يا خسارة! …
لي صديق شاب أحرز إحدى الشهادات العليا من بضع سنين، وظَلَّ يسعى إلى «وظيفة» حتى اهتدى من نحو شهر إلى «وظيفة» لا يدركها إلا إذا جاز إليها «امتحان مسابقة»، فأكب المسكين على الكتب، وما بقي عنده من «مذكرات» أساتذته، وراح يُجْهد نفسه في مراجعة ما تَلَقَّاه من فنون العلم، ودام على هذا قرابة شهر، وكلما قابلْتُه وسألْتُه في شأنه أدخل الطمأنينة على نفسي بما راجَعَ من مسائل العلم وما استذكر وما حَصَّل، حتى أَضْحَى أَمَلُه في السبق إلى «الوظيفة» معقودًا والحمد لله!
ولقد لَقِيَني أمس فإذا هو مُغَيَّظ محنق، يشكو الزمان ويلوم صرف الدهر! لماذا؟ لأنه قد وُفِّقَ إلى «وظيفة» أخرى سَيُعَيَّن فيها بغير امتحان، ففيم كان جهده وتَعَبُه في مراجعة الكتب، واستظهار ما عُمِّيَ عليه من مسائل العلم، وراح يَلْعَن الدهر الذي لم يَسُقْ إليه هذه «الوظيفة» الجديدة قبل أن يَصْنَع ما صَنَعَ!
فأجبته من فوري «يا خسارة!»، فأومأ برأسه يُؤَمِّن على تَوَجُّعِي لحاله في لوعة وحسرة! وانطلق مُشَيِّعًا بضراعتي إلى الله تعالى أن يُعَوِّضَ عليه ولو بجَهْلِ ما عَلِمَ، ونسيان ما استذكر! والله على كل شيء قدير!