الإعلام والآثار التعليمية
(١) هل يضرُّ استخدام وسائل الإعلام بالنتائج الدراسية؟
في خلال مدة ٣٠ عامًا، قَيَّمَتْ دراسات عديدة العلاقة بين استخدام وسائل الإعلام العامة والإنجاز الدراسي (كمُستوى الأداء الدراسي والدرجات المحصلة في اختبارات الإنجاز المعيارية). وعادةً ما تُقدِّم هذه الدراسات فرضية تقليل ترى أن الاستخدام المفرط للإعلام يؤدِّي إلى انخفاض الأداء الدراسي (فالكنبرج وفان دير فورت، ١٩٩٤). وقد حدَّد شين (٢٠٠٤) مؤخرًا ثلاث آليات محتمَلة يُمكن من خلالها لفرضية التقليل أن تُحدث أثرها: إحلال الوقت، والجهد الذهني والسلبية، والاندفاعية. ويُفترَض أن هذه الآليات إما تُثبط المعالجة الفكرية عند النشء أو تؤدِّي لسلوكيات تُعيق النجاح الدراسي. جدير بالذكر أن هذه الآليات وُضعت لتفسر تأثير التعرُّض للتليفزيون على النتائج الدراسية. وفيما يلي أمدُ نطاق فرضية التقليل ليشمل أنواع استخدام وسائل الإعلام كافةً:
(١-١) الآليات الكامنة وراء فرضية التقليل
تنصُّ فرضية إحلال الوقت على أن استخدام وسائل الإعلام يسحب الوقت من أنشطة أخرى محفِّزة عقليًّا و/أو مرتبطة بالأداء الدراسي، كالفروض المنزلية والمذاكرة للامتحانات. فمشاهدة التليفزيون والاستماع للموسيقى وممارسة ألعاب الفيديو يرى النشءُ أنها أكثر إمتاعًا وتسليةً بكثير من المهام الإدراكية المتعلِّقة بالدراسة التي قد تكون رتيبة وصعبة ومملَّة في بعض الأحيان. بالتالي ولأن استخدام وسائل الإعلام يحلُّ محل الأنشطة المرتبطة بالتعليم، فذلك يُعيق النمو الإدراكي وتتأثر النتائج الدراسية المستقبَلية. وطبقًا للقول المأثور: «ما لا يُستغلُّ يضيع.» وهو كلام عظيم نظريًّا، لكن ما من أدلة تجريبية كافية تدعم فرضية «إحلال» استخدام وسائل الإعلام للأنشطة التي تدعم الإنجاز الدراسي. بل إنَّ استخدام وسائل الإعلام (كممارسة ألعاب الفيديو) يحل محلَّ استخدام وسائل إعلام أخرى (كمُشاهدة التليفزيون) أو غيرها من الأنشطة الترفيهية، كالتمشية أو قضاء الوقت مع الأصدقاء في المركز التجاري (شميت وأندرسون، ٢٠٠٦). ومع انعدام القرائن، يظلُّ الاعتقاد بأن الإعلام يحلُّ محلَّ الأنشطة المحفِّزة عقليًّا سائدًا. وحتى الأطفال والمراهقون يُصدِّقون هذه الأسطورة (بالارد، ٢٠٠٣).
أما فرضية الجهد الذهني/السلبية الذهنية فترى أن استخدام وسائل الإعلام يؤدي إلى الكسل الذهني. وتقترح الفرضية أن استخدام وسائل الإعلام «يلقم» العقل المعلومات، وهو ما لا يتطلَّب الكثير من الجهد الذهني من المستخدم. فالعيون المنبهرة اللامعة الناظرة إلى التليفزيون تُعدُّ علامة على السلبية الإدراكية. وبمرور الوقت يصير هذا التفكير السلبي عادةً، وتختفي الرغبة في بذل الجهد الإدراكي؛ لذا عندما يواجه النشء أنشطة محفِّزة إدراكيًّا (كالقراءة أو حل المسائل الرياضية) فهم يَبذُلون جهدًا ضئيلًا و/أو يتجنَّبون ممارستها جملة واحدة. ويؤدي هذا النوع من السلبية الإدراكية المطولة بدوره إلى تقليل النمو الإدراكي.
وكما الحال مع الفرضية السابقة، ما من بيانات تجريبية تُشير إلى أن استخدام الإعلام يُؤثِّر فعلًا في المجهود الإدراكي اللاحق عند حلِّ المسائل في المدرسة أو في المنزل. ولا يوجد كذلك الكثير من القرائن التي تَدعم الرأي القائل إن استخدام الإعلام يُشجِّع على السلبية الإدراكية. بل بينَت أبحاث مؤخرًا أن الأطفال عند استخدامهم الإعلام المرئي يكونون نَشيطين إدراكيًّا. فمثلًا عندما حار ابني غير البالغ عند تناول موضوع مُرتبط بالمراهقة في فيلم «المتحولون»، صاح عَفويًّا أمام مَن في دار العرض كلهم: «ماذا يعني الاستمناء؟» بخلاف هذه الطرفة فقد بيَّنَت الأبحاث التجريبية أن الأطفال يسألون ويُناقشون باستمرار المُحتوى المعروض على الشاشة في أثناء استخدامهم وسائل الإعلام (ألكساندر، ١٩٩٠). جدير بالذكر أن الاستفهام ومناقشة المحتوى دليل على نشاط الذهن لا سلبيته. إذًا تدخل فرضية الجهد الذهني/السلبية الذهنية نطاق الأسطورة الإعلامية.
وطبقًا لفرضية الاندفاعية، فإن الطبيعة الاستثارية للإعلام وعرضه المتلاحق للمعلومات يُقصِّر من فترات الانتباه، ويثبط الأنشطة الجارية، ويعيق السلوكيات الهادفة لإنجاز المهام. وفي الوقت ذاته يُعتقَد أن هذه المؤثِّرات تسبب النشاط المفرط وتُشجِّع السلوكيات الاندفاعية. إذن تنصُّ فرضية الاندفاعية على أن استخدام وسائل الإعلام يُقلِّل من معدَّلات الإنجاز الدراسي؛ لأنه (أ) يزيد من الصعوبة التي يواجهها الأطفال في الاحتفاظ بتركيزهم في بيئة أقل تشويقًا نسبيًّا كالفصل، و(ب) يؤدي إلى السلوك الاندفاعي وهو ما قد يعيق التعلُّم أيضًا. وحتى البرامج التليفزيونية التعليمية مثل «عالم سمسم» تعرَّضت ذات مرة للنقد الحاد باعتبار أن لها تأثيرًا سلبيًّا على فترات الانتباه عند المشاهِدين في مرحلة ما قبل المدرسة (هارتمان، ١٩٩٦). إلا أن فرضية الاندفاعية يبدو أنها لا تتعدَّى كونها أسطورة عن الإعلام؛ إذ لا بيانات تدعم الرأي القائل إن مستويات النشاط وفترات الانتباه تتأثر عكسيًّا باستخدام وسائل الإعلام خلال النشأة (شميت وأندرسون، ٢٠٠٦).
(أ) هل يُسبب الإعلام اضطراب قلة الانتباه وفرط الحركة؟
يُعرف اضطراب قلة الانتباه وفرط الحركة بنمط مطول من فقدان الانتباه والاندفاعية وفرط الحركة. وتُشير أبحاث الارتباط الأخيرة إلى أن المشاهَدة المتكرِّرة للتليفزيون تؤدي بصورة ملموسة لظهور السلوكيات الخاصة باضطراب قلة الانتباه وفرط الحركة في أثناء الطفولة المبكِّرة والمتوسِّطة والمراهقة (تشان ورابينوفيتس، ٢٠٠٦؛ كريستاكيس وزيمرمان وديجوزيب ومكارتي، ٢٠٠٤؛ ميلر وآخرون، ٢٠٠٧). لكن كما أشار ستيفنز ومالسو (٢٠٠٦) فعند تعويض العوامل البيئية المهمَّة (كالحالة الاجتماعية الاقتصادية وتدخل الوالدَين) في الإحصاءات يتَّضح أن مُشاهدة التليفزيون لا يُمكنها أن تتنبَّأ بسلوكيات اضطراب قلة الانتباه وفرط الحركة. فضلًا عن أن الدراسة الوحيدة — التي وجدت تأثيرًا ملموسًا لممارسة ألعاب الفيديو على سلوكيات اضطراب قلَّة الانتباه وفرط الحركة في أثناء المراهَقة (تشان ورابينوفيتس) — لم تُقَيِّمْ عوامل التأثير المُحتمَلة من البيئة المحيطة؛ لذا فإن صحة النتائج الأخيرة تصير محلَّ شك.
إن التشخيص السليم لاضطراب قلة الانتباه وفرط الحركة عملية مركَّبة تتضمَّن تقييمًا سريريًّا يشمل معلومات من الآباء والمدرِّسين والطفل أو المراهق الخاضع للفحص (ماكجو وماكراكن، ٢٠٠٠). ونظرًا لقيود الوقت والتكاليف المادية ذات الصلة، فقد ركزت الأبحاث في هذا المجال على تأثير الإعلام في ظهور أعراض اضطراب قلَّة الانتباه وفرط الحركة بدلًا من تشخيص الاضطراب ذاته. إلا أنَّ ظهور أعراض الاضطراب على طفل لا يَضمن تشخيص الاضطراب. فضلًا عن أن معظم دراسات التأثير الإعلامي لم تُحدِّد ما إذا كان مقدار أعراض الاضطراب تقع في النطاق «السريري» أو التشخيصي (أي ما إذا كان مُستوى الأعراض يظهر عادة على من جرى تشخيص الاضطراب لديهم). بل مالت هذه الدراسات نحو الإشارة إلى ما إذا كان استخدام وسائل الإعلام يرتبط بارتفاع مستويات أعراض اضطراب قلة الانتباه وفرط الحركة. من المُمكن جدًّا أن يظهر على الأطفال زيادة في أعراض اضطراب قلَّة الانتباه وفرط الحركة لكن يظلَّ سلوكهم في «النطاق الطبيعي» للنمو؛ لذا لا يُنصَح بالمساواة بين زيادة أعراض اضطراب قلَّة الانتباه وفرط الحركة وتشخيص الإصابة بالاضطراب.
(١-٢) الأبحاث التي تربط بين استخدام وسائل الإعلام والإنجاز الدراسي
رغم أن الآليات الكامِنة وراء فرضية التقليل لم يتوفَّر لها بعد قَدر كبير من قرائن تجريبية، فإنَّ الرأي القائل إن استخدام وسائل الإعلام يُقلِّل مستوى الإنجاز الدراسي (مع عدم معرفة الآليات) لا يزال يُطرَح باستمرار؛ لذا وبعد أن عرفنا فرضية التقليل هيا بنا نسبر أغوار عالم البحث التجريبي: يُمكننا أن نقول إن الأبحاث الخاصة باستخدام وسائل الإعلام والإنجاز الدراسي مشوَّشة؛ فبينما تشير بعض الدراسات إلى وجود تناسُب عكسي قوي بين مُشاهدة التليفزيون والإنجاز الدراسي، فإن دراسات أخرى لا تجد أي روابط واضحة بينهما. لكن معظم الدراسات التي أُجريت تميل إلى تأييد فرضية التقليل (تومسون وأوستين، ٢٠٠٣). فمثلًا، وجد إنيموزر وشنايدر (٢٠٠٧) أنه خلال مدة أربع سنوات ظهر على المستخدمين بكثافة للترفيه التليفزيوني أكبر انخفاض في نتائج القراءة. بل توصَّلت دراسة إلى أن مشاهَدة التليفزيون في أثناء الطفولة والمراهقة ارتبطت سلبًا بالإنجاز الدراسي في أوائل مرحلة النضج، بعد مرور حوالي ٢٠ عامًا (هانكوكس وميلني وبولتون، ٢٠٠٥). وبوضع هذه الدراسات معًا فهي تُشير — إضافةً إلى التأثير السلبي على الإنجاز الدراسي في المستقبل القريب — إلى أن آثار استخدام وسائل الإعلام خلال الطفولة والمراهَقة قد تستمر لعقود، وهو رأي يدعو للقلق على نحوٍ خاص.
وذكر ويليامز وزملاؤه (ويليامز وهيرتيل، هيرتيل وولبرج، ١٩٨٢) أن عدم اتِّساق النتائج المرتبطة بفرضية التقليل يحدث نتيجةَ علاقة خطية منحنية بين مشاهدة التليفزيون والإنجاز الدراسي. فما دامَت مشاهدة التليفزيون أقل من ١٠ ساعات أسبوعيًّا يَميل الإنجاز الدراسي إلى الارتفاع بزيادة مُستوى المشاهَدة. لكن بمجرد تخطِّي حاجز الساعات العشرة أسبوعيًّا يقلُّ مستوى الإنجاز الدراسي بزيادة معدلات مشاهدة التليفزيون. واللافت أن مرحلة النشأة يبدو أنها لا تؤثِّر في هذه العلاقة المنحنية؛ إذ إنها تظلُّ كما هي عند كل من الأطفال والمراهِقين. وعلى وجه الخصوص، يُشير النصف الأول من المنحنى إلى أن الإنجاز الدراسي يُعزِّزه في الواقع استخدام وسائل الإعلام. وتؤيد هذه البيانات فرضية التحفيز التي ترى أن استخدام وسائل الإعلام ينشِّط الدماغ وهو ما يؤدِّي إلى زيادة الإنجاز الدراسي. كذلك تؤيد الأبحاث حول الإنترنت فرضية التحفيز؛ إذ توصَّلت دراسة حديثة إلى عدد الساعات المنقضية في استخدام الإنترنت ترتبط ارتباطًا طرديًّا بمستوى الإنجاز الدراسي (جاكسون وآخرون، ٢٠٠٦). أي الفرضيتَين يصحُّ إذًا؟ هل يؤثر استخدام وسائل الإعلام سلبًا على الإنجاز الدراسي من خلال فرضية التقليل أم إيجابًا من خلال فرضية التحفيز؟
(١-٣) تقييم الأبحاث عن فرضيتَي التقليل والتحفيز
في الدراسات المذكورة أعلاه، كانت الوسيلة هي الرسالة، أي كان التأثير الملاحَظ سبَّبه الكم الإعلامي المستهلَك وليس الكيف (أي المحتوى). وطبقًا لنموذج التأثير هذا، فما دامت البرامج الإعلامية تُستهلَك لنفس المدة الزمنية، فإن مشاهدة برامج ذات محتوًى متفاوت مثل «كريبس» و«٦٠دقيقة» (سيكستي مينتس) على قناة إم تي في لها نفس التأثير على الإنجاز الدراسي. كذلك فإنَّ الساعات المقضية في ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة — مثل دووم ٣ — له نفس التأثير على الإنجاز الدراسي مثل قضاء نفس عدد الساعات في مُشاهدة البرامج التعليمية التليفزيونية مثل برنامج «٣-٢-١ كوناتكت». فهل تظنُّ أن المحتوى مهم للإنجاز الدراسي؟ أنا أظن ذلك وكذلك معظم الباحثين المعاصِرين في مجال التأثير الإعلامي (شميت وأندرسون، ٢٠٠٦).
في الواقع، توجد أدلة تشير إلى أن الإعلام الخالي من القيمة التعليمية يُمكن أن يضر بالإنجاز الدراسي، خاصة عند الأطفال فيما قبل المدرسة (رايت وآخرون، ٢٠٠١). مع ذلك يظلُّ الاحتمال قائمًا أن استخدام كميات كبيرة من الإعلام غير التعليمي (كالإعلام الترفيهي) في أثناء الطفولة والمراهَقة يعكس عدم استثمار الآباء في تعليم أبنائهم؛ لذا فإن تقصير الآباء في تقدير النمو الإدراكي لأولادهم وتشجيعه ودعمه يؤدي إلى تدهور الأداء الدراسي أكثر من محتوى الإعلام المستهلَك (زان، ٢٠٠٦). ومما يؤيد هذا الرأي، عندما توضع توقعات الآباء بشأن النجاح الدراسي في الاعتبار، تجد دراسات كثيرة أن استخدام الإعلام لم يَعُد يتنبأ بالنجاح الدراسي (شميت وأندرسون، ٢٠٠٦). مع ذلك ينبغي إجراء المزيد من الأبحاث التي تُركِّز بصفة خاصة على الآثار الدراسية المرتبطة باستخدام وسائل الإعلام الترفيهية، في سياق العوامل الأسرية ومرحلة النمو المرتبطة بالإنجاز.
(٢) مزايا الإعلام التعليمي
يختلف القول إنَّ الإعلام الترفيهي لا يؤثر سلبًا على الإنجاز الأكاديمي عن القول إن الإعلام التعليمي يُمكن أن يؤدِّي إلى مزايا دراسية قابلة للقياس خلال النمو. فالبرامج التليفزيونية، مثل «عالم سمسم» و«ألغاز بلو» (بلوز كلوز)، تُوفِّر للأطفال في مرحلتَي تعلم المشي وما قبل المدرسة فرصًا للتعلُّم. فهل هذه البرامج مفيدة فعلًا للأطفال الصِّغار؟ فهل يَكتسب الأطفال الأكبر سنًّا المعرفة والمهارات من مشاهدة البرامج التي تبث حقائق ونظريات علمية مثل «زوم» و«بيل ناي رجل العلوم» (بيل ناي ذا ساينس جاي)؟ هل يُمكن للمُراهقين أن يَستفيدوا من البرامج التعليمية المذاعة على قناة ديسكفري وقناة التعلم؟ ترد الإجابة على كل من هذه الأسئلة في الجزء التالي من هذا الفصل الذي يركز على الإثراء الإدراكي والتعليمي الناتج عن استخدام وسائل الإعلام التعليمية.
(٢-١) الإعلام التعليمي التليفزيوني
المرحلة العمرية | اسم البرنامج |
---|---|
مرحلة تعلم المشي | تيليتابيز |
الطفولة المبكرة | بوباه |
عالم سمسم | |
مغامرات ويني الدبدوب (نيو أدفينشرز أوف ويني ذا بو) | |
مغامرات دورا (دورا ذا إكسبلورير) | |
الطفولة المتوسطة | بيل ناي رجل العلوم |
دووج | |
ثلاثية تايم ووارب (تايم راب تريو) | |
توتنستاين | |
المراهقة | أنقذه الجرس: النسخة الجديدة (سايفد باي ذا بيل: ذا نيو كلاس) |
شباب أمريكا يخرجون (ينج أمريكان أوتدورز) | |
مغامرات جاك هانا في عالم الحيوان (جاك هانا أنيمالز أدفينتشرز) | |
كواليس دوري كرة السلة للمحترفين (إن بي أيه إنسايد ستف) |
عندما نفكِّر في البرامج التعليمية/المعلوماتية فإن البرامج الموجَّهة للأطفال فيما قبل المدرسة مثل «عالم سمسم» و«جيران السيد روجر» (مستر روجرز نيبورهود) تَرِد على الذهن بسهولة. إلا أن مثل هذه البرامج لا يُمثِّل سوى نسبة ضئيلة (أقل من ١٠٪) من البرامج التعليمية/المعلوماتية. في الواقع يستهدف ٦٠٪ من البرامج التعليمية/المعلوماتية الأطفال في المرحلة الابتدائية، حيث يوجه الباقي إلى المراهقين (جوردان، ٢٠٠٠). ومن الملفت أن مرحلة الدراسة الابتدائية هي ما يبدأ فيها الاهتمام بالبرامج التعليمية/المعلوماتية بالتضاؤل. ففيما قبل الطفولة المتوسِّطة، يَستمتع الأطفال بمشاهدة كل من البرامج التعليمية/المعلوماتية الدراسية والاجتماعية الإيجابية. في المقابل، وخلال الطفولة المتوسِّطة، تُفضِّل الفتيات مشاهدة البرامج التعليمية/المعلوماتية والاجتماعية الإيجابية على نظيرتها الدراسية، بينما يُفضِّل الفتية مشاهَدة الإعلام الترفيهي العام، مُتحاشين البرامج التعليمية/المعلوماتية الدراسية والاجتماعية الإيجابية جملة واحدة (كالفرت وكوتلر، ٢٠٠٣). إذن فإن العدد الأكبر من البرامج التعليمية/المعلوماتية موجَّه للنشء الذين بدءوا يفقدون الاهتمام بالمحتوى التعليمي التليفزيوني.
(أ) آثار البرامج التعليمية/المعلوماتية الدراسية عبر النمو
عندما نقيم تأثير البرامج التعليمية/المعلوماتية على النشء، من المهم أن نفرق بين التعلم القائم على المهارات والتعلم القائم على المعرفة. فالأول يشير إلى العمليات الإدراكية المعقَّدة كالقراءة وحل المشكلات وفهم المنطق الرياضي. أما الأخير فيشير إلى المفردات والمقتطفات المعلوماتية نحو أعلى جبل في العالم ودرجة غليان الماء.
-
مرحلة الرضاعة وتعلُّم المشي: لكي يتعلم الأطفال في هاتَين المرحلتَين من المحتوى
التليفزيوني عليهم أولًا أن يُعيروا الاهتمام للبرامج المذاعة.
وتشير الأبحاث الأولية إلى أن الرضع والأطفال في مرحلة تعلُّم
المشي يُعيرون اهتمامًا قليلًا لبرامج التليفزيون، حتى وإن كان
البرنامج المذاع هو «عالم سمسم». بل إنه طبقًا لهذه الدراسات
الأولى، لا يجلس الأطفال أمام التليفزيون قبل سن ٣٠ شهرًا
(أندرسون ولفين، ١٩٧٦). في المقابل توصَّلت دراسات أحدث إلى
أنه بداية من سن ١٢ شهرًا، تجذب البرامج الموجهة للجمهور
الصغير جدًّا في السن انتباههم بسهولة (أندرسون وبيمبك، ٢٠٠٥).
وبصفة عامة يبلغ انتباه النشء للتليفزيون إلى ذروته عندما يكون
المحتوى المذاع في مستوى فهمهم، وهو اكتشافٌ يَحدث خلال سنوات
الطفولة المبكِّرة. فمثلًا يفضل الرضَّع البرامج ذات الموسيقى
المفعَمة بالحيوية والألوان البراقة، ويُفضل الأطفال في مرحلة
المشي الموضوعات البسيطة، بينما يفضل الأطفال فيما قبل المدرسة
المحتوى الأصعب قليلًا مثل المحتوى الموجود في قصص الرسوم
المتحرِّكة التي يسهل فهم حبكتها. وليس من الغريب أن الأطفال
الصغار يُعيرون اهتمامًا قليلًا للبرامج ذات المحتوى
والموضوعات الموجَّهة للبالِغين (فالكنبرج وفروون،
٢٠٠٤).
تناولت الأبحاث حول آثار الإعلام التعليمي على الأطفال في مرحلة الرضاعة وتعلُّم المشي بصفة رئيسية التعلم القائم على المعرفة، كاكتساب المُفرَدات وتقليد السلوك واستعادة الأغراض المخبَّأة (تروسيث وسايلور وآرتشر، ٢٠٠٦). ورغم محدودية البحث في هذا المجال، فإن الأطفال في مرحلة الرضاعة وتعلُّم المشي (أي الأصغر من ١٦ شهرًا) يبدو أنهم لا يستفيدون من أقراص الفيديو الرقمية التعليمية. بل تشير الأبحاث الأخيرة إلى أن تطور اللغة عند الأطفال الصِّغار جدًّا قد يتأثر سلبًا بها؛ فمثلًا وجد زيمرمان وكريستاكيس (٢٠٠٧) أن المُفرَدات المتلقاة (أي الكلمات المفهومة) عند الأطفال فيما بين سن ٨ و١٦ شهرًا كان أقل عند الأطفال الذين يُشاهدون أقراص الفيديو الرقمية «التعليمية» يوميًّا، مقارنة بهؤلاء الذين لا يحتكُّون بها. في الواقع، مقابل كل ساعة يقضيها الرضَّع في مشاهدة أقراص الفيديو الرقمية، يفهمون من ستٍّ إلى ثمانٍ أقلَّ من نظرائهم من نفس السن ذوي معدلات المشاهدة الأقل.
ورغم أن أقراص الفيديو الرقمية التعليمية قد تؤثر سلبًا على الأطفال الأقل من ١٦ شهرًا، لا يبدو أنها تَترُك نفس التأثير على الأطفال في مرحلة تعلُّم المشي بين ١٧ و٢٤ شهرًا (زيمرمان وكريستاكيس، ٢٠٠٧). بل تُشير بعض الأبحاث إلى أن الأطفال في مرحلة تعلم المشي يمكنهم تحسين مفرداتهم باستخدام هذا النوع من الإعلام (نايجلز وكاكو، ١٩٩٣). وفيما عدا تطوير المفردات، تشير دراسات أخرى إلى أن الأطفال يمكن أن يبدءوا في التعلم من الإعلام التعليمي بداية من سن ١٢ شهرًا. فمثلًا، يُمكِن للأطفال بين سنِّ ١٢ و١٥ شهرًا تقليد السلوكيات البسيطة (مثل خلع القفازات) المشاهَدة على التليفزيون، بعدها بأربع وعشرين ساعة (بار وهاين، ١٩٩٩). ومع الوصول لسنِّ الثانية يُمكن للأطفال أن يَعثُروا على مكان شيء مخبَّأ في غرفة بعد رؤية موقعِه في فيديو (أندرسون وبيمبيك، ٢٠٠٥).
وتتضاءل سهولة التعلم عند الأطفال في مرحلة تعلُّم المشْي باعتبارها نتيجة لمشاهَدة الإعلام التليفزيوني مقارنةً بانعدام المجهود الذي يَبذُلونه لتلقِّي المعلومات وجهًا لوجه من التعامل مع الآباء والمدرِّسين وغيرهم. فمثلًا يتعلم الأطفال في مرحلة تعلُّم المشي أسماء الأشياء من أحد الأشخاص وجهًا لوجه أفضل من تعلُّمها من فيديو لنفس الشخص (كرمار وجريلا ولين، ٢٠٠٧). وبينت أبحاث إضافية أنه عندما يُخبَر الطفل بمكان لعبة مخبَّأة مباشرة فإن ٧٧٪ من الأطفال في سن الثانية نجحوا في استعادتها. أما عندما تلقى الأطفال نفس المعلومات من مقطع فيديو لم يَستطِع سوى ٢٧٪ منهم العثور على اللعبة (تروسيث وآخرون، ٢٠٠٦). وبوضع هذه النتائج معًا فإنها تشير إلى أنه خلال سنوات الرضاعة وتعلُّم المشي يبدو أن المحتوى التليفزيوني التعليمي لا يُمثِّل بديلًا جيدًا لتعاملات الحياة اليومية مع الآباء والأجداد ومقدِّمي الرعاية النهارية والإخوة.
يُشار إلى الاستِنتاج القائل إنَّ الأطفال في مرحلتَي الرَّضاعة وتعلم المشي يتعلمون من الناس في الواقع بصورة أفضل من التجارب المكافئة مع التليفزيون بمُصطَلح «تأثير عجز الفيديو» (أندرسون وبيمبيك، ٢٠٠٥). لقد حيَّر تأثير عجز الفيديو الباحثين لسنوات. فبصرف النظر عما إذا كانت المعلومات تُقدَّم للنشء من خلال التليفزيون أو مباشرة، فإن الرسالة واحدة، ولا يَختلف إلا أسلوب التقديم. لكن لماذا يعتمد التعلم في مرحلتَي الرضاعة وتعلم المشي بشدة على وجود شخص حقيقي؟ في اتِّفاق مع رأي فيجوتسكي (١٩٧٨) أن التعلم كله يتمُّ في سياق التعاملات الاجتماعية، يقول تروسيث وآخرون (٢٠٠٦) إنَّ الأطفال الرضَّع وفي مرحلة تعلُّم المشي مُعتادُون في الأساس على المعلومات ذات الصلة بالتفاعل الاجتماعي. وتشير المعلومات ذات الصلة بالتفاعل الاجتماعي إلى المعلومات التي يُقدِّمها شريك اجتماعي مرفقة بإشارات اجتماعية ملائمة تُركِّز على المحفِّزات المشتركة في البيئة المحيطة. وتشمل أمثلة الإشارات الاجتماعية الاستجابة المشروطة والنظرة والإشارة بالإصبع.
ورغم أن برامج التليفزيون الموجَّهة إلى الأطفال الصغار تُقدِّم المعلومات من خلال التقديم الشبه الاجتماعي (عن طريق شخصيات على الشاشة تتحدَّث إلى الجمهور كما لو كان في الغرفة مثلًا)، فإن المعلومات تُقدَّم دون الإشارات الاجتماعية الملائمة. أي إنه لا يوجد أي تبادل مشترك للمعلومات بين الطفل والشخصية التليفزيونية. ويرى تروسيث وزملاؤه أنه بمرور الوقت يعرف الأطفال الصغار أن سلوك الشخصيات التليفزيونية غير ذي صلة بما يَفعلون (أن الاستجابة غير مشروطة) وأن الشخصيات التليفزيونية لا تستجيب لاحتياجاتهم. وبهذا يُقلِّل الأطفال من شأن المعلومات المذاعة تليفزيونيًّا باعتبارها غير مهمة نسبيًّا، مما يعيق التعلم.
وحتى البرامج من أمثال «ألغاز بلو» التي تحتوي على بعض الإشارات الملائمة (كطرح أسئلة عن مدلول مشترك)، لا تُوفِّر للأطفال الفرصة للحصول على تدفُّق مباشر للمعلومات، وهي عملية يعتاد عليها حتى الأطفال الصغار أنفسهم؛ لذا فإن غياب التبادل الثنائي للمعلومات، عند الأطفال في مرحلتَي الرضاعة وتعلم المشي، يبدو أنه يعيق التعلم. إلا أن التعلم عن طريق التليفزيون يتحسن بالمشاهدة المتكررة (أندرسون وبيمبيك، ٢٠٠٥). إذن فحتى عند الأطفال الصغار جدًّا يمكن اكتساب المعلومات في غياب الإشارات الاجتماعية ذات الصلة. إلا أن وجود الإشارات ذات الصلة اجتماعيًّا يزيد من فاعلية التعلم، وهو ما يفيد في النهاية الأطفال الرضع وفي مرحلة تعلم المشي الذين لديهم قدرات إدراكية محدودة.
-
الطفولة المبكرة: أُجريت أبحاث عن أثر الإعلام التعليمي على النشء في مرحلة
الطفولة المبكِّرة لأكثر من ٣٥ عامًا. وخلال هذه المدة ركزت
أغلبية الدراسات التجريبية الكثيرة التي أُجريَت على التأثير
التعليمي لبرنامج واحد، «عالم
سمسم». فبالتركيز على
التعلم الدراسي واكتساب المهارات الاجتماعية (ما يُشار إليه
إجمالًا بالاستعداد للمدرسة)، يهدف «عالم سمسم» إلى مساعدة
الأطفال فيما قبل المدرسة على الاستعداد لمرحلة الدراسة
الابتدائية. ومن بين البرامج التعليمية التي تتبع نفس الخطة
«ألغاز بلو» و«بارني وأصدقاؤه» (بارني آند فريندز) و«نافذة
أليجرا» (أليجرا ويندو) و«جزيرة جولا جولا» (جولا، جولا
أيلاند). وبصورة عامة يبدو أن تلك البرامج التعليمية تفيد
المشاهِدين الصغار في العديد من المجالات المتعلِّقة
بالدراسة.
يُمكن للإعلام التعليمي أن يعلم الأطفال الحقائق المعرفية. فسواء في تعلم أعضاء الجسم، أو الأرقام إلى ٤٠، أو التمييز بين الألوان والأشكال، أو تعلم الأبجدية، يُظهر الأطفال المشاهِدون بكثافة للإعلام التعليمي أفضلية على الأطفال غير المشاهدين أو المشاهدين بدرجة قليلة. ويمكن للإعلام التعليمي أن يعزز فهم الأطفال للكلمات المكتسَبة مسبقًا بل يعلمهم كلمات جديدة. من المهم أن نذكر أن هذه الفوائد تظل موجودة بعد الأخذ في الاعتبار تأثير مستوى تعليم الأبوين وحضورهم في حياة الطفل قبل دخوله المدرسة. علاوةً على ذلك، ومن ناحية الاستعداد للمدرسة، يميل النشء من الطبقات المحرومة إلى الاستفادة بدرجة قصوى من الإعلام التعليمي (فوش، ٢٠٠٢).
يبدو أن مشاهَدة الإعلام التعليمي خلال الطفولة المبكِّرة تفيد النشء لسنوات بعدها. فمثلًا تمتَّع الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة الذين شاهدوا الطائر العملاق وكعكي وغيرهما، مقارنة بمن لم يشاهدوا «عالم سمسم»، بحصيلة مفردات أكبر، وكانوا أفضل في القراءة خلال السنوات الأولى من الدراسة الابتدائية؛ ومن ثَم كانوا أقل عرضة لأن يحتاجوا تقوية دراسية (رايت وآخرون، ٢٠٠١؛ زيل ودافيز ودالي، ١٩٩٤). وتظهر هذه الفوائد في أجلِّ صورِها عند النشء الذين تعرضوا للإعلام التعليمي بين سن الثانية والثالثة (رايت وآخرون). جدير بالذكر أن أندرسون وزملاءه (٢٠٠١) وجدوا أنه بعد التحييد الإحصائي لتأثير تعليم الأبوَين وترتيب الولادة وموقع المدرسة فإن النجاح الدراسي في مرحلة الدراسة الثانوية لم يزل متأثِّرًا إيجابيًّا بمشاهدة برامج التليفزيون التعليمية في سن الخامسة (أندرسون وآخرون، ٢٠٠١).
رغم أن التعلُّم المعرفي يبدو أنه يتحسَّن بصفة موحدة نتيجة الإعلام التعليمي، فإنَّ البيانات الخاصة بتعلم المهارات أكثر اختلاطًا. يبدو أن الإعلام التعليمي يساعد المشاهِدين الصغار على التفكير المرن (تصور وجهة نظر الآخر مثلًا)، واكتساب مهارات حلِّ المشكلات (تجربة أساليب عدة مثلًا)، واستيعاب المفاهيم الارتباطية، وحل الألغاز البسيطة (فيش، ٢٠٠٢). إلا أن العديد من الدراسات وجد أن الإعلام التعليمي لا يُحسِّن القواعد اللغوية للمشاهدين الصغار (نايجلز ومايو، ٢٠٠١). تذكر أن التليفزيون يفتقر للإشارات ذات الصلة اجتماعيًّا. ورغم أن القدرات الإدراكية عند الأطفال فيما قبل المدرسة ربما تكون قد تحسَّنت لدرجة القدرة على اكتساب الحقائق والمهارات دون تركيز ثنائي الاتجاه للانتباه فإن القواعد اللغوية يبدو أنها لا تدخل ضمن ذلك. على كل حالٍ، تُمثِّل المشاركة النشطة في المحادَثة، من مرحلة الرضاعة إلى الطفولة المبكِّرة، عنصرًا مهمًّا في اكتساب اللغة وتطويرها (ديهارتو وسروف وكوبر، ٢٠٠٤).
-
الطفولة: خلال الطفولة
المتوسطة، كان تأثير الإعلام التعليمي على تعلُّم المهارات
والتعلُّم المعرفي يُقاس في الأساس في حدود جدران المدرسة
الابتدائية. وفي هذه الدراسات جرى تقييم المَجالات التعليمية
التالية: طلاقة القراءة بالنظر، واستيعاب القراءة، وأسماء
الحروف، والقُدرات الرياضية وحل المشكلات، والمواقف من
التعلُّم والتفكير العلمي (رايت وآخرون، ٢٠٠١). وكانت النتائج
متَّسقة على مستوى هذه المجالات المختلفة: وهي أن البرامج
التعليمية/المعلوماتية تحسُّن الأداء الدراسي. وفي إحدى كبرى
الدراسات التعليمية القائمة على التقييم قبل الاختبار وبعده،
قيم بول وبوجاتس (١٩٧٣) تأثير مشاهدة برنامج «فرقة الكهرباء»
(ذا إيليكترك كومباني) على النتائج المُرتبطة بالقراءة عند
٨٠٠٠ من التلاميذ فيما بين السنة الأولى والسنة الرابعة في
المدرسة. وأظهرت نتائج هذه الدراسة المدرسية أن العديد من
مهارات القراءة (كقراءة الحروف الساكنة المتداخلة والقراءة من
أجل الفهم) تحسَّنت عند جميع النشء، لكن بصفة خاصة عند مَن هم
في السنة الأولى والثانية. وبوضع هذه النتائج معًا فهي تُشير
إلى أن البرامج التعليمية/المعلوماتية يُمكن أن تدعم المنهج
الدراسي الأساسي في تعزيز التعلُّم خلال مرحلة الطفولة
المتوسطة. إلا أنه لم تُقَيِّمْ أيٌّ من الدراسات المذكورة
فرضية عجز الفيديو. فمِن الوارد جدًّا أنه إن درَّس المعلمون
محتوى مقاطع الفيديو التعليمية في الفصول (إضافة إلى المنهج
النظامي) فسيكون
التحسن في مستوى النشء الدراسي أكبر مقارنة بالتحسُّن الناتج
عن التعرض للإعلام التعليمي؛ لذا ينبغي للأبحاث المستقبَلية أن
تتناول ما إذا كان تدعيم المحتوى المدرَّس في الفصل بالإعلام
التعليمي أو إجراءات تعليمية إضافية لها نتائج مكافئة.
مِن المُهم أن نضع في الاعتبار أنه قد توجد حدود لمنافع الإعلام الدراسي؛ فعلى سبيل المثال: توصَّل لاينبارجر وزملاؤه (لاينبارجر وكوزانيك وجرينوود ودوكو، ٢٠٠٤) إلى أنَّ الأطفال في رياض الأطفال المُحتمل تعرُّضُهم لمشكلات القراءة لم يستفيدوا من البرامج التعليمية/المعلوماتية التي ركَّزت على القدرة الناشئة على القراءة والكتابة (مثل برنامج «بين الأسود» (بيتوين ذا ليونز)). كما أنه وعلى النقيض من النتائج بين الأطفال فيما قبل المدرسة، لم يظهر على المُستعدِّين للمدرسة ممَّن هم في مرحلة رياض الأطفال أي تحسُّن دراسي بعد مشاهدة «عالم سمسم» (فيش، ٢٠٠٢)؛ لذا فإن فوائد الإعلام التعليمي تبدو أنها محدودة عند الأطفال المعرَّضين للمُشكلات الدراسية وعند الأطفال ذوي المهارات المعدَّة جيدًا بالفعل (بول وبوجاتس، ١٩٧٣).
وأخيرًا وخلال الطفولة المتوسِّطة، ثمة أبحاث تشير إلى أن الإعلام التعليمي المذاع تليفزيونيًّا يؤثِّر في التعلُّم المعرفي بدرجة أكبر من التعلم المهاراتي. وهذا أمر منطقي نظرًا إلى أن التعلم المهاراتي يتطلب ممارسة عملية، وهو شيء لا يُقدِّمه الإعلام التقليدي (أي التليفزيون). إن تعلم المهارات صعب بما فيه الكفاية، لكن تطبيقها على مواقف جديدة أصعب بكثير. ليس غريبًا أن الدروس المكتَسبة من الإعلام التعليمي تُطبَّق على المجالات الجديدة بصعوبة بالغة (بيل وروكويل وإستي وجونزر، ١٩٨٧). فبعكس التعلُّم المهاراتي، يسهل تعزيز التعلم المعرفي بعد التعرض للإعلام التعليمي. والسبب؟ يُحسِّن التكرار من تذكر الحقائق، وفي الدراسات المذكورة سابقًا كان الأطفال يُعرَّضون بصفة متكرِّرة للمُحتوى التعليمي. وتؤيد دراسة حديثة الاعتقاد بأن تكرار المعلومات هو ما يؤدي إلى التعلم المعرفي؛ فقد توصَّل مايكل وزملاؤه (مايكل وروبرز وشنايدر، ٢٠٠٧) إلى أن الأطفال الذين يُشاهِدون فيلمًا مرتَين وكذا النشء الذين يتلقون تعليمًا مدرسيًّا بجانب الفيلم (وهو ما يؤدِّي إلى التعرض المزدوج للمحتوى)، مقارنة بالنشء الذين يشاهدون فيلمًا علميًّا مرة واحدة، يرتفع مستوى أدائهم في الاختبارات الخاصة بالمحتوى التعليمي وفي استخدام الذاكرة في التفاصيل المعلوماتية.
- المراهقة: قبل عقد تقريبًا من انتشار التليفزيون على المستوى التجاري، قيَّمت دراسات عديدة التأثير الإعلامي للأفلام على التعلم؛ إذ كان يُعرض على النشء في المرحلتَين الإعدادية والثانوية أفلامًا تعليمية خلال اليوم الدراسي، ثم تُختبَر معرفتهم بالموضوع بعد أيام أو شهور. في بعض الأحيان كان يُتبع الفيلم المعروض على النشء («أدوات المائدة» مثلًا) بدرس ذي صلة من المعلم، وفي بعض الأحيان كان الفيلم هو الدرس. وبصرف النظر، كانت النتائج مُتطابقة من حيث إن المراهقين الذين تعرضوا للأفلام اكتسبوا معلومات أكثر عن الموضوع من النشء الذين لم يتعرَّضوا لها. كما أن التعلم المعرفي بلغ ذروة قوته عندما اقترنت الأفلام بدروس مكمِّلة (هانسن، ١٩٣٣). وبعد حوالي ٦٥ عامًا توصَّل بحث مماثل إلى أن المراهقين الذين يُشاهدون نشرة أخبار من ١٠ دقائق خلال اليوم الدراسي (كنشرة القناة الأولى) على دراية أكبر بالأحداث الجارية من النشء الذين لا يُشاهِدونها (أندرمان وجونستون، ١٩٩٨).
(٢-٢) التعليم بمساعدة الحاسوب
من بين مواطن القصور الرئيسية في الإعلام التعليمي التليفزيوني باعتباره أداة تعليمية هو أن التدفُّق التفاعُلي فيه أُحادي الجانب (أي من الإعلام إلى الطفل) وهو ما يجعل من الصعب على المُشاهِد أن يتحكَّم بصورة نشطة في العمَلية التعليمية؛ ومن ثَم يتأثر التعلُّم المهاراتي سلبًا. ويُمكن التغلُّب على هذه المشكلة من خلال التعليم بمساعدة الحاسوب؛ فخلال التعليم بمساعدة الحاسوب لا يقتصر الأمر على مشاهدة الأطفال والمراهقين للمحتوى التعليمي، لكنَّهم يجيبون على الأسئلة ويتلقون تقييمات بناءً على إجاباتهم. إذن فالتعليم بمساعدة الحاسوب مصمم للتركيز على مجال التعلم الواعد لدى الطفل، أو كما يُسميها فيجوتسكي (١٩٧٨) منطقة التطوُّر الوشيك. وتتفاوَت درجة تعقيد التعليم بمُساعدة الحاسوب من العرض البسيط للمعلومات وحتى الدروس التعليمية التي تشمَل المُحاكاة (كتشريحِ خنزير مثلًا). كذلك يُتيح التعليم بمُساعدة الحاسوب للنشء أن يُمارسوا أنشطة حلِّ المشكلات الصعبة التي تتطلَّب تطبيق المادة المُدرَّسة سابقًا. وغالبًا ما يكون التعليم بمساعدة الحاسوب في سياق الألعاب. فمثلًا في لعبة الكمبيوتر «كتابة الموتى» (تايبنج أوف ذا ديد) يُطلَب من اللاعبين أن يكتبوا الكلمات التي تظهر على أجسام الزُّومبي كي يتمكنوا من قتلهم. وكلما زادت سرعة الكتابة زادت سرعة القضاء على حشود الموتى الأحياء والمخلوقات الشيطانية المتنوعة.
كانت الأبحاث الأولية بخصوص فاعلية التعليم بمساعدة الحاسوب في الإنجاز الدراسي ذات نتائج مختلطة. ورغم أن بعض الدراسات وجدت أن التعليم بمساعدة الحاسوب قد رفع مستوى التعلُّم، وجد البعض الآخر أنه قد أعاقه. فمثلًا خلال الطفولة المتوسطة، حقَّق الأطفال المُستخدمون للتعلم بمساعدة الحاسوب الذي يتضمَّن تدريبات رياضية تكرارية مجموع درجات أقل في اختبارات الرياضيات مقارَنة بهؤلاء الذين يَستخدِمون المُحاكاة والألعاب الحاسوبية المرتبطة بالرياضيات (وينجلينسكي، ١٩٩٨). وسواء كان تركيز البحث على القراءة أو الرياضيات أو العلوم أو التدريس التقليدي (أي مدرس حاضر) عبر مراحل النمو فقد كانت النتائج عادة أفضل من نظيرتها في التعليم بمساعدة الحاسوب (كريستمان وبادجت ولوجينج، ١٩٩٧). على العكس، وكما سيُبيِّن العرض التالي، تشير الأبحاث الأخيرة بوضوح إلى أن التعليم بمساعدة الحاسوب قد يكون له أثر إيجابي على الإنجاز الدراسي.
(أ) مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة
إذن ماذا تُخبرنا الأبحاث الحالية عن فوائد أو أضرار استخدام البرمجيات التعليمية في مرحلة الرضاعة وحتى سنوات ما قبل المدرسة؟ لسوء الحظ لا توجد أبحاث تجريبية في مرحلتَي الرضاعة وتعلم المشي عن هذه النقطة. إلا أن التدريس بمُساعدة الحاسوب يُوفِّر بيانات ذات صِلة في صورة تفاعلية؛ حيث يسأل الكمبيوتر سؤالًا ويُجيب الطفل، ثم يقيم الكمبيوتر إجابة الطفل. كما أن التفاعلات بين الكمبيوتر والطفل تحاول أن تَقترب من طبيعة التعاملات الواقعية التي تتضمَّن معلومات ذات صِلة اجتماعيًّا. وبهذا من المتوقَّع أن تكون فوائد التدريس بمساعدة الحاسوب مساوية، إن لم تتفوق على الإعلام التعليمي المذاع على التليفزيون وأقراص الفيديو الرقمية.
على الرغم من عدم وجود تحقق بحثي مباشر من الادعاءات المحددة التي تصدر عن مورِّدي البرمجيات التعليمية الموجَّهة للرضَّع والأطفال الصغار، ثمة أبحاث تتناول فوائد التدريس بمُساعدة الحاسوب خلال الطفولة المبكرة. فكما هو الحال مع الإعلام التليفزيوني، يبدو أن التدريس بمساعدة الحاسوب يفيد النشء في مجالات ضرورية للاستعداد المدرسي. فمثلًا، بالمقارنة بالمجموعات القياسية، ظهر على الأطفال فيما قبل المدرسة الذين احتكوا بالتدريس بمساعدة الحاسوب تحسُّن أكبر في عنصرين رئيسيين في القراءة؛ الحساسية الصوتية (أي القدرة على رصد الأصوات واستخدامها في اللغة)، والتأليف الصوتي (أي القدرة على تكوين الكلمات وتمييزها؛ لونيجان وآخرون، ٢٠٠٣؛ ريتسما وويسلنج، ١٩٩٨). بنفس الصورة وجد دين وكالاو (٢٠٠١) إلى أن النشء الذين يستخدمون التدريس بمساعدة الحاسوب قد أحرزوا درجات في التهجي والقراءة أعلى من الذين لم يتعرَّضوا للاستخدام الحاسوبي التجريبي. إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان التدريس بمساعدة الحاسوب يمكن أن يؤثر في قواعد اللغة أم لا. وحتى الآن لم يتمكن التدريس بمساعدة الحاسوب من تقديم المعلومات الاجتماعية الضرورية من النوع الواقعي لاكتساب قواعد اللغة خلال الطفولة. وفي المستقبل قد يتمكَّن التدريس بمساعدة الحاسوب المتضمِّن للواقع الافتراضي من أن يوفر للنشء «مدرِّسين» قادرين على التعامل في مواقف اجتماعية لها درجة عالية من الواقعية. فهل سيكون المعلمون المولَّدون عن طريق الحاسوب في بيئات الواقع الافتراضي مفيدين في تدريس قواعد اللغة للنشء بقدر المدرِّسين البشر؟ الوقت وحده، والمزيد من البحث، هو ما يُمكنه الإجابة عن هذا السؤال.
رغم أن العديد من الدراسات وجَد أن القدرات في الرياضيات تتحسن نتيجة التدريس بمساعدة الحاسوب (مثل دراسة إيليوت وهال، ١٩٩٧) فإن دراسات أخرى لم تتوصل إلى النتائج نفسها. وقد دفعت النتائج غير المتسقة بخصوص الرياضيات البعض إلى القول أن النشء في الطفولة المبكِّرة يَفتقرون للنُّضج الإدراكي الضروري للاستفادة من التدريس بمساعدة الحاسوب (فيرناداكيس وأفيرجرينوس وتسيتسكاري وزاكوبولو، ٢٠٠٥). لكن فليتشر فلين وجرافات (١٩٩٥) وجدا أن التدريس بمساعدة الحاسوب قد حسَّن فعلًا من القدرات الرياضية بصورة أكبر من التدريس التقليدي. إذن، وبدلًا من عدم النُّضج الإدراكي، قد تكون الاختلافات بين البرامج هي السبب في هذه الفروق. فمثلًا وجد لويك (٢٠٠٦) أن فاعلية التدريس بمساعدة الحاسوب تختلف باختلاف وسيلة التفاعُل؛ إذ بينما عزز التفاعُل المباشر البسيط (مثل اختيار الإجابات وحذفها) من التعلم، فإن المنافسة وتجميع الأسئلة قد أعاقه.
(ب) الطفولة المتوسطة
كما ذكرنا سابقًا، تبيَّن أن التدريس بمساعدة الحاسوب يساعد الأطفال على الاستعداد للقراءة خلال الطفولة المبكِّرة. ومع تقدُّم النشء في العمر، لا ينفكُّ الاحتكاك بالتدريس بمُساعدة الحاسوب أن يكون مفيدًا للقارئين المُبتدئين. فمثلًا وجد باوزرمان وزملاؤه (باوزرمان وكاسادي وسميث وسترود، ٢٠٠٥) أن برامج الكمبيوتر تُساعد النشء في رياض الأطفال على تطوير وَعيهم الفونولوجي (كدمج الأصوات وتقطيعها)، ومفاهيم الكتابة المطبوعة (أي فهم كيفية عمل الكلمات المطبوعة)، ومهارات الفهم بالاستماع بدرجة تتجاوَز زملاءهم الذين لم يتعرَّضوا للتدريس بمُساعدة الحاسوب.
أما في الرياضيات فكانت النتائج أكثر اختلاطًا؛ إذ فيما يخصُّ النشء في أواخر الطفولة المتوسِّطة (أي السنة الرابعة وما بعدها) اقترن التعرض للتدريس بمساعدة الحاسوب المتضمِّن للمحاكاة والتطبيقات الحسابية (مثل أن تكون جزءًا من لعبة حسابية) بمُعدَّلات إنجاز دراسي أعلى في مادة الرياضيات. في المقابل اقترنَت برامج الكمبيوتر التي تُركِّز على رَصِّ المعلومات الحسابية بدرجات إنجاز دراسي رياضي أقل (وينجلنسكي، ١٩٩٨). لكن فيما عدا هاتين الدراستَين لا توجد أبحاث كثيرة عن آثار التدريس بمُساعدة الحاسوب في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم.
من اللافت أن ثمَّة قدرًا كبيرًا من الأبحاث عن آثار التدريس بمساعدة الحاسوب على النشء في الطفولة المتوسِّطة من ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة أو حتى من في خطر تراجُع مستواهم عن مستوى سنتهم الدراسية. وهنا الدليل واضح: يفيد التدريس بمساعدة الحاسوب مهارات القراءة والفهم (هال وهيوز وفيلبرت، ٢٠٠٠). فالنشء ذوو الاحتياجات التعليمية الخاصة بحاجة لقدر من التدريب على المهارات القائمة على القراءة أكبر مِن أقرانهم ذوي «قدرات القراءة الطبيعية»، والتدريب هو أفضل ما يُقدِّمه التدريس بمُساعَدة الحاسوب. وعلاوةً على ذلك يُمكن أن يُوفِّر التدريس بمساعدة الحاسوب معلومات بخصوص التعلُّم؛ ومن ثَم يُساعد النشء على تعلُّم مهارات جديدة إضافة لتلك التي لديهم بالفعل. كذلك بيَّنت الأبحاث عن النشء ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة في الرياضيات أن النشء الذين احتكُّوا بالتدريس بمساعدة الحاسوب — مقارنةً بالمجموعات القياسية — يظهر لديهم تحسُّن أكبر في اختبارات الرياضيات العامة عبر الطفولة المتوسِّطة (هاسلبرنج وجوين وبرانسفورد، ١٩٨٨). إلا أن دراسةً أحدث قَيَّمَتْ قُدرات رياضية محددة خلال السنة الدراسية الأولى وجدت أن التدريس بمساعدة الحاسوب أدى لتحسُّن في مهارة الجمع، لكن ليس في الطرح ولا في المسائل الحسابية الكلامية (فوكس وآخرون، ٢٠٠٦).
في ضوء ندرة الأبحاث كما ذُكر، هل يُمكن تطبيق النتائج الخاصة بالأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة على النشء الطبيعي؟ والإجابة قطعًا لا، على الأقل ليس من دون قرائن داعمة؛ فلمجرَّد أن التدريس بمساعدة الحاسوب يفيد النشء المعرَّضين لخطر تراجع المستوى، فذلك لا يضمن أن النتائج ستَنسحِب على النشء الطبيعي؛ فقد وجد ماكروسو (٢٠٠٦) مثلًا أن التدريس بمساعدة الحاسوب أدَّى لتحسُّن مهارات القراءة عند تلاميذ السنة الأولى المُنخفِضي المستوى، ولكن ليس عند النشء الذين هم على نفس المستوى الدراسي للسنة الأولى في قدرات القراءة. ربما تُساعد برامج التدريس بمساعدة الحاسوب الحالية النشء على «تعويض قصور المستوى»، لكنها تواجه مزيدًا من الصعوبة في تحسين مستوى النشء فيما يتجاوز مستوى السنة الدراسية.
(ﺟ) المراهقة
فيما يخصُّ المراهقة، توجد أبحاث قليلة تدعم الاعتقاد بأن التدريس بمساعدة الحاسوب يُحسِّن القراءة أو التهجِّي. بل لقد وجد بروكس وزملاؤه (بروكس ومايلز وتورجرسون، ٢٠٠٦) أن المراهِقين في سن الحادية عشرة إلى الثانية عشرة الذين تعرضوا للتدريس بمساعدة الحاسوب كان مستواهم أسوأ في اختبارات القراءة من النشء الذين لم يؤدُّوا واجبات على الحاسوب. فمن بريطانيا إلى إسرائيل، لم يُحسِّن التدريس بمساعدة الحاسوب من تحسين القراءة والتهجِّي خلال المراهقة (أنجريست ولافي، ٢٠٠٢). أما الرياضيات في المقابل، فتشير الأبحاث المحدودة التي أُجريت إلى أن التدريس بمساعدة الحاسوب يُمكن أن يؤدِّي إلى تعظيم القدرة على حل المشكلات خلال المراهَقة (تشانج وسونج ولين، ٢٠٠٦؛ هارسكامب وسور، ٢٠٠٦). وقد وجدت دراسة حديثة أنه عند المُراهِقين الذين يعانون من مشكلات في الرياضيات، فإن التدريس بمُساعدة الحاسوب المصمم لمراعاة التفضيلات الشخصية شخصيًّا (وهو ما يأخذ في الاعتبار اهتمامات المراهق عند تأليف المسائل الكلامية) يؤدي إلى تحسن الأداء في اختبارات حل المسائل الرياضية بصورة أكبر من نظيره غير المصمم على هذا النحو (كو وهارتر وليو وتومبسون وتشينج، ٢٠٠٧).
كذلك كانت النتائج في العلوم إيجابية، حيث حسَّن التدريس بمساعدة الحاسوب المستوى في عدة مجالات، مثل علم الأحياء والفيزياء والكيمياء. وتجدر الإشارة إلى أن التحسُّن ظهر في كل من التعلُّم المعرفي والتعلُّم المهاراتي، مثل تطبيق المادة التعليمية وحل المشكلات (تشيبني وتاش وكوزه، ٢٠٠٦؛ أوزمن، ٢٠٠٧). وفي نتيجة ستُسعِد محبي الحيوانات ونُشَطاء حقوق الحيوان، أحرزت الفتيات المشاركات في تشريح افتراضي لخنزير درجات أعلى في الاختبارات العملية واختبارات المهمات التي استُخدمت لقياس اكتساب المعلومات، مقارنة بالفتيات اللاتي أجرين تشريحًا فعليًّا (لم تتناول الدراسة الفتية؛ مالوني، ٢٠٠٥). إلا أن من بين العوامل التي حَدَّتْ من القدرة على تقييم التدريس بمساعدة الحاسوب في العلوم هو أن البحث أُجريَ بصفة رئيسية على النشء في المراهَقة المتأخِّرة (أي السنة الثانية والسنة الأخيرة من المرحلة الثانوية)؛ لذا ليس من الواضح هل التدريس بمُساعَدة الحاسوب فعال عند النشء في أوائل المراهَقة والمراهَقة المتوسِّطة.
(٣) الموسيقى والإنجاز الدراسي: خرافة أم حقيقة؟
فيما يخص مسألة الإنجاز الدراسي، توجد ثلاثة اتجاهات بحثية تتناول الفوائد الإدراكية والدراسية المحتملة للموسيقى: (أ) آثار الإنصات للموسيقى على أداء المهام. (ب) فوائد تدريس الموسيقى. (ﺟ) تأثير أداء المهام الدراسية مع تشغيل الموسيقى في الخلفية. أما الاتجاه البحثي الأول الذي يُعرف عادة ﺑ «تأثير موتسارت»، فيتناول ما إذا كان الاستماع إلى الموسيقى قبل إنهاء مهمة (اختبار مثلًا) يمكن أن يرفع مستوى الأداء فعلًا. فبناء على أبحاث تجريبية أُجريت على مشاركين مراهقين، زادت فيها القدرات المكانية بعد التعرض للموسيقى الكلاسيكية (راوشر وشو وكاي، ١٩٩٣)، اعتُقد ذات مرة أن تشغيل موسيقى موتسارت للرضَّع يزيد من قدراتهم العقلية. وفي الحقيقة لم يَقتصر هذا الاعتقاد على جعل الأقراص المدمجة وأقراص الفيديو الرقمية تُسوَّق مباشرةً لآباء الأطفال الرضَّع (مثل موتسارت الصغير وأينشتاين الصغير) بل فرضت ولاية جورجيا بالفعل أن يُرسل حديثو الولادة إلى المستشفى مع قرص مدمج لموسيقى موتسارت. لكن كما تبيَّن لم يكن تأثير موتسارت مثبتًا بعدُ في الرضع. فرغم أن الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة يرتفع مستواهم في اختبارات القدرات الإدراكية بعد الاستماع إلى موتسارت، فإن درجات الأطفال في الاختبارات تتحسَّن أيضًا بعد الاستماع إلى أي نوع من الموسيقى يُحبونه، حتى وإن كانت موسيقى بوب (شيلنبرج، ٢٠٠٥). وعليه فإن النشء عندما لا يُفضِّلون الموسيقى الكلاسيكية فإن الاستماع إلى جاستن تيمبرليك قد يُفيد قدراتهم الإدراكية أكثر من الاستماع إلى موتسارت. فضلًا عن أن نفس الفوائد الإدراكية التي تُنسَب للاستماع إلى تسجيلات موتسارت تُلاحظ بعد الاستماع إلى قصص عن موتسارت من دون موسيقى (شيلنبرج)؛ لذا فإن تأثير موتسارت خرافة أكثر منه حقيقة، حيث لا يُمكن إثباته بصفة مؤكَّدة في أي سنٍّ خلال مراحل النمو. وحتى الآن لم تُقيَّم سوى ثلاث دراسات، تضمَّنت عينة دراسة من الأطفال أو المراهِقين، بشكل مباشر، تأثير الموسيقى الكلاسيكية على أداء المهامِّ اللاحِقة، ولم تُقدم أيٌّ منها أي دليل يدعم فكرة تأثير موتسارت (جرنجك وويلسون وبرايور، ٢٠٠٦).
تقوم حركة «الموسيقى مهمَّة» على الفوائد المفترضة لتعلم الموسيقى على المستوى الدراسي؛ فعلى كل حال بيَّنت عدة دراسات ارتباطية وجود ارتباط إيجابي بينهما؛ إذ يَتناسَب مستوى القراءة مثلًا ومهارات التفكير الزماني المكاني (أي القدرة على إدارة الأشياء وتصوُّرها والتعرف عليها في الفراغ) والذكاء تناسبًا طرديًّا مع تعلم الموسيقى. بل توصل اختبار شبه تجريبي حديث إلى أن طلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية الذين يشاركون في برنامج عالي المستوى لتعلُّم الموسيقى أحرزوا درجات في الاختبارات القياسية للغة الإنجليزية والرياضيات أعلى من نظرائهم في المدارس التي يَنخفِض فيها مستوى تدريس الموسيقى أو يَنعدِم (جونوسن وميموت، ٢٠٠٦). إلا أنه بالنظر إلى احتمال وجود متغيرات ثالثة لم يتمَّ قياسُها (كمستوى تعليم الآباء والمستوى الاجتماعي والمادي) لها تأثير على العلاقة الملاحظة بين المستوى الموسيقي والأكاديمي، فلا يُمكن إصدار ادعاءات جزافية. وإلى الآن بيَّن قليل من الدراسات التجريبية التي أُجريت أن دروس الموسيقى في أثناء الطفولة والمراهقة تؤدي إلى تقدم في المجالات الدراسية التقليدية كالرياضيات واللغة الإنجليزية. إلا أن دروس الموسيقى في أثناء الطفولة وخصوصًا في الطفولة المبكِّرة يبدو أنها تحسن مهارات التفكير الزماني المكاني. ولسوء الحظ فإن هذه الميزة تختفي بعد سنتين (هيتلاند، ٢٠٠٠).
تُجرى البحوث عن المنافع الدراسية المُحتملة لتشغيل الموسيقى في الخلفية منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين. وبعد حوالي ٦٠ عامًا من البحث، يُمكن القول إنه في بيئة الفصل العادية لا يبدو أن المستوى الدراسي يرتفع مع تشغيل الموسيقى في الخلفية. في المقابل فإن تشغيل الموسيقى في الخلفية عند النشء في البرامج التعليمية الخاصة يؤدِّي إلى تحسن المستوى الدراسي في الرياضيات وكذلك في مستويات التركيز العامة. ويرى جرنجك وزملاؤه (٢٠٠٦) أن تشغيل الموسيقى الهادئة في الخلفية يمكن أن يساعد على تقليل الحد الأدنى المُرتفع للاستثارة عند النشء ذوي الاحتياجات الخاصة؛ ومن ثَم يُحسِّن من مستواهم الدراسي، على الأقل على المدى القريب. إذن يمكن لأنواع معينة من الموسيقى أن تُساعد النشءَ على الدخول في وضع الاستثارة الأنسب للتعلم. وليس من الغريب أنه ما من فوائد من تشغيل الموسيقى في الخلفية للنشء الطبيعي؛ حيث إن الحد الأدنى للإثارة لديهم منخفض بدرجة تكفي فعليًّا للتعلم.
(٤) نقاط مهمة من منظور النمو
البرنامج | النطاق السِّنِّي | الأهداف التعليمية المزعومة: «هذه الأسطوانة تُعلم …» |
---|---|---|
نيك الطفل الصغير: أصدقاء فضوليون | ٣–١٨ شهرًا | … الأسباب والنتائج، والألوان، والتوصيل |
أينشتاين الصغير: شكسبير الصغير | ١٢ شهرًا أو أكثر | … المفردات «من خلال جمال الشعر والموسيقى والطبيعة» |
أينشتاين الصغير: الدماغ الأيسر | ٦–٣٦ شهرًا | … اللغة والمنطق والأنماط والترتيب |
الطفل مزدوج اللغة | ١–٥ سنوات | … لغة ثانية |
الضفدع الوثاب: لعبة التوصيل | ٣–٦ سنوات | … الأرقام، والعد، والجمع، والطرح |
رغم أن الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة تظهر عليهم الاستفادة من الإعلام التعليمي إلا أن ثمة حدودًا لما يُمكن للنشء في الطفولة المبكِّرة أنه يتعلموه من البرامج الدراسية. لكن ما يزيد على ذلك هو أن الفوائد النسبية لمُشاهَدة الإعلام التعليمي/المعلوماتي مقارنة بالتعلُّم على يد مدرِّسي ما قبل المدرسة والوالدَين غير معروفة. في الحقيقة لا يوجد الكثير من الأبحاث بخصوص عجز الفيديو فيما وراء سنوات تعلُّم المشي؛ لذا فإن أحد العناصر الأساسية في فهم فوائد الإعلام التعليمي لم تُسْتَكشَف إلا قليلًا. فثمَّة فارق بين القول إنَّ النشء يستفيد من البرامج التعليمية المعلوماتية والقول إن هذه الفوائد تُعادِل أو تزيد على تجارب الحياة الواقعية. ورغم أن أكثر من ٩٠٪ من البرامج التعليمية المعلوماتية موجَّهة للأطفال فوق سن السادسة، فإن حجم الأبحاث المُجراة عن آثار البرامج التعليمية المعلوماتية الدراسية على النَّشء في الطفولة المُتوسِّطة ضئيل نسبيًّا. إلا أن الدراسات التي أُجريت تشير إلى أنه فيما يخصُّ التعلم المعلوماتي والتعلُّم المهاراتي فإن برامج التليفزيون التعليمي يُساعد على النجاح الدراسي. وقد دعمت الأبحاث التي أُجريَت على البرمجيات التعليمية هذه النتائج.
وحاليًّا ليس هناك الكثير من الأبحاث إن وجدت عن تأثير المواد الإعلامية التعليمية التليفزيونية والفيلمية على التعلُّم المهاراتي في مرحلة الدراسة الإعدادية والدراسة الثانوية؛ لذا فلا يُعرف الكثير عن فاعلية البرامج التعليمية المعلوماتية التليفزيونية خلال المراهَقة. وفي ضوء التطورات الإدراكية المصاحبة للنمو فمن المُمكن أن تزداد فاعلية البرامج التعليمية المعلوماتية بتقدُّم السن، خاصة فيما يخصُّ تعلم المهارات؛ فعلى أي حال، يَميل الأطفال إلى استيعاب المحتوى التليفزيوني بصورة أفضل مع تقدُّمهم في السن (هتسون ورايت، ١٩٩٨). لكن هل تَنتقِل المهارات المعروضة في الإعلام التعليمي إلى الحياة الواقعية؟ ومع عدم وجود أبحاث حول هذه النقطة، فإن الوصول إلى إجابة تجريبية ضرورة واضحة.