الفصل السابع عشر

الرأي الطبي

وأدَّى تذكُّر تلك العصا إلى استغراق مالاليو في نوبةٍ أخرى من نوبات الخوف والرجفة الشبيهة بالحمَّى. جافى النومُ عينَيه بعد ذلك؛ إذ أمضى جُلَّ الليل في التفكير والتوقُّع والتخطيط. من شبه المؤكَّد أنهم سيَعثُرون على تلك العصا، وسيعثرون عليها بالقرب من جثة ستونر. لن يتعرَّف عليها أيٌّ من المارَّة العارضين، ولن يتعرف عليها أحدُ الرعاة في الأرض السبخة. لكن شرطة هاي ماركت، التي ستُسَلَّم إليها العصا، ستَعرف على الفور أنها عصا العمدة؛ إذ كانت تلك العصا التي كان مالاليو يحملها كل يوم تقريبًا، عصًا من خشب البلوط السميك. وسترغب الشرطة في أن تعرف كيف وصلَت إلى ذلك المحجر. اللعنة! لا يوجد سوءُ حظ بهذه الدرجة! كيف وصل به الحالُ إلى درجة أن يغفل عنها؟ كاد أن ينهض في منتصف الليل وينطلق إلى الأرض السبخة، ويجدَها. لكن الليل كان بهيمًا، وبقدر ما كانت الأرض السبخة والمحجر منعزلَين لم يجرؤ على المخاطرة بأخذِ مصباح معه. لذا أجهد فِكره في محاولة التفكير في وسيلةٍ ما لتفسير وجود العصا في ذلك المكان. وأخيرًا وجد فكرة؛ تذكر فجأةً أن ستونر لم يكن يَحمل عصًا ولا مظلَّة. إن عُثِر على العصا، فسيقول إنه تركها في المكتب يوم السبت، وأنه لا بد أن الكاتب استعارها. لم يكن ذلك أمرًا مُستبعَدًا؛ كان سببًا جيدًا، ومن شأنه أن يُفسِّر سبب وجودها بالقرب من الجثة. ومن الطبيعي أن تُصدق الشرطة كلمة العمدة: في رأي مالاليو، سيكون غريبًا إذا لم يُصدِّقوه. بعد ذلك حاول أن ينام، لكنه فشل في ذلك فشلًا ذريعًا.

بينما كان مالاليو يتقلَّب ويئنُّ في فِراشه الوثير في تلك الليلة، فكَّر في أشياء كثيرة. كيف توصل ستونر إلى معلوماته؟ هل كان أيُّ شخص آخرَ يعرف ما عرَفه ستونر؟ بعد الكثير من التفكير قرَّر أنْ لا أحد كان يعرف سوى ستونر. وبمزيدٍ من تقدير الأمور توصَّل إلى نظريةٍ حول الكيفية التي عرَف بها ستونر. اتَّضح أمامه كلُّ شيء، وَفقًا لتصوُّره. لقد سمع ستونر بالطبع المحادثةَ التي دارت بين كايتلي وكوذرستون في المكتب الخاص! هذا هو ما حدَث؛ وتساءل لماذا لم يُفكِّر في ذلك من قبل. بين غرفة الشريكَين الخاصة والمكتب الخارجي الذي كان يجلس فيه ستونر، كانت توجد نافذةٌ صغيرة في الحائط؛ صُنعت خصِّيصى حتى يُمكن تمريرُ الأوراق من غرفة إلى الأخرى. وبالطبع، في عصر ذلك اليوم، ربما كانت مفتوحةً قليلًا، كما كان يحدث في كثير من الأحيان، وسمع ستونر ما جرى من حديثٍ بين كوذرستون والمستأجِر. ولكونه شابًّا كَتومًا، فقد احتفظ ستونر بالسرِّ لنفسه حتى عُرِضَت المكافأة. كانت فِكرته بالطبع هي الابتزاز؛ لم يكن لدى مالاليو شكٌّ في ذلك. لا، بعدما أخذ كلَّ الأمور في الاعتبار، لم يعتقد أن ستونر قد أخبر أحدًا بما كان يعرفه؛ لا بد أن ستونر كان مُقتنعًا بقيمة ما كان يعرف وما كان سيُفصِح به لأي أحد. رضي مالاليو بهذا الاستنتاج، ومجددًا حاول أن ينام.

لكنَّ نومه كان سيئًا في تلك الليلة، وشعر بالتعب والإنهاك عندما ذهب كعادته مبكرًا إلى الفِناء. كان هناك قبل أن يصل كوذرستون. عندما جاء كوذرستون، لم يتبادَلا أكثرَ من إيماءة مقتضَبة. كانا لم يتبادلا أيَّ حديث باستثناء الحديث عن العمل منذ المشهد الغاضب الذي حدث بينهما قبل بضعة أيام، والآن بعد أن ألقى مالاليو نظرةً على بعض الرسائل التي كانت قد وردَت في مساء اليوم السابق، خرج إلى الفِناء. ومكث هناك مدةَ ساعة: وعندما عاد إلى المكتب، نظر متظاهرًا بالمفاجأة إلى مكتب الكاتب الخالي.

سأل باقتضاب: «ألم يأتِ ستونر؟»

باقتضابٍ مُماثل أجاب كوذرستون، الذي كان يُقلب أوراق دفتر للحسابات: «ليس بعد.»

أخذ مالاليو يتحرَّك بعصبيةٍ واضطراب بعض الوقت، وهو يُرتِّب بعض الأوراق التي كان قد أحضرها من الفِناء. وفجأةً أطلق صيحةً تنمُّ عن نفاد الصبر، ثم ذهب إلى الباب، ونادى صبيًّا كان مارًّا.

قال له: «أنت، اسمع!» وسأله: «أتعرف أين يُقيم السيد ستونر؟ في منزل السيدة باتلي. اذهب بسرعة إلى هناك، وانظر لماذا لم يأتِ إلى عمله. لقد مرَّت ساعة ونصفُ الساعة على ميعاده. ربما أصابه مكروه أو … اركض الآن، بسرعة!»

عاود النزول إلى الفِناء بعدما أرسل هذا المرسال، ثم عاد إلى المكتب بعد عشر دقائق، في الوقت نفسِه الذي عاد فيه المرسال.

سأله: «ما الأمر؟» وهو ينظر بطرْف عينه ليتأكَّد من أن كوذرستون قريب. وعاد يسأل: «أين هو إذن؟»

أجاب الصبي: «لطفًا، يا سيدي، السيدة باتلي تقول إن السيد ستونر غادر بعد ظُهر يوم السبت، يا سيدي، ولم يعد منذ ذلك الحين. تظنُّ أنه ذهب إلى دارلينجتون، يا سيدي، في زيارة.»

استدار مالاليو ودخل المكتب، وهو يُدَمدِم.

تمتَم وهو يضع المزيد من الأوراق على مكتب ستونر: «لا بد أن القطار قد فاته.» وتابع: «تعالَ هنا … ستتولَّى أنت هذه الأشياء … لا بد من تسجيلها في الدفاتر.»

لم يَرُدَّ كوذرستون، وبعد قليلٍ تركه مالاليو وذهب إلى المنزل ليتناول إفطارَه. وبينما كان يسير في الطريق المؤدِّي إلى منزله، تساءل عن سبب ذَهاب ستونر إلى دارلينجتون. هل من الممكن أن يكون قد أبلغ أيًّا من أصدقائه بما كان يعرفه؟ لو كان ذلك …

تمتم مالاليو في نفسه بغضب: «دعك من القلق وعدم اليقين!» وتابع: «ذلك يَستنزفُ حياة المرء. أنوي أن أترك كلَّ شيء وراء ظهري وأرحل! يُمكنني أن أفعل هذا بسهولة بما لديَّ من إمكانيات. الطريق مفتوحٌ أمامي، وكفاني من هذا التوتر اللعين.»

عجز عن تناول إفطاره، وأخذ يُفكر مليًّا في مدى سهولة هروبه من هاي ماركت ومن إنجلترا. نظرًا إلى كونه رجلَ أعمال ذكيًّا ذكاءً استثنائيًّا، كان مالاليو قد حرَص على ألا يضع بيضه كلَّه في سلَّة واحدة. كان لديه العديد من السِّلال؛ فلم تكن سلةُ هاي ماركت هي سلتَه الرئيسية بأيِّ حال من الأحوال. في الواقع، كان كلُّ ما يمتلكه مالاليو في هاي ماركت هو حصتَه من العمل ومنزله الخاص. بينما كان يَجني أموالَه، استثمرها في سَندات مالية من الدرجة الأولى قابلة للتحويل بسهولة، ويمكنه صرفُها في غضون ساعة في لندن، أو نيويورك، أو باريس، أو فيينا. سيكون أسهل شيء في العالم، بصفته عمدةَ هاي ماركت، أن يُغادر البلدة في عملٍ للشركة، وفي غضون سويعات قليلة سيذهب إلى حيث لا يمكن لأي شخص أن يعثر عليه؛ وخلال سويعات قليلة أخرى، سيكون خارج البلاد. في الآونة الأخيرة، كان يُفكر كثيرًا في الرحيل على الفور؛ ليستمتعَ بما تبقَّى من حياته. لقد سبق له بالفعل أن نفَّذ اختفاءً كاملًا؛ فلماذا لا يفعلها ثانيةً؟ قبل أن يعود ليمضيَ صوب البلدة في ذلك الصباح، كان قد بدأ في إيلاء اهتمامٍ جادٍّ بالفكرة.

ولكن في الوقت الحالي، كان يتعين أن ينكبَّ على عمل اليوم، وكان غياب ستونر قد ألقى بعبءٍ إضافي من العمل على الشريكَين. ثم في الساعة الثانية عشرة ظهرًا، كان على مالاليو أن يذهب إلى مبنى البلدية ليترأَّس اجتماع لجنة الشئون العامة. وما إن انتهى الاجتماع، وبينما كان مالاليو يُفكر في العودة إلى منزله لتناول طعام غَدائه، دخل رئيس الشرطة إلى غرفة اللجنة وانتحى به جانبًا.

قال هامسًا: «عندي أخبار سيئة لك، يا سيادة العمدة.» وتابع: «كاتبك … لم يكن في العمل هذا الصباح، على ما أظن، أليس كذلك؟»

سأله مالاليو، وهو يُشجع نفسه لمواجهةِ ما شعر بأنه قادم: «ما الأمر؟» وأردف: «ماذا عنه؟»

أجاب مدير الشرطة: «لقد تعرَّض لحادثٍ سيئ.» وتابع: «في الواقع، يا سيدي، لقد مات! وجد رجلان جثتَه قبل ساعة أو نحو ذلك في محجر هوبويك، في الأرض السبخة، وقد جُلِبَت إلى المشرحة. من الأفضل أن تأتيَ معي، يا سيادة العمدة؛ السيد كوذرستون هناك الآن.»

تبعه مالاليو دون أن ينبس ببنتِ شفة. ولكن ما إن خرج من مبنى البلدية، حتى التفتَ إلى مرافقه.

سأله: «هل تبيَّن لك أيُّ شيء فيما يتعلق بهذا الحادث؟» وتابع: «لقد كان مسافرًا منذ ظُهر يوم السبت، أو هكذا تقول صاحبة النُّزُل الذي يُقيم فيه: أرسلتُ أحد موظفِيَّ للسؤال عنه عندما لم يظهر هذا الصباح. ما الذي تعرفه، إذن؟»

أجاب رئيس الشرطة: «يبدو أن حادثًا قد وقع.» وأضاف: «هذان الرجلان اللذان عثَرا عليه لاحظا حاجزًا مكسورًا أعلى المحجر. عندما نظرا إلى أسفل أبصرا جثةً. فنزلا إلى أسفل ووجدا … ستونر. يبدو أنه كان مستنِدًا أو جالسًا على الحاجز وانهار من تحته، وبالطبع سقط رأسًا على عقبٍ في المحجر. إن عمقه خمسون قدمًا، سيدي العمدة! ذلك كل ما يُمكن للمرء أن يُفكر فيه. الدكتور روكليف معه الآن.»

بذل مالاليو مجهودا جبارًا ليبدوَ هادئًا، بينما كان يتبع دليله، وعلى وجهه أماراتُ الجدية والقلق، إلى حيث كان الطبيب، وشرطيٌّ أو اثنان، وكوذرستون حول الميت. نظر نظرةً خاطفةً على شريكه فبادله كوذرستون نظرتَه بنظرة سريعة؛ وكان في نظرة كوذرستون شيءٌ ما، جعل شعورًا مفاجئًا بالخوف والاضطراب ينتاب مالاليو: كانت نظرةً تنطوي على فطنة غريبة، وكأنها كانت تلميحًا إلى شيءٍ ما. وشعر مالاليو بشعور غامض بالرهبة وهو يلتفت إلى الطبيب.

تمتم، وهو يهزُّ رأسه وينظر بطَرْف عينه إلى الجثة: «هذا سيئ … سيئ!» وأردف: «هل تبيَّن لك أيُّ شيء، أيها الطبيب؟ هل يُمكنك أن تُخمن كيف حدث ذلك؟»

مطَّ الدكتور روكليف شفتَيه وصارت ملامحُ وجهه غامضةً. ظل صامتًا للحظة، وعندما تحدث كان صوته صارمًا على غير العادة.

قال بصوت منخفض: «عنق الشاب مكسورٌ وعموده الفقري مهشَّم.» واستطرد: «أيٌّ من هذه الإصابات كان كافيًا للتسبُّب في الوفاة. لكن … انظروا إلى هذه!»

أشار إلى كدمةٍ ظهرت بوضوح تام على الصُّدغ الأيسر للميت، ومطَّ شفتيه مجددًا كما لو كان يشعر بالاشمئزاز من فعلٍ ما، مُتمثِّل فقط في مخيلته.

قال بصرامةٍ أكثر من السابق: «هذه ضربة!» وأضاف: «ضربة بآلة حادَّة! كانت أيضًا ضربةً وحشية، بقوة هائلة. ربما … أقول ربما … ربما تكون قد قتلَت هذا المسكين على الفور؛ ربما يكون قد مات أصلًا قبل أن يسقط إلى أسفل ذلك المحجر.»

لم يستطع مالاليو أن يمنعَ نفسه من الاستِسلام لإحدى نوبات ارتعاده إلا بجهدٍ هائل من الإرادة.

قال مُقترحًا: «ولكن … ولكن أليس من المُحتمل أن يكون قد أصيب بتلك الكدمة نتيجةَ ارتطام رأسه بالحجارة وهو يسقط؟» وتابع: «إنه مكانٌ صخري، والصخور بارزة، مثل، لذا …»

قال الطبيب بإصرار: «لا!» وأضاف: «تلك ليست إصابةً من أي صخرة أو حجر أو نُتوء. إنها نتيجة ضربة شرسة وُجِّهَت بقوةٍ كبيرةٍ بواسطة أداةٍ حادة … هَراوة، أو عصًا ثقيلة. لا فائدة من الجدال. هذا مؤكد!»

تَجَرَّأ كوذرستون، الذي كان قد ظلَّ صامتًا في الخلفية، وقدَّم اقتراحًا.

«هل من علاماتٍ على تعرضه للسرقة؟»

أجاب رئيس الشرطة على الفور: «لا يا سيدي.» واستطرد: «لديَّ كل ما كان معه. وهو ليس بكثير. ساعة وسلسلة، ونصف جنيه ذهبي، وبعض العملات الفِضية والنحاسية، وغليونه وتبغه، ودفتر جيب به خطابٌ أو اثنان، وما شابه ذلك … ذلك كل شيء. لم تحدث سرقة.»

سأله كوذرستون: «أظن أنك فتشتَ المكان، أليس كذلك؟» وتابع: «هل ترى أيَّ شيء يوحي بوقوع صراع؟ أو آثار أقدام؟ أو أي شيء من هذا القبيل؟»

هز رئيس الشرطة رأسه نفيًا.

أجاب: «لا شيء!» وأضاف: «نظرتُ بعناية إلى الأرض حول ذلك السور المكسور. لكن طبيعة الأرض لا تُظهِر آثار أقدام، كما تعلمون؛ فهي مُغطَّاة بهذا العشب الجبَلي القصير الخشن الذي لا يُظهِر أي شيء.»

سأل مالاليو: «ولم يُعثَر على شيء؟» وأردف: «لا أسلحة، ها؟»

مع كل ما بذله من جهدٍ ليَكبح جِماح نفسه لم يستطع مقاومة أن يسأل ذلك السؤال؛ إذ كان قلقه بشأن العصا يجتاحُه. وعندما أجاب رئيس الشرطة والشرطيَّان اللذان كانا معه في محجر هوبويك بأنهم لم يجدوا شيئًا على الإطلاق، بذل مجهودًا كبيرًا ليَكتم تنهيدةَ ارتياح. عندها، ابتعد وهو يأمُل أن تكون العصا المصنوعة من البلوط قد سقطت في شقٍّ بين الصخور أو وسط نباتات العلَّيق التي كانت تنبت منها؛ كان يوجد الكثير من الأخشاب اليابسة المتشابكة في أرجاء تلك البقعة، وكان من المحتمل جدًّا أن تكون العصا، بعدما رُكلت بعنف بعيدًا، قد سقطت إلى مكانٍ لن تُكتشف فيه أبدًا. وما زالت أمامه فرصةٌ لجعل ذلك الاكتشاف المُحتمَل مستحيلًا. أمَّا وقد عُثِر على الجثة، يمكنه زيارةُ المكان بأمان، بحُجة الفضول. يُمكنه أن يبحث في المكان؛ وإذا وجد العصا فيمكنه أن يُسقطها في شقٍّ آمن بين الصخور، أو أن يتخلص منها. كانت هذه فكرةً جيدة؛ وبدلًا من أن يعود إلى المنزل لتناول الغداء، توجَّه مالاليو إلى قمرةٍ خاصة في حانة «هاي ماركت آرمز»، وأكل شطيرة وشرب كوبًا من البيرة، وغادر مسرعًا، بمفرده، إلى الأرض السبخة.

سرى خبرُ الوفاة الغامضة الثانية في أرجاء هاي ماركت والمنطقة سريانَ النار في الهشيم. وسمع به بريريتون خلال وقتِ ما بعد الظهر، وإذ كان لديه في البلدة بعضُ الأعمال المتعلقة بالدفاع عن هاربورو، مرَّ على مركز الشرطة ووجد مِزاج رئيس الشرطة متجهِّمًا ومكتئبًا على غير العادة.

قال هامسًا: «هذا النوع من الأشياء يفوق طاقتي، يا سيد بريريتون.» وأردف: «سواءٌ أكان الأمر أنني لست معتادًا على مثلِ هذه الأمور — حمدًا للرب! لقد عاينَّا القليل من العنف في هذا المكان في مدة عملي! — أو أيًّا ما كان، لا أعرف، ولكن لديَّ فكرة في رأسي تقول إن موت هذا الشاب المسكين مرتبطٌ بطريقةٍ ما بقضية كايتلي! لديَّ تلك الفكرة بالفعل، يا سيدي! وهي ما برحت تُؤرِّقني طوال وقتِ ما بعد الظهر. فقد اتفق جميع الأطباء — كان يوجد العديد منهم خلال الساعتين الماضيتَين — على أن ستونر أُسقِط، يا سيدي … أُسقِط نتيجةَ ضربةٍ عنيفة، ويقولون إنه ربما يكون قد مات قبل حتى أن يسقط من حافةِ المحجر. سيد بريريتون … لديَّ شكوكٌ في أنها جريمة قتل أخرى!»

سأل بريريتون: «هل لديك ما تستند إليه للمضي قُدُمًا؟» وأضاف: «هل كان يوجد أيُّ دافع لدى أي شخص؟ هل توجد أي علاقة غرامية — غَيرة، كما تعلم — أي شيء من ذلك القبيل؟»

أجاب المشرف: «لا، أنا متأكدٌ من أنه لم يكن يوجد أي شيء من هذا.» واستطرد: «البلدة بأكملها والمقاطعة تتناقل الأخبار، وكان يجب أن يصل إلى سمعي شيءٌ الآن. ولم تكن سرقة، فلم يكن معه الكثير، ذلك الشاب البائس! ها هو كل ما كان معه»، تابَع حديثه، وهو يفتح الدُّرج. وقال: «يمكنك أن تُلقي نظرةً على أشيائه، إن أردت.»

عندئذٍ غادر الغرفة، وفتح بريريتون دفترَ جيب ستونر، متجاهلًا الساعةَ الرخيصة والسلسلة ومحفظة جلد الخنزير شبه الفارغة. أيضًا، لم يكن فيه الكثير؛ خطاب أو اثنان، وبعض فواتير الاستلام، ونسختان مكرمشتان من منشور المكافأة، وبعض قصاصات الصحف. انتقل من هذه الأشياء إلى دفتر الجيب نفسه، وفي آخر صفحة مكتوبة وجد مُدخلًا جعَله يَجْفُل. لأنه مجددًا كانت توجد تلك الأحرف الأولى!

«إم وسي … احتيال … جمعية البنَّائين … محكمة ويلشستر … ٨١ … ٢٠٠٠£ … لم تُستعَد الأموال أبدًا … سنتان … كيه … بريس.»

لم يكن كثيرًا … لكن بريريتون نسخ ذلك المُدخَل على عجَل. وكان قد كتب للتو الكلمةَ الأخيرة عندما عاد رئيس الشرطة إلى الغرفة ومعه رجلٌ يرتدي زي هيئة السكك الحديدية.

قال رئيس الشرطة: «ادخل إلى هنا.» وتابع: «يمكنك أن تُخبرني بما لديك أمام هذا السيد. بعض الأخبار من محطة السكك الحديدية الرئيسية بهاي جيل، يا سيد بريريتون»، وتابع: «شيء عن ستونر. حسنًا، أيها الشاب، ما الأمر؟»

أجاب الزائر: «أرسلني مدير المحطة إلى هنا على دراجته.» وأردفَ: «عصر هذا اليوم نما إلى سمعنا نبأُ العثور على جثة ستونر، وأنكم تظنُّون أنه لا بد أن يكون قد سقط في المحجر في الظلام. ونعرف هناك أن ذلك مستبعَد.»

قال رئيس الشرطة: «حقًّا؟» وأضاف: «حسنًا، في واقع الأمر، أيها الشاب، لم نكن نُفكر في ذلك، لكن لا شك في أن تلك الإشاعة قد انتشرَت. والآن، قل لي، لماذا تعرفون، يا معشر رجال السكك الحديدية، أن هذا مستبعَد؟»

أجاب الرجل، الذي كان لماحًا، باديَ الذكاء: «ذلك ما جئتُ لأخبركم به.» واستطرد: «أنا مُحصِّل التذاكر هناك، كما تعرف، يا سيدي. جاء الشابُّ ستونر إلى محطة السكك الحديدية الرئيسية بعد ظهر يوم السبت وقطع تذكرةً إلى دارلينجتون، وبالطبع ذهب إلى دارلينجتون. ثم عاد بعد ظُهر أمس، الأحد، في القطار الذي يصل إلى محطتنا الرئيسية في الساعة الثالثة والنصف. وأخذت تذكرته. وبدلًا من الخروج من المحطة من الطريق المعتاد، تجاوز السِّياج على جانب شريط السكة الحديديَّة، وقال لي إنه سيسلك طريقًا مختصرًا مباشرًا عبر الأرض السبخة إلى هاي ماركت. رأيته يَسير في اتجاه هاي ماركت بعضَ المسافة. وكان من شأنه أن يصل إلى محجر هوبويك بحلول الساعة الرابعة والنصف على أقصى تقدير؛ قبل حلول الظلام بوقتٍ طويل.»

علَّق رئيس الشرطة قائلًا: «تقريبًا وقت الغروب، في واقع الأمر.» وأردف: «غروب الشمس في نحو الساعة الرابعة وثمانية عشرة دقيقة.»

تابع مُحصل التذاكر قائلًا: «لذلك لم يكن من المُمكن أن يسقط في الظلام.» وأضاف: «لو كانت الأمور قد سارت معه على ما يُرام، لكان قد وصل إلى هنا في هاي ماركت وقت الغسَق.»

قال رئيس الشرطة: «أنا ممتنٌّ لك.» وأردف: «الأمر يستحقُّ أن تُخبرني بالطبع. أتى من دارلينجتون، أليس كذلك؟ هل كان بمفرده؟»

«بمفرده تمامًا يا سيدي.»

«ولم ترَ أي شخص آخر يمضي في ذلك الطريق عبر الأرض السبخة، أليس كذلك؟ ألم تُلاحظ أي شخص يتبعه؟»

أجاب مُحصل التذاكر بطريقة قاطعة: «لا.» وتابع: «راقبته أنا وأحد زملائي مسافةً طويلة، وأقسم على أنه لم يكن يوجد أي شخص بالقرب منه حتى توارى عن ناظرَينا. أيضًا، لم نكن نُراقبه عن عمد. فعندما غادر قطار العودة، جلست أنا ورفيقي لتدخين الغليون، ومن مكاننا كنا نستطيع أن نرى الطريق عبر الأرض السبخة في هذا الاتجاه. كنا نرى ستونر، بين الحينِ والآخر، كما تفهم، في الطريق إلى بلدة تشات بانك.»

سأله رئيس الشرطة: «ألم تُلاحظ أيَّ أشخاص مريبين يأتون إلى محطتك بعد ظهر ذلك اليوم أو في المساء؟»

ردَّ مُحصل التذاكر بأنه لم يرَ أي شيء من هذا القبيل، وبعد قليل غادر. وغادر بريريتون أيضًا، بعدما تبادل حوارًا قصيرًا غيرَ مهمٍّ مع رئيس الشرطة، وكان قد تأكد ساعتها من أن موت ستونر كان له علاقةٌ شريرة ما بمقتل كايتلي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤