الطفل مَلِك صغير
•••
كل شيء له، وكل ما وقَعَتْ عليه عينه فهو داخل في ملْكه، ما يَحُوز أَحَدٌ دُونَه شيئًا، ولا يملك أَمْرٌ عليه أمرًا، وإذا أَمَرَ فَقَدْ وَجَبَت الطاعة، في التو والساعة، مهما جَلَّ المرام، وتَعَذَّرَ حتى على الرُّؤَى والأحلام، أين منه سليمان في مرامه، وقد تَعَاظَمَهُ انتظار عَرْش بلقيس قبْل أن يَقُوم مِنْ مَقَامِه؟!
ناعم في ملكه غير مُعَنًّى بجهد في تدبير، ولا مكدود بعبء كبير ولا صغير.
•••
هو كَأَهْل الجنة، لا يخاف وناهيكَ بما يورث الخوفُ من الأسقام.
ولا يرجو وناهيك بما يُعْقِبُ فَوْتُ الرجاء من الآلام، ولا يحزن ولا يأسى، ولا يَجْزَع ولا يشقى، وما له يَفْعَلُ وقد كفل الأمان، من صرف الزمان؟!
هو دائمًا في أمان أيِّ أمان، أليست ترعاه العيون، وتحوطه القلوب، ويحْرُسُه «اسم الله»؟ ومَنْ يَحْرُسه اسمُ الله لا يناله بالأذى إنس ولا جانٌّ.
•••
يفعل ما يشاء، فلا يَرْقَى إليه حساب، ولا يتأثَّم من شيء فهل يَلْحَقُه عاب؟ كلا فقد عزَّ على الشك وعلا على الارتياب!
•••
يُسَرُّ فتُسَرُّ الدنيا، ويمرح فتمرح، كل شيء رَهنٌ به، وكل شيء حَبْس عليه، ينام فتَخْفِتُ الأصوات، وتتعلق الأنفاس، ويستيقظ فيَهُبُّ النائم، وينبعث الجاثم، فكل إنسان له عبد وكل شيء له خادم!
•••
وجْهُه ولو شاهَ أَجْمَلُ وجه، وخَلْقُه وإن تَنَكَّر أَحْسَنُ خَلْق، طِلْعَتُهُ أبهى من البدر، ورِيحُهُ أزكى من العطر، وإقبالُهُ أسعد من إقبال الدهر، كأنما صُوِّرَ من نفس مَنْ ينظر إليه، وكأنما صُبَّ من قَلْبِ من يحنو عليه، وأيُّ الناس لا يحنو عليه؟
أما صَوْتُه في لغوه، فأحلى من صوت الهَزَار في زجله وشَدْوِه، إذا تَبَسَّم فكأنما أشرق من الروضة آسُها، وإذا لغا فكأنما تَرَنَّم من الحُلِيِّ وَسْوَاسُهَا.
•••
هو نفسه للرعية، أَعْظَم متاع وأكْبَر أمنيَّة، مُحَبَّب أحْسَنَ أم أساءَ، وهو مَعْقِد الرجاء أنَّى ذَهَبَ وأنى جاء.
هو مَلِك كبير، أما عَرْشُه فأحنى الصدور، وأما سريره فأوْثَرُ الحجور، وأما سِمَاطُه فممدود، على القلوب تارةً وتارةً على الكبود، وأما في مَرَاحه ومَغْدَاه، فأعز المطايا مطاياه، وتلك لَعَمْري كرامة خصَّه بها الله!
•••
أسعدك الله أيها الطفل وأصَحَّكَ ورَشَّدَك، حتى تضطلع بنصيبك من الأعباء، كما اضطلع بعبئك أنت الأمهات والآباء، ما سألوك فيه أجرًا، ولا اقتضوك عليه شكرًا، اللهم آمين.