عبقرية!
جلست اليوم إلى جماعة من أصحابي ومعهم «فلان» من رجال التربية والتعليم، وجرى الحديث في أمثل الطرق لتربية الأولاد وإعدادهم للحياة، وراح كل منهم يُدْلي برأيه وتجاريبه في هذا الباب، وما أخذ به بنيه الكبار، وما أضمره لطفله الصغار، فقُلْتُ بنوبتي: لقد ذُقْتُ الأمَرَّيْن في تعليم الأولاد، حتى عزمت إذا وَصَلَ الله في أجلي وأَجَلِ محمد أصغر أولادي حتى يبلغ السادسة، أن أسلكه في كلية «فكتوريا» برمل الإسكندرية، فلقد نَصَح لي بذلك من لا أشك في صِدْق تجاربهم، فابتدرني هذا المر، الفاضل بنصيحة غالية حقًّا، نافعة حقًّا، وهي أن ألحق طفلي في تلك الكلية بالقسم الداخلي! …
ولقد صَكَّت هذه «النصيحة» جهازَ عصبي؛ على أنني كَتَمْتُ عجبي، وتظاهرت بالتطامن، وتسريح الفكر الوادع، وقلْتُ له: لقد أشرْتَ يا سيد بالرأي، فإنني إذا لم أفعل وَجَدَ الغلامُ بعْضَ المشقة في الشخوص إلى الإسكندرية سحرةَ كل يوم، والعودة منها قرابة منتصف الليل! … فأقبل علي في ابتسامة الذاهب بجودة رأيه، الشاعر بتقدير الناس له وقال: «مش كده ولا إيه؟!»
فرحت أَزُفُّ إليه أبلغ الهناء، على تَسَعُّر هذا الذكاء، فتفضل بقبول الشكر، في شيء من التواضع … ولا فخر!