لاهوت التحرير بين علم العقائد والتغير الاجتماعي١
(١) هل النموذج الغربي هو النموذج الوحيد؟
(٢) لاهوت التحرير بين النقل والإبداع
ويمكن عرض لاهوت التحرير بطريقتَين؛ الأولى مراجعة الأدبيات التي تمت في اللغات الأجنبية وفي اللغة العربية سواء العارضة منها للأدبيات الغربية أو المستقلة عنها على درجاتٍ متفاوتة. والثانية بناء نموذجٍ للاهوت التحرير مستقلٍّ عن النموذج المسيحي أو الآسيوي المعروض في الأدبيات الأجنبية أيضًا من أجل إبداع نماذجَ متعددة وعدم تكرار نموذجٍ واحد عُرف به في نشأته. ويمكن الجمع بين الطريقتَين، المراجعة والإبداع، النقد والبناء، بداية بالتاريخ وليس انتهاء إليه، بداية بالأدبيات السابقة ثم عدم الوقوف عندها من أجل تطويرها.
(٣) لاهوت التحرير من التاريخ إلى الفكر
«لاهوت التحرير» ليس مجرد تجربةٍ تاريخية عامة لدى كل الشعوب منذ قدم الزمان أو خاصةً لدى الغرب الحديث منذ ثلاثة أو أربعة عقود من الزمان، بل هو نسقٌ عقائدي أو بنيةٌ فكرية تتجاوز التسلسُل التاريخي للأحداث والشخصيات والمؤلفات.
ولاهوت التحرير ليس مرتبطًا بالمؤسسات الدينية بالضرورة، الكنيسة أو المحكمة أو اليهودية (السانهدرين) أو «السانجا» في الهندوكية؛ لأن الدين باعتباره تحررًا إنما نشأ ضد المؤسسة الدينية التي ارتبطَت بالملك أو برجال الدين، وارتبطَت مصالحها بالنظام السياسي الإقطاعي أو القبلي القائم. وكان الدين أولًا ثورة ضد المؤسسة الدينية ورجال الدين، فتصدى أنبياء بني إسرائيل للأحبار المتعاونين مع الملوك، والملوك المتحالفين مع الإقطاع، خاصة النبي عاموس. كما نقد السيد المسيح الفريسيين والكتبة والأحبار الذين تعاونوا مع السلطة الرومانية وحوَّلوا الدين إلى أشكال ورسومً خارجية دون تقوى باطنية وإيمانٍ صادق بعيدًا عن النفاق والمصالح الشخصية. ولا يُوجد رجال دين في الإسلام ولا سلطةٌ دينية متوسطة بين الإنسان والله، تحتكر التفسير، وصياغة العقائد، والفصل بين الصواب والخطأ. تلك مهمة العلماء. وكل مسلمٍ يستطيع أن يكون عالمًا؛ فالإسلام والبروتستانتية بالنسبة لحق التفسير، ورفض التوسُّط بين الإنسان والله، واعتبار الكتاب وحده مصدر الإيمان وليس أقوال آباء الكنيسة، والإقلال من أهمية الطقوس والمراسم، والخلاص بالإيمان وحده متشابهان في التجربة التاريخية. لاهوت التحرير استئناف للبروتستانتية القديمة في بروتستانتيةٍ جديدة طبقًا لظروف العصر ومصادر القهر؛ فقد كتب لوثر «في حرية المسيحي» ودافع عن حق كل إنسان في حرية تفسير الكتاب المقدس ضد احتكاره من الكنيسة، وكيركجارد، لوثر الثاني، أراد العودة إلى الذاتية، والتحول من الوجود إلى الصيرورة، ومن اطمئنان الإيمان إلى قلق الوجود الإنساني.
ولاهوت التحرير ليس فقط مجموعة من الممارسات الاجتماعية لخدمة جماعة المؤمنين داخل المؤسسات الدينية أو خارجها، أو حتى النضال الثوري لبعض الرهبان الشبان مثل كاميو توريز؛ فالممارسات الاجتماعية والأفعال الثورية تعبير عن رؤًى للعالم ونظریات فلسفية. لاهوت التحرير له أسسه النظرية الخالصة قبل أن يكون ممارساتٍ عملية، وإن كانت الممارسات العملية تُعيد إحكام النظرية وتبلورها، وتجعلها أكثر مطابقةً وقدرة على تحقيق المثال في الواقع.
ويمكن القول بأن أركان الإسلام الخمسة ومقاصد الشريعة الخمسة التي من أجلها وُضعَت الشريعة ابتداءً هي نوعٌ من لاهوت التحرير بفعل التأويل، كما مارسه ابن رشد في «قانون التأويل» في آخر «مناهج الأدلة»؛ فالشهادة إعلان وقول وبيان على العصر وأزماته، باللسان وبالفعل وبالقلب، طبقًا لدرجات تحمُّل الواقع لفعل التغيُّر الاجتماعي. والشاهد والشهيد من نفس الاشتقاق. الشهادة بالقول والفعل في البداية، والشهادة بالحياة في النهاية. والصلاةُ أداء فعلٍ في الوقت في الحال لا إرجاء ولا قضاء، إحساس بالواجب اليومي، فعل في الزمان وشهادة في الخلود. والصيام مشاركة للفقراء، وتربية للنفس. والزكاة مشاركة في الأموال بين الأغنياء والفقراء، وتداول للمال ضد الاكتناز والاحتكار والاستغلال. والحج موقفُ إعلان المساواة بين البشر، وإجماعٌ عام على حال الأمة ونضالها في التاريخ.
ومقاصد الشريعة ابتداءً هي رعاية المصالح العامة التي هي أشبه بإعلانٍ عالمي لحقوق الإنسان والشعوب معًا وليس فقط لحقوق الإنسان، بل لحق كل شعب في تقرير مصيره. وهي خمسة؛ الأول، الدفاع عن الحياة؛ فمن قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن أحيا نفسًا فكأنما أحيا الناس جميعًا وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ. والثاني، الدفاع عن العقل؛ فالعقل أساس النقل، ومن قدَح في العقل فقد قدَح في النقل، وموافقة صحيح المنقول لصريح المعقول. والثالث، الدفاع عن الدين؛ أي الحقيقة المطلقة الشاملة ضد النزعات الشكلية والنسبية واللاأدرية والعدمية، يحتكم إليها الناس جميعًا، معيارًا إنسانيًّا واحدًا ضد ازدواجية المعايير. والرابع، الدفاع عن العِرض والكرامة وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. والخامس، الدفاع عن الثروة الوطنية، التي كانت في عُرف القدماء المال، وهي الآن الثروات الطبيعية والبشرية، المادية والمعنوية.
(٤) المنطلقات الرئيسية للاهوت التحرير
ويبدأ لاهوت التحرير من منطلقاتٍ أساسية، وهي أن الدين ظاهرةٌ اجتماعية ينشأ في المجتمع تعبيرًا عن قوًى اجتماعيةٍ وسياسيةٍ جديدة؛ فالدين في هذه المسألة «زفرة المضطهدين» هكذا نشأَت اليهودية في مواجهة موسى لفرعون، الحرية ضد التسلط، والتحرر ضد القهر. كما نشأَت المسيحية تعبيرًا عن الطبقات المهمَّشة في المجتمع الروماني، العبيد والمرضى والضعاف ضد جبروت القوة وسلطان الجسد. ونشأ الإسلام في شبه الجزيرة العربية تعبيرًا عن القوى الضعيفة، العبيد والفقراء في المجتمع المكي ضد الأغنياء والأقوياء من أشراف مكة. ثم يقوم الدين بعد ذلك بعد أن يفقد دفعته الثورية الأولى ويتحول إلى مؤسسة ورجالِ دينٍ وطبقةِ مصالحَ وأداةٍ في يد السلطة إلى أن يصبح «أفيون الشعب» وحقنةً مخدرة لتسكين المضطهدين والمهمَّشين والغاضبين وجعل طاعة أولي الأمر من طاعة الله، والرزق مقدر، والغنى والفقر قضاء وقدَر مقسومان قبل أن يُولد الإنسان، وأن الجنة والنعيم والرخاء والغنى كل ذلك موعودٌ للفقراء يوم القيامة.
كما يبدأ لاهوت التحرير من مسلَّمة ثانية، وهي أن اللاهوت من الطبقة، وأن كل لاهوت يُعبِّر عن مصلحة طبقةٍ بعينها. وهي طبقةٌ سياسية واجتماعية واقتصادية في آنٍ واحد، سياسية لأنها تمثل سلطةً جديدة صاعدة أو قديمةً متهاوية، واجتماعية لأنها طبقة العبيد المهمَّشة التي بيدها السلطة الجديدة أو طبقة الأشراف القديمة المتهاوية، واقتصادية لأنها تمثل الحرفيين والصناع أو كبار التجار. وهكذا نشأَت الفرق الإسلامية في بداياتها إما تعبيرًا عن السلطة السياسية القادمة مثل أهل السنة أو عن سلطة المعارضة مثل الشيعة. وداخل أهل السنة نشأَت فرقة السلطة مثل الأشاعرة وفرق المعارضة مثل المعتزلة والخوارج. ونشأَت الفرق المسيحية بنفس الطريقة بعد تحوُّل قسطنطين إلى المسيحية، مسيحية السلطة التي كان يُمثِّلها أوغسطين في روما وسلطة المعارضة في المستعمرات الرومانية مثل دوناتوس في شمال أفريقيا، وآريوس في مصر.
«لاهوت التحرير» تعبير عن العقل البديهي ولا يحتاج إلى جدلٍ لاهوتي مجرد أو انتصارٍ على الخصوم أو الدخول في سجال مع اللاهوت التقليدي الخالص. هو أقرب إلى اللاهوت الطبيعي الاجتماعي التلقائي مثل «الموعظة على الجبل» أو التأمل في العالم وفي النفس وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ. والتجارب التاريخية ما هي إلا تعيُّنات لهذه البداهات العقلية؛ فالعقل والتاريخ شيء واحد.
(٥) أنواع اللاهوت وأنساق لاهوت التحرير
- (١) اللاهوت العقائدي أو القطعي Dogmatique، وهو أكثر أنواع اللاهوت غرورًا، لا يفرق بين التصورات الذهنية لله والله في ذاته، ويعتبر العقائد حقائقَ ثابتة ومطلقة، غايات في ذاتها وليست وسيلة لهداية البشر وإسعادهم.
- (٢) اللاهوت الوضعي Positive، ويعتبر العقائد أشياءَ مادية موجودة بالفعل مثل التجسُّد والصلب والخلاص وليست دلالاتٍ وبواعث على فعل الخير، ويخضع لأثَر الوضعية.
- (٣) اللاهوت الطبيعي Naturelle، ويعتمد على نتائج العلم الطبيعي والنظريات الكونية لإثبات وجود الله وخلق العالم وخلود النفس. ويتغير بتغير النتائج العلمية وتقدُّم العلم.
- (٤) اللاهوت الجدلي Dialectique، ويقوم على جدلية الله والإنسان؛ فلا يمكن تصوُّر الله دون الإنسان ولا تصوُّر الإنسان دون الله، وأحيانًا يُسمَّى لاهوت الكلمة، كما هو الحال عند كارل بارت.
- (٥) اللاهوت العقلي Rationelle، ويقوم على العقل وحده وليس على الإيمان أو النص أو سلطة الكنيسة، كما هو الحال عند المعتزلة وابن رشد.
- (٦) اللاهوت النقدي Critique، الذي يقوم على نقد النصوص الدينية وعدم إصدار حكم على عقيدة قبل تحليل نصوصها تحليلًا تاريخيًّا؛ ومن ثَمَّ تظهر العقائد مرتبطة بنشأة النص وتكوينه.
- (٧) اللاهوت السلبي Negative، ويقوم على تطهير العقائد كمُثلٍ عليا مفارقة من كل الصياغات البشرية المحدودة في الزمان والمكان، طبقًا للحديث المشهور «كل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك.»
- (٨) اللاهوت الرعوي Pastoral، وهو نوع من اللاهوت الأخلاقي يبدأ بالنفس قبل الآخر بناءً على التفسير الشائع لآية إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. وهي نظرةٌ فردية للتغيير، من الفرد إلى المجتمع.
- (٩) لاهوت التحرير Liberation Theology أو Theology of Liberation وهو الذي يربط اللاهوت بقضية العصر الرئيسية في الستينيات في العالم الثالث، خاصة في أمريكا اللاتينية؛ مساعدةً ثقافية لحركات التحرَّر الوطني ابتداءً من ثقافة الجماهير.
- (١)
النسق الأخلاقي الفردي الذي يقوم على القيم الأخلاقية أو النزَعات الصوفية.
- (٢)
النسق الأخلاقي والاجتماعي الذي يقوم على قيم الجماعة والمشاركة والتضامن والعدالة وإعادة توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء.
- (٣)
النسق العملي من خلال فعل الرهبان الاجتماعي وسعيهم في مصالح الناس، أو من خلال دور الكنيسة كمؤسسةٍ اجتماعية تحلُّ مشاكل المجتمع.
- (٤) النسق العقائدي التأويلي لإيجاد معانٍ تحرُّرية للتجسد، المسيح في العالم وليس بعيدًا عنه، أو للخلاص، خلاص البشر من الآلام أو الصلب، الشهادة في سبيل الآخرين.٣٢
- (٥)
النسق الفلسفي الخالص لدراسة تصوُّرات العالم وأيها أكثر فعالية في التغير الاجتماعي والفعل التاريخي.
هل هناك شبهات حول لاهوت التحرير؟
- (أ) لاهوت التحرير ماركسية مُقنَّعة أقرب إلى الماركسية منها إلى الدين.٣٨ فهذا إعطاء للماركسية أكثر مما تستحق وللدين أقل مما يستحق؛ فلا يمكن اختزال كل تحليلٍ اجتماعي تاريخي جدلي وكل تحليلٍ طبقي ولصراع الطبقات إلى الماركسية. كما أن هناك نماذجَ من لاهوت التحرير بعيدة عن التحليل المادي التاريخي والتحليل الطبَقي ويقوم على نزعةٍ مثالية، ومثالية فعل ومقاومة «الأنا تضع نفسها حين تقاوم» كما هو الحال في فلسفة المقاومة عند فشته؛ فهو فيلسوف قبل أن يكون لاهوتيًّا.٣٩ كما أن الوحي متحقق في التاريخ، والنبوة متطورة طبقًا لمراحله. والمكان والزمان حاضران فيه بفعل «أسباب النزول» و«الناسخ والمنسوخ». ولولا التدافُع بين الناس لما قامت حضارة ولا نشأ تاريخٌ إنساني. وقد نشأت عدة حوارات بين المسيحية والماركسية (ابتكر Apteker) استئنافًا لما قاله كاوتسكي من قبلُ في «المسيحية البدائية».
- (ب) يقول لاهوت التحرير بالصراع الطبقي ولا يمنع من ممارسة أنواع العنف المختلفة بما في ذلك الصراع المسلح كما فعل كامیو توريز؛ فالإيمان فعل وقوله ممارسة وإيمان. وحمل البندقية لا يقل أهمية عن حمل الصليب. يدفع المؤمنين إلى نيل الشهادة في سبيل الحق تأسيًا بصلب المسيح، ولكن بنضالٍ إيجابي، دون الاكتفاء بالشهادة على العصر وبالبقاء في العالم كأسطورةٍ خالدة للخلاص، وفداء خطايا البشر.٤٠
- (جـ) لاهوت التحرير إلحاد صريح؛ فقد استبدل بالله الإنسان وبالوحي التاريخ، وبالأنبياء قادة الشعوب، وبالملائكة زعماء حركات التحرُّر الوطني، وبالآخرة الدنيا، وبالإيمان الثورة، وبالصليب البندقية، وبالقدَّاس الخلية، وبالكنيسة الحزب الثوري، وبالتجسُّد الشعب والأرض، وبالمؤمنين العمال والفلاحين. وهو اتهامٌ غير صحيح إنما هو عودٌ إلى الدين، إلى مساره الطبيعي، بعد القضاء على اغترابه خارج العالم؛ ومن ثَمَّ يُعَد فيورباخ هو المنظر الفعلي للاهوت التحرير. ولاهوت «موت الإله» أحد فروع اللاهوت المعاصر Death of God Theology أو اللاهوت بلا إله Atheistic Theology عند جابریل فاهانيان G. Fahanian و ألتزير Altzier. بل لقد تبنَّاه عديد من القساوسة والأحبار والرهبان مثل روبنسون في «مخلص لله» Robinson: Honest to God.
- (د) لاهوت التحرير علمانيةٌ صريحة فهو دين بلا إله، وأرض بلا سماء، وبدن بلا روح. وهو اتهامٌ غير صحيح لأن الوحي كلام الله إلى الإنسان، ورسالة من السماء إلى الأرض؛ فالغاية الإنسان في العالم وليس الله خارج العالم. لاهوت التحرير متفق مع مقصد الوحي ومساره في التاريخ. واللاهوت العلماني Secular Theology أحد فروع اللاهوت الجديد، كما عَبَّر عن ذلك هارفي كوكس في «المدينة العلمانية The Secular City».
- (هـ) لاهوت التحرير تسييس للدين وخلط بين ملكوت السماء وملكوت الأرض، مع أن السيد المسيح فصل بينهما «أعطِ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.» وهو تفسيرٌ غير صحيح للدين؛ فالوحي نظام حياة للإنسان في الداخل والخارج، وللجماعة في علاقاتها ونظُمها. غرضه تحقيق السعادة في الدنيا قبل مثيلها في الآخرة. وقد كانت دعوة كل النظم التسلُّطية الفصل بين الدين والسياسة؛ حتى لا يتحول الدين إلى ثورة ضد الطغيان.٤١
- (أ)
لاهوت التحرير لاهوتٌ أكثر منه تحريرًا، ودينٌ أكثر منه دنیا. وهو نوع من التبشير الاجتماعي الجديد يستعمل المجتمع وسيلة، والدين غاية. ويبدأ من مآسي الناس كي يعيدهم إلى الإيمان. السياسة وسيلة، والدين غاية. ما زالت مقولاته في التجسُّد والخلاص والصلب والخطيئة والإيمان والكنيسة هي مقولات اللاهوت التقليدي حتى ولو أخذت دلالاتٍ جديدة.
- (ب)
لاهوت التحرير في النهاية نوع من المعارضة الفكرية والثقافة العالمة أكثر منها معارضةً سياسية فعلية في الدولة. لا تُكوِّن حزبًا سياسيًّا معارضًا في مواجهة السلطة القائمة بل تكتفي بالوعي الديني السياسي، وتقوم بدور التنوير العام بالحقوق والواجبات. ترفضه الكنيسة الرسمية ولا يعترف به مجموع اللاهوتيين بل وكتبَت الكنيسة ضده بيانًا تُبيِّن مخاطره وإن لم تُحرِّمْه.
- (جـ) لاهوت التحرير أقرب إلى النزعة الأخلاقية الفردية؛ فخلاص العالم يبدأ بخلاص الفرد. هو «إحياء ذكرى» صلب المسيح كما يقول جوتيريز.٤٢ والنزعة الفردية أقرب إلى التيار اليميني في السياسة.
- (د) لاهوت التحرير انتهى منذ الستينيات، وطغت عليه في العقد الأخير روح العولمة والسوق ومقولات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والأقليات والمرأة، وهي الموضوعات الأثيرة في المجتمعات الغربية في عالمٍ ذي قطبٍ واحد ضد النظم الشمولية «لا للنظم الشمولية»، «من أجل ديمقراطية تخدم حقوق الإنسان وترفض النظم التسلطية».٤٣
ومع ذلك تظل مجموعة «لاهوت التحرير» الأربع، في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا والوطن العربي، بين الترجمة والعرض والتأليف، خطوةً رائدة للتعريف به في الوطن العربي، كنموذجٍ لعبور هذه الهُوَّة الواسعة التي شقَّت الصف الوطني بين الخطاب السلفي والخطاب العلماني، وقد وصل إلى حد الاقتتال وسفك الدماء في الجزائر، وكلَّف مائة ألف قتيل؛ من أجل إبداع خطابٍ ثالث يُحقِّق أهداف الخطاب العلماني بآليات الخطاب السلفي، فتتحقق وحدة الصف الوطني ووحدة الثقافة الوطنية بل ووحدة الأمم والشعوب عبر التاريخ.
-
Fuad Hendricks: Imam Abdullah Haron, Martyrdom comes to life, Furgan publications Impress, Durban 1988.
-
Barney Desai, Chardiff Martney: The killing of the Imam, Quartet books, London 1978.
-
F. Isaak: But Musa went to fir-aun, Clyson Printers, Maitland, 1989.
-
Achmed Cassiem: Eid Message, the intercultural roots of the oppressed and the Islamic Triumph over Apartheid, Qibla, Cape Town, 1992.
-
Achmed Cassiem: Iqraa, freedom from ignorance, Qibla, Cape Town, 1992.
-
Achmed Cassiem: Quest for unity, Qibla, Cape Town. 1992.
-
Achmed Cassiem: Ramadaan, the month of high intensity training, Qibla, Cape Town 1992.
-
Ahmed Essop: The Hajji and the other stories, Ravan press, Johannesburg, 1978.
-
Abdulkader Tayob: Islamic Resurgence in South Africa, The Muslim Youth Movement, UCT press, Cape Town, 1996.
-
Achmat Davids: The Mosque of Bo-Kaap, South Africa Institute of Arabic and Islamic Research, Athlone, Cape, 1980.
-
Aziz A. Batran: Islam and Revolution in Africa, Amana Books, Brattleboro, Vermont 1984.
وليم سيدهم، «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»؛ سر الأفخارستيا، «ملخص كتاب جواتير لاهوت التحرير»، ص٨١–١٠٨؛ «الحرية المسيحية والتحرير تعليم مجمع العقيدة الإيمانية». الحق يُحرِّرنا، وهي فقراتٌ منتقاة من الوثيقة. السابق، ص١٤٥–١٥٦.
(١) التوجُّه نحو الفقراء اقتداءً بیسوع الفقير.
(٢) تأویل ملكوت الله لإلغاء التمييز بين ملكوت الأرض والسماء توحيدًا بين المثال والواقع، كما هو الحال في الإسلام؛ جمعًا بين ملكوت الأرض في اليهودية وملكوت السماء في المسيحية.
(٣) الكنيسة تمثل جماعةً حية من المؤمنين.
(٤) تفسير «الكلمة» في ضوء الواقع المعيشي.
(٥) العلاقة بين الخطيئة الاجتماعية والخطيئة الفردية وتحويل الخطيئة الدينية الموروثة إلى مآسٍ اجتماعية مكتسبة.
(٦) تعني البشارة في الإنجيل التحرير والرقي الإنساني.
(٧) تضامُن الكنائس الكبيرة والمحلية لصالح جماعة المؤمنين.
(٨) خلق حياةٍ روحانية صوفية اجتماعية ولا تقوم على العزلة.
(٩) السخاء قيمةٌ نضالية إلى حد الاستشهاد في سبيل الإيمان والعدالة.
(١٠) تأويل السيد المسيح بما يتناسب مع تحديات العصر ومآسي اليوم.
(١١) رؤية جديدة للكنيسة في خدمة الشعب.
(١٢) التضامن مع النشاط الإنساني للعلمانيين باسم الإيمان.
«لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية»، ص١١٦-١١٧.
Hassan Hanafi: Islam in the Modern World (2 Vols) I- Religion, Ideology and Development, II- Tradition, Revolution and Culture, Ist Ed. Anglo-Egyptian Bookshop, Cairo 1995, 2nd Ed. Dar Kebaa, Cairo 2000.