من التفسير الموضوعي إلى فلسفة التاريخ١
(١) مقدمة: الموضوع والمنهج
بالرغم من وفرة التراث التاريخي عند القدماء، الطبري، وابن كثير، وابن الأثير، والبلخي وغيرهم من كبار المؤرخين، إلا انه اعتمد على الروايات وقصص الأنبياء والإسرائيليات ومعرفة أخبار الأولين؛ وراثةً للشعر العربي الذي دوَّن فيه العرب سِيَرهم وملاحمهم، واقتفاء الأثر والأسفار ومصادر المعرفة في الثقافة العربية القديمة. وتم الدفاع عن التاريخ ضد من يعتبره من أساطير الأولين مثل «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ» للسخاوي، ولكنه ظل التاريخ المروي شفاها أو تدوينًا، فنًّا لا علمًا.
ولأول مرة يتحول التاريخ من روايةٍ إلى علم، ومن نصٍ إلى واقع، ومن ذاكرةٍ يعتريها النسيان إلى عقلٍ يستنبط، ورُوحٍ تُدقِّق وتنتقد عند ابن خلدون، الذي يبدأ «المقدمة» لكتابه في التاريخ بالتنبيه على أغلاط المؤرخين، الذين يعتمدون على الروايات دون التحقق من صحتها، مؤسسًا بذلك علم نقد المصادر التاريخية، اعتمادًا على مصطلح الحديث قبل الغرب الحديث.
لم يحضُر التاريخ في تراثنا القديم حضورًا بارزًا في العلوم النقلية الأربعة، الكلام والفلسفة والتصوف والأصول؛ ففي الكلام يظهر التاريخ العام من ماضي البشرية في النبوة إلى مستقبلها في المعاد، ويتحول إلى تاريخٍ سياسي في الفرد والأمة، وفي المواطن والدولة، في الإيمان والعمل وفي الإمامة، فإذا كان التاريخ يمثل ارتقاءً من الماضي إلى المستقبل، من الباقيات الصالحات إلى عموم الأمة، ومن النخبة الواعية إلى زمرة المساكين، فإن التاريخ السياسي يبدأ فيها من النبوة إلى الخلافة، ومن الخلافة إلى الملك. «خير القرون قرني ثم الذي يلونهم.» «الخلافة من بعد ثلاثون سنة تتحول من بعدها إلى ملكٍ عضود.» وقد قابل السنة والشيعة هذا الانهيار بالارتقاء والنهوض من جديد عن طريق المهدي المنتظر، عند أهل السنة من علامات الساعة في آخر الزمان، وعند الشيعة عندما يحين الوقت، ويخرج من السر إلى العلن، فيملأ الأرض عدلًا كما مُلِئَت جورًا قبل نهاية الزمان.
ولم يحضُر التاريخ في علوم الحكمة كمبحثٍ مستقل؛ نظرًا لقسمتها الثلاثية إلى منطق وطبيعيات وإلهيات. وخرج حثيثًا عند إخوان الصفا لإضافتهم قسمًا رابعًا «في العلوم الناموسية الإلهية والشرعية»، ونظرًا لأصولهم الإسماعيلية ظهر قصص الأنبياء لديهم، كإحدى صياغات فلسفية التاريخ، وكما هو الحال عند أبي يعقوب السجستاني في كتاب «النبوات» وفي كتاب «الينابيع».
كما ظهر عند الصوفية خاصة ابن عربي في «فصوص الحكم»، حيث يتجلى الحق والخلق تدريجيًّا، نبوة وراء نبوة، لا فرق بين تاريخ المعرفة وتاريخ الوجود، بين النبوة والتاريخ. ولقد عرف الحكماء والصوفية المراتب في الفيض وفي الإشراق، ولكنها مراتب راسية وليست أفقية، تاريخًا روحيًّا صاعدًا أو كونيًّا نازلًا، وليس تاريخًا إنسانيًّا أفقيًّا، يتقدم أو يتأخر. المقامات طريقٌ صاعد من الفناء إلى البقاء، درجاتٌ على الرقي الروحي الفردي، وليست مراحلَ لتاريخٍ أفقي من البداية إلى النهاية، مراحل على التقدُّم الجماعي، فيُصبِح الأعلى هو الأمام والأدنى هو الخلف، والتحوُّل من التقدم الروحي إلى التقدم في التاريخ.
وعرف أصول الفقه التاريخ، من النص إلى الواقع، من الكتاب إلى السنة كتعيُّنٍ أول، ومن السنة إلى الإجماع كتعيُّنٍ ثان، ومن الإجماع إلى الياس كتعيُّنٍ ثالث؛ إذ يتم الانتقال من الوحي العام في القرآن إلى الوحي الخاص في السنة في لحظةٍ تاريخية معينة. ومن الوحي الخاص للرسول إلى وراثة الأمة في الإجماع؛ فالعلماء ورثة الأنبياء، ومن وراثة الأمة إلى الاجتهاد الفردي القادر على الحكم بروح الوحي على الواقع المتجدد في الزمان والمكان.
وهناك فلسفةٌ للتاريخ عند الشيعة ابتداءً من الفلسفة التاريخية، والثورة على الحاكم الظالم عن طريق بيان انتصار الأنبياء السابقين، كما فعل أوغسطين في «مدينة الله» مبينًا انتصار الانبياء، بالرغم من هزيمة المسيحيين أمام غزو الفاندال روما بقيادة ألاريك؛ فمدينة الله لا تُهزم أبدًا أمام مدينة الأرض. أما عند المنتصر مثل أهل السنة، فلا تنشأ فلسفة التاريخ إلا لتمجيد الفرقة الناجية، وأن الانهيار في التاريخ يظل مستمرًّا إلى يوم الدين، حتى المهدي المنتظر كعلامةٍ من علامات الساعة؛ فالانهيار قدَرٌ لا يمكن الثورة عليه أو الوقوف أمامه إلا بحركةٍ إصلاحية، تظهر على رأس كل مائة عام «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يُجدِّد لها دينها.»
والهدف من هذه الدراسة استئناف تطوير التاريخ، من فن التاريخ إلى علم التاريخ، ومن علم التاريخ إلى فلسفة التاريخ إلى الوعي التاريخي، ومن الوعي بالتاريخ إلى تحقيب التاريخ، إجابةً على سؤال: في أي مرحلةٍ من التاريخ نحن نعيش؟
ولا يكفي عرض السنن التاريخية في القرآن، تكرار مادته، وشرح أفكاره أو تلخيصها، وكأننا ما زلنا في عصر الشروح والملخَّصات، حيث يتوارى الباحث وراء موضوعه تحت وهم الموضوعية والحياد، مع أنه جزءٌ من المادة ومسئول عنها مسئولية القدماء؛ فهو ابن الحضارة الإسلامية وليس متفرجًا عليها، من داخلها وليس من خارجها، وهو مسئول عن تطويرها، وليس فقط مدحها وتقريظها أو بيان مثالبها وعيوبها؛ فهو باحثٌ وطني، ينتمي إلى التراث، وليس مستشرقًا غربيًّا ينفصل عنه. هو صاحب دار وليس ضيفًا عليها.
(٢) الموروث والوافد
ينهل الفكر العربي الإسلامي المعاصر من مصدرَين: الأول الموروث القديم الذي ما زال حيًّا في الثقافتَين العلمية والشعبية، عند النخبة وعند الجماهير. والقابع في النفس من أغوار التاريخ، سواء كانت الأصول الأُولى، القرآن والحديث أم العلوم الإسلامية التي صدَرتْ عنهما، العقلية النقلية؛ الكلام والفلسفة والتصوف والأصول. والنقلية الخالصة: القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه، وربما العقلية الخالصة الرياضية كالحساب والهندسة والفلك والموسيقى، أو الطبيعي كالطب والصيدلة والنبات والحيوان والمعادن، أو حتى الإنسانية مثل اللغة والأدب والجغرافيا والتاريخ. والثاني الوافد من الغرب الحديث منذ مائتَي عامٍ منذ عصر الترجمة الثاني عن الغرب في القرن التاسع عشر الميلادي، المشابه لعصر الترجمة الأولى في القرن الثاني الهجري، وكما تمَّت الترجمة الأولى عن اليونانية والفارسية أساسًا واللاتينية والهندية فرعًا، كذلك تمت الترجمة الثانية عن الإنجليزية والفرنسية أساسًا، وعن باقي اللغات الأوروبية، الألمانية والإيطالية والإسبانية فرعًا. أما الواقع المعاصر فهو الدافع على التأليف، هو هَمُّ العصر، أحزانه ومآسيه. وهو ما يتفاعل الموروث والوافد فيه. هو المصب للرافدَين، والقلب للرئتَين، والعقل للعينَين. ولما كان المصدر الأول أبعد في التاريخ على مدى خمسة عشر قرنًا، فإنه أعمق في الوعي التاريخي، وأكثر اتساعًا من المصدر الثاني الأحدث والأضيق، والذي لا يتجاوز مائتَي عام. المصدر الأول أكثر انتشارًا عند الجماهير والنخبة على حدٍّ سواء، في حين أن المصدر الثاني أكثر حضورًا عند النخبة. ولمَّا كانت النخبة هي الحاكمة، أصبح المصدر الثاني أكثر تأثيرًا من خلال الجامعات ومراكز الأبحاث. والمصدر الأول أكثر اتساعًا من خلال أجهزة الإعلام والجامعات التقليدية والتعليم الديني. أما الواقع المعاصر فهو الباعث الدفين في الوعي الشعبي، الذي قد يتحرك عن لا وعي عند الجماهير دون وعيٍ نظري، وعند النخبة في التساؤل والبحث النظري؛ ومن ثَمَّ يكون السؤال: كيف يتحول هذا الواقع من مستوى اللاوعي النظري إلى مستوى الوعي النظري عند الجماهير في شكل ممارسة، وعند النخبة من مستوى الوعي النظري إلى المستوى الوجودي الحياتي، للإجابة على سؤال: في أي مرحلة من التاريخ نحن نعيش؟
وقد استأنف الغرب ما بدأه ابن خلدون؛ إذ اتجه الفكر الأوروبي منذ عصر النهضة إلى تجسيد المفهوم، الذي حقَّقه المسلمون الذين لم يتوغلوا في أعماقه. وتنوَّعَت الأبحاث عند الأوروبيين في فهم التاريخ ومعرفة قوانينه، ونشأت تياراتٌ فكرية مثالية ومادية ومتوسطة ومدارسُ متعددة، أشهرها المادية التاريخية بعد أن نبه القرآن عليها؛ فالمادية التاريخية استئنافٌ لطريق القرآن. ويبقى للقرآن الكريم وحده أنه طرح هذه الفكرة، لأول مرة على ساحة المعرفة البشرية؛ ومن ثَمَّ تصبح دراسة نظريات القرآن أكثر إلحاحًا، خصوصًا مع بروز النظريات الحديثة من خلال التفاعل بين إنسان العالم الإسلامي وإنسان العالم الغربي، بما يملك من رصيدٍ كبير وثقافةٍ متنوعة في مختلف مجالات المعرفة البشرية، حيث وجد الإنسان المسلم نفسه أمام نظرياتٍ كثيرة في مختلف مجالات الحياة، فكان من الضروري لتحديد موقف الإسلام من هذ النظريات استنطاقُ نصوصه، لمعرفة مواقفه إيجابًا أم سلبًا، ولمعرفة هذه النظريات الإسلامية التي تعالج نفس الموضوعات، التي عالجتها التجارب البشرية الأخرى. وقد أثَّرَت الحضارات المجاورة قديمًا في التفسير الموضوعي للتاريخ؛ فقد قدَّمَت الحضارات القديمة عروضًا نظرية لعديدٍ من الموضوعات في المنطق والطبيعيات والإلهيات، فاضطُر الحكماء إلى مقابلةِ نظريةٍ بنظرية، ونسَقٍ بنسَق، وحكمةٍ بحكمة، فلما أنتج الغرب الحديث فلسفة التاريخ، لم ينتج المسلمون المعاصرون فلسفةً مقابلة للتاريخ؛ فأوروبا المعاصرة هي المرآة التي تتراءى فيها صورة العالم الإسلامي.
(٣) التفسير الموضوعي
- (أ)
تجميع الآيات حول موضوعٍ واحد، ويسهل ذلك من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن. المهم إيجاد بنيةٍ عقلية أو واقعية بعد تبويبها، من حيث الشكل اللفظي أو من حيث المضمون؛ أي المعنى والعلاقات. وهو الموضوع على مستوى التعبير.
- (ب)
تحليل المضمون في العالم الخارجي، خارج النص، وهو ما سمَّاه الأصوليون القدماء تحقيق المناط؛ فالموضوع في النص وخارج النص، في الوحي وفي العالم، في الكلمة وفي الشيء، في اللغة وفي الوجود؛ ومن ثَمَّ لا فرق بين استنباط قوانين التاريخ من النص واستقرائها في الواقع، نظرًا لوحدة النص والواقع، وكما وضح من «أسباب النزول» و«الناسخ والمنسوخ». وهو الموضوع على مستوى العالم.
- (جـ) انكشاف الموضوع في النص وفي العالم، وفي الشعور كتجربةٍ حية؛ فالنص في النهاية مستوًى صوري، يتم فهمه بالعقل الخالص. والعالم الخارجي مستوًى مادي تتم ملاحظته بالحواس. وكلا المستويَين يصُبَّان في الشعور، تجربةً حية؛ فالعقل مرتبط بالحدْس، والعالم تجربةٌ شعورية. وهو الموضوع على مستوى الشعور.٣٠
وعلم الحديث أيضًا نوعٌ من التفسير الموضوعي؛ لأنه تجميعٌ للأحاديث حول موضوعٍ واحد. ويمكن إضافة علم السيرة أيضًا؛ لأنه تجميعٌ لعديدٍ من الأحاديث طبقًا لسيرة الرسول منذ مولده حتى وفاته، بل إن علوم القرآن أيضًا تأسَّسَت نتيجة للتفسير الموضوعي؛ لأنها تجميعٌ للآيات حول موضوعٍ واحد على مستوى اللغة؛ الحقيقة والمجاز، والظاهر والمؤَوَّل، والمحكم والمتشابه، والمطلق والمقيد، والخاص والعام، والأمر والنهي، والمستثنى والمستثنى منه، أو على مستوى الزمان مثل الناسخ والمنسوخ، أو المكان مثل «المكي والمدني»، أو على مستوى الموقف الإنساني مثل «أسباب النزول».
التفسير التجزيئي هو نموذج التفسير القديم عند الطبري والرازي والطوسي، يخلو من التراكم المعرفي، وجمع جوانب الموضوع في رؤيةٍ كلية واحدة؛ لذلك قد تقع التحليلات الجزئية في تناقُضات بيَّنها عند المفسر الواحد، لغياب منظومةٍ كلية للوحي كتصور للعالم. كما يخضع المنهج التجزيئي إلى الأحكام المسبقة والتفسيرات المذهبية والعقائدية، مثل موضوع الجبر والتفويض، فأصبح التفسير الجزئي تشريعًا للمذهب المسبق. خرج التفسير من المذهب، ولم يخرج المذهب من التفسير. يستهدف مفهوم الله لأنه بؤرة الدين، ومظان الخطر من الديانات المجاورة، التي تحمل تصوراتٍ مختلفة في حاجةٍ إلى تصحيح، وقد تغيرت مظان الخطر الآن من عقيدة الأمة إلى ثرواتها وأرضها واستقلالها ووحدتها.
(٤) قوانين التاريخ
وهو لب فلسفة التاريخ وأهم جزء في «السنن التاريخية في القرآن» وأكبره حجمًا، يعتمد أساسًا على قصص الأنبياء الذي يكشف عن نهضة الأمم وسقوطها، وقيام الحضارات وانهيارها في تصورٍ دائري حلزوني، نظرًا لما يحدث في كل مرحلة من تراكمٍ كمي، يُحدث تغيرًا كيفيًّا في الوعي بالله، والتحرَّر من قهر المادة والسلطان.
وسنن التاريخ ثابتة وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا، متحققة في التاريخ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ. هي كلمة الله تتحقق في التاريخ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ، والتاريخ ميدان كلمة الله أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا؛ من أجل النظر والاعتبار وبلورة الوعي التاريخي أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.
وسنن التاريخ ليست قوانين الطبيعة الحتمية، بل هي قواعد السلوك الإنساني ومعاييره أي الأخلاق؛ فالأخلاق هي سنن التاريخ الإنساني مثل التقوى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا …، والاستقامة وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ، والطاعة وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، والصبر فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا، ضد الاستكبار في الأرض والمكر السيء فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ، والبداية بالداخل قبل الخارج، وبالفرد قبل الجماعة، وبالأخلاق قبل السياسة إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
والتاريخ تجارب وعذاب وآلامٌ مثل تاريخ الأنبياء، مثل أولي العزم من الرسل، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، وتاريخ الأئمة مثل شهادة علي والحسين. هو تاريخ الجهاد والتشبث بالأرض وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ، وألم القعود أقسى من ألم الجهاد إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. الجهاد مكتوبٌ وقدَر على المسلمين؛ فالحياة صراع. ويألم المسلمون كما يألم الآخرون، ولكن إيلام المسلمين للحق، وإيلام الأعداء للباطل إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ.
والأمم لها أعمارٌ مثل الأفراد، ولا تبقى أمة إلى الأبد في التاريخ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ، لكل أمةٍ أجل، ولكل أجلٍ كتاب وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ، ومَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ. ومسئولية الأمم مثل مسئولية الأفراد وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. ولكل أمةٍ إيداعها، ولا يجوز تقليد أمة لأمةٍ أخرى إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ.
وتتسم سنن التاريخ بخصائصٍ ثلاث يُسمِّيها الإمام الشهيد «حقائق قرآنية» عن سنن التاريخ؛ الأولى الاطراد؛ أي عمومها وسريانها دون حذف أو استثناء؛ لأنها نتيجة إحصاءٌ شامل لقيام الأمم وسقوطها، ونهضة الشعوب وانهيارها.
والثانية الربانية؛ أي ارتباطها بالله عن الإرادة الإلهية. وهو عكس الاطراد ويتنافى مع موضوعية القانون، إلا إذا تم التوحيد بينهما على طريقة اسبينوزا، أن تكون صفات الله هي قوانين الطبيعة، لا فرق بين «الطبيعة الطابعة» و«الطبيعة المطبوعة»، وعلى طريقة هردر أن تكون العناية الإلهية هي قوانين التاريخ. ويعترف الإمام الشهيد بهذا التناقُض، ويُقر بالاعتراض على سمة الربانية، بأنها تدخل في إطار لاهوت التاريخ، كما هو الحال عند أوغسطين وليس فلسفة التاريخ. ويرُدُّ عليه بأن الربط بين حوادث التاريخ يتم عن طريق الحكمة، وليس عن طريق الإرادة، مع ابن رشد ضد الغزالي. وهو أفضل من اعتبار الإرادة الإلهية مع سنن التاريخ وليس ضدها، حتى لا تبطل الحجة بدليل التمانُع، والانتهاء إلى الشرك إذا اختلفَت الإرادتان، وإلى التكرار وعدم الفائدة إذا ما اتفقَت الإرادتان.
والمثل الأعلى تعبيرٌ قرآني وَلِلهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، ينبثق من أصول العقيدة الخمسة؛ التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، والإيمان بيوم القيامة. وهي مثل الأصول الخمسة عند المعتزلة؛ التوحيد والعدل، والوعد والوعيد، والحُسن والقُبح القبليَّين، والمنزلة بين المنزلتَين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالتشيُّع يقوم على الاعتزال، وكلاهما من المعارضة للأشعرية، الفرقة الناجية. وهو نسقٌ يمكن أن يُعاد بناؤه، كأيديولوجيا للمجتمع والتاريخ.
(٥) خاتمة: كيف يمكن تطوير السنن التاريخية إلى فلسفة التاريخ؟
- (١)
- (٢) لم تتحول فلسفة التاريخ بعدُ إلى علمٍ دقيق، وما زالت في مرحلة الدعوة والتأسيس، مرحلة الاستكشاف والاستنهاض؛ لذلك سادها الخطاب الإنشائي دون البرهاني. ما زالت كشفًا ربانيًّا وليست وعيًا علميًّا، كما يفعل الدعاة، وليس كمؤسسي فلسفة التاريخ مثل هردر وفكيو؛ لذلك غلب أسلوب الشرح المدرسي والمحاضرة الشفاهية، وتكرَّرَت الأحكام دون أن تتجدَّد. ويصل الأسلوب الشفاهي إلى حد الخطابة، باستعمال ضمير المخاطب والتوجه إلى المستمعين بالدعوة.٤٥
- (٣)
ما زالت تغلب على فلسفة التاريخ الشواهد النقلية في صلب النص، دون أن تخضع لتحليل مضمونٍ دقيق كسند للتحليل العقلي. النص يعطي الافتراض والبحث يُصدِّقه. النص يتضمن الحدْس، والبحث يقوم بالبرهان. ما زال يغلب على التحليل اللغوي للنصوص، أو تحليل الموضوع في العالم الخارجي، روحُ الدفاع في الجدل الكلامي القديم. الحق في جانب، والباطل في جانبٍ آخر، دون إمكانية للاحتمال والنسبية في فهم النصوص أو تحليل الواقع. وبالرغم من النية الصادقة في التفسير التوحيدي، إلا أنه ما زال يغلب عليه التفسير التجزيئي، عن طريق ذكر الشواهد القرآنية كلًّا على حدة. كما أنه تفسيرٌ انتقائي لا يعطي كل الآيات حول الموضوع، ويكتفي ببعضها. ولا يقوم بتحليل الأشكال اللغوية لمعرفة دلالتها من حيث المتكلم والمخاطب والجمع، والاسم والفعل والحرف، والمفرد والجمع، والمضاف إلى الضمائر وغير المضاف، والمعرفة والنكرة، وأي نوع من الضمائر المتكلم أو المخاطب والجمع. والمركَّب النظري له مستوياتٌ متفاوتة، مركَّبٌ نظري قريبٌ من التفسير التجزيئي، مجرد تجميع آيات في موضوعٍ واحد، ومركبٌ نظري للمركبات النظرية الجزئية، مثل فلسفة التاريخ العامة التي تجمع قوانين التواريخ الجزئية.
- (٤)
ما زالت فلسفة التاريخ مرتبطة بالفكر الشيعي وليست مستقلة عنه، تقوم على الإمامة والعصمة. ويظهر علي بن أبي طالب باعتباره المنظر الأول للتفسير التوحيدي ولفلسفة التاريخ. صحيحٌ أن ذلك يبدو إلى أدنى حد، مع أنه كان يمكن استثمار الرصيد الضخم لفلسفة التاريخ عند مفكري الشيعة، خاصة أبي يعقوب السجستاني في كتابي «النبوات» و«الينابيع»، والانتقال من التشييع كحركةٍ في التاريخ إلى التشييع كفلسفةٍ في التاريخ.
- (٥) ما زالت «السنن التاريخية» مجموعة من التحليلات البيئية للعلوم الإسلامية القديمة خاصةً علمًي التفسير والكلام، ولم تتحول بعد إلى علمٍ مستقل «فلسفة التاريخ». هي مجرد نقطةٍ تطبيقية لمنهجٍ في التفسير، التفسير الموضوعي، وشاهدٌ عليه. ولم تحضر فلسفة التاريخ بما فيه الكفاية في مظانها القديمة لتأصيلها وتطويرها في باقي العلوم النقلية، والعلوم النقلية العقلية.٤٦
- (٦) ظلت «السنن التاريخية» جزءًا من فلسفة الطبيعة أو فلسفة الكون، لا فرق بين التاريخ البشري والتاريخ الطبيعي. وقد نشأَت فلسفة التاريخ بالفعل في الغرب عند هردر في القرن الثامن عشر، كجزءٍ من فلسفة التاريخ الطبيعية؛ فالإنسان ظاهرةٌ طبيعية متأخرة الظهور في الكون، وحياته استمرار لحياة الطبيعة، وفعله امتدادٌ لفعلها. سنن التاريخ مثل سنن الفيزياء والكيمياء والفلك والحيوان والنبات. التاريخ إنسانيٌّ وليس كونيًّا. والحقيقة أن هناك فرقًا بين سنن الكون وقوانين التاريخ؛ إذ تتداخل إرادة الله في قوانين الطبيعة عند برجسون في «التطور الخالق» في صيغة طفرة. وقوانين الحياة والموت، والصحة والمرض بين القانون الطبيعي والقانون التاريخي.٤٧
- (٧)
ظلَّت فلسفة التاريخ أيضًا جزءًا من علم الاجتماع والحراك الاجتماعي؛ فحركة المجتمع لحظة من لحظات تطوُّر التاريخ. وفلسفة التاريخ استقراء لحركة المجتمعات في لحظاتٍ تاريخية متعددة. علم الاجتماع علمٌ جزئي، وفلسفة التاريخ علمٌ كلي. ونهضة الشعوب وانهيارها هو نتيجة لصلاح التشريعات الاجتماعية أو فسادها. فلسفة التاريخ حصيلةٌ طبيعية للفلسفة الاجتماعية، وتراكمٌ تاريخي لتطوُّر المجتمعات.
- (٨) وترتبط فلسفة التاريخ بعلم الأخلاق، وكأن الغاية من التعرف على السنن التاريخية في القرآن هي الهداية، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور. وهو تعبيرٌ تقليدي عناه القرآن بالعبرة والعظة، وهو ما يعني بالتعبير الحديث الوعي التاريخي.٤٨ ويتضح ذلك في الفصل التاسع، في الخاتمة «نهاية المطاف، حديث الروح».٤٩ وهي نهايةٌ إشراقية خالصة، ونقلة من منطقة الفكر إلى منطقة القلب، ومن المركب النظري إلى الحب الإنساني والحب الإلهي؛ فكل حب يستقطب قلب الإنسان له درجتان؛ محورٌ وقاعدةٌ خاصة بالمؤمنين، ومحور وقاعدةٌ عامة خاصة بالأولياء والأئمة والأنبياء وعلي بن أبي طالب، وهو ينطبق على حب الله عند المؤمنين والأئمة، وحب الدنيا الذي يقود إلى الدنيا عند العامة، وحب الدنيا الذي يقود إلى الآخرة عند الخاصة. هذا النسق الأخلاقي هو الذي يفسر تأخير خلافة علي. تحية إلى علي، ونداء إلى أولاد علي، ونقدًا لهارون الرشيد الذي سجن موسى بن جعفر، والانتهاء إلى أن الأئمة معلمو البشر. وهو خارج موضوع فلسفة التاريخ، والوقوع في نظريةٍ رومانسية أخلاقية دينية لبعض حوادثه الفريدة وحياة الأبطال التي تثير الخيال.
- (٩)
لم تستطع «السنن التاريخية» الجديدة وضع إطارٍ مقارن دال في فلسفة التاريخ، مع شواهدَ من حضارات الشرق والغرب لتأسيس فلسفةٍ جديدة للتاريخ، كما أنتج القدماء التراث القديم بالتفاعل مع حضارات اليونان والرومان غربًا، وفارس والهند وشرقًا. اقتصر الغرب على بعض المدارس في فلسفة التاريخ «اللاهوتية» عند أوغسطين، والعضوية عند هيجل، والمادية التاريخية عند ماركس، والليبرالية التي أدت إلى استعمار الغرب الحديث، والعلمانية التي قلَّدها المسلمون في تركيا وإيران، وظلت عمد فلسفة التاريخ في الغرب عند هردر وفيكو وكوندرسيه وكورنو واشبنجلر وغرهم غائبة.
- (١٠)
لم تحاول «السنن التاريخية» إعادة تحقيب التاريخ الإنساني العام بعيدًا عن المركزية الأوروبية، وردِّها التاريخ الإنساني كله إلى تاريخ الغرب، وتحقيبه إلى قديمٍ ووسيط وحديث، ووضع الحضارة الإسلامية في الوسيط، مع أنها كانت تعيش عصرها الذهبي، ولها تحقيبها الخاص مثل كل حضارة خارج المركز الأوروبي. والتحدي في فلسفة التاريخ هو وضع تحقيبٍ عام، يأخذ في الحسبان كل حضارات البشر السابقة، وتحقيبٍ خاص بكل حضارة بما في ذلك الحضارة الإسلامية؛ كي تعرف الأمة في أي مرحلةٍ من التاريخ هي تعيش؛ إذ تضع الأمة نفسها أحيانًا في مسار غيرها، وتتحدَّث عن التحوُّل من القرن العشرين إلى القرن الواحد والعشرين، والانتقال من الألفية الثانية إلى الألفية الثالثة، وهي ليست في هذا المسار أو ذاك، بل هي في مرحلةٍ ثالثة بعد مرحلةٍ أولى في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في القرون السبعة الأولى، والتي أرَّخ لها ابن خلدون. ومرحلةٍ ثانية في عصر الشروح والملخصات والموسوعات في العصر المملوكي التركي العثماني في القرون السبعة الثانية، والتي انتهت بسؤال عصر النهضة بوجهٍ عام وسؤال شكيب أرسلان بوجهٍ خاص: «لماذا تخلَّف المسلمون وتقدَّم غيرهم؟» ونحن الآن منذ فجر النهضة العربية الأولى أو الصحوة الإسلامية الثانية، على أعقاب فترةٍ ثالثة منذ بداية القرن الخامس عشر الهجري إلى سبعة قرونٍ قادمة. وقد مررنا بعصر الترجمة الثاني في القرن الماضي، كما بدأَت الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي الأول بعصر الترجمة في القرن الثاني والتأليف في القرن الثالث، في حين تأخرنا نحن في التأليف، بعد قرنٍ مضى من الترجمة، بل ربما يتغير تاريخ العالم بتغيُّر مسار الروح في التاريخ؛ فقد سرت من الشرق إلى الغرب، من الصين والهند وفارس وحضارات ما بين النهرَين ومصر القديمة وكنعان إلى الغرب، اليونان والرومان والغرب الوسيط ثم الغرب الحديث، والآن تسري الروح من جديد عائدة من الغرب إلى الشرق، من أوروبا إلى آسيا. والعالم الإسلامي وسط بين المسارَيْن ذهابًا وإيابًا، وحامل لشعلة الحضارة مرتَين قديمًا وحديثًا، ومركز لحوار الشرق والغرب والشمال والجنوب على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، بؤرة القديم والحديث.
- (١١) ما زالت حركة التاريخ في «السنن التاريخية» تتقدَّم بالفعل الإلهي أكثر مما تتقدَّم بالفعل الإنساني. ولم تتحوَّل بعدُ الصفاتُ الإلهية مثل العلم والقدرة والإرادة إلى قوانين التاريخ، مثل اسبينوزا وابن رشد، أو العناية الإلهية إلى غائية في التاريخ بالفعل مثل هردر وإقبال. ما زالت الغاية في «السنن التاريخية» إثبات البُعد الإلهي للقرآن، وليس البُعد الإنساني للتاريخ. تأخذ القرآن كوسيلة لإثبات الألوهية كهدف، وهو موقفٌ كلامي صِرْف، إثبات النبوات. والأهم أخذ القرآن باعتباره كاشفًا للصراعات في التاريخ، كما هو الحال في قصص الأنبياء. وعلى أكثر تقدير، ما زالت السنن التاريخية تتأرجح بين البُعد الإلهي والبُعد الإنساني؛ فعملية التغيير التي تحدث في التاريخ إبَّان حياة الرسول، عمليةٌ ربانية فوق التاريخ، في حين أن العملية التي تمَّت في عصر الصحابة عمليةٌ تاريخية. وهي تفرقةٌ تقليدية تجرد العملية الأولى من حواملها التاريخية، والثانية من أُسسها المثالية؛ فالعملية الربانية لا تتحقَّق في فراغ، بل تعتمد على صراع القوى السياسية والاجتماعية في مكة والمدينة كنموذجَين، وفي شبه الجزيرة العربية كمكان، وفي لحظةٍ تاريخية معينة تمر بها البشرية، لحظة الصراع بين الفرس والروم؛ أي بين الشرق والغرب. إن إبقاء البُعد الإلهي في التاريخ، يجعله مسئولًا عن أخطاء البشر وهزائمهم على مدى التاريخ القديم والحديث، في أُحُد وفي فلسطين. ولا يمكن تبرئة السماء وتخطئة الأرض في انهيار الأندلس والاستعمار الحديث؛ فتلك بطولةٌ زائفة بل وشرك، وكأن الإرادة الإلهية ليست مسئولةً عن كل شيء، النصر والهزيمة معًا. كما أنها تسلب من الإنسان قدرته وجهاده، وكفاحه وسعيه على الأرض، وانتصاره في بدر وحطين وعين جالوت وحرب أكتوبر ١٩٧٣م. وأقرب إلى التوحيد وأبعد عن الشرك، أن يكون الله فاعلًا لكل حدثٍ في التاريخ، أو يكون الإنسان مسئولًا عنه.٥٠
- (١٢)
وبالرغم من اندلاع الثورة الإسلامية في إيران في فبراير ١٩٧٩م، ومنذ استشهاد الإمام محمد باقر الصدر لم تستمر محاولات إقامة فلسفة في التاريخ، تأخذ في حسابها الإنجازات الجديدة للأمة في الثورة والصحوة والانتفاضة، والجهاد والصمود والصعود إلى الحكم إيجابًا وسلبًا، من أجل استمرار الذاكرة التاريخية لاسترجاع الماضي والخيال التاريخي لاستشراف المستقبل. إن الوعي بالحاضر وحمل همومه يعتمد على استرجاع الماضي وتحقيبه ورؤية المستقبل والإعداد له، وإداك طبيعة المرحلة الراهنة التي يتم فيها الانتقال من الماضي إلى المستقبل، فإذا كانت «السنن التاريخية» قد وضعَت قضية التاريخ، فإن فلسفة التاريخ قادرة على تحقيب التاريخ، والإجابة على سؤال في أي مرحلةٍ من التاريخ نحن نعيش؟ وربما استطاعت الانتفاضة الثانية، انتفاضة الاستقلال للشعب الفلسطيني الإجابة على السؤال.