رجل طويل القامة يرتدي ملابس رمادية
ظل ذلك السؤال بلا إجابة، وظل بريريتون صامتًا، حتى وصل هو وأفيس إلى قمة الدرب، وخرَجا على حافة الامتداد الواسع للأرض السبخة فوق البلدة الصغيرة. توقَّف لحظةً ونظر خلفه إلى أسطح وأسقف هاي ماركت المحدبة، وهي تتلألأ وتتألَّق في ضوء القمر؛ توقفت الفتاة أيضًا، متعجبةً من صمته. وباندفاعٍ غريب استدار فجأةً، ووضع يده على ذراعها، وضغط عليها بقوة وسرعة.
وقال «اسمعي!» وتابع: «سأثقُ بكِ. سأقول لكِ ما لم أقُلْه لأي مخلوق في تلك البلدة! ولا حتى تالينجتون، رجل القانون، ولا بينت، صديقي القديم. أريد أن أقول شيئًا لشخصٍ يمكنني الوثوقُ به. يُمكنني أن أثق بكِ!»
أجابت بهدوء: «أشكرك.» وتابعت: «أنا … أنا أظنُّ أنني أفهم. وأنت ستفهم، أيضًا، أليس كذلك، عندما أقول … يُمكنك ذلك!»
قال بسرور: «جيد جدًّا.» واستطرد: «بالطبع! الآن يفهم أحدنا الآخر. تعالَي، إذن، فأنتِ تعرفين الطريق؛ كوني مُرشدتي، وسأخبركِ بينما نمضي في طريقنا.»
انعطفَت أفيس إلى ما بدا أنه ليس أكثرَ من مسارٍ للأغنام عبر نباتات الخلَنْج. في غضون بضع دقائق، لم يكونا وحدهما تمامًا فحسب، وإنما صارا بعيدَين عن أنظار أيِّ بشر. بدا لبريريتون أنَّهما فجأةً دخلا إلى عالم خاصٍّ بهما وحدهما، بعيدًا تمامًا عن العالم الصغير الذي كانوا قد تركوه للتو، كبُعد أحد النجوم عن الآخر. ولكن بينما كان يُفكر في هذا، رأى من بعيد، عبر تموجات نباتات الخلنج التي كانت ترتفع وتنخفض، أضواءَ قطارٍ متحرك كان يمضي في طريقه مسرعًا صوبَ الجنوب بحذاء الخطِّ الساحلي من نوركاستر، وبعد قليل أتت صرخةُ صافرة طويلة من مُحَرِّكِهِ مع النسيم الخفيف الذي هبَّ إلى الداخل من البحر المحتجب، وأعاده ما أبصَره وما سمعه إلى حقائق الحياة القاسية.
استهل حديثه قائلًا: «أصغي، إذن، بعناية.» واستطرد: «وتذكَّري أني أضع بين يديكِ ما أعتقد أنه سلامة رجال آخرين. الأمر كما يلي …»
استمعت أفيس هاربورو في صمتٍ تامٍّ بينما كان بريريتون يقصُّ عليها قصته المرتبة بعناية. سارا ببطء عبر الأرض السبخة بينما كان يَقصُّها؛ ومرةً ينحدران في وادٍ، وأخرى يصعدان فوق قمة تلةٍ مُنخفِضة؛ وأحيانًا يتوقَّفان تمامًا وهو يُرَسِّخ في ذهنها نقطة معينة. على ضوء القمر، كان بوُسعه أن يرى أنها كانت تستمعُ بشغفٍ واهتمام، لكنها لم تُقاطعه مطلقًا ولم تطرحْ أي سؤال. وأخيرًا، ما إن صار على مرأًى منهما ضوءٌ يتوقَّد من نافذة كوخ صغير في الأرض السبخة، قائم في غور أسفل الحيد الذي كانا يجتازانه حينها، حتى أنهى قصته واستدار إليها مُستفسرًا.
قال: «هذا هو المَوْقِف!» وأردف: «ذلك كل شيء. حاوِلي الآن أن تُفكري فيه دون تحامل … إن استطعتِ. كيف يبدو لكِ الأمر؟»
بدلًا من أن تردَّ مباشرةً، سارت الفتاة في صمتٍ للحظة أو اثنتين، ثم التفتت فجأةً إلى بريريتون باندفاع.
هتفَت: «لقد منحتَني ثقتك وسأمنحك أنا أيضًا ثقتي!» وتابعت: «ربما كان عليَّ أن أمنحك إياها من قبل … لك أو للسيد تالينجتون … لكن … لم أُرِد ذلك. لقد راودني الشكُّ بشأن مالاليو! راوَدني الشكُّ في أنه … في أنه قتل ذلك الرجل العجوز. وتساءلت عمَّا إذا كان يُحاول إلقاء اللوم على والدي بدافع الانتقام!»
صاح بريريتون: «انتقام!» وسألها: «ماذا تعنين؟»
أجابت «لقد أهانه أبي … منذ وقتٍ ليس ببعيد.» وتابعت: «العام الماضي — سأُخبرُك بكل شيء، وبصراحة — بدأ السيد مالاليو يأتي إلى كوخنا في أوقاتٍ متفرقة. جاء أولًا ليُقابل والدي بشأن قتل الفئران التي كانت قد دخلت إلى المباني المُلحَقة الخاصة به. ثم أصبح يختلق الأعذار للمجيء … كان يأتي، على أيِّ حال … في الليل. ثم بدأ يأتي عندما يكون والدي بالخارج، وكثيرًا ما كان كذلك. كان يجلس ويُدخن ويتحدَّث. لم يُعجبني هذا … فهو لا يرُوق لي. ثم اعتاد مقابلتي في الغابة، في طريق عودتي إلى البيت من عند آل نورثروب. اشتكيتُ إلى والدي بشأن هذا، وفي إحدى الليالي جاء والدي ووجده في البيت. أبي، يا سيد بريريتون، رجلٌ غريب الأطوار وصريحٌ للغاية. أخبر السيد مالاليو أن أيًّا منَّا لا يرغب في صحبته وطالَبَه بالرحيل. وفقد السيد مالاليو صوابَه وقال أشياءَ بغضب.»
قال بريريتون: «وأبوكِ؟» وأردف: «هل فقدَ صوابه أيضًا؟»
أجابت أفيس: «لا!» وتابعت: «إنه عصبيُّ المِزاج، لكنه تحكَّم في أعصابه في تلك الليلة. لم يردَّ مطلقًا على السيد مالاليو. تركه يقول ما لديه، حتى تجاوز عتبة الباب، ثم أغلقه في وجهه. لكن … أعرف كم كان السيد مالاليو غاضبًا.»
وقف بريريتون صامتًا يُفكر في الأمور للحظة. ثم أشار إلى الضوء في النافذة أسفلَهما، واتجه نحوه.
قال: «أنا سعيدٌ بأنكِ أخبرتِني بذلك.» واستطرد: «هذا قد يُفسر شيئًا كان يُحيِّرني كثيرًا؛ يجب أن أتدبَّر الأمر. لكن في الوقت الحالي، هل ذلك هو مصباح المرأة العجوز؟»
تقدَّمت أفيس الطريقَ إلى تجويفٍ عبر ممرٍّ ضيق أدى بهما إلى باحةٍ صغيرة مُسيَّجة بجدار حجري، حيث كانت شجرة تنوب واحدة قائمة كحارسٍ على مسكنٍ تقليدي من مساكن الأرض السبخة الأصغر حجمًا؛ منزل من طابَقٍ واحد من حجارةٍ خشنة غير معالجة، سقفُه مؤمَّن من العواصف والزوابع بجلاميدَ صخرية ضخمة مُدلَّاةٍ على حبالٍ قوية، ومَبنِي بجواره سقيفةٌ من حجارة خشنة بالقدر نفسِه لبعض الدوابِّ القليلة من أبقار وأغنام. بحكم عادته في التأمُّل في الأشياء التي يُشاهدها لأول مرة، لم يَستطع بريريتون يمنع نفسه من التساؤل عن طبيعة الحياة في هذه العزلة، وفي مثلِ هذه الصومعة المثالية، لكن تَكهُّناته قُطِعَت عندما فُتِح الباب القائم في نهاية المدخل المسقوف المطليِّ بالكِلس. ظهرَت عجوز، محنيَّة الظهر كثيرًا بحكم السِّن، ونظرت إليه وإلى أفيس، وهي تحمل مصباحًا صغيرًا بحيث سقط نوره على وجهَيهما.
قالت بتَرحاب: «تعالَي إلى الداخل، يا حُلوتي!» وأردفت: «كنتُ أتوقَّع مجيئكِ الليلة: كنت أعرف أنكِ تُريدين التحدُّث معي بأسرعِ ما يمكنكِ. تعالَي واجلسي بجوار نار المدفأة؛ فالليالي باردة، بالتأكيد، والهواء محمَّل بالصقيع.»
سألتْها أفيس وهي تخطو مع بريريتون إلى داخل المدخل المسقوف: «أيُمكن لهذا السيد، أيضًا، أن يدخل، يا سيدة همثويت؟» وأضافت: «إنه السيد المحامي الذي يُدافع عن والدي؛ هل تُمانعين في التحدُّث أمامه؟»
أجابت السيدة همثويت بضحكةٍ مكتومة: «لا أمامه ولا خلفه ولا حتى معه.» واستطردَت: «لقد تحدَّثتُ إلى محامين قبلَئذٍ، مرات كثيرة! تعالَ ادخل يا سيدي … واجلس.»
أغلقَت الباب بحرص خلف ضيفَيها وأشارت إليهما بالجلوس بجوار نار المدفأة المتألِّقة، ثم وضعت المصباح على المنضدة، واتَّخذت جِلستها في ركنٍ اعتادت الجلوسَ فيه منذ زمنٍ طويل، وطوَت يدَيها على مئزرها وألقت نظرةً طويلة على زائرَيها من خلال نظَّارة كبيرة الحجم بشكل غير عادي. ونظر إليها بريريتون، باهتمام حقيقي، نظرة طويلةً مماثلة؛ فرأى امرأةً طاعنةً في السنِّ جدًّا على نحوٍ واضح لكنها كانت ذاتَ وجه يوحي بالشغف والذكاء وحتى بالحيوية. وبينما كانت نظراتُ هذا الوجه العجوز الغريب تَنتقِل بينهما، خفَّت حِدَّة تجاعيده متحولةً إلى ابتسامة.
قالت السيدة همثويت، وهي تلتفتُ ناحية أفيس: «لعلَّكِ تتساءلين عمَّا أريد قوله، يا حبيبتي.» وتابعت: «ولا شك في أنكِ تُريدين أن تعرفي لماذا لم أرسل في طلبكِ قبل الآن. لكن كما ترَين، منذ أن ألَمَّ ببيتكِ ذلك الخَطْب، كنتُ مسافرةً. أجل، لقد ذهبت لرؤية ابنتي، فهي تعيش على الساحل. ولم أعُد إلى البيت إلا اليوم. وليس لديَّ في كتابة الرسائل. ولكن ها نحن الآن هنا، وأن يحدث أمرٌ آجلًا خيرٌ من ألَّا يحدث أبدًا، ولا شكَّ في أن هذا السيد المحاميَ سيكون سعيدًا بسماع ما سأقوله لكِ وله.»
أجاب بريتون: «سعيدٌ جدًّا حقًّا!» وسألها: «ما الأمر؟»
التفتَت العجوز إلى صندوقٍ موضوع في تجويفٍ في الحائط في زاوية المدفأة وأخذَت منه صحيفة مطوية.
وقالت: «قرأتُ أنا وابنتي وزوجها هذه الرواية المكتوبة هنا عمَّا حدث في القضية المرفوعة ضد هاربورو عندما أُحيلَت إلى قضاة التحقيق.» وتابعت: «لقد درَسناها. الآن أنت تريد أن تعرف أين كان هاربورو في الليلة التي قُتِل فيها ذلك الرجل العجوز. ذلك ما تريده، يا سيدي، صحيح؟»
أجاب بريريتون: «ذلك ما أريده بالفعل»، وهو يضغط بذراعه على أفيس، التي كانت جالسةً بجواره. وأردف: «أجل، بالفعل! وأنتِ …»
ردَّت السيدة همثويت، بابتسامةٍ لا تخلو من مكر: «أستطيع أن أخبرك أين كان هاربورو بين الساعة التاسعة والساعة العاشرة في تلك الليلة.» وأردفَت: «أنا أعرف، إن لم يكن أيُّ أحد آخر يعرف!»
سألها بريتون بإلحاح: «أين إذن؟»
مالت العجوز نحو موقد المدفأة.
وهمست: «هنا في الأرض السبخة!» واستطردت: «على بُعد أقل عن خمس دقائق سيرًا على الأقدام من هنا. في مكان — تعرفه هذه الآنسة — يُسمى «جود فوكس ليفت». أرض مرتفعة قليلًا حيث اعتادت الجنيات أن ترقص، كما تعلم، سيدي.»
سألها بريريتون: «هل رأيتِه؟»
ضحكت السيدة همثويت: «رأيته.» وأردفت: «ولو لم أكن أعرفه، فابنتُه نفسها لا تعرفه!»
قال بريريتون: «من الأفضل أن تُخبرينا بكل شيء عن ذلك.»
نظرت إليه السيدة همثويت نظرةً حادةً. وقالت: «لقد أدليتُ بشهادتي أمام رجال القانون قبلئذٍ.» وسألته: «أتُريد، مثلًا، أن تعرف ما يمكنني أن أقول أمام القاضي؟»
أجاب بريريتون: «بالطبع.»
تابعت: «حسنًا، إذن …» واستطردَت: «كما ترى، يا سيدي، منذ وفاة زوجي، عِشت بمفردي هنا. لديَّ القليل من الدخل … ليس بالكثير، ولكنه كافٍ. على الرغم من ذلك، إن كان بإمكاني التوفيرُ قليلًا عن طريق صيد أرنبٍ بري، أو طائر أو طائرَين بين الحين والآخر، من الأرض السبخة، فسأفعل هذا! نحن جميعًا نفعل ذلك؛ لأننا نعيش في الأرض السبخة: بعض الناس يُسمُّون ذلك صيدًا جائرًا، لكننا نُسميه أخذ ما لنا. حسنًا، في تلك الليلة التي نتحدث عنها، ذهبت إلى «جود فوكس ليفت» لإلقاء نظرة على بعض الفخاخ التي كنتُ قد وضعتُها في وقتٍ مبكر من ذلك اليوم. توجد شجيرات كثيرة في أرجاء ذلك المكان؛ كنتُ وسط الشجيرات عندما سمعت وقع أقدام، وأطللتُ برأسي فرأيت رجلًا طويلًا يرتدي ملابسَ رمادية يقترب مني. كيف عرَفت أنه كان يرتدي ملابسَ رمادية؟ عجبًا، لأنه توقف بالقرب مني ليُشعل غليونه! لكنه كان يوليني ظهره، لذا لم أرَ وجهه بالكامل، فقط جانبًا منه. كان رجلًا ذا لحية رفيعة رمادية. حسنًا، بينما كان يمشي مارًّا بذلك المكان، ولم يذهب بعيدًا، سمعت وقع خطوات أخرى. ثم سمعت صوت والدكِ، يا آنسة، ورأيت الاثنين يلتقيان. وقَفا، وتهامسا، لمدة دقيقة أو نحو ذلك، ثم عادا أدراجَهما مرورًا بي، وانطلقا عبر الأرض السبخة باتجاه هِكسنديل. وسرعان ما غابا عن الأنظار، وعندما انتهيتُ مما جئت من أجله عدت إلى البيت. ذلك كل شيء يا سيدي؛ ولكن إذا كان ذلك الرجل العجوز قد قُتِل في غابة تلَّة هاي ماركت شول بين الساعة التاسعة والساعة العاشرة في تلك الليلة، فإن جاك هاربورو لم يقتله؛ لأن جاك كان هنا بعد التاسعة بقليل، وهو والرجل الطويل غادرا في الاتجاه المعاكس!»
سألها بريتون بقلق: «هل أنتِ متأكدة من الوقت؟»
أجابت السيدة همثويت مؤكدةً: «بالتأكيد، يا سيدي! لقد كان الوقت قبل التاسعة بعشرِ دقائق عندما خرجتُ، وقرب العاشرة عندما عدت. ساعتي دائمًا مضبوطة؛ أضبطها على التقويم وعلى شروق الشمس وغروبها كل يوم، وهي تعمل على أفضل وجه.»
ألحَّ بريريتون، قائلًا: «هل أنتِ متأكِّدة بالقَدْر نفسِه من أن الرجل الثانيَ هو هاربورو؟» أردف: «ألا يُمكن أن تكوني مخطئة؟»
قالت السيدة همثويت: «مخطئة؟ لا! يا سيد، أنا أعرف صوت هاربورو، وهيئته، وخطوته، مثلما أعرف ركن مدفأتي.» وتابعت: «بالطبع أعرف أنه كان هاربورو، لا شك في ذلك!»
سألها بريريتون: «كيف تكونين متأكِّدة من أن هذا كان مساء جريمة القتل؟» واستطرد: «هل يمكنكِ إثبات ذلك؟»
قالت السيدة همثويت: «بسهولة!» وتابعت: «في صباح اليوم التالي سافرتُ لرؤية ابنتي المقيمة على الساحل. سمعت عن مقتل الرجل العجوز عند مُلتقى طرق هاي جيل. لكنني لم أسمع حينها أن هاربورو كان مشتبهًا به؛ لم أسمع بذلك حتى لاحقًا، عندما قرأنا هذا في الصحف.»
«والرجل الآخر — الرجل الطويل ذو الثياب الرمادية واللحية الرمادية قليلًا — ألم تتعرَّفي عليه؟»
تغيَّرت ملامح وجه السيدة همثويت وبدا عليها ما يوحي بعدم التيقُّن.
أجابت: «حسنًا، سأخبرك.» واستطردت: «أعتقد أنه رجلٌ رأيته هنا في هذه المنطقة مرتين أو ثلاث مرات خلال الثمانية عشر شهرًا الماضيةِ أو نحو ذلك. إن كنتَ تُريد حقًّا أن تعرف، فأنا أستطيع التعامل جيدًا في الأرض السبخة في الليل؛ صحيحٌ أنني عجوز، ولكني نشيطةٌ جدًّا، وأتنقل هنا وهناك كثيرًا، ولم لا؟ وكنت أرى رجلًا في هذه الأنحاء بين الحين والآخر — كانت شهور تَفصل بين كل مرة والأخرى، عادةً — لا يمكنني تفسير ذلك — وأعتقد أنه هو الرجل الذي كان مع هاربورو.»
قال بريريتون: «وتقولين إنهما ذهبا في اتجاه هكسنديل؟» وأردف يسألها: «أين هكسنديل؟»
أشارت العجوز ناحية الغرب.
وأجابت: «في المناطق الداخلية.» وتابعت: «هناك. هذه الآنسة تعرف هكسنديل جيدًا جدًّا.»
قالت أفيس: «هكسنديل وادي، به قرية تَحمل الاسم نفسَه، ويقع على بُعد نحو خمسة أميال على الجانب الآخر من الأرض السبخة.» وتابعَت: «يوجد خطٌّ آخر للسكك الحديدية هناك؛ هذا الرجل الذي تتحدث عنه السيدة همثويت يُمكن أن يأتيَ ويذهب بواسطته.»
بعد هُنيهة علَّق بريريتون قائلًا: «حسنًا، نحن ممتنَّان جدًّا لكِ، يا سيدتي، وأنا متأكد من أنكِ لن تعترضي على الإدلاء بكل هذا مرةً أخرى في الوقت والمكان المناسبَين، أليس كذلك؟»
أجابت السيدة همثويت: «إيه، فليُبارِككَ الرب، بلى!» وأردفت: «سأدلي به أينما تريد، أيها السيد؛ أمام المحامي تالينجتون، أو القضاة، أو الملك، أو أي أحد! لكن دعني أخبرك شيئًا، إن كنت ستأخُذ نصيحة صغيرة من عجوز؛ أنت شابٌّ بادي الذكاء، وسأخبرك ماذا كنتُ سأفعل لو كنتُ في مكانك!»
سألها بريتون، بمرح: «حسنًا، ماذا؟»
أطبقت السيدة همثويت بيدها على كتفه وهي تفتح الباب لزائريها.
قالت: «اعثُر على ذلك الرجل الطويل ذي الملابس الرمادية!» «أمسك به! إنه الرجل الذي تريده!»
مضى بريريتون في صمت، متأملًا في كلمات العجوز الأخيرة.
هتف فجأةً: «ولكن أين نجده؟» واستطرد: «من هو؟»
قال أفيس: «لا أظن أن هذا يُحيرني.» وأردفت: «إنه الرجل الذي أرسل التِّسعَمائة جنيه.»
ضرب بريريتون عصاه على الخلنج عند أقدامهما.
صاح: «بحق الرب! لم أفكِّر في ذلك قط!» وأضاف: «لا عجب! لا عجب على الإطلاق. مرحى! نحن نقترب أكثر فأكثر من شيءٍ ما.»
لكنه كان يعلم أنه ما زال مُقبلًا على خطوةٍ أخرى، خطوة غير سارة ومؤلمة؛ عندما عاد إلى منزل بينت، بعد ساعة، قال له بينت إن ليتي اقتنعتْ بتحديد يوم الزفاف، وإن المراسم ستجري بأقصى قدرٍ من الخصوصية خلال أسبوع من اليوم.