خطاب من مجهول
في غضون أسبوع من تلك الليلة، تَمكَّن بريريتون من تلخيص الأمور وتقييمها ووضعها أمامه بوضوح من حيث صلتها بموكله الغامض. وبحُلول ذلك الوقت، تلخَّصَت كلها في مسألةٍ واضحة؛ ألا وهي أن مسار القضية المُنتظر سيكون مسارًا مستقيمًا يحجب الغموضُ مراحله النهائية. كان هاربورو قد مَثُل مرةً أخرى أمام قضاة هاي ماركت، ورفَض بعنادٍ الإدلاء بأي معلوماتٍ محدَّدة حول ما كان يفعله بالضبط ليلة مقتل كايتلي، وحسب الأصول أُحيل إلى المحاكمة بتهمةٍ عقوبتُها الإعدام. في نفس اليوم، كان محقِّق الوفيات قد أدانه بالمثل، بعدما أجرى استجوابًا امتد إلى جلستَين. لم يكن يُوجد الآن ما يُمكن فعله سوى الانتظار حتى تُعرَض القضية على محكمة الجنايات العليا بنوركاستر. لحسن الحظ، تحدَّد ميعاد انعقاد المحكمة العليا في مُنتصَف الشهر التالي؛ ومن ثَمَّ، كان لدى بريريتون ثلاثة أسابيع لإعداد دفاعِه، أو لإلصاق التهمة بشخصٍ آخر (وهو ما سيكون بديلًا مرضيًا للغاية).
كان كريستوفر بيت، بصفته مستشارًا قانونيًّا للقتيل، قد شعر أن من واجبه البقاء في هاي ماركت حتى انتهاء الإجراءات الشُّرَطيَّة وتحقيق محقِّق الوفَيات. وقد حرص على الظهور في كلٍّ من محكمة الشرطة والمحكمة الجنائية، وكان يدفع بنفسه إلى دائرة الضوء كلما استطاع، ويطرح الأسئلة حيثما سنحَت الفرصة. ازدادت كراهية بريريتون له كلما رأى تصرُّفاته؛ وقد كان مستاءً بخاصةٍ من وُدِّه المبتذل. ولكن بيت كان من الناس الذين يعرفون كيفية الجمع بين الود والأدب وحتى الخنوع؛ فقد كانت رؤيته أو سماعه يتحدَّث إلى أيٍّ من الأشخاص الذين كان يُجبرهم على التحدُّث معه، تُعطي فكرةً عن مدى تبجيله لهم. ربما كان يُبجل بريريتون عندما أجبر المحامي الشاب على التحدُّث معه بعدما أُحيل هاربورو أخيرًا إلى المحاكمة.
أشار بيت وهو يحاصر بريريتون في ممر خارج المحكمة المزدحمة: «أوه، إنه رجلٌ محظوظ يا سيد بريريتون!» وأردَف: «محظوظ للغاية حقًّا، يا سيدي؛ لأنك تهتمُّ بأمره كثيرًا. تخيَّل أنك — على الرغم من كل الفُرَص المتاحة لك في المدينة يا سيد بريريتون! — اخترتَ البقاء هنا، فقط للدفاع هذا الرجل بدافعٍ من … ماذا نُسمِّيها؟ بدافع من الشَّهامة المحضة! الشهامة! أعتقد أن تلك هي الكلمة الصحيحة يا سيد بريريتون. أوه، أجل؛ فقد انتهى أمر هذا الرجل تمامًا. إنه كقطةٍ فُرَصُ نجاتها معدومة تمامًا! سيُعدَم شنقًا يا سيدي، سيُعدَم موكِّلُك شنقًا!»
رد بريريتون بحسم: «تشبيهك في غير محله يا سيد بيت.» وأضاف: «يُقال إن للقطط سبعة أرواح.»
قال بيت بمرح: «قطة، فأر، جرذ، كلب، أيًّا ما كان، فُرصُه معدومة تمامًا يا سيدي.» وأضاف: «أعرف ما ستقوله هيئة المحلَّفين. لو كنتُ ممَّن يراهنون يا سيد بريريتون — وهو أمرٌ لا أفعله؛ لأني ممن يرتادون الكنيسة بانتظام — كنتُ سأراهنكَ بعشرة جنيهات مقابل جنيهٍ واحد على أن هيئة المحلَّفين لن تغادر المنصَّة مطلقًا يا سيدي!»
أجاب بريريتون: «لا، لا أظن أنهم سيفعلون ذلك؛ عندما يُوضَع الرجل المناسب في قفص الاتهام يا سيد بيت.»
تراجع بيت ونظر إلى المحامي الشاب مُباشرةً بتعبير يمزج بين السخرية والجدية.
وصاح قائلًا: «هل تقصد أن تقول إنك تعتقد حقًّا أن هذا الرجل بريء، يا سيد بريريتون؟» وتابع: «أنتَ من تقول هذا! بكل معرفتك بالإجراءات الجنائية! أوه، بربك، يا سيد بريريتون؛ إنه لطفٌ شديد منك، وشهامةٌ شديدة، كما أُسمِّيها، ولكن …»
قال بريريتون: «سترى»، واستدار مُولِّيًا إياه ظهره. لم يكن ينوي أن يعامل بيت بما هو أكثر من التحضر، وعبس عندما وضَع بيت، في أوج حماسه، يدَه على عباءته وأمسك بها. فأردَف قائلًا بقليلٍ من نفاد الصبر: «لن أناقش ذلك، يا سيد بيت.» وأضاف: «لديَّ رأيي الخاص في القضية.»
قال بيت بلهفة: «ولكن، ولكن، لحظة يا سيد بريريتون!» واستطرد: «فيما بيننا فقط — حسنًا، ليس بصفتِنا محاميَين، ولكن بصفتنا رجلَين محترمَين. هل تظن أنه من المُمكن أن يكون الفاعل شخصًا آخر؟ هل تظن ذلك حقًّا؟»
سألَه بريريتون بخبث: «ألم تَقُل قريبتُك الموقَّرة، كما تدعوها، أنني ألمحتُ إلى أنها قد تكون المُذنبة؟» وتابَع: «بربِّكَ يا سيد بيت! إنك لا تَعرف كل ما أعرفه!»
تراجع بيت إلى الوراء، وهو يُحدِّق بشك في شفة بريريتون الملتوية، متسائلًا عما إذا كان يجب أن يأخذ كلامه على محمل الجدِّ أم لا. ضحك بريريتون وانطلق مبتعدًا، ولكن بعد مرور خمس دقائق، جال في خاطره أن هذا لم يكن أمرًا مُضحكًا لهاربورو وابنته، وغرق مرةً أخرى في متاهة الأفكار التي كان يَصعب بشدةٍ استقاء أي شيءٍ منها يُمكن أن يبدو مفيدًا.
أجرى مقابلة مع هاربورو مرةً أخرى قبل أن يُعيدوه إلى نوركاستر، ومرةً ثانيةً ألحَّ عليه أن يتكلَّم، ومرةً ثانيةً أبدى هاربورو رفضًا قاطعًا.
قال بحزم: «ليس إلا إذا ساءت الأمور إلى أقصى حد، يا سيدي، وعندئذٍ فقط قد أتراجع عن قراري إن وجدتُ أنه لا تُوجد وسيلةٌ أخرى، وحتى حينئذٍ، سأفعل ذلك من أجل ابنتي فقط. ولكن لن تصل الأمور إلى هذا الحد! ما زال أمامنا ثلاثة أسابيع، وهو أمرٌ جيد، وإذا لم يتمكَّن أحدٌ من الوصول إلى الحقيقة خلال ثلاثة أسابيع …»
صاح بريريتون قائلًا: «عجبًا!» وتابع: «لا بد أن يخبرك منطقك السليم أنه في مثل هذه القضايا ثلاث سنوات لا تكفي للوصول إلى الحقيقة! ماذا الذي يُمكنني فعله في ثلاثة أسابيع؟»
أجاب هاربورو: «لستَ وحدكَ يا سيدي.» واستطرد: «تُوجد الشرطة والمحقِّقون واﻟ…»
رد بريريتون بحدة: «الشرطة والمحقِّقون يبذلون قُصارى جهدهم لإلصاق الجريمة بك!» وأردَف: «هذا ما يفعلونه بالطبع! تلك هي طريقتُهم. هل تظُن أنهم عندما يضمنون أنهم وضعوا أيديهم على رجل، سيبحثون عن آخر؟ إن لم تخبرني بما كنتَ تفعله، وأين كنتَ في تلك الليلة، حسنًا، سيتوجَّب عليَّ أن أكتشف ذلك بنفسي.»
رمَق هاربورو مُحاميَه بنظرةٍ غريبة لم يستطع بريريتون فهمها.
وقال: «أوه حسنًا!» وتابَع: «إن اكتشفتَ ذلك …»
قطع حديثه عند ذلك، ولم يقل أكثر من هذا، فتَركَه بريريتون في الحال وسار إلى المنزل وهو يُفكِّر بعمق في كلمات السجين الأخيرة.
قال متأملًا: «إنه يَعترف بأن ثَمَّةَ شيئًا يتعيَّن أن يُكتشَف.» وتابَع: «ويُلمح ضمنيًّا بهذا الاعتراف إلى أن اكتشافه مُمكن. والآن، كيف؟ أوه! إنني مستعدٌّ لتقديم أي شيء لقاء الحصول على أي معلومةٍ مهما كانت ضئيلة!»
فتحَت خادمة الاستقبال في منزل بينت الباب لبريريتون، واتجهَت نحو دُرجٍ مغلَق في خزانة الملابس القديمة الموضوعة في رَدْهة بينت، وأخذَت منها خطابًا مُسجلًا.
وقالت وهي تُسلِّمه إلى بريريتون: «إنه مُرسَل لك يا سيدي.» وأردفَت: «وصل في بريد الظهيرة، يا سيدي. لقد وَقَّعَت مدبِّرة المنزل لاستلامه.»
أخذ بريريتون الرسالة إلى غرفة التدخين ونظر إليها وقد انتابه حدْسٌ مفاجئ أنها قد تكون ذات صلةٍ بالمسألة التي كانت تشغل باله كثيرًا. لم يكن ينتظر أي خطابٍ مُسجَّل، ولم تكن لديه أدنى فكرة عن أي شيء يمكن أن يدفع أيًّا من مُراسليه لإرسال خطابٍ مُسجَّل. لم يكن مُمكنًا التعرُّف على خطِّ يد المرسل؛ لأن العنوان كان مكتوبًا بالآلة الكاتبة. وكان ختم البريد هو الخاص بلندن.
قطَع بريريتون غطاء الظرف بعنايةٍ وفتحه، ثم سحَب ورقةً مربعةً مكتوبة بالآلة الكاتبة ومطويةً حول رزمةٍ رفيعة من أوراق بنك إنجلترا النقدية. حَلَّ الرزمة على الفور وألقى عليها نظرةً سريعة. كانت تُوجد ست رُزَم نقدية؛ كلها جديدة تمامًا، وكل واحدة منها قيمتها مائة وخمسون جنيهًا إسترلينيًّا.
وضَع بريريتون هذه النقود جانبًا وفتح الرسالة. كانت هي الأخرى مكتوبة على الآلة الكاتبة؛ وبمجرد نظرةٍ سريعة على خاتمتها، تبيَّن أنها كانت من مجهول. جلس على مكتب بينت وقرأ الرسالة بعناية.
لم يكن يُوجد عنوان؛ لم يكن يُوجد أي شيء يُوضِّح مصدر الرسالة بخلاف الختم البريدي على الظرف؛ ولم يكن يُوجد أي شيء على الإطلاق في محتواها يمكن أن يعطي أي دلالةٍ على المرسِل. ولكن الصياغة كانت واضحةً وصريحة.
«السيد جيفورد بريريتون، بعد أن عرفتُ من الصحف أنك المُستشار القانوني لجون هاربورو المتهم بقتل رجلٍ يُدعى كايتلي في هاي ماركت، أُرسِل إليك مبلغ ٩٠٠ جنيهٍ إسترليني لتستخدمه في تدعيم الدفاع عنه. لك أن تَستخدم هذا المبلغ كما يتراءى لك تمامًا. لا تدَّخر مالًا ولا جهدًا في إثبات براءة هاربورو، المتيقَّنة للمُرسِل. كلما احتجتَ إلى المزيد من الأموال، كل ما عليك فعله هو إدراج إعلانٍ في العمود الشخصي لصحيفة التايمز نصه: «تحتاج خزينة هاي ماركت إلى سدِّ العجز»، مع إضافة الأحرف الأولى من اسمك. اسمح لي أن أقترح عليك أن تَعرض على الفور مكافأة قدرها ٥٠٠ جنيهٍ إسترليني لمن يُدلي بمعلوماتٍ تقود إلى القبض على القاتل أو القتَلَة الحقيقيِّين وإدانتهم. إذا فشل هذا العرض في جلب المعلومات بسرعة، فضاعِف المكافأة. أُكرِّر أنكَ لا بد ألا تدَّخر جهدًا حيال هذا الأمر، وأن أيَّ قَدْر من المال مهما كان، لا يُمثِّل مشكلة. سيظل مُرسِل هذه الرسالة على اطلاعٍ جيد بتطوُّر الأحداث كما ستَرِد في الصحف، التي ستحرص أنت على أن تُقدِّم لها كل المعلومات المناسبة.»
تصفَّح بريريتون هذه الرسالة الاستثنائية ثلاث مرات؛ ثم وضع الرسالة والأوراق النقدية في الظرف، ووضعه في جيبٍ داخلي، وغادر المنزل، وسار إلى الجهة المقابلة حيث تقع فيلَّا آل نورثروب، وطلب رؤية أفيس هاربورو.
أقبلَت أفيس لمقابلته في صالون السيدة نورثروب، وألقى بريريتون نظرةً فاحصة عليها وهي تدخل، ورأى أنها كانت تبدو مُرهَقةً وشاحبةً. وضع الرسالة في يدها بكلماتٍ موجزة.
قال: «يَحظى والدُكِ بصديقٍ ذي نفوذ في مكانٍ ما.»
وأدهشَه أن الفتاة لم تُبدِ دهشةً كبيرة. جفلَت قليلًا عندما رأت المال؛ وتورَّدتْ وجنتاها عندما قرأَت إحدى الجمل في الرسالة. ولكنَّها قرأَتها دون إبداء تعليقٍ وأعادتها إليه بنظرةٍ متسائلة.
قال بريريتون: «لا يبدو أنكِ متفاجئة!»
فأجابت: «لطالَما كان الكثير من الغموض يُحيط بوالدي لدرجة أنني لم أتفاجأ. لا! إنني ممتنَّة فحسب! ممتنَّة لهذا الرجل، أيًّا كان؛ لأنه يقول إنه مُوقن بأن والدي بريء. وذلك … فكِّر فحسبُ فيما يَعنيه هذا لي!»
سألها قائلًا: «لماذا إذن لا يتقدم ويثبت ذلك؟»
هزَّت أفيس رأسها.
وأجابت: «إن أبي … إنهم … يُريدون إثبات براءته من دون ذلك.» واستطردَت: «ولكن ألا تظُن أنه إن فشلَت كل المحاولات، فسيتقدَّم هذا الرجل الذي كتب هذه الرسالة؟ أوه، بالتأكيد سيفعل!»
وقف بريريتون بصمتٍ ينظر إليها لدقيقةٍ كاملة. فمنذ أول لقاءٍ جمعه بها، شعر بانجذابٍ شديد وغريب تجاه ابنة موكِّله، وبينما كان ينظر إليها الآن، بدأ يُدرك أنه ربما يكون مهتمًّا بها أكثر مما كان يُدرك.
صاح فجأة: «إن لغز والدكِ هو أغرب لغزٍ صادفتُه على الإطلاق!» ثم نظر إليها بتفحُّصٍ أكثر. وقال بتهوُّر: «إنكِ قلقة!» ثم أردَف، «لا تَقلقي! أرجوكِ. سأفعل المستحيل، لأنني شخصيًّا مقتنع تمامًا ببراءة والدكِ. وها قد تلقَّينا مساعدةً قوية.»
سألَتْه قائلة: «هل ستَفعل ما اقتُرحَ هنا في الرسالة؟»
فأجاب: «بالتأكيد! إنها فكرةٌ عظيمة!» وتابَع: «كنتُ سأفعلها بنفسي لو كنتُ ثريًّا، ولكنَّني لستُ كذلك. هيا، ابتهجي! إننا نُحرِز تقدمًا رائعًا. انظري، اطلبي من السيدة نورثروب أن تسمح لكِ بالخروج معي. سنذهب إلى المحامي العام للبلدة، معًا، وسنَعرض تلك المكافأة على الفور.»
بينما كانا يسيران بعد قليل إلى البلدة، رمق بريريتون أفيس بنظرةٍ أخرى من نظراته الفاحصة الحادة.
قال بأسلوبه الذي يتَّسم بالفظاظة إلى حدٍّ ما: «إنكِ تشعرين بتحسُّن.» وأردَف يسأل: «هل هذا بسبب هذه الأخبار الجيدة؟»
أجابت: «لذلك السبب، وللشعور بأنني أصنع فارقًا.» واستطردَت: «إن لم أكن أبدو على ما يُرام عندما جئتَ للتو، فذلك لأن الجلوس بلا حَراكٍ أمرٌ سيئ لي. أريد أن أفعل شيئًا! أريد أن أساعد. ليتني حرَّة الحركة. هل تفهمني؟»
أجاب بريريتون: «أفهمك تمامًا! ويُوجد شيء يمكنكِ فعله. رأيتكِ تقودين دراجة بالأمس. لم لا تتوقَّفين عن التدريس لبعض الوقت وتجوبين الريف بحثًا عن بعض الأخبار التي تخصُّ تحرُّكات والدكِ في تلك الليلة؟ إن امتناعه عن إخبارنا بأي شيء ليس سببًا لئلا نُحاول أن نكتشف شيئًا بأنفسنا. لا بُد أنه كان في مكانٍ ما — لابد أن أحدهم قد رآه! لماذا لا تبدئي في التحقق من الأمر؟ إنكِ تعرفين المنطقة. ما رأيكِ في ذلك؟»
أجابت قائلة: «سأكون في غاية الامتنان.» وتابعَت: «وسأفعل ذلك. آل نورثروب لُطفاءُ للغاية، وسيتفهَّمون الأمر، وسيَسمحون لي بالذهاب. سأبدأ على الفور، غدًا. سأتحقَّق في كل قرية تقع بين البحر والتلال!»
قال بريريتون: «جيد!» واستطرَد: «بإنجاز بعض العمل من هذا النوع، وبهذه المكافأة، سيكون كل شيء على ما يُرام، سترين.»
قالت أفيس: «لا أعرف ماذا كنا سنفعل لو لم تكن موجودًا!» وأضافت: «ولكن، ينبغي ألا ننسى. والدي رجلٌ غريب الأطوار، يا سيد بريريتون، ولكنه ليس كما يَعتقد الناس هنا في هاي ماركت، وهو ممتنٌّ لك، كما سترى.»
أجاب بريريتون: «لكن يجب أن أفعل شيئًا أولًا لأستحقَّ امتنانه، كما تعلمين.» وأردَف: «بربِّكِ! إنني لم أفعل شيئًا تقريبًا حتى الآن. ولكنَّنا سنبدأ بدايةً جديدةً بهذه المكافأة، إذا وافق محامي الإجراءات الخاص بوالدكِ.»
وافق المحامي بالفعل — وافق بشدة. وفتح عينَيه على اتساعهما بذهولٍ عندما قرأ الرسالة المجهولة ورأى الأوراق النقدية.
أشار قائلًا إلى أفيس: «والدكِ هو أكثر الرجال الذين سمعتُ بهم على الإطلاق غموضًا! في رأيي، لغز مقتل كايتلي لا يُضاهي الغموض الذي يحيط بهاربورو. هل تقصدين حقًّا أنكِ ليست لديكِ أدنى فكرة عما يعنيه هذا كله؟»
أجاب أفيس قائلةً: «أجل، ليست لديَّ أدنى فكرة!» وأردفَت: «ولا حتى تصوُّر عن فكرة.»
قال محامي الإجراءات الخاص بهاربورو: «حسنًا، سنَنشُر هذه المنشورات وسنُوزِّع هذه النشرات الإعلانية على أي حالٍ يا سيد بريريتون.» وأضاف: «إن خمسمائة جنيهٍ إسترليني مبلغٌ جيد. ليباركك الرب! بعض الناس هنا في هاي ماركت مستعدُّون لبيع أمهاتهم لقاء نصف هذا المبلغ! سيتحوَّل سكان البلدة كلهم إلى مُحقِّقينَ هواة. والآن دعنا نُعِدَّ الصياغة بدقة، ثم سنتدبر أمر المطبعة.»
في اليوم التالي، عُلِّقَ المُلصَق الإعلاني في هاي ماركت مصحوبًا بإعلان المكافأة، ووُزِّع على نطاقٍ واسع في المتاجر والمكاتب، وكان هربرت ستونر، الموظف لدى مالاليو وكوذرستون، من أوائل الناس الذين حصلوا على أحد هذه المنشورات.