منشور المكافأة
في ذلك الوقت، كان ستونر قد أمضى في العمل لدى مالاليو وكوذرستون نحو خمس أو ست سنوات. كان في السابعة والعشرين من عمره عندما باشر العمل لديهما. كان شابًّا يتمتع بقَدْر من الكفاءة، وقوة الملاحظة، واليقظة، والسرعة في التعامل مع الأرقام، وكان جيدًا في التعامل مع المراسلات، ودقيقًا في المواعيد، ومُستعدًّا لأي شيء؛ فقد كان يمكنه إدارة العمل في غياب مالكَيه. وقد قدَّر الشريكان ستونر، وزادا راتبه تدريجيًّا حتى وصل إلى جنيهَين واثنَي عشر شلنًا وستة بنسات في الأسبوع. من وجهة نظرهما، كان يُمكن لأيِّ شابٍّ عازب أن يعيش بشكلٍ جيد جدًّا بهذا المبلغ؛ إذ إن كليهما، مالاليو وكوذرستون، عاشا بشكلٍ جيد للغاية بمرتباتٍ أقل عندما كانا موظفَين في ذلك الماضي البعيد المندثر الذي لم يعودا يهتمان بالتفكير فيه. ولكن ستونر كان شابًّا ذا ذوقٍ رفيع. كان يُحب أن يرتديَ ملابسَ جيدة. وكان يُحب لعب الورق والبلياردو. وكان يُحب احتساء كأس أو اثنتَين في حانات هاي ماركت في إحدى الأمسيات، وأن يكون قادرًا على تقديم عُلب الشوكولاتة أو القفَّازات بين الحين والآخر إلى نادلاته المفضَّلات، ولكن دون إسراف. كان يرى أن راتبه ليس كبيرًا على الإطلاق، وكان دائمًا يبحث عن فرصة لزيادته.
خرج ستونر من مكتب مالاليو وكوذرستون في وقته المعتاد؛ أي في الخامسة والنصف من بعد ظهر اليوم الذي وزِّعَت فيه منشورات المكافأة. كان من عادته الذهاب إلى حانة «جراي مير» كل مساء في طريقه إلى تناوُل العشاء، حيث كان يحتسي نصف باينت من البيرة ويسمع أخبار اليوم من العديد من أصدقائه الذين كان يُقابلهم في ركنٍ في الحانة مخصَّص للزبائن المفضَّلين. أثناء عبوره الشارع في طريقه إلى الحانة في هذا المساء، جاء بوستيك، مُلصِقُ المنشورات المحلي، مسرعًا من متجر الطباعة حاملًا تحت ذراعه مجموعةً من الأوراق المخصَّصة للتوزيع يدويًّا، وبينما كان يسرع متجاوزًا ستونر، دفع باثنَين منها في يده.
قال بوستيك دون أن يتوقَّف: «خذ، يا سيد ستونر!» وتابَع: «إليكَ هذه كي تشحذ أفكارك وتستخدم ذكاءك في حلِّها. مكافأة قيمتُها خمسمائة جنيه مقابل بعض المجهود الذهني!»
كان ستونر، الذي ظن أن بوستيك يضايقه، على وشك رمي المنشورات، التي كانت لا تزال رطبةً من الطابعة، في البالوعة التي كان يخطو فوقها. ولكن على ضوء مصباحٍ قريب، رأى كلمة «جريمة قتل» مطبوعةً بأحرفٍ كبيرة لا تُخطئها العين أعلى الورقة. وأسفلها رأى المزيد من الأسماء المألوفة، فطوى الورقة وذهب إلى «جراي مير»، وجلس في زاويةٍ هادئة، وقرأ الإعلان بعناية. لقد كان إعلانًا شديد البساطة وذا صياغةٍ سهلة وواضحة. سيدفع السيد تالينجتون، المحامي العام لهاي ماركت، خمسمائة جنيهٍ إسترليني لأي شخصٍ أو أشخاصٍ يُدلون بمعلوماتٍ من شأنها أن تؤدي إلى اعتقال وإدانة قاتل أو قتَلَة الراحل كايتلي.
كان الركن الخاص في حانة «جراي مير» خاليًا عندما دخله ستونر أولًا، ولكن بعدما أعاد قراءة المنشور، كان رجلان أو ثلاثة من رجال البلدة قد دخلوا، ورأى أن كلًّا منهم كان يحمل نسخةً منه. كان أحدهم، وهو تاجرٌ صغير يقع متجره في وسط ساحة السوق، يتكئ على منضدة الحانة ويقرأ شروط المكافأة جهرًا.
سأل بطريقةٍ شبه ساخرة: «ومَن قد يكون صاحب هذا المال؟» واستطرد: «مَن الذي يُبدِّد المال بهذا السخاء؟ لا بد أن أعرف ما إذا كان ذلك المال مضمونًا قبل أن أُضيعَ وقتي في محاولة الحصول عليه.»
قال أحد رفاق المتحدث: «المال سيكون مضمونًا.» وتابع: «اسم المحامي العام تالينجتون مدوَّن في أسفل تلك الورقة. لم يكن سيَضع اسمه على عرضٍ من هذا القبيل لو لم يكن لديه المال بالفعل.»
تساءل المتحدث الأول قائلًا: «مالُ مَن إذن؟» وأضاف: «إنها ليست مكافأةً حكومية. يقولون إن كايتلي لم يكن له أيُّ أقارب؛ لذا لا يمكن أن يكونوا هم مَن رصدوا هذه المكافأة. ولا يمكن أن تكون مدبرة منزله العجوز تلك؛ لأنهم يقولون إنها مُقتنعة تمامًا أن جاك هاربورو هو القاتل، وسعيدة بأنهم قبضوا عليه. أقول إن الأمر برمَّته غريب!»
قال ثالث: «مسألة المكافأة هذه هدفها مصلحة هاربورو.» وأردَف: «إما هذا، أو أن سببًا آخر شديد الغموض يتعلَّق بهذا الأمر. شخصٌ ما غير راضٍ عما يحدث، ومستعدٌّ لتقديم المال بسخاء لاكتشاف الحقيقة.» ثم استدار ونظر إلى ستونر، الذي كان قد جاء إلى الحانة لاحتساء نصف باينت من البيرة كما هو معتاد. وسأله قائلًا: «هل لرئيسَيك علاقةٌ بهذا؟» وتابَع: «لقد كان كايتلي مُستأجرًا لدى السيد كوذرستون بالطبع.»
ضحك ستونر بازدراء وهو يحمل كوبه الكبير.
وقال ساخرًا: «حسنًا، لا أظن ذلك!» وأضاف: «لا يُمكن أن يهدر أيٌّ منهما خمسمائة بنس، أو حتى خمسة بنسات، بهذه الطريقة! لا يمكن!»
قال أحد الرجال: «حسنًا، اسم تالينجتون يدعم صحة المسألة.» واستطرَد: «فكلنا نعرف تالينجتون. إنه يفعل ما يقوله. سيَحصل من يستحق على هذا المال.»
ثم تبادلوا جميعًا النظرات بصمت، والتخمين والتفكير باديان في عيون كل واحدٍ منهم.
فجأةً علَّق التاجر الصغير، وكأنما خطرت له فكرةٌ عبقرية: «اسمعوا!» وأضاف: «قد يكون بينت الشاب! خمسمائة جنيه لا تُمثل له شيئًا. إن المحامي اللندني الشاب الذي يتولى الدفاع عن هاربورو مُقيم في منزل بينت؛ فهما أصدقاءُ دراسةٍ قدامى. ربما أقنع بينت بأن يُقدِّم المال بسخاء؛ إنهم يقولون إن ذلك المحامي مقتنع اقتناعًا تامًّا بأن هاربورو بريء. لا بد أن هذا مالُ بينت!»
سأل أحد أفراد الجمع الشباب، وهو يغمز لنادلة المشرب، التي بعد أن قدَّمتْ لزبائنها ما يحتاجونه، كانت منحنيةً على نسخة من المنشور كان أحدهم قد تَركَها على المشرب: «ما رأي بوبسي؟» وأضاف: «مالُ مَن هذا يا بوبسي؟»
اعتدلَت نادلة المشرب في وقفتها، وأمسك بكوب وقطعة قماش، وبدأَت تُلمِّع الكوب بنشاط.
كرَّرتْ قوله: «ما رأي بوبسي؟» وأردفَت: «عجبًا، رأيها أنكم حفنة من الحمير لأنكم تُضيِّعون وقتكم في التساؤل عن هوية صاحب المال. ما أهمية هوية صاحب المال، ما دام مضمونًا؟ ما تريدون فعله هو أن تُحاولوا أن تَجْنوه. المرء لا يَجني خمسمائة جنيه كل يوم!»
قال رجل في الجمع: «إنها محقة!» وأضاف: «ولكن … كيف يُمكن لأي أحدٍ أن يشرع في تلك المهمة؟»
علَّق التاجر الصغير: «سيُوجد العديد من المبادرين، عن كل ذلك، يا رفاق!» وأضاف: «لا تخافوا أبدًا! سيُوجد مرشَّحون.»
تجرَّع ستونر البيرة من كوبه وغادر. عادةً؛ كونَه كان يهتمُّ بالقيل والقال، كان يتوقَّف للثرثرة مع أي شخصٍ يتصادف أن يلتقي به حتى يقترب وقتُ عَشائه. ولكن الملاحظة الأخيرة حثَّتْه على المغادرة. وذلك لأن ستونر كان ينوي أن يكون أحد المُبادِرين، ولم يكن يرغب في أن يسبقه أي أحد.
كان السكن الذي يمضي فيه ستونر أيام عزوبيته هادئًا ومحترمًا للغاية. كانت لديه غرفتان صغيرتان؛ غرفة استقبال وغرفة نوم، في منزل أرملة كان يُقيم لديها منذ مجيئه إلى بلدة هاي ماركت، من قرابة ستِّ سنوات. كان يحتفظ في غرفة الاستقبال الصغيرة ببضعة كتب وطاولة كتابة، وفي تلك الأمسيات التي لم يكن يُمضيها في لعب الورق أو البلياردو، كان يمارس القليل من الجهد الذهني في سبيل تحسين معرفته باللغة الفرنسية، والحسابات التجارية، والمراسلات الرسمية للأعمال التجارية. وفي تلك الليلة، بعد أن تناوَل العشاء، وأغلق الباب في وجه صاحبة المسكن، أشعل غَلْيونه، وجلس إلى طاولته، وفتح أحد أدراجها، ومن صندوق مِلفَّاتٍ قديم أخرج بعض الأوراق. وضع إحدى هذه الأوراق أمامه، وكانت نصف ورقة من ورق الفولسكاب المسطَّر، وأعاد بقية الأوراق إلى مكانها. وبعد ذلك، مسندًا ذَقَنه على يدَيه المطويتَين، أخذ ستونر يتفحص هذه الورقة تفحصًا طويلًا متأملًا.
لو أنَّ أي أحدٍ كان قد نظر من وراء ستونر كان سيراه يُحدِّق في مجموعةٍ كبيرة من الأرقام. كانت نصف ورقة الفولسكاب مُغطَّاة بالأرقام، امتدَّت الأرقام إلى الناحية الخلفية. وما لم يكن من الممكن لأي مُتلصِّص أن يعرفه، ولكن ستونر كان يَعرفه جيدًا، هو أن الأرقام كلها كانت بخط يد كوذرستون؛ أرقامٌ جلية واضحة مكتوبة بشكلٍ جيد. وكانت تُوجد كلمةٌ واحدة مشخبطة بخط يد كوذرستون وسط الأرقام، وعلى أطراف الورقة، وهنا وهناك، كما لو كانت مكتوبة بلا قصد أو مبالاة، ومُكرَّرة مرارًا وتكرارًا. تلك الكلمة كانت … «ويلشستر».
كان ستونر يعرف كيف صارت نصف ورقة الفولسكاب تلك في حوزته. كانت نصف ورقة كان قد وجدَها على مكتب كوذرستون عندما دلف إلى غرفة الشريكَين الخاصة ليُرتِّبها في صباح اليوم التالي لمقتل كايتلي. كانت موضوعةً هناك، مُلقاة بلا اعتناءٍ وسط أوراقٍ أخرى ذات معنًى أوضح، وبعد أن ألقى ستونر عليها نظرةً سريعة، طواها بعناية، ووضعها في جيبه، وأخذها معه إلى البيت، ووضعها في الدُّرج وأوصَده عليها، كي يتفحَّصها لاحقًا على مهل.
كانت لديه أسبابه، بالطبع، لاستلاب هذه الورقة التي كانت بحقٍّ تخُص كوذرستون. كان تفسير تلك الأسباب لنفسه صعبًا قليلًا من ناحية، وسهلًا من ناحيةٍ أخرى. فيما يتعلق بالصعوبة، كان ستونر بطريقة أو بأخرى قد راودَتْه فكرةٌ غير واضحة، في تلك الأمسية التي وقعَت فيها جريمة القتل، مفادها أن خطبًا ما قد ألمَّ بكوذرستون. كان قد لاحظ، أو تصوَّر أنه لاحظ، نظرةً غريبةً على وجه كايتلي العجوز عندما غادر المحقِّق السابق الغرفة الخاصة؛ كانت نظرة رضًا هادئ، أو انتصار، أو خبث؛ قال ستونر لنفسِه إنها، أيًّا كانت، كانت شيئًا ما. ثم كانت ثَمَّةَ حقيقة شرود ذهن كوذرستون الغريب عندما دخل ستونر ووجد ربَّ عمله جالسًا في الظلام، بعد وقتٍ طويل من مغادرة كايتلي؛ كان كوذرستون قد قال إنه كان نائمًا، ولكن ستونر عرف أن تلك كانت كذبة. إجمالًا، كان ستونر قد راوَدَه شعورٌ مبهم، حدْسٌ غريب، بأنه كان ثَمَّةَ أمرٌ غريب، له صلةٌ بزيارة المستأجِر الجديد لدى كوذرستون، وعندما سمع، في الصباح التالي، بما حاق بكايتلي، تجدَّدتْ كل شكوكه.
هذا هو كل ما يمكن أن يُقال عن الأسباب الصعبة التي كانت قد جعلَتْه يستولي على نصف ورقة الفولسكاب. ولكن كان يُوجد سبب لم يكن صعبًا. كان يكمن في وجود كلمة «ويلشستر». إن لم يكن ستونر على أعظم درجة من الذكاء، فقد كان بعيدًا كل البعد عن أن يكون أحمق، ولم يستغرق وقتًا طويلًا ليُفسِّر لنفسه السبب في أن كوذرستون كتب بغير عنايةٍ اسم تلك البلدة الريفية الواقعة في أقصى الجنوب في أرجاء تلك الورقة، بلا هدف، وعلى ما يبدو بلا سبب، وسط تلك الأرقام التي كتبَها. كانت هي المُسيطِرة على أفكاره في ذلك الوقت، وبينما كان جالسًا هناك، والقلم في يده، أخذ يكتبها، في شرود، مرارًا وتكرارًا … هكذا كانت … ويلشستر … ويلشستر … ويلشستر.
كان التكرار مثار اهتمامٍ غريب لدى ستونر. لم يكن قد سبق له أن سمع كوذرستون أو مالاليو يذكران ويلشستر في أي وقتٍ منذ قدومه لأول مرة إلى مكتبهما. لم يكن للشركة أي تعاملاتٍ مع أي شركة في ويلشستر. كان ستونر، الذي تعامل مع كل مراسلات مالاليو وكوذرستون، يعرف أنه خلال فترة الخمس سنوات ونصف التي أمضاها موظَّفًا لديهما، لم يسبق له أن أرسل خطابًا واحدًا إلى أي أحدٍ في ويلشستر، ولا تلقَّى على الإطلاق خطابًا واحدًا يحمل ختم بريد ويلشستر. كانت ويلشستر تبعُد أربعمائة ميل، بعيدًا في الجنوب؛ ولم يكن تسعة وتسعون شخصًا من كل مائة شخصٍ من سكان هاي ماركت قد سمعوا من قبلُ باسم ويلشستر. لكن ستونر كان قد سمع به من قبلُ، ليس فحسبُ في كتب التاريخ، وفي كتب الجغرافيا، وخريطة إنجلترا. كان ستونر نفسه من دارلينجتون. وكان لديه صديقٌ مقرب، صديقٌ حميم، في دارلينجتون، يُدعى مايلر، ديفيد مايلر. في ذلك الوقت كان ديفيد مايلر تاجرًا مُتجولًا؛ كان شخصًا ذكيًّا من عمر ستونر. كان يعمل لحساب شركة في دارلينجتون تعمل في مجال تصنيع المعدَّات الزراعية، وكانت جَولتُه تحديدًا في البلدات التي تُقام فيها الأسواق المركزية في جنوب وجنوب غرب إنجلترا. كان يُمضي شطرًا كبيرًا من العام في تلك الأقاليم، وكانت ويلشستر واحدةً من المراكز الرئيسية الأساسية له؛ كان لدى ستونر عشرات الرسائل من مايلر، والتي كان مايلر قد كتبها له من ويلشستر. وقبل عامٍ فقط من كل هذا، كان مايلر قد تزوَّج فتاة من ويلشستر، ابنة تاجر من ويلشستر.
لذا كان اسم ويلشستر مألوفًا جدًّا لستونر. والآن كان يُريد أن يعرف ما الذي … ما الذي … ما الذي جعله مألوفًا جدًّا لكوذرستون لدرجة أن كوذرستون بشرود ذهنٍ أخذ يخطُّه في أرجاء نصف ورقة الفولسكاب؟
ولكن ماذا عن الأرقام؟ هل كان لها أي صلة بالكلمة. كان هذا هو السؤال الذي سأله ستونر لنفسِه عندما جلس تلك الليلة في غرفة استقباله ليفكر بجدية إن كانت لديه أي فرصة للفوز بجائزة الخمسمائة جنيه. نظر إلى الأرقام مجدَّدًا، بتمعُّنٍ أكبر. في حقيقة الأمر لم يكن حتى تلك الأمسية قد أولَى قدْرًا كبيرًا من الانتباه لتلك الأرقام؛ كانت كلمة ويلشستر هي التي استحوذَت على اهتمامه. ولكن الآن، مستحضرًا لمساعدته كل معرفته الحسابية التي لم تكن قليلةً على الإطلاق، ركَّز ستونر جهده في اكتشاف ما كانت تعنيه تلك الأرقام. كان يعرف دومًا أنها حساباتٌ من نوعٍ ما؛ والآن كان يُريد أن يعرف أي نوعٍ من الحسابات.
أتاه حل المشكلة بغتة؛ كما يأتي عادةً حل المسائل الحسابية. رأى الأمر كله بوضوح تام وتعجَّب لماذا لم يَرَه من أول وهلة. لم تكن الأرقام تُمثِّل أي شيء سوى ثلاثة مبالغَ واضحة وعادية، في حسابٍ مركب. كان كوذرستون، لسببٍ خاص به، قد أخذ مبلغ ألفَي جنيه أساسًا، وحسب (أولًا) ما ستُساويه فائدةٌ بنسبة ثلاثة ونصف في المائة لمدة ثلاثين عامًا على أساس ذلك المبلغ؛ و(ثانيًا) ما ستُساويه فائدةٌ بنسبة خمسة في المائة لمدة ثلاثين عامًا؛ و(ثالثًا) ما ستساويه الفائدة المركَّبة لألفَي جنيه — رأس المال والفائدة المركَّبة — في نفس المدة. كان الحساب الأخير — الفائدة المركَّبة — مشطوبًا بجرَّاتِ قلمٍ قوية، كما لو كان من يُجري العملية الحسابية قد فزع عند اكتشافِ ما سوف يتحوَّل إليه المبلغ الأصلي الذي قيمته ألفا جنيه، إذا ما وُضِع بفائدةٍ مركَّبة لمدة ثلاثين عامًا، في نهاية تلك المدة.
كل هذا كان مبهمًا جدًّا لستونر كاللغة اليونانية. لكنه كان يعرف أنه كان يُوجد فيه شيءٌ ما؛ شيء تُخفيه تلك الأرقام. ربما كانت تُشير إلى بعض الأعمال المالية للمجلس البلدي؛ كونَ كوذرستون أمين خزانة البلدة. ولكن، قد لا تكون كذلك. ولماذا كانت مختلطة بكلمة ويلشستر؟
للمرة الأولى نوعًا ما، لم يتجوَّل ستونر في الخارج في تلك الليلة. عادةً، حتى عندما كان يُمضي بعض الوقت في مكانٍ ما في إحدى الأمسيات، كان آخر ما يفعله قبل أن يأوي إلى الفراش هو أن يَمضي في نزهةٍ قصيرة إلى حانة «جراي مير». ولكن هذه المرة نسي كل شيء عن حانة «جراي مير»، ولم تَخطُر بوبسي نادلة المشرب على باله ولو حتى لثانيةٍ واحدة. جلس في البيت، وقدماه على حاجز المدفأة، وعيناه مثبَّتتان على جمرات الفحم الآخذة في الخمود في موقد المدفأة. كان يفكر … وأمعن في التفكير حتى إنه نسيَ أن غَلْيونه قد انطفأ. كانت نار المدفأة قد انطفأَت هي الأخرى، عندما نهض أخيرًا وأوى إلى الفِراش. وتابَع التفكير لوقتٍ طويل بعد وضع رأسه على وسادته.
أخيرًا، قال بتفكُّر: «حسنًا، غدًا يوم السبت، على أي حال.» وتابَع: «وهو من حسن ظني.»
في اليوم التالي؛ كونَه كان يوم السبت ونصف اليوم عطلة، ارتدى ستونر أفضل ملابسه، وفي منتصفِ فترةِ ما بعد الظهر، استقل القطار إلى دارلينجتون.