محمد بك المويلحي١
قبل أن أتحدث عن هذا الرجل الذي يجب أن يتحدث عنه مدوِّنو تاريخ الأدب العربي في العصر الحديث، قبل هذا أُحِبُّ أن أقول في هذا الباب شيئًا عامًّا، ذلك بأننا اعتدنا أن نغفل الكلام في سيرة من عاصرناهم، ورأيناهم ولابسناهم، إلا أن يكون القول من جنس هذه المراثي التي تُضْفَى فيها حُلَلُ الثناء، ويُكَالُ فيها المديحُ في العادة بغير حساب، ولقد يكون هذا الثناء حقًّا أو قريبًا من الحق، بحيث لا يؤذي التاريخَ في كثير ولا قليل، ولكنه لا يمكن أن يَجْلُوَ على الأجيال المستقبلة شيئًا من حقيقة الرجل، لأن الكاتبين في هذه الحالة لا يُعْنَوْنَ ببسط حياة الرجل، وظواهر خلاله، والعوامل البارزة في تكوينه، ومطبوع عاداته، ولو ما يتصل منها بالأسباب العامة، وذلك من أيسر الأمور، لأنهم عرفوه بالمشاهدة، واستيقنوه بالملابسة وطول الاختبار، وهذا ولا شك مما يُهَيِّئ للقادمين دراسته وتحليله دراسةً إن لم تَنْتَهِ إلى أصدق النتائج، فهي أدنى إلى الصدق من غيرها على كل حال.
وليس يَذْهَبُ عن القارئ أن إهمال المعاصرين على هذا النحو لا بد مُفْضٍ إلى إحدى حالين: إما إلى إدراج كثيرين من رجال الآداب والفنون في مطاوي النسيان، أو التحيُّف من أقدارهم بقدر كثير أو قليل؛ وإما إلى تجليتهم إذا تراخى الزمان في غير صورهم، ونَحْلهم صفات وخلالًا لم تكن لهم، بحكم العنعنة في رواية الأخبار، والاتكاء في تحليل نفس الرجل على ما صَدَرَ عنه من الآثار، وكثيرًا ما يَضِلُّ الباحث المستنتج في هذا أبعدَ الضلال، هذا إلى ما في مُعاناة مثل تلك البحوث من إضاعة للوقت، ونفقة من الجهد، وتجشم للعناء.
وأغلب الظن في هذا الإغفال من المعاصرين لمن عاصروهم من رجال الفنون والآداب، أنه يرجع إلى أن الرجل العظيم قلَّ أن يراه معاصروه بالعين التي يراه بها الخالفون، فهو في الغالب إذا استحقَّ منهم ترديدَ ذِكْره، والهتافَ باسمه، وتدوين سيرته، فقلَّ أن يُعْنَى أحدٌ بتقصي عاداته، والتسلل إلى مداخله، وعرض ما يُلَابس الأسبابَ العامة من سائر أموره، أو لأنهم لا يُعْنَون بهذا لأنه حاضر لمعاصريه قريب منهم، فهو في حكم المبذول الذي يَنَال منه من شاء أن ينال، ولا شك أن في هذا ضَرْبًا من الغفلة عن أن الحاضر سيغيب على الزمن، وأن المبذول سينقبض، وأن ما في متناول اليد اليوم ستَتَقَطَّع من دونه غدًا علائق الآمال!
ولقد يسكت النَّقَدَةُ عن تقصِّي ذلك عمْدًا، والتلبث بتحليل الرجل ورَدِّ العوامل في تكوينه إلى مناجمها، حتى ينطويَ الزمن عليه وعلى أهله، وعلى أشياعه وخصومه من معاصريه، فيتهيأ الجو للبحث والتحقيق، لا رغبة ولا رهبة فيه، فيكون البحث أنْوَرَ وأصفى، وتخرج النتائج أدق وأوفى.
وهذا مذهب في الرأي له أَثَرُه وله خَطَرُه، بالرغم من أنه يفوِّت على المؤرخ المدقق من عناصر الحكم ما قد يُسيء في بعض الأحيان إلى حُكْمِه، فإذا هو طلبها تصحيحًا لِبَحْثِه، فلن ينالها إذا نالها صادقة إلا بعد أن يتجشم في سبيلها عَرَق القِربة كما يقولون.
على أنني في هذا لا أذهب إلى القول بنشر المعايب، واستظهار المكاره، حتى لا يُثِير المدون ثائرة الأهل والصحاب والأنصار، إنما أريد أن يجلو المعاصر، من غير ذلك، كل ما له خَطَرٌ في تكوين الرجل، فإذا كانت هناك مغامز لا ينبغي إغفالها في تجليته وتحليله، فليسجلها على أن يكتُمَها حتى يُجَلِّيها لوقتها، أو يُجَلِّيها مَنْ بَعْدَه من الأعقاب.
وعلى أي حال فإن إغفال هذه الأمور التي نَحْسَبُها في غالب الأحيان من التوافه، كثيرًا ما يُخِلُّ بحق التاريخ، ويفضي إلى الجهل بالجم من حقائق الأشياء، ولست أجد في الباب مثلًا أَيْسَرَ ولا أدنى إلى الحسِّ من أننا، لولا مهبط البعثة العلمية التي صَحِبَت الحملة الفرنسية في سنة ١٧٩٨، ما اهتدينا بسهولة أو ما اهتدينا أبدًا إلى أزياء جدودنا وسَمْتِهم من قرن وثلث قرن من الزمان، فكيف بمن هم أعلى من هذا وأبعد في مذهب التاريخ؟
ولو قد عُنِيَ أهل كل عصر بأن يحفظوا لِخَلَفِهِم نماذج من ثيابهم، وآلاتهم في سائر حوائجهم، وفَعَلَ هؤلاء مِثْل فِعْلِهم، لظلت سلسلة الأزياء واضحةً على وجْه الزمان.
ولولا أن معاصري هذا وهذا أثبتوا لكل منهما ما أثبتوا لزلت فيهما الأقلام، وضلت الأوهام!
•••
بعد هذا آخُذُ في حديث أستاذي ورئيسي وصديقي، العالم الفيلسوف الأديب الكاتب الناقد، السيد محمد بك المويلحي، رحمة الله عليه.
من أكثرَ من ثلاثين سنَةً خلَتْ، ولَمَّا أَزَلْ بعد في أيام الفتوة، وفي صدْرِ طلب العلم في الأزهر، صَدَرَتْ في مصر جريدة أسبوعية سياسية أدبية باسم «مصباح الشرق» في أربع صفحات دون صفحات الجرائد التي تصدر الآن مساحة، ولونُ ورَقِهَا يَضْرِب إلى الحُمرة، ويقوم بتحريرها إبراهيم بك المويلحي وابنه السيد محمد المويلحي، وكانت عامة الصحف الأسبوعية قد وصلت في ذلك العهد من المهانة والفسولة والإسفاف وتفاهة الموضوعات إلى أبعد الحدود.
مصباح الشرق
لقد كان هذا «مصباح الشرق» شيئًا طريفًا حقًّا، لقد كان أبلغ من طريف فإنه لأعجوبة حقًّا، لقد كان «مصباح الشرق» أبلغ من أعجوبة، إنه لشيء يكاد يتصل بحكم الخوارق في تلك الأيام!
بلاغة بليغة، ولفظ جَزْل مُتَخَيَّر وديباجة مشرقة، وصيغ مُونِقة، ونَسْج متلاحم، وأسلوب ليس وراءه في هذا الذي يدعونه السهلَ الممتنع.
أدب بارع، علم وفلسفة، وبحوث رائعة في سياسة الأمم، وفي الأخلاق وعلوم الاجتماع، منها المبتكَر المنشَأ، ومنها المترجَم من مختلف اللُّغَى، في عبارة عربية بليغة سَلِسَة ناصحة واضحة لا تَسْتَرْوِح منها أي ريح للاستعجام، هل رأيت قط ترجمات السابقين في عصر بني العباس؟
مذهب طريف في النقد، نقد الأشخاص، لا عَهْدَ للأدب العربي به من قديم الزمان؛ بل لعله لا عهد له به من أول الزمان!
لم تَكَدْ تُطَالع الناس هذه الصحيفة الدقيقة الجرم مرتين أو ثلاثًا حتى أصبحت من بعض شُغْل الخاصة في هذه البلاد!
لا يدخل الأصيل في يوم الخميس من كل أسبوع إلا وقد زاغَتْ أبصارٌ، وتكَرَّشَتْ جباهٌ، وتقلَّصَتْ شِفَاهٌ، وتداركَتْ أنفاسٌ، ووَجَفَتْ قلوب، هل رأيْتَ انفلات الطائر بعد طول الاحتباس؟ كذلك كان يترقب الخاصَّة مَشْرق «المصباح» وسرعان ما تخطفه اليد الراجفة فتشقه، وسرعان ما يشيع البصر كله في مساحة النقد كلها، لا يستقر على موضوع خاص، ولا يتحيز في حديث معين، بل إنه لينساح على الصفحة كلها انسياحًا ليدرك قبل رد الطرف: أشَكَّ المويلحي اسم صاحبه فيمن شك أم أرسله في جملة الطلقاء؟! حتى إذا اطمأنَّ الرجل إلى أنه قد كُتِبَتْ له السلامة لجُمْعَتِهِ، ألقى الصحيفة بين يديه، وجعل يُطَامِنُ من نَفْسه، ويَبْسط من خَلقه ما تَقَبَّض، ويُفْرِخ من روعه ما تَحَبَّس.
وإذا كان هذا شأنَ من لم تُصِبْ منهم أقلام المويلحيَّيْنِ، فاحكم أنت — عَصَمَنَا الله وإياك — كيف كانت حال من تَنَال منهم هذه الأقلام؟ على أنه مما ينبغي أن يُذكر هنا، أن «المصباح» لم يكن يَعْرِض قَطُّ لأعراض من يَتولاهم بالنقد، ولا يَتَدَسَّس إلى مكارههم، أو يَتَتَبَّع عوراتهم، بل لا يتناول من أمورهم إلا ما كانوا يَعْرِضُونَه هم من ذات أنفسهم، أو ما يَدُلُّون هم عليه بآثارهم وظاهر أعمالهم؛ فلقد كان «المصباح» أجلَّ من ذاك موضعًا، وآنَفَ كرامة.
وإنه ليستحدث لونًا طريفًا من النقد لا عهد لأدب مصر به، بل لا عهد به للأمم العربية جمعاء، وهذا النوع من النقد يقوم في الجملة على التماس الجانب الضعيف في أثر الرجل، فيعرضه بالقلم في صورة «كاريكاتورية» يزيد في تشويهها ما يَتَوَافى لذلك الذهن الدقيق من ألوان التشبيه، وما يَحْضُره من فنون الاستشهاد والتمثيل، ولا يَبْرح يمط الموضوعَ في هذه الناحية بالتوليد، وطلب المناسبات القريبة، والملابسات الدانية، تَسندها النكتةُ البارعة، ويُسْعِفُها التنَدُّر البديع، حتى ينتهي إلى ما لا ينتهي إليه أحدٌ من الناقدين!
ولقد كان هذا من «مصباح الشرق» الأصل الثابت لهذا اللون من النقد — أعني النقد «الكاريكاتوري» في مصر — كما كانت صحيفة المويلحيَّيْنِ «أبو زيد» أولَ ما عُرِفَ فيما أعرف أنا من التصوير «الكاريكاتوري» في هذه البلاد، ولعلِّي ألمع إلى هذه الصحيفة في بعض هذا الكلام.
لم يَنْتَهِ خَطْب «مصباح الشرق» إلى هذا الموضع فحسب؛ بل لقد كان — على أنه صحيفة لا تظهر في جميع الأسبوع إلا مرة واحدة — يروي من جلائل الأخبار في الأسباب العامة ما لا تبلغه الصحف اليومية، على شدة ارتصادها لمثل ذلك، وإذكاء عيونها الكثيرة في طلبه وتقصيه، فكانت أمهات الصحف اليومية لا تتحرج، في كثير من الأحيان، من نشر مهام الأخبار نقلًا عن صحيفة «مصباح الشرق» الأسبوعية مضافة إليها معزوة لها، وفضْلُ «المصباح» في هذا السبق العجيب إنما كان لجلالة مَحَلِّ إبراهيم بك المويلحي عند أُولِي الأمر كلهم، وخفة روحه، ولطف مدخله، وسعة حيلته، حتى ليستخرج منهم بهذا ما لا يَخْرُجون عنه لغيره من رواة الأخبار!
ولا أُحِبُّ أن أجوز هذا الموضع من الكلام قبل أن أقول إن «المصباح» أولُ من جلا للناس براعةَ الجاحظ وعبقرية ابن الرومي بما كان يختاره لهما من بدائع المنثور وروائع المنظوم، قبل أن تَقَع العيونُ من آثارهما على كتاب أو ديوان، وأول من عالج النقد الأدبي لما تنتضح به قرائح الشعراء، وأعني به ذلك النقد الرفيع الغالي، الذي جمع بين أساليب النقد في أزكى عصور العربية، وبين طرائقه التي اختطها نَقَدَة الغربيين في هذا الزمان.
وعلى الجملة، فلقد فتح «المصباح» في الأدب العربي فتحًا جديدًا، وأمسى «مصباحًا» حقًّا يهتدي المتأدبون بسناه إذا أرسلوا القول أو اجتمعوا لنظم الكلام.
وبهذا وهذا أصبح «مصباح الشرق» أفخر مدرسة لطلب الأدب الرفيع الجزل الطريف في هذه البلاد.
ومما ينبغي أن يُذْكَر في هذا المقام أن جماعة الشعراء قد تعاظَمَتْهُم سطوةُ «المصباح» في باب النقد، فحسبوا له كل حساب، ويا ويل من لا يَتَحَرَّى مِن الشعراء البارزين ما لا يبلغه الجهد كله من التدقيق والتجويد والإحسان.
وإني لأكتفي اليوم من حديث السيد محمد المويلحي بهذا القدر، على نية العودة إليه في القريب، إن شاء الله.
لست أغلو إذا زعمت أنني في مطلع نشأتي الأدبية كان «مصباح الشرق» عندي هو المثل الأعلى للبيان العربي، وبهذا كنتُ شديدَ الإكباب على قراءته، وتقليب الذهن واللسان في روائع صيَغِه وطرائف عباراته، حتى لقد كنت أشعر أنني أتَرَشَّفُها تَرَشُّفًا لتدور في أعراقي وتخالط دمي، وتطبع ملكتي على هذا اللون من البيان الجزل السهل الناقد الطريف، ولكن «ما كل ما يتمنى المرء يدركه»!
ولقد كنت فتى مولعًا بالصناعة، شأن أكثر نابتة المتأدبين في ذلك العهد، فلما أرسل محمد المويلحي في المصباح: «أحاديث عيسى بن هشام» زادني وزاد لِدَاتِي به فتونًا.
كيف تمثل لي محمد المويلحي؟
لم تكن عيني إلى هذا العهد قد وقعت قط على محمد المويلحي، ولا خيار للمرء في تَمَثُّل صورة من لم يَرَ من الأناسي، وما لم يشهد من البقاع، فكانت الصورة التي جلالها عليَّ الخيالُ لهذا الرجل، صورة شاب معتدل القد، وضيء الطلعة، وسيم الوجه قسيمه، وما كان ذلك البيان الجوهري ليجلُوَ عَلَيَّ من الرجل غيرَ ذلك، على أنني كنت أرى أباه إبراهيم بك الحين بعد الحين في زياراته لوالدنا، عليهما رحمة الله، وفي زيارات والدنا له «بعمارة البابلي» يوم كُنْتُ أصحبه، وكان هذا المويلحي الكبير تحفةً من تحف العصر التي قَلَّ أن يجود بمثلها الزمان: قوة لسن، واشتعال ذهن، وحضور بديهة، وسطوة نكتة، وسعة علم بالزمان وأحوال الناس، أما سرعتُه وتوفيقه في إيراد الشاهد من عِبَر التاريخ، ومأثور الآداب من منثور الكلام ومنظومه، فهذا ما لم يتعلق بغباره فيه أحد، فكان مجلسُه متاعًا من أعظم المتاع.
على أنني لم أُوَفَّقْ إلى رؤية المويلحي الابن مرةً واحدة!
وتتابعت السنون، وخلص تحرير «المصباح» إلى محمد، ثم امتحنه القدر بحادثة اعتداءٍ يسير عليه من بعض الطُّيَّش من أبناء «الذوات» في إحدى القهوات، وانتهى الخبر إلى المرحوم الشيخ علي يوسف، وكانت في صدره مَوجِدة شديدة على محمد وعلى أبيه لما كان بينه وبينهما من كيد وصراع، فانتهز الفرصة، وروى الحادثة في صورة مَهُولة، واستدرَج الكُتَّابَ والشعراءَ للقول فيها، وفسح لهذا في المؤيد مكانًا عريضًا، ومن ذا الذي لم يكن مَوْتورًا من المويلحي؟ ومن ذا الذي لم يقدر الوتر منه في مستقبل الأيام؟ وإذا كان الرجل عاجزًا عن أن يخرج للمويلحي وحدَه، فهذه جموع الأدباء والشعراء والعلماء أيضًا قد تداكَّت لقتاله بكل ما في أيديها من سلاح! ألا فليتقدم لطعن المويلحي من شاء أن يتقدم، فليس على أحد في قتاله اليوم من بأس!
ولقد تم للمويلحي من هذا بعض ما أراد أو كل ما أراد، فلقد كان ممن أثاروا الثائرةَ على الشيخ علي يوسف أيام حادث الزوجية المشهور، وفتح له في جريدة «الظاهر» بابًا مثل ذلك الباب، واستدرج له أقلام الشعراء والكتاب، وواحدة لواحدة كِفَاء!
متى رأيت المويلحي وكيف اتصلت به؟
بين سنتي ١٩٠٧ و١٩٠٨، لا أذكر على التحديد، سألت صديقًا حديث العهد بصداقتي، ولكن وده للمويلحي قديم، سألتُهُ وتمنيتُ عليه أن يجمع بيني وبينه، وما كان أبلغ دهشي واغتباطي حين قال لي: إن المويلحي قد طالعه بأنه يحب أن يراني، ولعله عَرَفَ بي من أيام كنت أُرْسِل القول في الشيخ في فتنة الزوجية شعرًا ونثرًا، (وأسأل الله أن يغفر لي هذا)، وتواعدنا أن نذهب إليه في الأصيل.
ولقد أفرد زاويةً من زوايا الحديقة للغزلان والطواويس وجماعات الطير من كل غرد صدَّاح.
ويستقبلني رحمة الله عليه بالبشر والتأهيل والترحيب، وإذا بي إزاء رجل حِنْطِيِّ اللون، بين الطويل والقصير، والسمين والهزيل، مستطيل الوجه، عريض الجبهة، حاد العينين، مستوي الأنف، له فم قريب إلى الفوه في غير قبح ولا استكراه، إذا تمثل واقفًا لَمَحْتَ في ساقَيْه تقوسًا خفيفًا لعله دخل عليه من أنه عالج المشي قبل أن تَصْلُب عظامُه، وله إذا تَحَدَّث صوت لا أقول خشن، بل أقول جَزْل، فإذا أقبل على القراءة زَرَّ عينه اليسرى، فبانَ التكرُّشُ الشديد في مَعْقِد ما بين أعلى العارض وأسفل الجبين، وهذا التكرُّش لا شك كان من أثر السنين، وإن كان يخفيها في المويلحي شدةُ عنايته بصحته، وتكلفه ألوانًا من علاج البدن بمأثور الوصفات، والتزام الحِمْيَة في كثير من الأوقات، وأخْذ النفس بالراحة التامة ما تَسْتَثِيرُهُ أزمة من الأزمات، ولا يَسْتَدْرِجُهُ مجلس لَهْوٍ، ولا تَقْنِصُهُ داعية لذة من اللذات؛ وبهذا تهيأ له أن يحيا في مثل نَضْرة الشباب إلى الممات.
وخُضْنا في أحاديث من أحاديث الأدب، ولَوَّنَّا الكلام تلوينًا حتى تَجَاوَزْنَا نصف الليل، وتَفَارَقْنَا وكأن حبْلَ المودة بيننا ممدودة من عشرين سنة، وتواعدنا اللقاء ما تهيأ لنا، وكذلك استمكن الإلف، واستوثقت حبال الود، فما نتفارق إلا على موعد من لقاء قريب، ولقد أعيش معه اليومين والثلاثة نقرأ عامة نهارنا وصدرًا من ليلنا كتبًا، أو نتذاكر أدبًا.
وكان ممن يختلفون إلى داره مَغْرِب الشمس عادة بعض أقطاب العلم وأصحاب الرأي والبيان والبداءة المواتية، وأذكر منهم المرحومِينَ: عمه السيد عبد السلام باشا المويلحي (سر تجارب مصر)، والسيد محمد توفيق البكري، والشيخ علي يوسف، بعد إذ تَصافت القلوبُ مما كان علق بها من الأضغان، والسيد محمد البابلي، ومحمد بك رشاد، وحافظ بك إبراهيم، وعبد الرحيم بك أحمد، وحافظ بك عوض، والسيد عبد الحميد البنان، أحياهما الله أطيب الحياة؛ وخُذْ ما شِئْتَ في أثناء هذه المجالس من أدب رائع، ومن نادرة طريفة، ومن حاضر نكتة قل أن تَسْخُوَ بمثلها الأذهان.
ولقد كنا نقضي معًا عامة الصيف في مدينة الإسكندرية، ولعل من أسعد هذه الأصياف ذلك الذي قضيناه معًا في فندق في ضاحية المكس خالِصَيْنِ للرياضة ومراجعة الكتب في مختلف الآداب، لا ننحدر إلى صُلْب المدينة إلا لقضاء سهرة مونقة مع آثر الصِّحاب، كما عشنا معًا في شتاء سنة ١٩١١ و١٩١٢ بضعة أشهر في دار استأجرناها في حُلْوَان.
وفي سنة ١٩١٠ قُلِّدَ في ديوان «عموم» الأوقاف منصب رئيس قسم الإدارة والسكرتارية، وفي يناير من سنة ١٩١١ عُيِّنْتُ في «قلم السكرتارية»، وللمويلحي في هذا التعيين سَعْيٌ غير منكور، وبهذا أصبح لي رئيسًا، كما كان لي أستاذًا وصديقًا.
ولقد ظل الوُدُّ بيننا موصولًا حتى قُبِضَ إلى رحمة الله.
نشأته ودراسته
هو السيد محمد المويلحي بن إبراهيم بك بن السيد عبد الخالق المويلحي، أصلهم من مرفأ المويلح ببلاد العرب، هبط جدودهم مصر من زمن غير قصير، وكانوا يتجرون في صناعة الحرير؛ وهم أهل نعمة وثراء، ولقد أَتْلَفَ أبوه إبراهيم كلَّ ما كان في يده من الأموال، فلم يَنْزَلِق عنه لبنيه إلا نطاف من الاستحقاق في بعض الأوقاف.
وما أحسب محمدًا تَجَاوَزَ في الدراسة المنظمة التعليم الابتدائي، ثم جَعَلَ يتعلم على أبيه، ويُكِبُّ على قراءة الكتب في العلوم والآداب، ثم اتَّصَلَ بأئمة العلماء وأقطاب أصحاب الأدب، من أمثال السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والشيخ حسين المرصفي، ومحمود باشا سامي البارودي، وغيرهم من أعلام عصره، فحذق العربيةَ وبرع فيها، وجَوَّدَ البيان أيما تجويد، وهيأ له جِدُّهُ واضطرابه في أسفاره بين الشرق والغرب تجويدَ اللغات الفرنسية، والتركية، والإيطالية؛ كما أصاب حظًّا من الإنجليزية واللاتينية، وكان كثير القراءة إلى غاية الممات، فلا تكاد تَقْتَحِم عليه إلا رأيتَه يعالج بالتنسيق حديقته، أو يقرأ في كتاب عربي، أو في كتاب يجري في إحدى هذه اللغات.
ولقد سألتُهُ ذات يوم عن أحسن الفُرَص التي هيأَتْ له أعْظَمَ حظ من العلم، فقال: كنت في الآستانة في ضيافة رجل فاضل يُدْعَى سليمان أفندي، وكانت عنده خِزانة كُتُب تُعَدُّ من أفخر خزائن الكتب الأهلية، فلبست ثيابي ذات عَشِيَّة تأهبًا للخروج كعادتي لأسهر في بعض ملاهي المدينة؛ وتفقدْتُ كيسي فإذا هو صِفْرٌ من الدِّرْهَمِ، فَنَضَوْتُ ثيابي ثانية وقُلْتُ باسم الله، ولَبِثْتُ عاكفًا على قراءة الكتب، لا أبرح هذه المكتبة إلا للنوم أو لغيره من حاجات الحياة، وظَلَلْتُ على هذه الحال ستة أشهر وبعض الشهر، حتى أَذِنَ الله بالفرج، وجاءني من المال ما هيأ لي استئناف الحياة مع الناس!
ومن يعرف صبر المويلحي، وشدة حمله على نفسه، لا يستطيع أن يُنْكِر منه هذا المقال؛ وسألم إن شاء الله بهذه الخلة العجيبة فيه عند الكلام في عاداته وأخلاقه، وحسبي هذا الآن، فقد أَطَلْتُ الحديث؛ وإلى الملتقى القريب.
تَتِمَّة في نشأته ودراسته
لقد عرفْتَ مما قَصَصْنَا عليك أن هذا الرجلَ وإن نشأ عظاميًّا بما لِبَيْتِه من الغنى والحسب، فقد نشأ عصاميًّا بما حَصَّلَ من العلم والأدب، اتكأ على نفسه فأكبَّ على الكتب داثرها ومَجْفُوِّها، ولعل أكثر نظره إنما كان في كتب التاريخ والسِّيَر، ولو قد وقع لك صدرٌ من آثار أبيه وآثاره لرأيت لهما في مواطن الاستشهاد فطنة عجيبة إلى دقائق دقيقة، مما يَعْلق بزوايا التاريخ أو بحواشيه، قَلَّ أن يَفْطِن لها أكثر القارئين، وقَلَّ أن يَحْفِل بها أو يعلقها من يَفْطِن إليها من الدارسين، على أنها قد يكون لها في دواعي الكلام مَقام عظيم، وكثيرًا ما ترفعه درجات على درجات.
كذلك اعتمد محمد في تحصيل العلم والآداب على الاتصال بصدور أهل الفضل، يصاحبهم ويلابسهم، ويلازم مجالستهم، ويشهد محاضراتهم ومقاولاتهم، كذلك دَاخَلَ رجالَ الحُكْم وأصحاب السياسة في مصر وفي الآستانة، فعرف أساليبهم، وأدرك مذاهبهم، ولم يَنْكَسِر على هذا وهذا؛ بل لقد صاحَبَ كذلك أهل الظرف وأصحاب البدائه، وشاركهم في أَسْمَارهم، ودخل في مُنَاقَلَاتِهِم ومُنَادَرَاتِهِم.
وعالج البيان من صَدْر شبابه، يَصْقل له أبوه القول، ويُقَرِّب له مصطفى اللفظ، ويأخذه بتجويد النسْج، ويَهدِيه إلى مَضَارب القلم، وسرعان ما نَضَجَ وأَدْرَكَ، وجرى قلمُه بالبيان حلوًا متينًا نَيِّرًا، ووَقَعَ من فنون المعاني على أَجَلِّها وأكْرَمِهَا، ونهج لنفسه أسلوبًا خاصًّا به، إن تَأَثَّر فيه بأحد، فبالأسبقين من أعلام الكُتَّاب، فكان منه بذلك كُلِّه الأديب التام.
واحترف صَنْعَة القلم، واشترك في تحرير جريدة المقطم بضع سنين على ما أظن، ولا أحسبه قد شارك أباه في تحرير الصحف التي أخرجها في عهد الخديو «إسماعيل»، فتاريخها إن لم يكن أبْعَدَ من مولده، فهو أبعد في أَرْجَحِ الظن من حَمْلِه القلم، والله أعلم!
وكان أبوه رحمة الله عليهما، كثير الاختلاف إلى الآستانة مَثْوَى الخلافة يومئذ، فكان يَصْحَبُه في بعض الرحلات، وقُلِّدَ إبراهيم بك في زمن السلطان عبد الحميد مَنْصِبَ المستشار لوزارة المعارف العثمانية، وأقام فيه بضع سنين، لعلها تِسْعٌ إن صَدَقَتْني ذاكرتي: فقضى محمد في الآستانة هذه السنين.
ولما اعتزل إسماعيل باشا إمارة مصر، وآثر المُقام في إيطاليا، دعا بإبراهيم بك ليُؤْنِسَه ويُسَامِرَه ويَخْدُمَه في بعض مساعيه عند السلطان، فحَمَلَ معه وَلَدَهُ وأقاما في نابولي في قصر إسماعيل بضع سنين، ومن هنا تُدْرِك كيف حَذَقَ محمد لغة التليان.
واستقر المويلحيان أخيرًا في مصر ما يبرحانها إلا للنزهة والرياضة، وأصدرا صحيفة «مصباح الشرق»، وقد مَرَّت بك صفتُها في أول مَقال، ثم طواها كما ذَكَرْتُ لك، واعتكف محمد في داره لا يَلِي عملًا عامًّا، حتى عُيِّنَ في سنة ١٩١٠ رئيسًا لقسم الإدارة والسكرتارية في ديوان «عموم» الأوقاف، وأُزِيلَ عن هذا المنصب بعد إذ قامت الحرب العظمى، وتبدَّلَت الحال، لأسباب لا يحتمل ذِكْرَها هذا المقالُ، فعاد إلى اعتكافه لا يتدلى إلى البلد إلا في قضاء حاجة، أو مُساهَرة من يَسْتَطِيب مُجَالَسَتَهُم من الصِّحاب، وظل كذلك إلى الشَّكاة التي مات فيها، عليه رحمة الله، وكانت وفاته في يوم ١٠ مارس سنة ١٩٣٠.
أخلاق المويلحي وعاداته
قبل أن أَطْرُقَ هذا الباب من سيرة الرجل، يَحْسُنُ بي أن أُقَرِّر أنه لم يكن على حظ من نَطاقة اللسان؛ بل لقد كان يَعْتَريه في بعض الحديث ما يُشْبِه الحبسة؛ بل لقد تَتَعَثَّر الكلمةُ في حَلْقه فلا يستطيع أن يَلْفِظَها إلا بِمَطِّ عُنُقه، كأنما يُمَرِّئ لها مجرى الصوت.
ومن أهم ما يَلْفِت النظر في خِلَالِهِ، أنه كان أَقَلَّ خَلْق الله تأثرًا بما يَغْمُر المرء من مُتَعَارَف الناس ومُصْطَلَحهم في عاداتهم وتقاليدهم وسائر أسبابهم؛ بل لقد كان له نَظَرُه الخاصُّ في الأشياء، وكان له حُكْمُه الخاصُّ عليها، وهو إنما يأخذ نَفْسَه بما يصح عنده من هذه الأحكام، لا يبالي أحدًا؛ ولا يتأثر كما قُلْتُ بأثر خارجيٍّ، ولو كان مما انعقد عليه إجماع الناس، وإذا كنْتُ قد نَعَتُّه «بالفيلسوف» فإنما أعني هذه الصفة فيه، فإنني لم أكد أرى رجلًا لاءم كل الملاءمة بين رأيه في أسباب الحياة، وشدة تَحَرِّيه أخْذَ النفس بأحكام هذا الرأي، كما بان لي من خَلَّة هذا الرجل، بحكم ملابستي له السنين الطوال.
ولقد كانت له آراء في كثير من الأشياء لقد تبدو غريبة، حتى يُظَنَّ أن في طريقة تفكيره شيئًا من الشذوذ والانحراف، وما أُحِيلُ هذا إلا على أنه لا يَخِفُّ لمطاوعة الناس في كل ما يستوي من الإدراك للناس!
ثم لقد كان رجلًا يَرْجَح عَقْلُه ذكاءَه، وإنه ليحتاج في تَفَهُّم دقائق المعاني إلى شيء من المطاولة والتدبير، على أنها بعدَ هذا تتسق لذهنه مُدْرِكة ناضجة، لا كما تَخْطِر لِحِدَاد الذكاء «خطرة البرق بدا ثم اضمحل»!
كذلك كان مما يَلْفِت النظرَ في شأن المويلحي أنه شديد الاستيحاش من الناس، فلا تراه يستريح بالحديث إلى من لا يعرف منهم ولَمْ يألَف، ولقد يكون في مجلس يَجْمَع الصفوة من خُلَّانه، ومعهم رجل لا يعرفه، فإذا هو يَفْتُر ويَنقبض حتى يكاد «يوحش في المجلس»، وعلى هذا لقد كان يَكْرَه بالطبع الدخول في زَحْمَة الناس، والترائي للجماهير، وما إلى هذا من مُقْتَضيات الظهور.
ومن أجلِّ صفات هذا الرجل حدةُ العزم، وقوة الصبر، وشدة الحمل على النفس، فما إن رأيْتُهُ يومًا شاكيًا ولا مُظْهِرًا للبرم بالحياة مهما كَرَثَه تَصَرُّف الحياة، ولقد يَكْثُر المال في يده فيبسُطُها، إلى ما يَقْرُب من السَّرَف في النفقة في حاجاته، وإصابة ما يحلو من المتع واللذائذ، ولقد يَرِقُّ المال في يده فَيلزَم دارَه الشهرين والثلاثة لا يَبْرَحها أبدًا، مُتَجَمِّلًا في عامة شأنه بما عنده مهما يَبْلُغ من القِلَّة، لا يسأل أحدًا عونًا، ولا يُطالع الصديقَ بحاجة.
كذلك كان من أَجَلِّ صفاته الصدقُ في القول، ولقد عاشرْتُهُ ما عاشرْتُهُ، فما أذكر — والذي نفسي بيده — أنني أحصَيْتُ عليه كذبة واحدة قط، ولا من ذلك النوع الذي يَتَوَرَّط فيه المرء في مُصانعة الناس ومُجاملتهم، فإن أَلَحَّت التقاليدُ عليه في شيء من هذا سَكَتَ أو وَرَّى، ولقد أذكر أنه قابَلَ وَلِيَّ الأمر الأسبق في يوم من أيام رمضان، فسأله: أصائم أنت يا محمد بك؟ فأجاب من فوره: «والله ما أكذبش عليك يا أفندينا!» فضحك ملءَ شِدْقَيْه من هذا الجواب!
•••
ثم لقد كان رحمه الله شديد العناية بالنظافة في جميع مُلابَسَاتِه، متأنِّقًا عظيم التأنق في كل شيء، يُحِبُّ الزهر ويكلف به، ويُحسن تأليفَه وتصنيفه، ولا يمسُّ إلا أزكى العطر وأغلاه.
وكان شديدَ الاحتفال للطعام، مُبالغًا في التأنُّق فيه؛ ولربما طالع طاهيه المرات الكثيرةَ في مطبخه، يتقدم إليه بأن يفعل بهذا اللون كذا وكذا، ويصنع بتلك الصحفة كيت وكيت، وهو بهذا حق خبير، فإذا قُرِّب إليه طعامُه اجتمع له اجتماع شَهْوَان يَلْتَذُّ به أيما التذاذ، على أنه مع هذا كان حَسَن المأكل، يَلْتَزِمُ في تناوله وإزلاقه أعلى الآداب.
وكان رجلًا طَبًّا، كأن طول تمرينه في النقد الكتابي قد طَبَعَه على النقد في كل شيء، وأنضج مَلَكَتَهُ فيه، فلا تراه يَتَّخِذ شيئًا في أي سبب من أسبابه إلا إذا فحص ونَقَدَ وتَخَيَّر، فما يكاد يُخْدَع على أمر أبدًا!
وهو بَعْدُ يحب النكتةَ البارعةَ ويحتفل لها، على أنه إذا وَصَلَ المجلس بينه وبينَ أصحابه ممن حَذَقوا هذا الفن وبرعوا فيه، من أمثال المرحومين السيد محمد البابلي، ومحمد بك رشاد، ومحمد بك رأفت، لم يكن في الغالب هو المنشئ للنكتة والمبتكر لها، ولكنها ما تكاد تَسْقُط من فم غيره حتى يتولاها بالتخريج والمط والتوليد والتلوين، فما ينتهي أحد في ذاك منتهاه.
ومهما يكن من شيء فإن هذا الرجل كان من أَوْسَعِ الناس علمًا بطباع المصريين وأخلاقهم وعاداتهم ومداخل أمورهم، على اختلاف طبقاتهم وتفاوُت مَرَاتِبِهِم، فإذا تَحَدَّثَ في هذا الباب فحديث المتمكن الخبير.
ومما ينبغي أن يُذْكَر له، ويُخْتَم به هذا الحديث، أنه رجل لم يَجِد الإلحادُ ولا الزيْغُ إلى قلبه السبيل؛ بل لقد كان مؤمنًا شديد الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، والحمد لله رب العالمين، فإن رأيْتَ منه شيئًا من الانحراف في تخريج مسألة جزئية من مسائل الدين، فأحِل الأمْرَ على مجرد الخطأ في الاجتهاد والتأويل.
رحمه الله رحمة واسعة، وغفر لنا وله، وأحسن جزاءَه في دار الجزاء.