بديع الكسم١
هو من الرعيل الثاني لرواد الفكر العربي وأساتذة الفلسفة العربية الحديثة في الأربعينيات مع زكي نجيب محمود، وتوفيق الطويل، ومحمد عبد الهادي أبو ريدة، ومحمود أمين العالم، وسامي الدروبي، وعبد الرحمن بدوي، ومحمود قاسم، وعادل عوا بعد الرعيل الأول مثل إبراهيم بيومي مدكور، وعثمان أمين، ومحمد مصطفى حلمي، وأبو العلا عفيفي، وعلي سامي النشار، ومحمد علي أبو ريان، تلاميذ المؤسس الأول للفلسفة في الجامعات العربية مصطفى عبد الرازق، تلميذ محمد عبده، تلميذ الأفغاني؛ فقد ارتبطَت نشأة الفلسفة العربية الحديثة بالحركة الإصلاحية أحد مُكوِّنات عصر النهضة العربية. وهو المُمهِّد لجيل الخمسينيات، صادق جلال العظم، محمد عزيز لحبابي، شیخ بو عمران، محجوب بن میلاد، فؤاد زكریا، زكريا إبراهيم. وهو الجيل الذي يُشرِّفني الانتساب إليه، ممهدين لجيلٍ رابع من أساتذة الفلسفة في الوطن العربي كي يُعيدوا إلى الفلسفة سيرتها الأُولى، من الإصلاح وإليه تَعود، من فجر النهضة العربية الأولى إلى نهضةٍ عربية ثانية.
وهو ينتمي إلى جيل الحرب العالمية الثانية، والذي عاصر الأحداث في الوطن العربي قبل الحرب وبعدها. وُلِد في نفس العام الذي سقطَت فيه الخلافة، عام ١٩٢٤م. ورأی ضرب دمشق من الاستعمار الفرنسي عام ١٩٤٥م. وعاصر كل الثورات العربية ابتداءً من الانقلابات العسكرية في سوريا في أواخر الأربعينيات حتى الثورات المصرية والعراقية في الخمسينيات، واليمنية والليبية في الستينيات.
وبعد أن حصل على البكالوريا الأُولى والثانية من دمشق ١٩٤١-١٩٤٢م، كانت دراسته الجامعية في القاهرة أثناء الحرب وبعدها ١٩٤٣–١٩٤٧م، ولم يغادرها. وعاش مع إخوانه المصريين والعرب خاصة المغاربة والسودانيين الذين كانوا فيما بعدُ أساسَ وحدةِ الأمة العربية، حزب الاستقلال مع علال الفاسي، والحزب الوطني الاتحادي مع إسماعيل الأزهري. ارتبط بالقاهرة مثل ارتباطه بدمشق وجنيف، هذه العواصم وجامعاتها والتي أهدى إليها رائعته الفريدة «فكرة البرهان في الميتافيزيقا» والتي نال بها درجةَ الدكتوراه في الفلسفة من جامعة جنيف. عَمِل في وزارة التعليم المركزية في أول تجربةٍ وحدوية عربية في التاريخ العربي المعاصر ١٩٥٨–١٩٦١م، بعد تجربة محمد علي وإبراهيم باشا في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وساهم في تعريب التعليم في الجزائر ١٩٦٨–١٩٧٢م، والعرب بين محنة الانكسار في يونيو حزيران ١٩٦٧م، وقبيل النصر في أكتوبر-تشرين ١٩٧٣م.
صورته في الوطن العربي أنه هو هذا المُفكِّر المُتعمِّق المتأمل القليل الكتابة وعميقها، الهادف إلى الكيف وليس الكم. توحَّد اسمه مع «فكرة البرهان في الميتافيزيقا» في نصه الفرنسي الأصلي قبل أن يُترجم إلى العربية منذ اثنَي عشر عامًا، وقبل أن تصدُر مقالاته الأخرى التي تم تجميع البعض منها. وبالرغم من مراجعها الغربية في الغالب إلا أنها فكرةٌ إسلامية أصيلة ومبحثٌ إسلامي قديم؛ فقد بحث الغزالي عن اليقين قبل ديكارت. وعرَّف ابن رشد الفلسفة بأنها «النظر في الوجودات بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان.» وفرَّق بين أقاويلَ ثلاثة؛ الخطابي، والجدلي، والبرهاني. وفي المنطق الأصولي «ما لا دليل عليه يجب نفيه.» وفي نظرية العلم في أصول الدين، وكما عرض الإيجي في المواقف «إن كل الحجج النقلية حتى لو تضافَرت لإثبات شيء أنه صحيح ما أثبتَتْه، ولظل ظنيًّا، ولا يتحوَّل إلى يقين إلا بحجةٍ عقلية ولو واحدة». والبرهان لفظ قرآني؛ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. والبرهان إما من الله وإما من الإنسان وإما في الموضوع ذاته. فهو رؤية حدسية أو استدلال عقلي أو وضوح موضوعي. كان الفقيد يُعبِّر عن جوهر حضارتنا القديمة وحاجتنا المعاصرة للبرهان بعد أن اتُّهِمنا بأننا حضارة الإنشاء لا الخبر، الشعر لا العلم، الخطابة لا البرهان، إلى حد قول بعض المستشرقين: «إن العرب ظاهرةٌ صوتية.» وروَّج آخر للوضعية المنطقية حتى نُحسن صناعة الكلام. وجعل أحد الشعراء العرب المعاصرين هذه الإنشائية أحد أسباب هزيمة يونيو-حزيران ١٩٦٧م.
كان الفقيد يبحث عن الإنسان العربي العقلاني الجديد عن طريق عقلانية الغرب التي أصبحَت مشاعًا بين الجميع في القرون الأخيرة، بالرغم من غرابة مادة المنطق والميتافيزيقا على الوجدان العربي الحديث. والمنطق هو أعلى العلوم الفلسفية طلبًا للبرهان. أحبَّه الفقيد بالرغم من أنه لم يؤلِّف فيه لأنه آلة. أما الميتافيزيقا فالموضوع. والدين ميتافيزيقا عودًا إلى تراثنا القديم، وليس شعائر ولا طقوسًا ولا مؤسساتٍ ولا عقائد. «الله موجود» قضيةٌ ميتافيزيقية وحكمٌ منطقي؛ فلا تُوجد قضية إلا ولها برهان. ولا تُوجد حقيقة إلا ويصدر عليها حكم ضد النزعة الغنوصية التي تؤمن بالعرفان والذوق، والحَدْس المباشر، والرؤية العينية بلا برهان، والنزعة الشكلية اللاإرادية على كافة تياراتها، سواء التي تنكر وجود حقيقة أيًّا كانت، أو التي تُثبِت وجودها وتُنكِر إمكانية البرهان عليها، أو التي تُثبِت وجودها وإمكانية البرهنة عليها ولكن دون يقين.
لذلك قسَّم «فكرة البرهان في الميتافيزيقا» سبعة فصول؛ الأول الإثبات والحقيقة من أجل بيان أنه لا تُوجد حقيقة إلا ولها برهانٌ يُثبِتها. والثاني الحقيقة والبرهان. والثالث تعريف الميتافيزيقا وهو سؤال هيدجر «ما الميتافيزيقا؟». والرابع والخامس عرضُ نظرية البرهان وتحقيقاتها في التاريخ. والسادس التمييز بين نظريتَين في البرهان، الاتساق سواء كان اتساقًا صوريًّا، المقدمات مع النتائج، العقل مع نفسه، أو التطابُق المادي، العقل مع الواقع. والسابع نظرية الحدْس أو الوضوح أو الكشف عندما تتضمن الحقيقة برهانها في ذاتها، لا فرق بين الذات والموضوع. وغالبًا ما ينكشف ذلك في الشعور القصدي، كما هو الحال في الظاهريات المعاصرة عند هوسرل وشيلر والحدْس عند برجسون، وعند أبي حيان التوحيدي وفلاسفة الإشراق قديمًا.
يكشف الكتاب عن قدرةٍ عالية من التنظير وإعمال العقل الخالص في أكثر الموضوعات تجريدًا وهو البرهان وأكثر العلوم صورية وهو المنطق، وما تتطلبه الميتافيزيقا من إحساسٍ مرهف. لا تُوجد أسماء أعلامٍ كثيرة؛ فالأفكار لها استقلالها الذاتي غير الشخصي. وهذه ميزة الميتافيزيقا على تاريخ الفلسفة. ويتم التحليل اعتمادًا على العقل الخالص بعيدًا عن الانفعال والإرادة. به روح التأمل الشرقي القديم القائم على الصدق مع النفس. لا يبني مذهبًا مغلقًا أو نسقًا تصوريًّا. ويضع الفلاسفة جميعًا في زمانٍ واحد وفي مكانٍ واحد. يتحاور الجميع فوق جبال الأولمب. يُفكِّر على تفكير، ويتأمل على تأملات، في قراءات وتأويلاتٍ جزئية دون الرغبة في الوصول إلى نسقٍ كلي. وهو جزء من التراث الفرنسي التقليدي الحديث عند بسكال، ومين دي بيران والمعاصر عند لافل ولوسن وجابريل مارسل وليفيناس. يُعبِّر عن غابات جنيف وجبال الألب وربوع الشام في آنٍ واحد.
يجمع بين توما الإكوینی وتجريده وأوغسطين وتجاربه الحية، بين إيمان بسكال وعقلانية ديكارت. وبلغة السهروردي هو الحكيم المتأله، المتوغل في التأله والمتوغل في البحث.
ومن ثَمَّ يؤسس العقلانية العربية الحديثة دون الوقوع في وجدانيات «الجوانية» لعثمان أمين، ولا في الوجوديات التومادية ليوسف كرم، ولا في التجارب الوجودية عند عبد الرحمن بدوي الأول عند نيتشه وهيدجر أو زكريا إبراهيم عند ياسبرز ومارسل. تجاوَزَ الأخ الفقيد النزعة الإرادية في تحليل الأفكار والنظريات إلى تحلیلٍ عقلي صافٍ ما زال جيلنا يحاول العودة إليه بعد أن عصفَت به الأحداث، واعتَرتْه الهزائم، وهزَّتْه النكسات، وأصبح مُحاصَرًا بين القدماء وانفعالات المعاصرين، بين العقل اليوناني القديم أو الديكارتي الحديث، وبين انتفاضة الأقصى وصُراخ الأطفال وعويل النساء.
يقرأ باتساع ويدل على ذلك الكم الهائل من المراجع في آخر الكتاب. يقرأ ولا يرفض، ويُحاور ولا يستبعد، يتمثل ولا ينقُض، ولا يُصدِر أحكامًا على الآخرين. يأخذ منهم ما يشاء ويترك ما لا يريد. يجمع بين كل التيارات والمذاهب، عقلانية أرسطو وتوما الأكويني وديكارت، وحيوية سقراط وأوغسطين. كان يُحاول أن يؤسس شخصانيةً روحانية جديدة كما حاول رينيه حبشي في لبنان ومحمد عزيز لحبابي في المغرب أُسوة بمونييه في فرنسا. نهل من الوافد الغربي أساسًا، ثقافته الأساسية ورافده الأول. نموذجه ديكارت ثم كانط ثم أفلاطون؛ فديكارت هو المتأمل الأول، وكانط هو المتأمل الثاني، وأفلاطون نموذج القديم للعقلانيين المحدَثين. ويُحيل إلى برجسون واسبينوزا حياة التوحُّد، توحُّد الشعور، وتوحُّد الفكر. ويعود إلى أرسطو وتوما الأكويني وهيجل وهيدجر؛ فالحقيقة في الوجود وليست فقط في البرهان العقلي. تتجلى في الشعور، في الحوار السقراطي الوجودي القديم والحديث عند المسيح وأوغسطين وأنسيليم وبسكال وجان هيرش وياسبرز. ينتسب إلى مين دي بيران وبلوندل وألكييه وبرييه وشيلر وريكبر، وكما يكشف عن ذلك تحليل المضمون، كما ورد من أعلام في «فكرة البرهان في الميتافيزيقا».
وفي هذا الأفق الواسع من الوافد الغربي القديم والحديث لم ينسَ الفقيد الموروث، أنه ينتمي إلى حضارةٍ عربية إسلامية؛ فذكر ابن رشد وهو الفيلسوف العقلاني البرهاني، والرسول باعتباره نموذج الحكيم الذي يقوم بتحليل تجارب البشر، وابن سينا واضع الميتافيزيقا في صيغتها الشاملة، والغزالي في النفس، والمعري وإقبال في الله كنموذج للحقيقة الشاملة. ويذكُر الفارابي الفيلسوف المنطقي القديم، وابن تيمية التحليلي للمنطق الصوري، ومحمد عبده العقلاني الإصلاحي، ومن المحدَثين نجيب بلدي الذي جمع بين عقلانية ديكارت وحياة برجسون، وقنواتي نموذج التوماوي الحديث. ومن الأنبياء يذكُر بوذا والمسيح ومحمدًا من الحنفاء وأصحاب الدين الطبيعي.
والموضوع الرصيد الذي تناوله البحث من موضوعات الميتافيزيقا بالإضافة إلى البرهان والتحليل العقلي هو خلود النفس وليس وجود الله أو خلق العالم، وهي الموضوعات الميتافيزيقية الرئيسية الثلاثة في كل حضارة. ولو تعرض لقضية الله فإنه يتعرض لها باعتبارها قضيةً ميتافيزيقية. إلى أي حد أستطيع أن أُصدِر حكمًا على الله؟ كيف يستطيع المحدود أن يحدد اللامحدود؟ فهو ليس من الفلاسفة الطبيعيين مثل أرسطو وتوما الأكويني والمتكلمين المسلمين الذين يبدءون من الطبيعة إلى الله، ومن الحادث إلى القديم، ومن الممكن إلى الواجب، ومن الأعراض إلى الجوهر، ولا من الفلاسفة العقليين الذين يبدءون بالله كتصوُّر مثل أنسيليم وديكارت، بل هو من الميتافيزيقيين المناطقة الذين يبحثون في التصوُّرات وإمكانية حدوثها؛ فهو فيلسوف النفس مثل سقراط وأوغسطين والقديس بونافنتورا والغزالي وديكارت؛ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ. النظر في العالم يُحيل إلى النفس؛ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، النظر في الطبيعة يُحيل إلى النظر في النفس؛ لذلك حد أفلاطون الفلسفة بأنها تعلُّم الموت؛ أي كيف يستطيع الإنسان تجاوز البدن إلى التأمل في النفس، ويسمو على الحياة الدنيوية كي يُحلِّق في سماء الميتافيزيقا الرحب. إن إثبات خلود النفس سهل بعد إثبات تميُّز النفس عن البدن، والأصعب إثبات حشر الأجساد؛ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، وبالرغم من اتهام الغزالي الفلاسفة بإنكار حشر الأحياء، ودفاع ابن رشد عنهم وإثباته خلود النفس الكلية عن طريق الفكر، وخلود المادة عن طريق التحول إلى طاقة، فالطاقة لا تفنى ولا تتبدد.
وهو المنطقي الميتافيزيقي مثل الفارابي أو الحكيم المتأله عند السهروردي، نادر الظهور مثل الإمام الغائب الحاضر. أقرب إلى «تدبير المتوحد» لابن باجه من الإنسان الاجتماعي بالطبع عند الفارابي وابن خلدون. وهو إنسانٌ وديع مسالم مثل توفيق الطويل. يعلو على الأحداث، ويتسامى عليها. يتحكم في الانفعالات، ولا يطيع أهواء النفس. يوافق أكثر مما يرفض، ويتفق أكثر مما يختلف. ويبدو سعيدًا بأنصاره مثل سعادة السيد المسيح بالحواريين، ومحمد بالصحابة. وكثيرًا ما يشير إليهما كنموذجَين للفكر الميتافيزيقي. كل تعليقاته على كتابات الآخرين إيجابية في معظمها أكثر منها سلبية؛ فالمهم لديه هو صفاء النفس ونقاء الضمير. جاء ليُلقي سلامًا لا سيفًا مثل السيد المسيح. وأسلوبه مثل شخصيته، الهدوء والوداعة؛ فالأسلوب هي الشخصية في الكتابة كما أن الشخصية هي الأسلوب في الحياة.
استطاع أن يتعامل مع العصر وأن يعلو على هموم الدنيا؛ فالحقيقة موجودة، والميتافيزيقا مدخل لها، والعقل وسيلتها، والمنطق أداتها. الخطاب الفلسفي غاية في ذاته دون أن يكون له غايةٌ مباشرة أو قصوى إلا كرامة العقل. لم يقترب من الفلاسفة ذوي المزاج الحاد الذين مارسوا العنف اللغوي والانفعال الوجودي مثل كيركجارد أو نيتشه، بل إن ماركس مجرد ميتافيزيقي. عاش في خِضَم أحداث العصر، نكسة ١٩٤٨م، ونكسة ١٩٦٧م. ولم يحزن إلا الحزن الطبيعي الدفين. وعاصر انتصارات التأميم في ١٩٥٦م، والوحدة في ١٩٥٨م، وقوانين يوليو الاشتراكية في ١٩٦٢-١٩٦٣م، كما عاش ثورة ١٩٥٢م في مصر، وثورة ١٩٥٨م في العراق، والثورة اليمنية في ١٩٦٤م، والليبية في ١٩٦٩م، وحرب أكتوبر-تشرين في ١٩٧٣م، والانتفاضة الأولى في ١٩٨٧م. وانتقل إلى رحمة الله أسبوعًا بعد انتفاضة الأقصى. استطاع هذا المتأمل المتوحد أن یعي واقعه وعالمه بنُبله، وأن یعي مجتمعه بقلبه دونما تعصُّب لشيء أو كراهية لأحد، بل إنه في مقالاته أيضًا لم يتنازل عن هدوئه وصفاته حتى في أشد الموضوعات تأزمًا مثل الحرية وأزمة الإنسان الحديث والقومية. ظل الفيلسوف الهادئ الباحث عن الحقيقة الفلسفية واللغة الفلسفية بالرغم من علمه بعلم اجتماع المعرفة.
إن الفقيد الراحل هو بالنسبة لنا رائد ومعلم ونموذجٌ نقتدي به. نُحاول أن نكون مثله. لولا أن يعصف بنا أحيانًا عجزنا وصُراخنا كما نفعل هذه الأيام، وفي عصر يسوده العنف والتعصُّب والاستبعاد والإقصاء المتبادل وأُحادية الطرف. وفي عصرنا عرَّف محمد عبده الفيلسوف بأنه «العاكف على شأنه، الخبير بأهل زمانه.» وهو أفضل تعريف للفقيد الراحل؛ فعزاء جيلنا فيه، عزاء الصداقة للقرابة، عزاء القاهرة لدمشق.