تنمر …؟
لاحظْتُ ظاهرة غريبة، لا أدري إذا كان الأطباء والباحثون في أحوال النفس قد فطنوا لها أو لم يَفْطنوا، ولا أدري إذا كان قد تقَصَّاها منهم أحد، وترَسَّم عِلَلَها وأسبابها، وكيف تُؤَثِّر تلك الأسبابُ في خُلُق بعض الناس هذا التأثيرَ وتُصَوِّرُه هذا التصوير وتُنَكِّرُه هذا التنكير، ثم إنني لا أدري إذا كان أحد هؤلاء الباحثين المتقصين قد نَشَرَ في هذا بحثًا في العربية أو في أية لغة من لغات العالم؟ … اللهم إنني لا أدري شيئًا من هذا ألبتة، على أنني أنتظر من أصحاب المعرفة رأيًا أتَهَدَّى به إلى الصواب:
شَهِدْتُ في طول حياتي ثلاثةً من الناس لَمْ أَشْهَدْ غيرهم على الحال التي سأذكرها لك، والعجب أن ثلاثتهم يشتركون في دَعَة النفس، وطيبة القلب، وارتياح الأعصاب، ما يزال هذا شأن كل منهم وطبعه وجِبِلَّته حتى يستوي للطعام، وما إن يأخذ فيه حتى تراه وقد تَبَدَّل خَلْقًا غير خلقه، واتخذ صورة غير صورته، فإذا وَجْهُهُ قد احتقن احتقانًا شديدًا، وإذا أوداجه قد انتفخت انتفاخًا عظيمًا، وإذا أجفانه قد انفرجت إلى حَدِّ التقلص، وإذا حدقتاه قد اتَّسَعَتَا في محجريهما حتى كادتا تستهلكان بياض العينين جميعًا، وقد لَمَعَتْ عيناه لمعانًا يخيف ويُرَوِّع، ودَلَّتْ ملامحه على أقسى ضروب الشراسة ومحاولة الفتك والافتراس، وجعل يزحر زحيرًا عاليًا أشبه بهمهمة الفهود، وبزئير الأسود، حتى ما تَشُكُّ في أنك إنما تؤاكل نَمِرًا لا إنسانًا، بل لقد يوسوس لك هذا المنظر المرعب بأنك في النهاية مأكول لا آكل!
وقد تُوُفِّيَ واحد من هؤلاء الثلاثة، وبقي اثنان، بَسَطَ الله لهما في صدور الأعوام، ولَقَّاهُما أجزل الطعام، بما يواتي غريزة الافتراس والالتهام، وكَتَبَ لمؤاكليهما الأمن والسلام، آمين!