقاط «مولاي حسن Moulay Hassan» وضم مملكته التونسية.
وصل بالقرب من الميناء في السادس عشر من أغسطس، وبدأ القصف بالمدفعية
ليكتشف أن مولاي حسن قد تمكَّن من الهرب. بعد يومين، قام الحاكم
الهارب، بواسطة مائة ألف من الجنود المحليين غير النظاميين، بمحاولةٍ
فاترة للعودة، ولكنه انسحب مسرعًا عندما فتح القرصان النارَ مرة أخرى.
طوال موسم الشتاء، كان بربروسا حريصًا على أن يشغَل رجاله، كانوا
يقومون بتقوية دفاعات الميناء وبناء قلعة جديدة تكفي لإيواء حامية من
خمسمائة مقاتل.
ما كان ينبغي له أن يربك نفسه؛ فقد كان هذه المرة شديدَ التلهف أكثرَ
مما يجب على تحقيق غايته. ربما، وهو يخطِّط لعملية تونس، لم يقدِّر
ردَّ الفعل المحتمل لشارل الخامس، أو لعله قلَّل من أهميته، وكذلك من
قدرة الأمير على الانتقام. ارتكب بربروسا — على أية حال — خطأ جسيمًا؛
فنظرة إلى الخريطة ستوضح أنه لا يمكن تصوُّر أن يقبل شارل قيامه بضم
دولة لا تبعُد أكثرَ من مائة ميل عن الميناءين المزدهرين «تراباني
Trapani» و«مارسالا
Marsala» في صقلية الغربية، وأبعد من ذلك بقليل عن
باليرمو نفسها. لم يكن مولاي حسن، ذلك اللاهي الساعي وراء الملذات بكل
شكل، يمثل أيَّ خطورة. ولكن، بعد أن أصبح بربروسا في تونس، كانت قبضة
الإمبراطور على صقلية قد باتت مهدَّدة … وبشكل خطِر. بمجرد أن وصلته
الأخبار بدأ التخطيط لحملة كبيرة لاستعادة المدينة. سوف يحتوي أسطول
الغزو على سفن من إسبانيا ونابولي وصقلية وسردينيا ومالطة — حيث كان
فرسان سان جون قد استقروا بعد طردهم من رودس — وجنوة؛ ومرة أخرى سيكون
أندريا دوريا هو القائد. أبحر الإمبراطور نفسه مع القوة الإسبانية -
كانت تُقدَّر بأربعمائة سفينة — من برشلونة في أواخر مايو ١٥٣٥م إلى
المكان المتَّفق عليه في «كاجلياري
Cagliari» في سردينيا؛ حيث وصلوا في العاشر من يونيو،
لتنضم إليهم مائة سفينة أخرى. بعد ذلك اتجهوا جنوبًا في اليوم الثالث
عشر، وفي اليوم التالي اتجهوا نحو المكلأ
٩ خارج ميناء تونس.
في مواجهة أسطولٍ ضخم كهذا، كان خير الدين يعرف أن الأمل كان ضعيفًا
في الاحتفاظ بالمدينة تحت سيطرته. ولأنه لم يكن يريد أن يفقدَ سفنًا
أكثرَ مما يجب، حرص على إرسال خمس عشرة من أفضلها على امتداد الساحل
إلى «بونة Bône» في منتصف المسافة إلى
الجزائر تقريبًا، لتبقى آمنة هناك كقوة احتياطية. قاتل هو ورجاله
ببسالة كعادتهم، ولكن في الرابع عشر من يوليو — بعد شهر بالضبط من وصول
شارل — قام فرسان سان جون بالهجوم على قلعة «لاجوليتا La Goletta» التي كانت تحمي الميناء
الداخلي، وبعد أسبوع كان الاثنا عشر ألف أسير المحتجزون في المدينة، قد
تمكَّنوا من تحرير أنفسهم والانقضاض على آسريهم السابقين. كانت النتيجة
أن ضاعت تونس وكان الدور على بربروسا لكي يفرَّ. انسل من المدينة بصحبة
اثنين من زملائه القادة؛ أيدين رايس وسنان، وبعض رجاله الذين استطاعوا
أن يتبعوه، واتجهوا نحو بونة.
عند هذه المرحلة، كان ينبغي أن يأمرَ شارل جيشه بالقيام بالمطاردة
وإجبار خير الدين على معركةٍ ضارية، ولو فعل لكان قد دمَّر القرصان
وجنوده إلى الأبد، ولما كانت سفن الإمبراطور الستمائة قد وجدت صعوبةً
في منعه من الهروب بالبحر. ولكن الجنود — وربما البحَّارة كذلك — كانوا
مشغولين بالسلب والنهب، كما كانت قواعد الحرب تسمح لهم بالقيام بذلك
لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. بعد موافقته على أن يدفع للإمبراطور
جزيةً سنوية، أُعيد مولاي حسن رسميًّا إلى قوقعة مدينته الخاوية؛ وبعد
قيام الإسبان بإصلاح وإعادة تحصين لاجوليتا، أعلنوها أرضًا إسبانية
وزوَّدها بحامية دائمة. كانت الحملة، بإجماع المسيحيين المنتصرين،
ناجحة تمامًا. أصبحت تونس مرةً أخرى في أيدي صديقه، وصقلية كانت آمنة،
والألوف من شركائهم في الدين قد تحرَّروا من الأسْر، وربما كان أفضل ما
تحقَّق هو الهزيمة النهائية التي حاقت ﺑ «بربروسا» الذي لم يكن قد ذاق
طَعم الهزيمة من قبل. الآن، كانوا يستطيعون كلُّهم العودة إلى أوطانهم
المختلفة التي جاءوا منها، راضين تمامًا بما حقَّقوا.
أو هكذا كانوا يعتقدون. قام الإمبراطور بإرسال أندريا دوريا غربًا في
حملةٍ على امتداد الساحل بحثًا عن القرصان الهارب والإتيان به
لمحاسبته. لم يكن يعرف رجلَه حقَّ المعرفة. كان مما يتَّسق مع شخصية
بربروسا أنه بدلًا من أن ينسلَّ عائدًا إلى الجزائر، كما كانوا يتصورون
أنه لا بد فاعل، بقي بعض الوقت في بونة لكي يجمعَ المزيد من السفن
والمؤن قبل أن ينطلق إلى جزر البليار. عندما اقترب أسطوله، ظنَّه سكان
الجزر جزءًا من الأسطول الإمبراطوري عائدًا إلى برشلونة، وهو الانطباع
الذي تأكَّد عندما رأوه يرفع الأعلام الإمبراطورية؛ ولذا لم تكن هناك
مقاومة عندما رسا بهدوء في ميناء «ماهون Mahon» على الطرف الجنوبي الشرقي من «مينوركا Minorca». كانت هناك سفينة تجارية
برتغالية راسية قامت بإطلاق نيرانها تحيةً، ثم فجأةً فتح الأسطول
النار. قام البرتغاليون الذين فوجئوا تمامًا، بالدفاع عن أنفسهم قدْر
استطاعتهم، ولكن تم أسرُ سفينتهم بسهولة. لم يستغرق الأمر أكثرَ من
ساعات قليلة قبل أن يبدأ نهب وتدمير الميناء والمدينة كلها.
•••
في أواخر صيف ١٥٥٣م، قام بربروسا برحلته الثانية إلى القسطنطينية. لم
يَعُد إلى شمال أفريقيا بعد ذلك. أمضى سنوات عمره الأخيرة قائدًا
للأسطول العثماني أكثرَ منه قرصانًا. كان مربكًا لأعداء السلطان وبخاصة
الإسبان والفينيسيين والجنويين. حتى ذلك الحين كان مسموحًا لفينيسيا
بمزاولة نشاطها التجاري دون التعرُّض لها. ويُعتقد أن إبراهيم باشا
الوزير الأول لدى سليمان، كان مواطنًا فينيسيًّا بالميلاد على ساحل
دالماشيا؛ ولكن المؤكَّد أنه بعد تحوُّله القسري إلى الإسلام، كان ما
زال يحمل في قلبه ضَعفًا عاطفيًّا لفينيسيا، وكان يبذل كلَّ ما في
وُسعه لاحترام ممتلكاتها في المتوسط. إلا أن إبراهيم قُتل في ١٥٣٦م
بتحريضٍ من «روكسلانا
Roxelana» زوجةِ
سليمان التي كانت تريد المنصبَ لصهرها رستم باشا؛
١٠ ومنذ ذلك التاريخ ستصبح «سيرينيسيما
Serrinissima» عُرضة للهجوم مثلما كانت إسبانيا وجنوة
دائمًا.
في ذلك العام نفسِه، قام أسطول إمبراطوري بقيادة أندريا دوريا
بالاستيلاء على عشر سفن تجارية تركية بالقرب من مسيني، وتبِع تلك
الضربة الناجحة إغارةٌ قوية على جزء من الأسطول العثماني بالقرب من
«باكسوس Paxos» في البحر الأيوني.
أصرَّ السلطان على الثأر للإهانتين ووضع خطةً جسورة لذلك. في ربيع
١٥٣٧م سيقوم هو شخصيًّا على رأس جيش من عشرين ألف مقاتل ويتقدم عبْر
تراقيا نزولًا إلى شبه جزيرة البلقان حتى «فالونا Valona» فيما يسمَّى الآن ألبانيا؛ في الوقت نفسه سيبحر
بربروسا بأسطولٍ من مائة سفينة إلى الميناء نفسه. هناك سينزل الجيش
ويتقدَّم حتى برنديزي، التي كان قد تم رشوة حاكمها، فوعد بأن يفتح
أبواب المدينة. لسوء حظ سليمان، كان أنه فشِلت الخطة عندما تم اكتشاف
خيانة حاكم المدينة في الوقت المناسب. بوجود جيشه وأسطوله في
الأدرياتيكي، كان على السلطان أن يستقر بسرعة على خطة بديلة. وبينما
كان يتدبَّر الأمر، قام بربروسا بسلسلة من الإغارات الخاطفة على امتداد
ساحل أبوليا، ليعود بأحمال الغنائم المعهودة وبأعداد من العبيد، ليجد
أن سيده قرَّر حصار جزيرة «كورفو Corfu».
كورفو هي الأكبر بين جزر البحر الأيوني، وكانت مستعمرة فينيسية منذ
الحملة الصليبية الرابعة.
١١ في تقسيم الأراضي البيزنطية السابقة، الذي تم في ١٢٠٤م،
كان الدوج العجوز «داندولو
Dandolo»
قد ادَّعى لنفسه نصيبًا كبيرًا، ولم يكن لدى الجمهورية أيُّ شهية
حقيقية ولا وسيلة لهضم ذلك. لم يكن أمامها سوى أن تترك الجزر الأيونية
للمغامرين اليونانيين والإيطاليين الذين كانوا يحتلونها. منذ ذلك الحين
كانت قد تناوبت على كورفو أيادٍ كثيرة. في البداية احتلتها أسرة
«فينيير
Venier» الفينيسية، وفي أوقات
مختلفة كانت تحت سيطرة حكومة «إمبيريوس
Empirus» و«مانفريد
Manfred» الصقلي وبيت آل أنجو، ثم عادت لفينيسيا في
١٣٨٦م.
على خلاف كل الجزر المجاورة لها فيما عدا باكسوس، لم يكن العثمانيون
قد استولوا عليها يومًا ما (وللمصادفة لم يحدث ذلك قط). في السنوات
الأخيرة كانت محميةً بوضعها الفينيسي، ولكن إبراهيم باشا كان قد مات،
وربما كانت تبدو فريسة سهلة لسليمان وجيشه الجرَّار. أنزل جيشه كلَّه
بكل عتاده — نحو ثلاثين مدفعًا بما في ذلك مدفع هائل (يطلق قذائف تزن
خمسين رطلًا) كان الأضخم في العالم آنذاك — وأحاط بالقلعة الرئيسية في
المدينة وبدأ يدكُّها لكي تستسلم.
لحسن الحظ كانت دفاعات كورفو قوية، كانت المدينة في منتصف المسافة
على الساحل الشرقي للجزيرة، تقع خلف وتحت القلعة المرتفعة التي تتوِّج
شبه الجزيرة الصخرية البارزة نحو شواطئ ألبانيا وتسيطر على طرق
الاقتراب برًّا وبحرًا. بداخل تلك القلعة كانت توجد حامية من نحو ألف
إيطالي ونفس العدد تقريبًا من أهالي كورفو، بالإضافة إلى أطقم بعض
السفن التي تصادَف وجودها في الميناء آنذاك. كان مخزون الذخيرة والغذاء
كبيرًا والروح المعنوية ممتازة. كان لا بد من أن يكون الأمر كذلك؛ لأن
المدافعين وجدوا — ويا لهول ما وجدوا — أنهم لم يكونوا في مواجهة هجوم
بحري فحسب، وإنما عملية عسكرية بحرية وبرية مخطَّطة جيدًا … وعلى نطاق
واسع. كان الدمار الذي لحِق بالمزارعين المحليين وغيرهم من المواطنين
العاديين مروِّعًا، ولكن القلعة ظلت صامدة إلى حدٍّ ما، بالرغم من
القصف المتواصل بالمدفعية التركية برًّا وبحرًا، والمحاولات العديدة
لاقتحامها. ثم كان من حسن الحظ أن هطلت الأمطار. كانت كورفو مشهورة
دائمًا بقوة عواصفها، ويبدو أن تلك التي هبَّت عليها في أوائل سبتمبر
١٥٣٧م كانت استثنائية حتى بالمقاييس المحلية. كان من المستحيل تحريك
المدافع في الطين، انتشرت الديزنطاريا والملاريا في معسكرات الأتراك،
وبعد حصار دام ثلاثة أسابيع، أقلع الأسطول العثماني في الخامس عشر من
سبتمبر تاركا خلفه حامية صغيرة تحتفل بانتصارها … إن كان لنا أن نقول
ذلك.
ولكن الحرب لم تنتهِ. كان أسطول بربروسا ما زال نشطًا، والموانئ
والجزر المتوسطية التي كانت ما زالت في أيدي الفينيسيين لم تكن منيعة
مثلما كانت كورفو. وبالرغم من أن معظمها كان يعتبر، من الناحية
النظرية، تحت حماية الجمهورية، كانت تحكمها عائلات خاصة ولم يكن لديها
أي وسيلة لدرء أي هجوم متواصل. إلا أن بربروسا لم يكن يعرف الرحمة.
سقطت كلها واحدة تلو الأخرى؛ «نابوليا Napulia»، و«مالفاسيا Malvasia» (الآن «مونمفاسيا Monemvasia» على الساحل الشرقي من البيلوبونيز)، وبعد ذلك
جزر «سكيروس Skyros»، و«أيجينا Aegina»، و«باتموس Patmos»، و«إيوس Ios»،
و«باروس Paros»، و«أستيبالايا Astipalaia»، وكانت كلُّها أقرب إلى
الأراضي التركية منها إلى فينيسيا، التي كان أسطولها محاصَرًا بواسطة
حشد من السفن العثمانية، في المناطق الضيقة من الأدرياتيكي.
هكذا تم تركيع أكثر الجمهوريات هدوءًا وسكينة. كان خير الدين بربروسا
هو المسئول عما لحِق بها من إذلال ومهانة، ولا عجب في أنه عندما عاد
إلى القسطنطينية استقبلوه استقبالَ الأبطال، وكما لم يحدث من قبل.
ولكنه أعطى مثلما أخذ؛ أربعة آلاف قطعة ذهبية، ألف امرأة شابة، ألفًا
وخمسمائة صبي. كانت هناك كذلك هديةٌ سخية للسلطان؛ أربعمائة صبي آخرون
في لباس قرمزي يحملون آنيةً من الذهب والفضة وبالات الحرير النفيس
وأكياسًا مطرَّزة مكتنزة بالعملات الذهبية.
•••
أما بالنسبة للفينيسيين، فعندما كان بربروسا المنتصر يبحر في القرن
الذهبي كان انتصار كورفو قد تبدَّد وضاع بريقه، كان كل أسبوع يأتيهم
بأخبارٍ عن هزائمَ جديدة وخسائرَ جديدة. في ١٥٣٨م كان بربروسا مرة أخرى
على طريق الحرب؛ يروِّع أولًا جزر «سكيروس Skyros» و«سكياتوس Skiathos» في «سبوراديس Sporades»، ثم أندروز في «سيكلاديس Cyclades» وغيرها الكثير من الجزر الصغيرة المجاورة. أما
بالنسبة للجزر الأكبر حجمًا والأكثر أهمية، ففرض عليها جزية سنوية.
كانت الجزر الصغيرة مجبرة على تقديم القوة البشرية اللازمة للجاليهات؛
حيث كان الأسطول الكبير الذي يقوم ببنائه في حاجة إلى آلاف المجذِّفين،
وكان هناك نقص شديد فيهم. بعد ذلك اتَّجه شمالًا نحو كريت التي كانت ما
زالت المستوطنةَ الفينيسية الرئيسية في الحوض الشرقي للمتوسط. كانت
تحصينات العاصمة (كانديا Candia) تبدو
منيعة، ولكنَّ ما يزيد عن ثمانين قرية على امتداد الساحل، وعددًا
كبيرًا من الجزر الصغيرة النائية، لم تكن حسنة الحظ كذلك.
في الوقت نفسه، كانت القوى الأوروبية تبدو عاجزةً عن عَقد تحالفات لا
تسمِّمها الشكوك المتبادلة والخلافات الصغيرة حتى قبل أن تبدأ. في صيف
١٥٣٨م جرت محاولةٌ من هذا القبيل عكف عليها الإمبراطور والبابا
وفينيسيا، مع حماسةٍ شديدة لحملة صليبية ودرجة من التفاؤل، لدرجةِ أن
المشاركين وضعوا خططًا مسبَّقة لتقسيم الإمبراطورية العثمانية بينهم؛
لم تنتهِ، كما كانوا يتصورون، بالاستيلاء على القسطنطينية، وإنما
بانتصار عدوٍّ ﻟ «بربروسا».
حدث أنه بينما كان يصول ويجول على طول الساحل الجنوبي ﻟ «كريت»، أن
جاءته أخبارٌ عن أسطول مشترك كان متجهًا صوب الجنوب في الأدرياتيكي نحو
«الجزر الأيونية Ionian Islands».
كانت القوة الفينيسية وحدَها مكوَّنة من إحدى وثمانين سفينة بعضها
شراعي ومعظمها جاليهات ذات مجاذيف. أما إسهام البابا فكان عبارة عن ست
وثلاثين جالية أخرى بقيادة الفينيسي «ماركو جريماني Marco Grimani»؛ ثم لحِقت بذلك كله، بعد وصولهم إلى
كورفو، ثلاثون سفينة أخرى من إسبانيا؛ ومع ذلك لم يكن كل هذا الحشد سوى
طليعة الأسطول؛ إذ كان من المتوقَّع أن تصل بعد وقت قصير تسع وثلاثون
سفينة أخرى، مرسَلة من قِبل الإمبراطور وكانت قد تأخَّرت انتظارًا
لوصول سلاحه السري؛ خمسون جالية كبيرة ذات أشرعة مربَّعة، مجهَّزة
بتسليح ثقيل، كانت قد أثبتت كفاءتها في الأطلنطي والعالم الجديد، ولم
يسبق لها أن ظهرت في البحر الأبيض المتوسط. كان المتوقَّع أن يعهد شارل
بقيادة هذه القوة كلها للأدميرال أندريا دوريا، الذي كان محلَّ
ثقته.
لمواجهة ذلك، استطاع بربروسا أن يحشد نحو مائة وخمسين سفينة مما
لديه، تحت قيادة دراجوت وسنان وعدد آخر من القراصنة السابقين ذوي
الخبرة والشجاعة. هنا كانت أيضًا قوة كبيرة إذا كان الكم هو كل شيء،
ولكنها لم تكن ندًّا للخَصم. كان الأسطول التركي متحدًا بينما لم يكن
المسيحي كذلك على الإطلاق. لا أحد من الفينيسيين كان سيقبل طواعية — من
البداية — أن يكون قائد الأسطول من أبناء جنوة، كذلك لم يكن هناك أي
ودٍّ مفقود بين الإيطاليين والإسبان. كان هناك كذلك خلاف حول الأهداف
البعيدة. كان «كابيللو Cappello»، قبل
أي شيء مهتمًّا بحماية الجزر الأيونية التي كانت تتحكم في مدخل
الأدرياتيكي، أما اهتمام «جريماني Grimani» الرئيسي فكان الساحل الغربي لإيطاليا وموانئ
«شيفيتافيكيا Civitavecchia»
و«أوستيا Ostia» وروما نفسها، وهي على
بُعد أميال قليلة من أوستيا أعلى التيبر. لم يكن الإسبان مهتمين بشيء
من ذلك كله. إسبانيا بعيدة جدًّا. لا شك أنهم كانوا يريدون أن يلقِّنوا
الأتراك درسًا، وبعد ذلك كانوا — قبل أي شيء — يريدون العودة إلى
بلادهم بأي جائزة يمكن الحصول عليها. الخلاف باختصار، كان يمكن احتواؤه
ولكن النفوس لم تهدأ بسبب تأخُّر دوريا وأسطوله، وهو ما أدَّى إلى
استمرار حالة السكون من أيام إلى أسابيع.
وأخيرًا لم يكن ماركو جريماني يستطيع أن يتحمَّل أكثرَ من ذلك؛ فقام
بقيادة الأسطول البابوي وخرج من كورفو متجهًا جنوبًا صوب «بريفيزا Preveza» عند مدخل «جون آرتا Arta». كان ذلك المنفذ الضخم للبحر
الأيوني، في الواقع خليجًا متسعًا أكثرَ منه جونًا. يمتد على مساحة
مائتين وخمسين ميلًا مربعًا، وتمرُّ به قناة ضيقة متمعجة في مناطقَ لا
يزيد اتساعها عن ربع الميل. كانت بذلك توفِّر ميناء طبيعيًّا غير
عاديٍّ، وكان هدف جريماني هو أن يقنع نفسَه بأن الأسطول التركي لم يكن
قابعًا هناك في الانتظار. اتضح أن الأمر كان على العكس من ذلك؛ من
ناحية أخرى كانت قلعة بريفيزا محميةً تمامًا وعازمة على القتال، وأصابت
مدفعيتها المعتدين بخسائرَ كبيرة قبل أن يلوذوا بالفرار.
لو أن جريماني كان قد أخَّر حملته أيامًا قليلة لتأكدت أسوأ مخاوفه.
لم يكد أسطوله يغيب في الأفق الشمالي حتى أبحر أسطول بربروسا من الجنوب
متجهًا صوب الجون مباشرة، وهنا بالقرب من «أكتيوم Actium»، عند نفس النقطة التي تقابل فيها أوكتافيان
ومارك أنتوني قبل ألف وخمسمائة وسبعين عامًا، بدأ يستعد
للمعركة.
لم يصل أندريا دوريا بغلايينه إلى كورفو إلا في الثاني والعشرين من
سبتمبر. آنذاك، كانت أخبار تحرُّكات حملة بربروسا قد وصلت الجزيرة،
ويوم الخامس والعشرين اتَّجه كل الأسطول إلى مكان قريب من بريفيزا.
ولكن ماذا كان عليه أن يفعل بعد ذلك؟ لو أنه أبحر في القناة الضيقة في
طابور واحد تحت قصف مدافع القلعة، ثم قصف الأسطول التركي بعد ذلك،
لكانت عملية انتحارية؛ في مثل تلك الظروف ربما كان الأفضل أن يقوم
بالهجوم على القلعة ويستولي عليها ويوجِّه مدافعه نحو الأعداء. إلا أن
دوريا رفض التفكير في هذا الاتجاه. أي خسائر كبيرة على البر سوف تُضعِف
أسطوله بدرجة كبيرة لو تبِع ذلك معركة بحرية؛ كان يعرف أيضًا أن ذلك
كان موسم العواصف الاستوائية الشديدة عندما يبلغ غدر المتوسط أقصى مدًى
له. في حال حدوث عاصفة مفاجئة — وكانت عواصف سبتمبر يمكن أن تهبَّ فجأة
وبعد أن تكون السماء زرقاء صافية — فلربما اضطُر لسحب الأسطول إلى شاطئ
محميٍّ نوعًا ما من الرياح، تاركًا أيَّ قوة برية دون دعم. كان الوضع
أقربَ إلى الورطة.
لهذا السبب، ودون شك في ذلك، أعطى دوريا أوامره ليلةَ السادس
والعشرين لرفع المراسي والإبحار جنوبًا في المياه التركية. لن يكون
أمام بربروسا، الذي كان يعي تمامًا قوة عدوِّه ولكنه يجهل وجهته، لن
يكون أمامه من خيار سوى أن يطارده، ولربما تقابل الأسطولان في عرض
البحر. إلى هذه الدرجة كان دوريا محقًّا؛ إذ عندما أبحرت سفنه بالقرب
من الساحل الغربي لجزيرة «ليوكاس Leucas» ظهر الأتراك من خليج آرتا لكي يتبعوه. كانت
مشكلته أن أسطوله الذي كان جزءٌ منه جاليهات ذات مجاذيف، وجزء آخر
غلايين شراعية، كان من المستحيل أن تكون كل سفنه معًا أثناء الإبحار
لاختلاف إمكانياتها الفنية. عندما تكون الرياح مواتية كانت الغلايين
تتقدَّم بسرعة، وعندما تتغير فجأة أو تهدأ، كانت الجاليهات إما أن
تسبقها أو تنتظرها حتى تلحق بها. وهكذا عندما كانت سفينة القيادة تدور
حول الحافة الجنوبية الغربية لجزيرة ليوكاس، كانت بعض الغلايين الثقيلة
هاجعة على مسافة أميال قليلة من نقطة انطلاقها.
تغيَّرت الرياح بالفعل. صباح الثامن والعشرين، كانت تهبُّ من ناحية
الجنوب، واصطف الأسطول في خطٍّ على امتداد الساحل الغربي للجزيرة. من
المؤكد أن تلك كانت اللحظة المواتية ﻟ «دوريا» لكي يعود وكل أشرعته في
اتجاه الشمال، ليعيد تجميع سفنه ويقابل الأتراك رأسيًّا. ولكنه بقي حيث
كان، وهو ما لا يمكن تفسيره. في الوقت نفسه قام الأسطول العثماني —
وكانت كل سفنه تقريبًا بمجاذيف — بتطويق الطرف الشمالي من ليوكاس، وكان
بربروسا في المنتصف ودراجوت يقود الجناح الأيمن، وصلاح رايس الأيسر.
وهناك أمامهم مباشرة، كانت السفينة الأكبر والأقوى والأثقل — في مثل
تلك الظروف — ومن ثَم الأكثر بطئًا في كل سفن الحلفاء. كانت تُعرف ﺑ
«غليون فينيسيا»، تحت قيادة قبطانٍ من ألمعِ شباب الجمهورية هو
«أليساندرو
كوندلمر Alessandro Condulmer»، ومسلَّحة بكمية كبيرة من المدفعية — بقدرِ ما
قد يوجد في القلعة الساحلية عادة — وكانت قادرة على الدفاع عن نفسها؛
ولكن حيث إنها كانت مستترة بجبال ليوكاس، كانت ثابتة في مكانها. أرسل
قبطانها قاربًا سريعًا إلى قائده يطلب نجدةً عاجلة.
قام بربروسا بالهجوم، ولكن أداء كوندلمر كان باهرًا، انتظر حتى أصبحت
السفن التركية المهاجمة داخل مرمى النيران، ثم بدأ يقصفها واحدةً تلو
الأخرى. إلا أنه كان يعرف أنه لن يستطيع الصمود إلى ما لا نهاية ضد
عدوٍّ كهذا. كان كل شيء يتوقَّف على سرعة وصول جاليهات دوريا، ولكنها
لم تصل. عندما تكون الرياح من خلفهم، وهو ما كان فعلًا، كان يمكن أن
تستغرق رحلتهم ثلاث ساعات على الأكثر، ونحن نعرف كذلك أن «فينسنزو كابيللو Vincenzo Cappello» و«ماركو جريماني Marco Grimani» كانا يحثان قائدهما
بقوةٍ لكي يبحرَ بأسطوله كاملًا لنجدتهما؛ وعندما وافق في النهاية كانت
قد بدأت ظلمة أول الليل، وحتى آنذاك أصرَّ على إقلاع الأسطول متخذًا
مسارًا قوسيَّ الشكل في اتجاه الغرب.
وهكذا كان على كوندلمر أن يحارب معتمدًا على نفسه ليثبت، بالمصادفة،
أن الغليون القوي مع طاقمٍ جيد التدريب منضبط حتى وإن كان لا يتحرك،
كان سلاحًا أكثرَ فعالية من أي عدد من الجاليهات ذات المجاذيف. وبناء
على ذلك، فإنه وسفنه ومعظم رجاله قد نجَوا. ولكنه لم يستطِع أن يحسم
نتيجة المعركة، وعندما أعاد توجيه سفنه إلى بريفيزا عند الغروب كان قد
استولى على الأقل على جاليتين، واحدة فينيسية والأخرى من الأسطول
البابوي وخمس سفن شراعية إسبانية. كان يمكن ﻟ «دوريا»، والرياح خلفه،
أن يقوم بمطاردة عدوِّه عند أول ضوء في الصباح التالي. كانت قواته أفضل
ونيرانه أكثر تفوقًا. كان يمكنه، دون صعوبة على الإطلاق، أن يقلب
الموازين وأن يُنزل خسائرَ فادحة بالأسطول التركي، إلا أنه بدلًا من
ذلك كله تجاهل الأمر تمامًا واتجه عائدًا إلى كورفو.
تُرى لماذا كان تصرُّف أبرز قائد بحري جنوي على ذلك النحو؟ بكلمات
مؤرخ بحري فرنسي — كان هو الآخر أدميرالًا: «لقد قام الإنجليز بإعدام
الأميرال» بينج
Bying «في ١٧٥٦م لأسباب
أوهى من ذلك.»
١٢ هل كان ذلك مجرد حقدٍ من دوريا على فينيسيا؟ وحيث إنه لم
يكن جبانًا أو أحمق، كان لا بد من أن تكون هناك خيانة أو خبث. أيًّا
كان السبب، فإن رفضه الاشتباكَ مع عدد أقلَّ منه قوةً بكثير، قد أضاع
فرصة انتصار حاسم. وبسببه فقط كان الانتصار من نصيب بربروسا، أما
الخاسر المباشر، دون أدنى شك، فكان فينيسيا.
كان قد بات واضحًا الآن أن فينيسيا لا بد من أن تدخل في مفاوضات سلام
مع السلطان بأي شروط تستطيعها. بين كل خسائرها الأخيرة، كان أكثر ما
أصابها بالشلل ما حدث ﻟ «نوبليا Nauplia» و«مالفاسيا Malvasia»، آخر مراكزها التجارية مع البيلوبونيز، التي
كانت مستعدة لدفع فدية (ثلاثمائة ألف دوكاتية) لاستعادتها. كان ذلك
مبلغًا كبيرًا بكل المقاييس، وكان يُعتقد أن سليمان سيكون سعيدًا ويقبل
بذلك. اتضح أنه لم يكن من ذلك النوع، وفي ١٥٤٠م كانت فينيسيا مضطرةً
لقبول اتفاقية بشروطٍ أكثرَ قسوةً مما كانت تتصور. كان المبلغ الذي
عرضته من قبلُ مطلوبًا الآن منها كتعويض عام، أما مسألة عودة نوبليا
ومالفاسيا أو غيرها من المناطق التي فُقدت في السنوات الثلاث السابقة،
فلم تكن مطروحة للنقاش. في المستقبل كذلك، لن يكون مسموحًا للسفن
الفينيسية بدخول الموانئ التركية أو مغادرتها دون تصريح. كانت ضربة لن
تفيق منها الجمهورية، ولكنها كانت تعبِّر عن وضعٍ يحمل المزيد من القلق
للبحر الأبيض المسيحي. في كل مكان، كان يزداد وضوحًا أن زمن التوسعات
قد انتهى، وأن أيام الانكماش بدأت. كان شكل التجارة يتغير بسرعة؛ وحتى
بالرغم من أن الآثار الاقتصادية غير المواتية لم تكن بالسوء الذي كان
يخشاه المتشائمون، لم يكن هناك بوادرُ تؤدي إلى التفاؤل — كان «التركي»
على الأبواب، يزحف، شهيته مفتوحة؛ أما الغرب المسيحي فكان قد فشل في
مواجهته بأي قدرٍ من المقاومة الجماعية.
•••
بربروسا الآن في الخامسة والخمسين تقريبًا. ما زال أمامه نحو سبع
سنوات في خدمة سلطانه، سوف يبرهن فيها على ذكائه كما كان دائمًا، ولكنه
من الآن فصاعدًا سيكون عليه أن يقاتل إلى جانب حليف جديد … غير
متوقَّع. فرانسيس الأول ملك فرنسا!
قبل عامين، أي في ١٥٣٦م، كنا نرى أسطولًا تركيًّا يقضي فصل الشتاء في
ميناء مرسيليا؛ وفي السنوات التالية كانت العلاقات بين القوتين — وهو
ما كان مثيرًا لامتعاض بقية أوروبا المسيحية وعدد كبير من الفرنسيين
أنفسهم في الحقيقة — تبدو أكثر مودةً على نحوٍ مضطرد. بالنسبة ﻟ
«فرانسيس»، كان هناك الآن حليف ثمين على استعداد أن يحارب له معركته مع
الإمبراطور؛ وبالنسبة ﻟ «سليمان المعظم»، كانت تلك فرصةً نادرة لشق
صفوف العالم المسيحي، على نحوٍ غير مسبوق.
ثم كان في ١٥٤٣م أن تحرَّك هذان الحليفان غير المتوقعين ضد عدوهما
المشترك، ولكنهما عندما فعلا ذلك تحرَّكا بقوة. في مطلع صيف ذلك العام
نفسه، قام أكثر من مائة سفينة تركية بالهجوم على شارل في الجنوب
الإيطالي، أكثرِ أماكنَ وجود قواته ضعفًا. اندفعت السفن جنوبًا لتكتسح
ريجيو (حيث قام بربروسا بأسرِ ابنة حاكمها، ثم تزوَّجها بعد ذلك، كما
تقول إحدى الروايات)، ثم تعبر مضايق مسيني وتهجم، بلا رحمة، على ساحل
كالابريا، مع عمليات سلب ونهب أينما ذهبوا. عند وصولهم إلى
«جاييتا Gaeta» اقتحموا القلعة
واستولوا عليها ونشروا الخراب والفوضى في المدينة. بعد أيام قليلة
ظهروا عند مصب نهر التيبر، ليقتحموا شيفيتافيكيا قبل أن يتجهوا صوب
الشمال الغربي إلى مكان لقاءٍ في مرسيليا، كان قد سبق الاتفاقُ عليه مع
الفرنسيين.
إلا أن المتاعب بدأت. لم يكن هناك أيُّ دليل على وجود مخازن ومواد
تموينية، كان بربروسا قد طلبها وكان يعتمد عليها، وهو ما كان فرانسيس
قد وعده بأن يجدها في انتظاره هناك. حاول ممثل الملك وقائد جاليهاته
دوق إنجيا Duke of Enghien أن يعتذر،
وكذلك كل مَن حاول بربروسا الاتصال بهم من كبار القادة الفرنسيين،
الذين كانوا يُظهِرون للقرصان السابق احترامًا وتوقيرًا مُبالغًا فيه.
إلا أن بربروسا لم يكن ليخفيَ استياءه ولا احتقاره لذلك الإهمال الذي
لا يُغتفر. كان غاضبًا لدرجةِ أنه رفض اقتراح إنجيا بأن يبحر الأسطول
المشترك شرقًا بحذاء الساحل إلى «نيس Nice». هذه المدينة، التي كانت تنعم بالسلام والرفاهية
منذ أواخر القرن الرابع عشر تحت حكم دوقات سافوي، أصبحت هي سبب وموضوع
الخلاف بين شارل وفرانسيس منذ بدأت المنافسة بينهما. كانت هذه المدينة
تواجه الآن أعنفَ قصف في تاريخها.
إذا كان هناك في تلك المدينة
مَن يتذكر حصار أغسطس ١٥٤٣م، فلا بد من أن يكون ذلك بسبب بسالة بطلتها
المحلية. في الصباح الباكر يوم الخامس عشر من أغسطس قام بربروسا وإنجيا
بفتح ثغرة في سور المدينة بالقرب من أحد الأبراج الرئيسية؛ وكانت
الحامية على وشْك الفرار عندما قامت امرأة محلية تُدعى «كاترينا سيجورانا Caterina Segurana» وعددٌ من
الرجال الشجعان الذين دعتهم لمساعدتها، بسدِّ الطريق أمام أفراد
الحامية وأجبرتهم على التوقف. تم إنقاذ المدينة مؤقتًا، ولكن كان كلُّ
ما فعلته كاترينا أن أخَّرت ما كان حتميًّا، لبعض الوقت. بعد أسبوع
واحد فحسب، استسلم القائد رسميًّا يوم الثاني والعشرين من أغسطس. بهذا
الفعل، كان من حقِّه — كما كان متوقعًا دون شك — أن يحصل على شروطٍ غير
مهينة؛ غير أن المدينة، في غضون يومين، كانت عرضة للسلب والنهب … ثم
أُضرمت فيها النيران. سيقع اللوم، حتمًا، على الأتراك، ولكن المؤكد أن
الجنود الفرنسيين كانوا هم المسئولين. كان ذلك أيضًا هو رأي
«الماريشال دي فييفي Maréchal de
Vieilleville» عندما أملى مذكِّراته في ١٥٧١م، قبل
وفاته بوقت قصير:
«نُهبت مدينة نيس وأُحرقت، وهو أمرٌ لا يمكن أن يكون بربروسا أو
المسلمون مسئولين عنه؛ لأنه عندما حدث ذلك كانوا بعيدين … أُلقيت
مسئولية هذه الفظائع على بربروسا المسكين لحماية شرف فرنسا … وشرف
المسيحية في الحقيقة.»
وبالرغم من أن الأسطول العثماني عاد إلى طولون للبقاء هناك حتى
انقضاء فصل الشتاء، فإن الاستيلاء على نيس، كان أول وآخر عملية مشتركة
بين التحالف الفرنجي-التركي. في ١٥٤٤م، عَقد فرانسيس حلفًا مع عدوِّه
القديم شارل الخامس، وعاد خير الدين بربروسا إلى القسطنطينية عودةَ
الأبطال — ناهبًا ومخرِّبًا في طريقه «إلبا
Elba» و«بروكيدا
Procida» و«إسكيا
Ischia» و«ليباري
Libari» و«الجزر
الإيولية
Aeolian
Islands»، وكانت كلُّها أراضيَ إمبراطورية. بعد عامين،
توفي وكان في الثالثة والستين. بعد فترة قصيرة، أصبح حسن، الابنُ
الوحيد المعروف لنا، حاكمًا على الجزائر، المملكةِ التي كان أبوه
وعمُّه قد أسَّساها؛ ولكن الخليفة الحقيقي للرجل العجوز كان
«دراجوت
Dragut»، الذي كان نائبًا له
لفترة طويلة، والمعروف ﺑ «الخريطة الحية للبحر الأبيض المتوسط»، وهو
الذي أكمل عمله. كان دراجوت هو الذي انتزع طرابلس من أيدي فرسان سان
جون،
١٣ وهو الذي، بعد تسع سنوات، سيهزِم أسطولًا إسبانيًّا، كان
قد أُرسل لإزاحته، هزيمةً منكرة. بعد ذلك سيكافَأ بسلطنة طرابلس، لن
يعلق سيفه قط؛ ففي ١٥٦٥م، وهو في الثمانين من العمر، سيُقتل في الميدان
أثناء حصار مالطة.
أما حصارُ مالطة هذا … فتلك قصةٌ أخرى.
هوامش