ظرف …!
فلان المهندس البدين، الغليظ الوجه، المنتفخ الشدق، الأزرق الجلد، الدقيق الجبين، النكير الصوت، لقد جَفَّت فيه الأقلام وطُوِيَت الصحف، وشهد الله وملائكته والناس أجمعون أنه ثقيل الظل، شديد الوطأة على النفس، وإذا طلع عليك أحسست بغمز على القلب، ووخز في الحشا، وهو على هذا كثير الانصباب على الناس، شديد التهافت على مجالسهم، لا يرى جماعة ممن ابتلاهم القَدَر بمعرفته إلا جاء بكرسي وزج بنفسه فيهم، لا يجلس بكل ثقله على الأرض ولكن يجلس على أرواحهم، ثم يظل ثابتًا في المجلس لا يبرح ولا يتحلحل، ولا يقوم لحاجة، ولا تصرفه ضرورة، ولا يعجله أي شأن من شئون الدنيا جميعها.
ثم هو لا يدع حديثًا إلا خاض فيه، ولا شأنًا من شئونهم إلا أمعن في تفقده وتقليبه، ولا أمرًا من أمورهم إلا استخرج خافيه، ونبش بالسؤال حاضره وماضيه، فإذا انتفض واحد عن المجلس لبعض شأنه أقبل عليه يسائله: لماذا يمضي وأين يمضي؟ وما طريقه وما غايته؟ وناقشه فيما تعود به هذه الغاية من خير وشر ونفع وضر، وإذا رأى واحدًا يلبس حلة جديدة «فتح» له محضر تحقيق في «قماشها» أولًا، وفي لونها ثانيًا، وفي تفصيلها ثالثًا، وفي ثمنها رابعًا إلخ، وإذا رأى اثنين يتساران دس رأسه بينهما ودخل معهما في نجواهما.
ومن أحدث نوادره وأطرفها أنه كان ضاغطًا (كابسًا) يومًا على بعض أولئك الصحاب المساكين، فجاء عامل البريد ودفع إلى أحدهم خطابًا، وفيما كان الرجل يعالج شق الغلاف عنه، كان صاحبنا يسرع في إخراج «نظارته» فيمسحها بمنديله، ثم يضعها على عينيه استعدادًا … لقراءة «الجواب»!
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله!