التسويق وسلوك المستهلك والنشء
يتلقى الأطفال في جميع الأعمار هدايا بمناسبة أعياد ميلادهم، وهدايا في أثناء موسم الإجازة وتذكارات عليها عبارة «أحبك» طوال العام. ويكشف بحث سريع على موقع أمازون عن وجود أكثر من ٥٠٠ ألف لعبة وكتاب ولعبة فيديو يُمكن الاختيار بينها، وهو بحر من الخيارات بلا نهاية تقريبًا. ومع وجود اختيارات عديدة، كيف يُفترض بالآباء والأجداد ذوي النية الحسنة أن يختاروا هدايا لا تُناسب متلقيهم الصغار وحسب، بل تكون مرغوبة عندهم كذلك؟ مع أطفالي، يمكنني أن أسألهم مباشرة أو أراجع قائمة «الهدايا المقبولة» المعلَّقة على الثلاجة أو نسختها الإلكترونية المرسلة إلى عبر البريد الإلكتروني. الأمر بسيط بما فيه الكفاية، مع ذلك كيف يُمكن للأطفال والمراهقين أن يَعرفوا فعلًا ما يريدونه في المقام الأول؟ وهنا يأتي دور التسويق. فعندما تُنتَج الإعلانات بمستوى جيد فهي تمتلك القوى للتأثير في الأشياء التي يفكر فيها النشء ويرغبونها ويشترونها في النهاية.
لم يكن الأطفال والمراهقون دائمًا هدفًا لإعلانات التليفزيون. فخلال خمسينيات القرن العشرين ركزت معظم الإعلانات على الأفراد الذين يُعتقَد أنهم يمتلكون القوة الشرائية الكبرى، أي البالغين، إلا أن هذا الاعتقاد سرعان ما تغير؛ إذ بحلول الستينيات أدرك المُعلنون التأثير المحتمل للأطفال والمراهقين في المشتريات الاستهلاكية المرتبطة بالأسرة وبدءوا في توجيه الإعلانات إليهم. ولم يقتصر الأمر على تصنيف النشء باعتبارهم مُستهلِكين مستقلين يمتلكون أموالهم الخاصة، بل تعدَّى ذلك إلى اعتبارهم مؤثِّرين مُهمين في مشتريات الأسرة (جونسون ويونج، ٢٠٠٣). ولا يزال المُعلنون يستهدفون النشء، لأسباب منطقية: من المُمكن أن يترسَّخ الولاء للعلامة التجارية بدءًا من أوائل الطفولة ويستمر إلى البلوغ (موسكيس وموور، ١٩٨٢). ومع الأخذ في الاعتبار المشتريات المستقبلية، فليس من المفاجئ أن يريد المعلنون أن يتعرَّف الأطفال الصغار على علامتهم التجارية (أي الوعي بالعلامة التجارية)، حتى وإن كانوا أصغر من أن يشتروا مُنتجاتها (أو يؤثروا في المشتريات) في الوقت الحالي. فمثلًا، في عام ٢٠٠٣ أرسلت شركة فورد لصناعة السيارات إلى المدارس التمهيدية مُلصقات مجانية تشبه ملصقات الأبجدية تعرض نصائح للسلامة. واستُخدمت في مواقف عديدة في المدارس التمهيدية منتجات ومواد تعليمية مُقدَّمة من شركات راعية، مثل أوراق عمل «كير بير» وبرنامج بيتزا هت للقراءة (ماير، ٢٠٠٣). لكن بخلاف الاستهلاك المستقبلي، فإن القوة الشرائية للأطفال والمُراهقين اليوم مذهلة. ففي العام الواحد ينفق الأطفال تحت سن ١٢ عامًا حوالي ٤٠ مليار دولار وحدهم، وأنصاف المراهقين يُنفقون حوالي ٣٠ مليار دولار، والمراهقون يقاربون ١٦٠ مليار دولار. ومن دون هذه المشتريات المستقلة، يُؤثِّر النشء في ٦٠٠ مليار دولار إضافية في صورة مشتريات أسرية (تشانج، ٢٠٠٧). ولسنا نتحدَّث عن مأكولات التسالي والحبوب والألعاب؛ إذ يُؤثر النشء في مشتريات عالية القيمة أيضًا كالإلكترونيات ووجهات قضاء العطلات واختيار المركبة المناسبة (فالكنبرج وكانتور، ٢٠٠١).
(١) السلوك الاستهلاكي عبر النشأة
• الإحساس بالرغبات والتفضيلات |
• الإلحاح والمفاوضات |
• المغامرة وأول عملية شراء |
• المطابقة والتدقيق |
• تشكُّك المراهقة |
(١-١) الإحساس بالرغبات والتفضيلات
تتجلى المرحلة الأولى من سلوك المُستهلِك وهي الإحساس بالرغبات والتفضيلات في أثناء مرحلتَي الرضاعة وتعلُّم المشي. ومن الواضح أن محدودية جوانب الإدراك واللغة في مراحل النمو هذه تقصر سلوك المُستهلك على المهمة الأولى؛ ففي مرحلة مبكِّرة لا تتعدَّى الأشهر الأولى من العمر، يَشعُر الرضَّع بالرغبات ويظهرون تفضيلات لأنواع معينة من النكهات (كالسكريات) والروائح (المبهجة مثلًا) والصور (ذات الوضوح العالي مثلًا) والألوان (البراقة مثلًا) والأصوات (الأصوات البشرية مثلًا). وبالطبع يحرص تجار التجزئة على وجود اختيارات متعدِّدة للأطعمة والدمى والألعاب لتكافئ هذه التفضيلات. لكن بصرف النظر عن إصدار الرضَّع للأصوات عند رؤية شيء موضوع على رفٍّ قريب، هم لا يزالون بحاجة لاكتساب المهارات الاجتماعية الإيجابية الضرورية للتعبير عن أي رغبات متعلِّقة بالمنتج قد تكون لديهم. وسرعان ما يتغير هذا الحال، فبين سن ١٨ و٢٤ شهرًا لا يقتصر الحال بالعديد من الأطفال في مرحلة تعلُّم المشي (٤٠٪) على القدرة على طلب المنتجات بالاسم، بل يُمكنهم التعرف على المنتجات التي رأوها على شاشة التليفزيون في المتجر. بل إن دراسة توصلت إلى أن الأطفال في سن سنتين قد عبروا عن متوسط ١٨ منتجًا مطلوبًا في خلال ٢٥ دقيقة فقط من التسوق (هولدرين، ٢٠٠٣). مع ذلك ففي أغلب الأحوال تكون طلبات المُنتَجات عند الرضع والأطفال في مرحلة تعلم المشي استجابة لرؤية شيء أمامهم وليس طلبًا واعيًا يُوجهه هدف معين في غياب المُنتج. إلا أن هذه الطلبات يُمكن أن يكون لها تأثير كبير على قرارات الوالدَين الشرائية؛ فالعديد من الآباء يُعزز رغبة الطفل الصاخبة في متجر البقالة بشرائهم الشيء الذي يرغبه
(١-٢) الإلحاح والمفاوضات
يبدأ الإلحاح والمفاوضات، المرحلة الثانية من سلوك المُستهلك، في سنوات ما قبل المدرسة. وعند هذه السن لا يكون الأطفال قد اكتَسبوا حسًّا عامًّا بالأشياء المحبوبة وغير المحبوبة فقط، بل يظهرون تفضيلات لمنتجات علامات تجارية معينة. وتصل قوة هذه التفضيلات لدرجة التأثير على تقييم الأطفال فيما قبل المدرسة للمُؤثِّر ذي الصلة، فمثلًا بَيَّنَ روبنسون وزملاؤه (روبنسون وبورزيكوفسكي وماثيسون وكريمر، ٢٠٠٧) أن الأغذية الصحية (كالجزر واللبن) كان طعمها أفضل عند الأطفال فيما قبل المدرسة عندما غُلِّفت بغلاف من ماكدونالدز مقارنة بنظيرتها غير المُغلفة.
وبالإضافة إلى وعي الأطفال فيما قبل المدرسة برغباتهم وتفضيلاتهم الخاصة، فهم يسعون بنشاط في هذه المرحلة لإشباعها. فضلًا عن أنهم يستخدمون أي وسيلة ضرورية لفعل ذلك، بما في ذلك النحيب والدخول في نوبة غضب والبكاء وبالطبع الإلحاح والمفاوضات. في الواقع يبلغ الصراع بين الوالدَين والطفل ذروته خلال زيارة المتاجر في هذه المرحلة من مراحل سلوك المستهلك؛ حيث يبلغ ٧٠٪ من الآباء لأطفال في الخامسة عن خلافات في أثناء التسوق. في المقابل يبلغ ٤١٪ فقط من الآباء لأطفال في الثانية و٥٨٪ من الآباء لأطفال في الثامنة عن مثل هذه المواقف. وتُمثِّل هذه الخلافات جزءًا من الأسباب وراء بلوغ الأطفال الصغار أول منعطف رئيسي في سلوك المستهلك في تلك المرحلة، وهو «الشراء شبه المستقل». ففي وجود أحد الأبوين اشترى نصف الأطفال البالغين الرابعة من العمر سلعةً في متجر للبقالة أو متجر متنوع (فالكنبرج وكانتور، ٢٠٠١). وبذلك ينجز الأطفال المهمة الثالثة من سلوك المستهلك: اتخاذ القرار والشراء.
وتحدث تطورات هائلة في ذاكرة الأطفال (٨٥٪ من الأطفال في سن الرابعة صاروا يتعرفون على المنتجات في المتاجر) والقدرات الاجتماعية الإيجابية خلال سنوات ما قبل المدرسة. إلا أن فالكنبرج وكانتور (٢٠٠١) أشارا إلى أن العديد من المحدوديات الإدراكية والعاطفية في الطفولة المبكِّرة ينتج عنها سلوك عنيف يحاول الأطفال فيما قبل المدرسة من خلاله أن يُشبعوا احتياجاتهم المحسوسة؛ فأولًا: يدرك الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة في الغالب الإعلانات التليفزيونية باعتبارها إما برامج ترفيهية قصيرة أو مصادر مفيدة للمعلومات عن الألعاب ووجبات الحبوب وما شابه ذلك؛ فالمقصد الإقناعي للإعلانات غير مفهوم عامة عند هؤلاء الأطفال الصغار؛ لذا فمن منظور الطفل فيما قبل المدرسة، أن منتجات مثل دمى زراعة نبات الشيا ونماذج شخصيات فيلم «حرب النجوم» تَجلب حتمًا المتعة واللذة للجميع؛ لأن هذا ما تروج له الإعلانات. ويعجز الأطفال عن إدراك أن تلك الإعلانات لا تضع بالضرورة مصلحتهم نصب عينها (كونكل، ٢٠٠١). بل إن نسبة أقل من ثلث الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة يفهمون أن الإعلانات تُحاول إقناع الأطفال بشراء المنتجات المُعلَن عنها (ويلسون ووايس، ١٩٩٢).
ثانيًا: يظلُّ نضج الأطفال فيما قبل المدرسة باعتبارهم مُستهلِكين مَحدودين بسبب وحدانية التركيز، وهو ما يُقيِّد قدرتهم على عمل تقييمات و/أو مقارنات سليمة بين المنتجات. وتُعدُّ وحدانية التركيز الميل لتوجيه تركيز الفرد إلى سمة واحدة غالبة لشيء ما على حساب السمات الأخرى (ديهارت وسروف وكوبر، ٢٠٠٤)؛ فقد توصل أكوف مثلًا (١٩٩٧) إلى أن الفتيات في سن ما قبل المدرسة عندما يُعرض عليهن اختيار واحدة من بين ثلاث عرائس فهن يبنين اختيارهن على وجود أو غياب خاصية مفردة بارزة بصريًّا (كالقلب المطرز مثلًا)، ويتجاهلن غيرها من الجوانب المهمة للعرائس كالتكلفة والواقعية والجمال والجودة؛ فغلبة المظهر على الجوهر تحكم عالم المنتجات عند الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، أما توبيخات الآباء بخصوص جودة المُنتَج ومنفعته (أو عدمها) من المُحتمَل أن تلقى آذانًا صماء؛ لذا فإن المرحلة مناسبة للصراع بين الوالدين والطفل.
وأخيرًا، فإن الغياب العام للتحكُّم في النزوات ومحدودية القدرة على تأجيل الإشباع ينتج عنها هاتان الكلمتان الصغيرتان اللتان يخاف أن يسمعهما أي والد: «أريد هذا!» يشير تأجيل الإشباع إلى القدرة على الصبر في سبيل مكافأة أفضل بالامتناع عن مكافأة فورية أقل قيمة. فعندما يرى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة غرضًا جذابًا (كدُمية أو كعكة أو كتاب) فإنهم يُواجِهون صعوبة كبيرة في مقاومة الإغراء الذي يتعرَّضون له؛ إذ يتصرف الأطفال وفقًا لأهوائهم ويُكرسون كل جهودهم للحصول على الشيء المرغوب. كما أن الوعود بالامتيازات اللاحقة (كالآيس كريم) مقابل حسن السلوك الآن (كالتوقف عن الغضب) ليس من الضروري أن تؤدِّي إلى النتائج التي يرغبها الوالدان. ونادرًا ما يبادر الأطفال فيما قبل المدرسة بأي آلية تساعدهم على تأجيل الإشباع؛ ومن ثَم عندما يُواجَهون بمقاومة من الوالدَين فهم يندفعون ليُواجهوا المقاومة بالمقاومة.
(١-٣) المغامرة وأول عملية شراء
تُمثِّل المغامرة وأول عملية شراء — التي تتمُّ خلال السنوات الأولى للدراسة الابتدائية (٥–٨ سنوات) — المرحلة الثالثة في تطور الطفل باعتباره مُستهلِكًا. فالأطفال شأنهم شأن نظرائهم الأصغر سنًّا لا يزال تظهر عليهم وحدانية التركيز، ولا يزالون يُعانون من مشكلات في التحكم بالأهواء وتأجيل الإشباع، ولا يزالون يُعانون من صعوبات في فهم النية الإقناعية للإعلانات وإن كان بدرجة أقل من ذي قبل. فمثلًا تزيد النسبة المئوية للأطفال الذين يدركون الغرض الإقناعي للإعلانات بأكثر من الضِّعف في سنوات ما قبل المدرسة إلى سن الثامنة الذي يدرك فيه أكثر من ثلاثة أرباع النشء أن الإعلانات في الحقيقة أدوات للإقناع (ويلسون ووايس، ١٩٩٢). ومع تقدُّم الأطفال في هذه المرحلة، يحدث انتقال تفضيلي من البرامج ذات الإيقاع الأبطأ وتحتوي على شخصيات مألوفة (مثل بارني) إلى برامج ذات إيقاع أسرع وحبكات أكثر تعقيدًا (مثل سكوبي دو). وليس مِن الغريب أن إيقاع الإعلانات الموجَّهة إلى الأطفال في سن الخامسة إلى الثامنة يُواكب ذلك هو الآخر (جيننجز ووارتيلا، ٢٠٠٧).
خلال هذه المرحلة يقوم الأطفال بأول عملية شراء مُستقلة فعلًا لهم. فوفقًا لفالكنبرج وكانتور (٢٠٠١) أقدم ٢١٪ من الأطفال في سن الخامسة على الدخول إلى متجر بمفردهم وشراء سلعة أو اثنين. وفي سن الثامنة، تبلغ نسبة الأطفال الذين قاموا بعملية شراء مستقلة ٥٠٪. مع ذلك فإن الإلحاح على الوالدَين لا يزال سائدًا، حيث يكون النجاح الأكبر في الطلبات المتعلِّقة بالأغذية (كالمطاعم ومنتجات البقالة). ويؤدي النمو دورًا هنا أيضًا. فبينما يلح الأطفال في الخامسة على الآباء من أجل المنتجات أكثر من الأطفال الأكبر سنًّا، فإن الأطفال في السابعة من العمر تزيد معهم إمكانية تنفيذ طلباتهم (بريدجز وبريش، ٢٠٠٦). ومع وضع هذه العوامل معًا فإن اقتران إجراء عمليات الشراء المستقلة بالإلحاح الفعال على الوالدَين والوعي المحدود بالغرض الإقناعي يبدو أنه يجعل الأطفال الأصغر في هذه المرحلة أكثر عُرضة للتأثُّر بحملات التسويق. إلا أن بجوزين وفالكبرج (٢٠٠٠) أوضَحا أن الإعلانات يبدو فعلًا أنها تؤثر في الأطفال تحت سن الثامنة بدرجة أكبر من الأطفال الأكبر سنًّا أو المراهقين.
(١-٤) المطابقة والتدقيق
تُمثل المطابقة والتدقيق المرحلة الأخيرة في نظرية فالكنبرج وكانتور (٢٠٠١) لتطور سلوك المُستهلك. فالنشء فيما بين ٨ و١٢ عامًا يبدءون في النظر إلى قيمة مشترياتهم. ويُتيح انخفاضٌ حادٌّ في وحدانية التركيز لهذا النشء أن يفكر في أكثر من تفصيلة واحدة في نفس الوقت، وهو ما ينتج عنه تقدير لجودة المنتجات. فضلًا عن أن ملاحظتهم المتحسِّنة باستمرار للتفاصيل تُتيح للنشء تجميع قطع مثل الجامِعين الحقيقيِّين؛ حيث يَشترون المنتجات بناءً على سماتها الفريدة، كالبطاقات الحاسمة في معارك يوجي أو. في المقابل يَميل الأطفال الأصغر سنًّا إلى تكديس المنتجات؛ حيث يجمعونها من أجل الجمع ذاته. فمثلًا عندما كان ابني في الخامسة كان مصرًّا على جمع «مجموعة من المجموعات». علاوةً على ذلك، فإن القدرات الإدراكية المتزايدة لهؤلاء النشء تُمكنهم من المقارنة والمفاضَلة بين خصائص المنتجات المختلفة المتاح شراؤها. وهم بذلك يَتمون المهمة الرابعة والأخيرة من تطور المستهلك.
على الرغم من أن الإعلانات تُعتبَر مسلية إلا أنه يُنظر إليها بنظرة سلبية خلال هذه المرحلة من النمو (جون، ١٩٩٩)؛ فعلى عكس الأطفال الأصغر سنًّا يفهم المراهقون الصغار أن الإعلانات تحاول إقناع المشاهد بشراء منتجات معيَّنة. إلا أن المعرفة ليست دائمًا قوة؛ فالنشء حتى عندما يُدركون أن ثمة محاولة لإقناعهم لا يزال من المُمكن إقناعهم. وقد بيَّنت الأبحاث أن مشاهدة الإعلانات تزيد من رغبة المراهقين الصغار في المنتجات المروج لها وأن الاحتكاك المتكرِّر بنفس الإعلان يزيد من هذه الرغبة بدرجة أكبر (جورن وجولدبرج، ١٩٧٨). كذلك يميل الأطفال والمراهقون الذين يُشاهدون العدد الأكبر من الإعلانات إلى طلب المنتجات المعروضة من الوالدين أكثر من سواهم من النشء (بجوزين وفالكنبرج، ٢٠٠٣).
(أ) دور الأقران
بداية من السنوات المتأخرة للمرحلة الابتدائية وما يليها، يؤدي الأقران دورًا متزايد الأهمية في حياة النشء. فمعظم الأطفال في محاولة منهم «للتأقلم» يسعون لاتِّباع العرف السائد بين أقرانهم (ديهارت وآخرون، ٢٠٠٤). فمثلًا عندما كانت ابنتي في التاسعة تلقت بريدًا إلكترونيًّا من صديقة من ولاية أخرى تَشكُو فيها من الحقيقة «السخيفة» أن كل الفتيات في السنة الرابعة يرتدين حمالات صدر. ورغم شعورها بالنفور، ذكرت صديقة ابنتي أنها هي الأخرى ترتدي حمالة صدر؛ ومن ثَم يبدأ النشء في هذه المرحلة في التعود على الملابس والمنتجات وما سواها مما يعتبره أقرانهم «مميزًا» أو «يواكب إحدى الصيحات». وليس من غير الشائع أن يسعى المراهقون الأوائل إلى التباهي بهذه المنتجات أمام أقرانهم (ليندستروم، ٢٠٠٣). وعليه يُحاول المسوِّقون أن يُقدموا منتجاتٍ تُواكب احتياجات المراهقين المعروفة. وجدير بالذكر أن المُراهِقين الصغار مُهتمُّون على نحو خاص ببرامج التليفزيون والإعلانات التي تُقدم مراهقين أكبر منهم. وقد برهن على ذلك مؤخرًا الشعبية الهائلة بين المراهقين الصغار لفيلم ديزني «مسرحية الثانوية الغنائية» (هاي سكول ميوزيكال) ومسلسل «هانا مونتانا» وكل منهما يعتمد على محاولات النشء ومشكلاتهم في المدرسة الثانوية. كما يبدأ النشء في تجنب العروض المخصَّصة للجَماهير الأصغر سنًّا؛ فعلى ما يبدو لا تُعتبر مشاهدة بوب البناء «بوب ذا بيلدر» شيئًا «جذابًا» عند أقران من هم في العاشرة.
(١-٥) سلوك المستهلك خلال المراهقة
على الرغم من أن نظرية فالكنبرج وكانتور (٢٠٠١) لمراحل تطور المُستهلك تنتهي عند سن الثانية عشرة تقريبًا، فإن سلوك المُستهلِك يستمر في التطور عبر المراهَقة؛ إذ يظهر المُراهِقون تطورات واضحة في جميع المراحل الأربعة المذكورة. وتتيح القدرات الإدراكية المكتسبة حديثًا (مثل الاستبطان والمنطق المنهجي) للمراهقين أن يميزوا بصورة أكبر رغباتهم وتفضيلاتهم، وأن يتفاوَضوا بفاعلية أكبر على السِّلَع المادية، وأن يُقيموا جودة المنتجات التي يُفكِّرون في شرائها. ومع تناقص اعتماد النشء على الوالدين في الانتقال والمال (يُمكنهم مثلًا أن يكسبوا دخلهم الخاص) يُصبِحون مستهلِكين مستقلين بصفة متزايدة تتوافر لديهم نقودهم الخاصة. إلا أنهم يُضيِّفون إلى مهاراتهم الاستهلاكية القائمة جرعة صحية من التشكُّك (جيننجز ووارتيلا، ٢٠٠٧). وقد بين جون (١٩٩٩) أن المُراهِقين لا يقتصر بهم الأمر على التشكُّك في مصداقية الإعلانات، بل يتمكَّنون من التعرف على الأساليب المحدَّدة التي يستخدمها المسوقون لخداع المستهلكين، مثل استخدام المبالغات وإخلاء المسئولية. فبجانب الإعلانات، تؤثر الخبرة الشخصية مع المنتجات على سلوك المستهلك بصورة مُتزايدة. كما أن الأقران يستمرون في أداء دور مهم في تحديد المنتجات التي يَشتريها المُراهِقون، حيث تُستخدم الإعلانات باعتبارها مصدرًا للمعلومات عن الصيحات الحالية في عالم الأناقة والموسيقى وغيرها ليُناقشوها مع أصدقائهم (جونتر وأوتس وبليدز، ٢٠٠٥).
(١-٦) سلوك المستهلك وأثر المادية الوسيط
في خلال الطفولة والمراهَقة، يتأثر سلوك المستهلك بأكثر من مجرد الأقران والإعلانات. بل إن من بين العوامل الرئيسية التي تتوسَّط (أي تُؤثِّر في قوة العلاقة مع) أثر الإعلانات على سلوك المستهلك هو المادية. تُشير المادية إلى الأهمية التي يوليها الناس لمقتنياتهم، إما لتعزيز الذات أو سعيًا لتعريف أنفسهم (تشابلن وجون، ٢٠٠٧). وطبقًا لإحدى الدراسات، فإن النشء المُنغمِس في المادية يُفضِّلون الألعاب على الأصدقاء (جولدبرج وجورن، ١٩٧٨). والنشء المفرط في المادية هو حلم لكل مُسوِّق. فهم لا يَشترون السلع المادية فقط بل يَميلون أكثر للتأثُّر بحملات التسويق (تشابلن وجون).
بخلاف كون المادية وسيطًا لسلوك المُستهلك، فهي تُعدُّ أيضًا أثرًا غير مقصود لمشاهدة الإعلانات؛ فالآثار المقصودة من الإعلان تزيد مِن الوعي بالعلامة التجارية بما يَخلُق مواقف إيجابية من العلامة التجارية ويؤثِّر في طلبات الشراء وسلوكه (وكل منهما سنتناوله بتفصيل أكبر لاحقًا). ومن ثَم تُشير الآثار غير المقصودة إلى النتائج (السلبية عادة) التي ليس لها وقع على أي من الآثار المقصودة المذكورة بالأعلى. فمثلًا خلال النشأة، يبدو أن الصراع بين الوالدَين والطفل يزيد قليلًا بعد التعرض للإعلانات التليفزيونية (بجوزين وفالكنبرج، ٢٠٠٣).
بيَّن العديد من الدراسات الارتباطية والتجريبية أن النشء يَزدادون مادية بمُشاهَدة المزيد والمزيد من الإعلانات؛ إذ توصل جرينبرج وبراند (١٩٩٣) إلى أن المراهقين الذين يذهبون للمدارس التي يُطلب فيها من التلاميذ مشاهدة القناة الأولى الأمريكية كانوا أكثر مادية من التلاميذ المُلتحِقين بمدارس خالية من هذا البرنامج. وتُقدم القناة الأولى مقاطع فيديو وبرامج إخبارية تستهدف النشء، بما في ذلك الإعلانات. وتُذيع المدارس القناة من أجل مصلحتها الخاصة؛ فالمدارس المشاركة تحصل على أجهزة تليفزيون ومشغلات أقراص فيديو رقمية واشتراكات في مكتبة للفيديو مجانًا. وتستمر آثار الإعلانات على المادية، حتى بعد إزالة تأثير متغيرات الوسيط المهمة، مثل الخدمات التعليمية المكمِّلة والتواصُل مع الوالدَين والأقران بخصوص الاستهلاك؛ لذا فإن المشاهَدة المتكررة للإعلانات يبدو أنها تزيد من إمكانية أن يرغب الأطفال والمراهقون في أشياء لم يكن من الممكن أن يرغبوها عادةً، وتُساعد على خلق عقلية تعتبر المقتنيات المادية على قدر كبير من الأهمية للنفس.
في سياق النشأة، تُلاحظ المادية في الأطفال منذ سن السادسة (أتكين، ١٩٧٥). ثم تزداد خلال الطفولة المتوسطة وتبلغ ذروتها بين ١٢ و١٣ عامًا. وعلى الرغم من أن المادية تتراجَع بعد ذلك فإن مُستويات المادية في المراهقة المتوسِّطة والمتأخرة لا تزال موجودة بمستويات أكبر منها عند الأطفال الأصغر من ١٠ سنوات (تشابلن وجون، ٢٠٠٧). إذن كيف يتحوَّل الأطفال من تلاميذ مشاركين عطوفين إلى أطفال ماديِّين شغوفين بالمنتجات؟ مقارنة بالنشء الأقل مادية يغلب على الأطفال والمراهقين الماديِّين وجود أبوين ماديين وتواصُل غير ناجح بين الطفل والوالدَين وارتفاع مستوى التواصل مع الأقران. كذلك يَغلِب عليهم مشاهدة التليفزيون بدرجة أكبر؛ ومن ثَم التعرُّض للإعلانات بصورة أكبر من أقرانهم الأقل مادية (تشابلن وجون).
(أ) التسويق والمادية والثقة بالنفس
والمُثير أن تشابلن وجون (٢٠٠٧) قد بينَّا مؤخرًا أن ذروة المادية في النشأة تتزامن مع أدنى مستويات الثقة، وكلاهما يكون في أوائل المراهقة. ويعتقد العديد من الباحثين أن النشء في محاولة منهم لتعويض شعورهم بالنقص وضعف الإحساس بالذات يشترون البضائع المادية. فالنشء من الناحية الجوهرية يَقتَنون الأغراض ذات القيمة الكبيرة في محاولة مُستترة ليَعتبروا أنفسهم ذات قيمة كبيرة. فهذا يشبه القول: «قيمتي كبيرة لأن مِعطفي وحقيبتي وحذائي قيمتهم كبيرة.» فلكي تؤثر السلع المادية في الثقة بالنفس، على الأطفال أن (أ) يفهموا المدلول الاجتماعي لمنتجات ومقتنيات معينة، ثم (ب) يدمجوا هذه الأشياء في إحساسهم بالذات، و(ﺟ) يُدرِكوا كيف تُؤثِّر مُقتنياتهم في نظرة أقرانهم لهم والانطباعات التي يتركونها عند الآخرين. وعلى الرغم من أن النقطة الأولى والثانية تنشآن عبر الطفولة المتوسِّطة، لا تظهر النقطة الثالثة سوى في أوائل المراهقة؛ لذا ليس من الغريب أن المادية تبلغ ذروتها في هذا النطاق السِّني؛ حيث إنه في هذه المرحلة من النشأة تُكتشف أهمية السلع المادية للثقة بالنفس لأول مرة. ومع تقدم الأطفال عبر مرحلتَي المراهقة المتوسِّطة والمتأخِّرة، يتحسَّن إحساسهم بذاتهم ويقلُّ استخدامهم للسلع المادية باعتباره استراتيجية للتأقلم. فبدلًا من تعزيز الثقة بالنفس من خلال «العلاج بالشراء» يتعلَّم المُراهِقون وسائل أكثر فاعلية في التعامل مع القضايا المرتبطة بالذات، كتقدير الأنشطة والإنجازات وشبكة الأصدقاء القائمة (تشابلن وجون). وبتجميع هذه النتائج نجد أنها تشير إلى أن أوائل المراهقة عند النشء منخفض الثقة بالنفس قد تكون فترة تزيد فيها الحساسية تجاه آثار الإعلان.
(٢) الإعلانات التي تستهدف النشء
(٢-١) سمات الإعلانات التي تستهدف النشء
في سبيل إقناع النشء بابتياع المنتجات، تستخدم الإعلانات مجموعة متنوعة من الأساليب من بينها دعاية المشاهير، والجوائز التشجيعية، والمبالغة، والتسويق بالتغليف، والتسويق المُشترَك، والألعاب الدعائية.
(أ) دعاية المشاهير
تجري الاستعانة بنجوم السينما والتليفزيون والغناء والرياضيين المُحترفين وغيرهم من المشاهير للترويج لمُنتجَات مادية. وتَندرج الدعاية من قبل شخصيات الكارتون مثل فريد فلينتستون وميكي ماوس ضمن هذه الفئة أيضًا؛ إذ يَعتقد المعلنون أن المواقف الإيجابية من المشاهير ستَنتقِل إلى المنتجات التي يروجون لها. ويُعتقَد كذلك أن المُنتج والشخصية المشهورة ترتبطان معًا في ذهن الأطفال، مما يَزيد إمكانية شرائهم لتلك المُنتَجات عندما تَسنح الفرصة. ففي تسعينيات القرن العشرين مثلًا اعتاد المُعلنون أن يستخدموا العبارة الشهيرة «كن مثل مايك!» للترويج لمشروبات جاتوريد الرياضية. وكان «مايك» هو مايكل جوردان، لاعب كرة سلة الأعظم ربما في عصره. وعبر النشأة تحظى المُنتجات التي يروج لها المشاهير بتقييمات تفضيلية أكثر من المنتجات ذاتها عند الترويج لها من دون المشاهير (روس وآخرون، ١٩٨٤). ويبدو كذلك أن الأطفال الأكبر سنًّا والمراهقين الصغار يتأثَّرون بدعاية المشاهير بدرجة أكبر من الأطفال الأصغر سنًّا والمراهقين الأكبر سنًّا (ديزموند وكارفيث، ٢٠٠٧).
(ب) الجوائز التشجيعية
تمثل الجوائز التشجيعية الأشياء التي تُمنح مجانًا عند شراء منتج محدد. فمثلًا عادة ما تتضمَّن وجبة هابي ميل في ماكدونالدز لعبة باعتبارها جائزة تشجيعية. وعندما كنت صغيرًا في سبعينيات القرن العشرين كنتُ أشتري عبوة كراكر جاك كلما استطعتُ لمجرَّد الحصول على الجائزة التي توجد في أسفل الصندوق. وقد أكَّدت نتائج الأبحاث تجربتي الشخصية؛ إذ توصَّلت دراسات عديدة إلى أنَّ تَوفُّر الجوائز التشجيعية عبر النشأة يزيد من رغبة الأطفال والمراهقين وطلبهم على المنتج المروَّج له (مثال: أتكين، ١٩٧٥). واللافت أن العديد من الجوائز تخضع لأنماط قائمة على النوع الاجتماعي؛ حيث توجد «ألعاب للأولاد» تميل ناحية الحركة والإثارة (غالبًا باللون الأحمر أو الأخضر أو الأزرق) و«ألعاب للبنات» حيث تكون دُمية من نوعٍ ما (بألوان زاهية).
(ﺟ) المبالغة
عندما كنتُ صبيًّا كنتُ مفتونًا ﺑ «قرود البحر» التي كانت وفقًا للإعلانات مخلوقات وردية مُبتسمة تُشبه حصان البحر وترتدي تيجانًا على رءوسها. وبمجرَّد إضافة الماء، كانت قرود البحر تخرج من حالة البيات وتُدخل السرور على سعداء الحظ الموجودين حولها. وبعد حوالي ٣٠ سنة، وبوضع الإعلان في الاعتبار، اشتريتُ لابنتي عائلة من قرود البحر. وكانت التَّجربة مخيبة للآمال حيث لم تكن قرود البحر وردية ولا مُبتسِمة، ولم تَرتدِ تيجانًا على رءوسها بالغة الصِّغَر. من الواضح أنني وقعت فريسة الخدعة الإعلانية وهي المبالغة. فمِن خلال الرسوم المتحرِّكة والمؤثِّرات الخاصة والعبارات المضلِّلة (مثل «الأفضل»)، ضلَّل المُعلنون المستهلك الطفل ليظن أن المنتج المعلَن عنه يُوفر قدرًا من التشويق والمتعة وطرق اللعب، وغير ذلك، أكبر مما يوفر في الحقيقة. وخلال النشأة تتحسَّن القدرة على ملاحظة المبالغة. فمثلًا توصَّلت ويلسون ووايس (١٩٩٢) إلى أن ٨٠٪ من الأطفال فيما قبل المدرسة يَعتقدون أن الإعلانات دائمًا ما «تقول الحقيقة» لكن بحلول السابعة من العمر تَنخفِض تلك النسبة لأقل من ٣٠٪ وفي التاسعة يؤمن أقل من ١٠٪ بمصداقية الإعلانات. ولتعويض هذه المبالغة، تتضمن الإعلانات إخلاء مسئولية (مثل «تحتاج للتجميع» و«يُباع كل جزء على حدة»). إلا أن الأطفال الأقل من ٨ سنوات يعانون صعوبة في فهم المعنى الحقيقي لعبارات إخلاء المسئولية (ليبرت وسبارفكين، وليبرت وروبنستاين، ١٩٧٧). والغريب أنه لا يوجد الكثير من الأبحاث عن فهم الأطفال والمراهقين لعبارات إخلاء المسئولية لقياس الفروق عبر النشأة.
(د) التسويق بالتغليف
يستخدم المعلنون كل حيلة يعرفونها ليُروِّجوا لمُنتجاتهم، بما في ذلك خلق «مظهر» يُغري الأطفال، وهي عملية يُشار إليها بالتسويق بالتغليف؛ إذ يُعتقَد أن التغليف المبهج المبهرج يجذب انتباه الأطفال، مما يزيد من إمكانية أن يطلبوا من والديهم شراء المنتج لأجلهم عند مرحلة البيع. فضلًا عن أن الشخصيات المعروفة والنماذج المصغَّرة للشخصيات — مثل أرنب تريكس (تريكس رابيت) — يتكرَّر ظهورها على الأغلفة في محاوَلة للتأثير على اختيارات الأطفال. وكل عام يَجري إنفاق ٣ مليارات دولار على عمل تغليف يُخاطب النشء مباشرة (بالمر وكاربنتر، ٢٠٠٦). مؤكَّد أن صناعة الإعلانات تنظر لتغليف المُنتَج باعتباره أداةً تسويقية غاية في الأهمية.
(ﻫ) التسويق المشترك
بالإضافة إلى الشخصيات المشهورة ونماذجها المصغَّرة، يزيد استخدام المُعلنين للدعاية المشتركة للترويج للألعاب والأغذية وغيرها بين النشء. والتسويق المشترك هو آلية إعلانية تعمل فيها شركتان معًا لتُسوِّقا منتجاتهما وخدماتهما. ومن بين وسائل التسويق المشترك تزيين غلاف مُنتجَات الأغذية برسوم لشخصيات الكارتون والأفلام. ومن بين الأمثلة الحديثة الرجل العنكبوت وبوب تارتس وفواكه حكايات فيجي، حيث يهدف التسويق المشترك إلى تحسين التقييمات التليفزيونية ومبيعات المنتج، وسمحت شركة نيكيلوديون بظهور عدد من شخصياتها على أغلفة المنتجات مثل مكرونة سبونجبوب بالجبنة وبسكويت دورا المستكشفة (باتادا ووتان، ٢٠٠٧).
المنتج | الموقع |
---|---|
عصائر كابري سان | www.kraftfoods.com/caprisun/ |
مطاعم تشاك آند تشيز | chuckecheese.com |
وجبات الحبوب من كيلوجز | kelloggsfunktown.com |
ألعاب الليجو | www.lego.com |
حلوى وونكا | wonka.com |
(و) الألعاب الدعائية
(٣) الإعلانات التي لا تستهدف النشء لكنها تصل إليه في الأغلب
تكشف عينة سريعة للإعلانات المُذاعة على نيكيلوديون وكارتون نتورك وقناة ديزني عن الإعلانات التي تَستهدِف مباشرة الترويج لمنتجات خاصة بسن معيَّن بين النشء. إلا أن الأطفال والمُراهقين يُشاهدون كذلك قنوات تقدم محتوًى للبالغين، ويشاهدونها في جميع ساعات النهار والليل. وبهذا فإن النشء يشاهد إعلانات لسلع وخدمات مادية تستهدف المستهلكين البالغين ومن ثَم ليست مناسبة للسن. فمثلًا لا يحتاج الأطفال فيما قبل المدرسة إلى التأمين المكمل من «آفلاك» ولا تأمين «جيكو» على السيارات. إلا أنه من المرجح أن هؤلاء الأطفال يعرفون البطة التي تُمثل رمز «آفلاك» والسحلية التي تمثل رمز «جيكو». بل لقد توصَّلت دراسة حديثة إلى أن الأطفال في سن ٢-٣ سنوات تمكنوا من تمييز ٨ من بين ١٢ شعارًا تجاريًّا (مثل ماكدونالدز ومرسيدس وشيل للبترول ونايكي وتشيتوس) عُرض عليهم من خلال لعبة توصيل الشعار بالمنتج. وبحلول الثامنة من العمر تصل نسبة تمييز هذه الشعارات إلى ١٠٠٪. من الجدير بالذكر أن ٥٠٪ من الشعارات كانت لمُنتجات مادية تستهدف إعلاناتها عادة البالغين (فالكنبرج وبوزجين، ٢٠٠٥).
وكما يتَّضح، فإن الإعلانات «الموجهة للبالغين» يبدو أنها مصمَّمة بحيث تجذب انتباه الجمهور الأصغر سنًّا بجانب الجمهور المستهدف الأكبر سنًّا. وتذكَّر أن الوعي بالعلامة التجارية خلال الطفولة له القدرة على أن يتحوَّل إلى سلوك استهلاكي لاحقًا. فإعلانات الجعة (بما فيها من سحالي متكلمة وضفادع تُصدر نقيقها وخيول تلعب كرة القدم) مُسلِّية بدرجة كافية لتُبقي النشء الأصغر من السن القانوني لشرب الكحول ﺑ ١٠–١٥ عامًا مُتابعين لها. ويبدو أن الوعي بالعلامة التجارية الناتج عن هذه الإعلانات يظلُّ ثابتًا بعد مرور أسابيع وأشهر لاحِقة. فمثلًا، توصل ليبر (١٩٩٦) إلى أن الأطفال في سن ٩–١١ سنة يُميزون ضفادع بدويزر بنسبة أفضل (٧٣٪) من توني النمر (٥٧٪). وتوصل كولنز وإلكسون وماكافري وهامبارسوميانز حديثًا (٢٠٠٥) إلى أن ٦٦٪ من تلاميذ السنة الرابعة و٩٢٪ من تلاميذ السنة التاسعة يتعرَّفون بشكل صحيح على نموذج حيوان ابن مقرض شعار جعة بدويزر.
بُثت إعلانات منتجات البالغين التي تُسلِّي النشء على مدار عقود ماضية. فمثلًا في ستينيات القرن العشرين لم يقتصر الأمر على رعاية سجائر ونستون لمسلسل «آل فلنتستون» (ذا فلينتستونز) بل ظهرت شخصيتا فريد وويلما فلنتستون وهما يُدخِّنان سجائر ونستون خلال الإعلانات. ورأى جيربنر (١٩٩٠) أن مثل تلك الإعلانات هي نتيجة مُحاولة واعية من جانب المُعلِن لاجتذاب زبائن جدد للمنتجات الخاصة بالبالغين، حتى وإن كان المستهلكون تحت السن القانونية. مرةً أخرى تُمثِّل إعلانات صناعة التبغ مثالًا على هذه النقطة. فطبقًا لمذكرة داخلية من شركة آر جي رينولدز للتبغ، فإن نصف الرجال وثلث النساء يبدءون التدخين قبل سن الثامنة عشرة، حيث تُختار العلامة التجارية بالقرب من سن الثامنة عشرة أيضًا (تريدنيك، ١٩٧٤). إذن فإن من بين الأهداف الرئيسية لإعلانات السجائر جذب المدخِّنين قبل أن يبدءوا التدخين، ولأنَّ الإعلانات التليفزيونية عن السجائر مُنعَت عام ١٩٧١، حولت شركة آر جي رينولدز أموال الإعلانات من التليفزيون إلى المجلات واللوحات الإعلانية، تحت قيادة الشخصية شبه الكارتونية جو الجمل الكبير (أولد جو كاميل). وبحلول عام ١٩٩١، أصاب ٣٠٪ من الأطفال في سن الثالثة و٩١٪ من الأطفال في السادسة في ربط جو الجمل الكبير بالسجائر (فيشر وشوارت ورتشاردز وجولدستاين وروجاس، ١٩٩١). والآن يُوضع حوالي نصف إجمالي عدد إعلانات السجائر في مجلات منتشرة بين المراهقين، مثل مجلة بيبول وسبورتز إلستراتيت (كينج وسيجل وزيليبوكي وكونولي، ١٩٩٨).
النشأة والآثار المستهدفة من الإعلانات
كما ذكرنا بالأعلى، ثمة آثار رئيسية ثلاثة مقصودة من الإعلانات: (أ) زيادة الوعي بالعلامة التجارية، و(ب) خلق مواقف إيجابية من العلامة التجارية، و(ﺟ) التأثير في طلبات الشراء وسلوكه. وخلال دراسة هذه الآثار المستهدفة، قسم الباحثون النتائج التجريبية التي تزيد على ٥٠ إلى ثلاثة مجالات واسعة: الإدراك والعَواطف والسلوكيات.
(٣-١) الأبحاث على الإدراك المستهدف
ركَّزت الأبحاث عن تأثير الإعلانات في الإدراك بصفة رئيسية على الوعي بالعلامة التجارية؛ إذ أُولِيَ اهتمام خاصٌّ بتذكُّر العلامة التجارية وتمييزها. فبينما يشمل تمييز العلامة التجارية الربط بين شعار العلامة أو شخصيتها وبين المنتج المناسب (المقدَّم وسط منتجات ذات صلة لكن غير صحيحة)، فإن تذكُّر العلامة التجارية يتضمَّن تحديد اسم المنتج عند رؤية شعار العلامة أو شخصيتها دون أي محفِّز إضافي. ويُقصد من تجارب تمييز العلامة التجارية محاكاة التجربة الواقعية التي يمرُّ بها الأطفال والمُراهِقون في متجر؛ حيث تُوضع العلامة التجارية المستهدفة مع بدائل عديدة بعضها بجانب بعض على رفٍّ واحد. أما تجارب تذكر العلامة التجارية فيُقصد منها قياس قدرة الأطفال على تذكر مُنتَج في غياب أي محفِّزات. فمثلًا عند كتابة خطاب لبابا نويل، دائمًا ما يُطلَب من الأطفال أن يعدُّوا قائمةً بالألعاب التي يَرغبونها من دون أن تكون صور هذه الألعاب حاضرة. ويُعتبَر كلٌّ من تمييز العلامة وتذكُّرها جانبَين مهمَّين من سلوك المستهلك (فالكنبرج، ٢٠٠٤).
تُكتسب القدرة على تمييز العلامة التجارية سريعًا، فيستطيع الأطفال تمييز مجموعة من المنتجات بدقة عالية عند سنِّ الثامنة حتى إن كانت المنتجات موجهة للكبار بطبيعتها. بالطبع لا يُميِّز الأطفال كل شعارات العلامات وشخصياتها التي تظهر على التليفزيون، ويختلف أداؤهم في الاختبارات التجريبية حسب شعبية الشعار المقدَّم. وبصفة عامة كلما زاد عدد الشعارات المقدمة للأطفال في أثناء الاختبار، قلَّ مستوى الأداء؛ إذ تَوصَّل دوبو (١٩٩٥) إلى أن المُراهقين تحت سن ١٨ عامًا لم يُميِّزوا سوى ٥٢٪ من بين ٨٠ شعارًا قُدِّم إليهم. إلا أنه لوضع هذه النتيجة في الإطار الصحيح، نجد أن البالغين في منتصف العقد الثالث من العمر ميزوا ٤٢٪ من الشعارات، والبالغين في منتصَف العقد الرابع ميزوا ٣٨٪ منها، وتستمر النسبة المئوية في الانخفاض مع تقدُّم العمر؛ لذا رغم أن المراهقين لم يُميزوا سوى نصف الشعارات تقريبًا، فهم لا يزالون مُتفوِّقين في الأداء على البالغين.
وتُكتسب القدرة على تذكر العلامة التجارية بدرجة أبطأ من تمييز العلامة. وهذا منطقي بالنظر إلى أن تذكر العلامة عملية من مرحلتين؛ حيث تتطلَّب من النشء أن يُكوِّنوا في أذهانهم قائمتهم الخاصة من الشعارات والمنتجات الموافَقة ثم يَختارون منها الشعارات الصحيحة. ورغم أن التحسُّن في تذكُّر العلامات يَحدث عبر الطفولة المبكِّرة والمتوسِّطة، فقد توصَّل فالكنبرج وبجوزين (٢٠٠٥) إلى أن الأطفال في سن الثامنة لم يستطيعوا تذكر سوى ٤٢٪ من الشعارات والشخصيات المقدمة إليهم. وبالنظر إلى أن الأطفال قد طُلب منهم تمييز الشعارات والشخصيات بعد عرضها عليهم فورًا، فإن تذكُّرهم كان ضعيفًا. وبيَّنت أبحاث إضافية على المراهقين أنهم يتذكَّرون حوالي ٧٠٪ من الإعلانات المقدمة إليهم بعد مُشاهدتها مباشرة. إلا أن تذكرهم للشعارات يَنخفِض إلى حوالي ٣٤٪ عندما يتمُّ الاختبار في اليوم التالي (دوبو، ١٩٩٥). واللافت أن قدرة المراهقين على تذكُّر شعارات العلامات وشخصياتها لم يَزل أفضل مِن البالغين.
ورغم أن الأطفال والمُراهقين لا يُظهرون قدرة كبيرة على التذكر بعد يوم من الاختبار، إلا أنه من المُهم تذكر أن هذه الدراسات تتطلَّب عرض الإعلانات على النشء لمرة واحدة. أما في الواقع؛ فالأطفال والمُراهقون يَرَوْن نفس الإعلانات في مواقف متعدِّدة. ومع كل مشاهدة، تتحسَّن قدرتهم على التذكُّر والتمييز. في الواقع بينت دراسات عديدة أنه كلما زادت الإعلانات التليفزيونية التي يُشاهدها الأطفال زاد وعيهم بالعلامات التجارية، على الأقل عند قياسه من خلال اختبارات تمييز العلامة التجارية (فالكنبرج وبوجزين، ٢٠٠٥). يُرَجَّح كذلك أن النشء يتذكَّرون شعارات وشخصيات لعلامات تجارية تقدم منتجات يرغبونها أكثر من المنتجات التي لا يرغبونها. فمثلًا وجدت فالكنبرج أن الصبية ميَّزوا شعارات مرسيدس وشِل أكثر من الفتيات. وقد تعكس هذه النتيجة تفضيلًا خاصًّا بالنوع للألعاب المُرتبطة بالسيارات، مما يحسن من الوعي بالعلامة التجارية عند الفتية أكثر من الفتيات. فضلًا عن أن أبحاث العلامة التجارية محدودة من حيث إن الأطفال قد يُميِّزون ويتذكَّرون عددًا كبيرًا من الشعارات والشَّخصيات لعلامات تجارية لكنها لم تُقدَّم لهم في أثناء التجربة. وأخيرًا ليس من الضروري أن يتحوَّل الوعي بالعلامة التجارية إلى طلبات على المُنتجات المعروضة. فمثلًا وجد باين وناش (٢٠٠٢) أنه عند كتابة رسائل إلى بابا نويل، طلب الأطفال بين الثالثة والسابعة من العمر ألعابًا قليلة باسمها التجاري. بل إن ١٠٪ فقط من المُعلَن عنها في التليفزيون قبل الاستعداد لعيد الميلاد ذُكرت في الرسائل.
(٣-٢) الأبحاث على العواطف المُستهدفة
في ظهيرة يوم سبت قبل بضع سنوات، سُمع ابني ذو الخمس سنوات يَصيح قائلًا: «أبي، تعالَ بسرعة، عليك أن ترى هذا … يُمكنك أن تقفز على السرير دون أن تهتزَّ قنينة النبيذ!» وكانت ابتسامة ابني عريضة وهو يشاهد المرتبة التي تروج لها ناسا على التليفزيون. من الواضح أنه استمتع بالإعلان وارتباطه برواد الفضاء. فبجانب تكوين وعي بالعلامة التجارية، يُمثل الغرض الثاني من الإعلانات خلق شعور بالإعجاب بالعلامة التجارية. إلا أن عمل ذلك يبدو مهمة تزداد صعوبتها مع التقدم في العمر؛ إذ إن الأطفال مع نموِّهم يقلُّ إعجابهم بالإعلانات باستمرار. ووجدت دراسة أنه بينما شعر ٦٩٪ من تلاميذ السنة الأولى بالإعجاب ناحية الإعلانات، فإنَّ ٢٥٪ فقط من الأطفال في السنة الخامسة أُعجبوا بها (روسيتر وروبرتسون، ١٩٧٤). وأشار جون (١٩٩٩) إلى أن الأطفال يتبنُّون مواقف إيجابية من الإعلانات حتى السابعة من العمر فقط. ثم يبدءون عند هذه المرحلة في النظر إلى الإعلانات بنظرة سلبية، وببلوغ الحادية عشرة يزيد تشكُّكهم فيها. بل إنه مع تقدُّم الأطفال في مرحلة الطفولة المتوسِّطة يزيد وصفهم للإعلانات بأنها مملَّة ومُزعجة ومُستفزَّة. بالتأكيد ليست كل الإعلانات مكروهة؛ إذ إن الأطفال والمراهقين يَميلون لتفضيل الإعلانات المُسلية والمضحكة التي تعرض مواقف اجتماعية بين الأطفال (جيننجز ووارتيلا، ٢٠٠٧). ومن المهم أن الأطفال عندما يُعجَبون بالإعلان يَميلون للإعجاب بالعلامة التجارية هي الأخرى، خاصة الأطفال تحت سن السابعة (فالكنبرج، ٢٠٠٤).
وعلى الرغم من أن الأطفال والمُراهقين يعبرون عن ضيقهم العام من الإعلانات، فإن الإعلانات يُمكنها في الواقع أن تخلق مواقف إيجابية من العلامة التجارية ومن المنتج عبر النشأة، وإن كان التأثير العام للإعلانات صغيرًا جدًّا (الثابت ر = ٠,١٥ في المتوسط؛ ديسموند وكارفث، ٢٠٠٧). لكن الأطفال يرون آلاف الإعلانات في حياتهم، فلماذا يكون التأثير صغيرًا جدًّا؟ بجانب الإعلانات ثمة عوامل أخرى تؤثر على إعجاب الأطفال بالمنتجات، مثل تفضيلات الأقران والعائلة، وتجاربهم الشخصية مع المُنتجات. إلا أن مشاهدة إعلان ولو مرة يمكن أن يزيد من إعجاب الأطفال بالمنتج (جورن وجولدبرج، ١٩٧٨). على الأقل لا تخلق الإعلانات مواقف سلبية من المنتجات تنفر النشء من طلب المنتجات المُعلَن عنها. بل إن الأطفال والمراهقين يميلون إلى طلب المنتجات ذات العلامة التجارية. فعندما يُخيَّر الأطفال فيما قبل المدرسة بين ألعاب لها اسم تجاري (مثل دمية باربي) وألعاب مُماثلة من دون اسم تجاري (مثل دمية «بيتي») فهم يَختارون المنتجات ذات العلامة التجارية بصفة متكررة (٦٨٪ من عدد المرات). وكلما زاد عدد الأطفال الذين يُشاهدون التليفزيون زاد ميلهم ناحية المنتجات ذات الاسم التجاري. إلا أنَّ هذا الأثر الأخير يبدو أنه يَخفت خلال المراهقة وربما تحل محله العلامات التجارية التي يُوصي بها الأقران (جيننجز ووارتيلا، ٢٠٠٧).
(٣-٣) الأبحاث على السلوكيات المستهدفة
رغم أن تمييز العلامات التجارية والمواقف الإيجابية ناحية المنتجات هما نتيجتان مهمَّتان تستهدفهما الإعلانات، إلا أن الهدف النهائي من رسائل الإعلانات التليفزيونية هي التأثير على مشتريات المنتجات؛ فعلى كل حال لا يضمن ارتفاع مستويات تمييز العلامة التجارية والإعلانات الجذابة تحقيق مبيعات للنشء. فضلًا عن أن خلق الولاء للعلامة التجارية وتفضيلها هو الهدف النهائي للإعلان، فذلك ما يساعد على ضمان المبيعات الحالية والمستقبلية. ومع أن الاستقلال المالي يزيد مع النمو، فإن القدر المتوفِّر منه لدى الأطفال والمراهقين أقل بكثير منه عند البالغين. وبهذا يجب على النشء أن يَعتمدوا على آبائهم وغيرهم لشراء معظم المنتجات التي يرغبونها. ومن ثَم عند قياس تأثير الإعلانات على السلوك الاستهلاكي عبر النشأة، يُقيِّم الباحثون كلًّا من السلوك الشرائي وطلبات الشراء من الآباء (مع افتراض أنَّ الآباء سيَشتَرُون ما يُريده أطفالهم).
(أ) الأبحاث التجريبية
في تَجربة نموذجية، يشاهد النشء برنامجًا تليفزيونيًّا مناسبًا لسنِّهم مُتضمِّنًا للإعلانات في وسطه. بعدها يُقدَّم للأطفال مجموعة من المنتجات بعضُها ظهَر في الإعلانات وبعضها لم يظهر، ويُطلب منهم أن يختاروا واحدًا. بصفة عامة تتوصَّل هذه التجارب إلى أن النشء يختارون المنتجات المُعلَن عنها أكثر من تلك التي لم يُعلن عنها. فمثلًا، في إحدى التجارب المعملية، توصَّل جورن وجولدبرج (١٩٨٠) إلى أن الأطفال في الطفولة المتوسِّطة اختاروا أن يأكلوا أيس كريم من علامة تجاريةٍ ما أُعلن عنها خلال برنامج تليفزيوني مقارنة بعدد من العلامات التي لم ترد إعلاناتها. تكرَّرت هذه النتائج مع تشكيلة متنوِّعة من الأغذية والمشروبات في عينة من الأطفال في سن الخامسة والثامنة في أثناء حضورهم لمعسكر صيفي (جورن وجولدبرج، ١٩٨٢). ورغم وجود بعض الدراسات التي شارك فيها مُراهِقون، إلا أن الاختلافات حسب مراحل النمو لا يزال ينبغي تحديدها في هذا النوع من الأبحاث. وبصرف النظر عن السن، يَميل النشء إلى اختيار المنتجات المُعلن عنها أكثر من المُنتجات التي لم يُعلَن عنها.
بناءً على هذه الدراسات، يُمكننا أن نستنتج أن الإعلان يدفع الأطفال لاختيار منتجات بعينها، على الأقل عندما تكون مجانية. لكن من غير المناسب أن نستنتج أن الإعلانات تدفع الأطفال لشراء منتجات بعينها؛ إذ إن الدراسات المذكورة لم يُقَيِّم أيٌّ منها السلوك الشرائي الفعلي؛ لذا فإن تقييمات هذه التجارب محدودة لأنها تَقيس اختيار المنتَج وليس شراء المُنتج. ربما يكون الأطفال والمراهقون أكثر رغبة في تجربة المنتجات المجانية المُعلَن عنها في بيئة معملية وليس شراء المنتج من متجر بأموالهم الخاصة (أو أموال أبويهم؛ جونتر وآخرون، ٢٠٠٥). وقد أثار جونتر وزملاؤه عدد من الانتقادات الأخرى ضد البحث المعملي، وكلها تتشكك في مصداقية بيئة الدراسات؛ أولها: أنَّ التجارب المعملية تطلب من الأطفال أن يختاروا شيئًا بعد مُشاهدة برنامج التليفزيون مباشرة، وهو ما لا يحدث عادة في الحياة العملية. وثانيها: أن مشاهدة الأطفال للتليفزيون في المنزل تختلف عن مشاهدتهم له في المعمل فمثلًا، على عكس الدراسات التجريبية، يَتفاعل النشء في المنزل مع الآخرين وينفذون مهامَّ متعدِّدة في أثناء مشاهدة التليفزيون. وأخيرًا فإن الدراسات التجريبية تُقصِّر تأثير اختيار المنتجات على الإعلانات المعروضة. أما في الواقع فإنَّ الأبوَين والأقران والإعلانات عن المنتجات المُتنافِسة كلها عوامل تؤثر في السلوك الشرائي للأطفال والمراهقين.
(ب) الأبحاث الارتباطية
ركَّزت الأبحاث الارتباطية في العادة على العلاقة بين مقدار الإعلانات التي يتعرَّض لها النشء وعدد الطلبات التي يُقدمونها للحصول على المنتجات المعلَن عنها (ولا يُقاس السلوك الشرائي الفعلي). وبصفة عامة فإن الدراسات على الأطفال والمُراهقين الصغار تكشف تناسبات إيجابية (متوسطة القوة) بين هذين المتغيِّرين (الثابت في معظمها ر = ٠٫٣٠). وقد فسَّرت فالكنبرج هذه البيانات بأن المشاهدين للإعلانات بكثافة سيَطلُبون في المتوسط شراء المنتجات المعلَن عنها بزيادة نسبتها ٣٠٪ عن المشاهِدين للإعلانات بمعدلات قليلة (٦٥٪ مقابل ٣٥٪ على الترتيب). ومن منظور النمو، تؤدِّي الإعلانات إلى زيادة في طلبات شراء المنتجات الصادرة من الأطفال الأصغر سنًّا نسبة إلى الأطفال الأكبر سنًّا والمُراهقين الصغار. ولا توجد أبحاث عن النشء في المراهَقة المتوسِّطة ولا المتأخِّرة.
(٤) نقاط مهمة من منظور النمو
على الرغم من أن علاقات السبب والنتيجة لا يُمكن معرفتها بالتحليل الارتباطي، إلا أن مثل هذه التحليلات تُقدم شيئًا لا تقدمه الأبحاث التجريبية عن الدعاية، وهو على وجه التحديد المساهَمة النسبية للدعاية في طلبات الشراء في سياق من العوامل البيئية الأخرى. فمثلًا لا يتوقَّف الأقران عند الحديث عن الإعلانات التي شاهَدوها على التليفزيون بل يتعدون ذلك إلى مناقشة طبيعة الدعاية نفسها (عناصر الإعلان الجيد مثلًا). كذلك يُربي الآباء أطفالهم على مُراعاة الحذر من الرسائل التي تَبعثها الإعلانات (جونتر وآخرون، ٢٠٠٥). لسوء الحظ فإنَّ الدراسات التي أُجريت في هذا المجال أقل من أن نخرج منها بأي استِنتاجات مُتماسكة. لكن دراسة مُثيرة أجراها دو بينز وفاندنبراون (١٩٩٢) توصَّلت إلى أن تفضيلات الأطفال للمُنتجات ومُشترياتهم كانت أكثر ميلًا للتأثُّر بالأقران والتجربة المباشرة مع اللعبة عند مرحلة الشِّراء من التأثُّر بالإعلانات التليفزيونية. إلا أن التغيُّرات عبر النمو في الأهمية النسبية لهذه العوامل تتطلَّب مَزيدًا من الاستقصاء.
إلى اللحظة، ركَّزت أغلبية الأبحاث عن الدعاية على تأثير الإعلانات التليفزيونية على النشء. إلا أن التغيُّرات الأخيرة في مجال الدعاية تشير إلى أن الإنترنت قد يُوفر للمُعلنين الطريقة المثلى لزيادة وعي الأطفال والمُراهقين بالعلامة التجارية وخلق مواقف إيجابية منها؛ حيث يكون الهدف النهائي هو التأثير في طلباتهم للشراء وسلوكهم الشرائي (موور، ٢٠٠٦). جدير بالذكر أنني لا أتحدث عن تلك الإعلانات تلقائية الظهور المُزعجة أو اللافتات المُتناثرة في أعلى صفحات المواقع وأسفلها التي يَسهُل تَجاهُلها. بل أُشير إلى الألعاب الدعائية الأكثر تعقيدًا.
بالنظر إلى أن حوالي ٦٤٪ من الأطفال تحت سن ١٥ عامًا يدخلون على الإنترنت لمُمارسة الألعاب (وزارة التعليم الأمريكية، ٢٠٠٣)، فإنَّ الألعاب الدعائية تستغل سوقًا مفتوحة تمامًا. بل إن موور (٢٠٠٦) ذكرت أنه خلال مدة ثلاثة أشهر زار أكثر من ١٢ مليون طفل (تحت سن ١٢ عامًا) واحدًا من بين ١٠٧ موقعًا مرتبطًا بمُنتجات تناولتها في دراستها. وعلى الرغم من صعوبة معرفة ما إذا كان النشء يَنتبِهون للإعلانات المُذاعة على التليفزيون، فإن المُعلنين لا يُمكنهم رصد عدد المرات التي يدخل فيها الأفراد إلى مواقع معينة فحسب بل يُمكنهم قياس المدة التي يَقضونها لكل زيارة. ونظرًا إلى أن معظم الألعاب الدعائية تتطلب من الأطفال أن يُسجِّلوا نوعهم الاجتماعي وسنَّهم، يُمكن للمعلنين أن يعرفوا بسهولة ما إذا كان جمهورهم المستهدف يمارس اللعبة (ومن ثَم يتعرَّضون للمُنتج) أم لا. وفي الوقت الحالي يوجد عدد مَحدود من الأبحاث العامة عن فعالية الألعاب الدعائية في التأثير في الوعي بالعلامة التجارية والمَواقف منها ومشترياتها عند الأطفال والمراهقين (وإن كان من المُمكن أن تتوافر هذه الأبحاث بدرجة أكبر كثيرًا في القطاع الخاص كشركات التسويق)؛ إذ لم تُبيِّن الأبحاث العامة التي أُجريت حتى الآن ما إذا كانت الألعاب الدعائية تؤثر في نية طلب المنتجات عند الأطفال. إلا أن إحدى الدراسات توصَّلت إلى أن الأطفال في سن الثامنة الذين يُمارسون الألعاب الدعائية يظهر عليهم تفضيلًا أكثر للمنتج المروج له في اللعبة (مالينكروت وميزرسكي، ٢٠٠٧). وبالنظر للمُعدلات المتزايدة التي يدخل بها النشء على المواقع ذات الصلة بمُنتجات تجارية وممارسة الألعاب الدعائية، فإن ذلك يَقتضي بالتأكيد إجراء المزيد من الدراسات في هذا المجال.