غرور …!١
إذا لم تكن رأيْتَ عبد الحميد بدوي، أو علي إبراهيم، أو أحمد أمين، أو أحمد شوقي، أو غَيْرَهم من هؤلاء الذين يُدَوِّي بعبقرياتهم السهلُ والجبل، لَتَمَثَّلوا لك على صُوَر غير صور سائر الناس، وحَسِبْتَ لهم حديثًا غير أحاديث سائر الناس، وأنهم يأخذون في أسبابهم في غير ما يأخذ سائر الناس، وأن فيهم من الزهو، والذهاب بالنفس، والتتايُه على الخلق ما يَملكهم عن مجالس الناس، إلا أن يتَشَرَّفوا عليها تَشَرُّفًا، فإذا أنت رأَيْتَهُم، وهُيِّئَ لك أن تعرفهم وتجلس إليهم، رأيتهم مِثْلَنَا في كل شيء، لا يمتازون إلا بالتواضع، وطيب الخلق، وضبط اللسان عما لا يعني من شئون الناس!
وإنك مع هذا لقد ترى شابًّا أخذ نفسه من الأناقة بأعظم مأخذ، وقد وضع على يسرى عينيه «المونكل»، ورَشَقَ بين شفتيه طرف «سيجار» كجذع النخلة وثنى معطفه على ذراعه اليسرى، وجعل يتخطر في الطريق، تكاد تتمزق من حوله الدنيا بما يضعفها من صَلَف ومَخِيلة، فإذا جاز بك لا يراك كفؤًا لأن يُرْسِل عليك نَظَرَه كله، أو نِصْفَه أو رُبْعَه! إنما هي اللمحة الخاطفة يتفضل بها عليك لتعود على معارف وجهه بآثار التتايه والعُجْب من أن الطبيعة ترسل مثلك إلى الأرض، حتى لَيُخَيَّلُ إليك أنه مُوفَد من قِبَل المريخ «ليفتش» على عالَم الأرض، ثم يعود فيُقَدِّم تقريره بما ينبغي لهذا العالَم المسكين من ضروب الإصلاح!
وتعود إليه نفسه فلا تَقَع منه إلا على فتًى غِرٍّ جاهل مفتون، سائل الخُلُق، متزايل الشمائل، لا أَثَرَ له في الدنيا إلا أنه مستهلك لا فضل له ألبتة في إنتاج في أية ناحية من نواحي الحياة!