محاصر في زاوية
بجهدٍ هائل نابع من الإرادة منَع بريريتون نفسَه من أن يُطلق صيحة تعجُّب وأن يتراجَع مذهولًا. لكنه في الآونةِ الأخيرة كان قد اعتاد على توقُّع كل أنواع الأحداث غير المتوقَّعة؛ ولذا تمكن من ألَّا يُظهِر إلا القليل من الدهشة الطبيعية.
قال: «ماذا! بهذه السرعة!» وأردف: «عجبًا، يا صديقي! لم أتصوَّر أن يحدث هذا قبل عيد الميلاد المجيد.»
أجاب بينت: «كوذرستون مصرٌّ على ذلك.» وأضاف: «يبدو أنه يتحوَّل إلى شخصٍ مُصاب بوسواس المرض. آمُل ألا يكون حقًّا مصابًا بمرض خطير. ولكن على أيِّ حال، الزفاف بعد أسبوع. وبالطبع، ستكون أنت إشبيني.»
وافق بريريتون، قائلًا: «آه، بالتأكيد!» وسأله: «وبعد ذلك، هل ستُسافران؟»
قال بينت: «أجل، ولكن ليس لمدة طويلة بقدر ما كنَّا ننوي.» وتابع: «سنذهب سريعًا إلى الريفييرا بضعة أسابيع؛ لقد أجريتُ كل ترتيباتي اليوم. حسنًا، هل توجد أيُّ أخبار جديدة حول هذا الحادث المفجِع الأخير؟ لقد استاء كوذرستون بالطبع استياءً رهيبًا من واقعة ستونر هذه. متى سينتهي كلُّ هذا الغموض يا بريريتون؟ ثَمة شيء واحد مؤكَّد تمامًا، وهو أن هاربورو ليس مُذنبًا في هذه القضية. هذا، إن كان ستونر قد قُتل حقًّا جرَّاء الضربة التي يتحدثون عنها.»
لكن بريريتون رفَض مناقشة هذه الأمور تلك الليلة. تذرَّع بالإرهاق، وبأنه كان طَوال اليوم مُنكبًّا على هذا الموضوع، وأن عقله مشوَّش ومتعَب، ويحتاج إلى الراحة. وبعد قليلٍ مضى إلى غرفته، وعندما دخل إلى هناك أطلق أنينَ جزع. وذلك لأن أمرًا واحدًا كان لا مفرَّ منه، وهو أن زفاف بينت يجب ألَّا يجريَ بينما تُوجد أدني فرصة لتوجيه اتِّهام رهيب ومفاجئ لكوذرستون.
استيقظ في الصباح وقد حسَم أمره. لم يكن هناك سِوى مسار واحد يجب اتخاذُه، ويجب اتخاذه على الفور. يجب أن يتحدث أحدٌ ما مع كوذرستون؛ يجب أن يُخبر أحدٌ ما كوذرستون بما يعرفه بعض الناس على أيِّ حال عنه وعن سوابقه. فليَحصل على فرصةٍ لتوضيح موقفه. في نهاية الأمر، قد يكون لديه تفسيرٌ ما. ولكن — وهنا أصبح إصرار بريريتون ثابتًا وأكيدًا — يجب الإصرار على أنه يتعيَّن أن يُخبر بينت بكل شيء.
كان بينت دائمًا ما يخرج في الصباح الباكر لمتابعة أعماله، وعادةً ما كان يُفطر في مكتبه. كان ذلك هو أحدَ الأيام التي لم يَعُد فيها إلى المنزل في الصباح؛ ولذلك تناول بريريتون طعام إفطاره بمفرده، ولم يكن قد رأى مضيفه عندما انطلق هو الآخَر إلى البلدة. كان قد قرَّر بالفعل ما يتعيَّن عليه فعلُه؛ سيُخبر تالينجتون بكل شيء. كان تالينجتون رجلًا في منتصف العمر يتمتَّع بسمعة جيدة جدًّا فيما يتعلَّق برجاحة عقله واستقامته؛ وبصفته مواطنًا من سكَّان البلدة، وقد سكن فيها طوال حياته، كان يَعرف كوذرستون جيدًا، ويمكنه أن يُقدم نصائحَ سديدة حول الأساليب التي يمكن اتباعُها في التعامل معه. وهكذا ذهب بريريتون إلى تالينجتون، ووصل بينما كان المُحامي قد انتهى للتو من قراءة خطاباته الصباحية، وتلا عليه القصةَ كلَّها التي كان قد عرَفها من دفتر قصاصات المحقق السابق، ومن المذكرة التي سجَّلها ستونر في دفتر جيبه.
استمع تالينجتون بانتباهٍ بالغ، وأخذ وجهُه يزداد جِدِّيةً بينما كان بريريتون يحشدُ الحقائق ويُشدد على دليلٍ تِلو الآخَر. كان مُستمعًا جيدًا، مستمعًا هادئًا ويقظًا؛ لاحظ بريريتون أنه لم يكن يُفكر في كل واقعة ويضع ملاحظاته على كلِّ نقطة فحسب، بل كان يُقَدِّر أيضًا ثِقَل الشهادة. وعندما وصلت القصة إلى نهايتها تكلَّم بطريقة قاطعة، وتكلم أيضًا تمامًا كما توقَّع بريريتون، دون إبداء أيِّ تعليق، ودون تقديم أيِّ رأي، وإنما مضى مباشرةً إلى الأمر الملحِّ بالفعل.
قال تالينجتون: «ثمة أمران فقط يجب إنجازُهما.» وتابع: «إنهما الأمران الوحيدان اللذان يمكن فعلهما. يجب أن نُرسل في طلب بينت، ونُخبرَه. ثم يجب أن نُحضر كوذرستون إلى هنا، ونخبره. لا يوجد سبيلٌ آخر، لا يوجد!»
سأله بريريتون: «بينت أولًا؟»
قال تالينجتون: «بالتأكيد! بينت أولًا، لا محالة. هذا من حقِّه. علاوةً على أنه …» تابع بابتسامة قاتمة: «سيكون أمرًا غير سارٍّ بالتأكيد أن يُجبَر كوذرستون على أن يُطلِع بينت على الأمر، أو أن نُخبر بينت في حضور كوذرستون. ومن الأفضل أن نَشرع في العمل على الفور، يا بريريتون! وإلا … فإن هذا الأمر سيَشيع بطريقة أخرى.»
قال بريتون: «تقصد … من خلال الشرطة؟»
أجاب تالينجتون: «بالتأكيد!» واستطرد: «لا يُمكن أن يبقى هذا سرًّا. لأن أيَّ شيء نعلمه يمكن أن يكون شخصٌ ما منهمكًا فيه، ويعمل على كشفه، الآن وفي هذه اللحظة. هل تظن أن الفتى سيئَ الحظِّ ستونر احتفظ بما كان يَعرفُه لنفسه؟ أنا لا أظن ذلك! هيا … على الفور! مكتب بينت على بُعد دقيقة واحدة فقط؛ سأرسل أحد موظفيَّ ليأتيَ به. الأمر مؤلم للغاية … لكنه ضروري.»
كان أول ما صادفَته عينا بينت، عندما دخل غرفة تالينجتون الخاصة بعد عشر دقائق، دفترَ القصاصات المغلَّف باللون الأسود، ذا المشبك النحاسي، الذي كان بريريتون قد حمله معه وجاء به ووضعه على مكتب المحامي. أجفَل من مَرْآه، وبسرعة حوَّل ناظرَيه من أحد الرجلين إلى الآخر.
وسأل: «ما الذي يفعله هذا هنا؟» وسأل: «هل … هل اكتشفتُما شيئًا؟ ما الذي أنا مطلوبٌ لأجله؟»
مرةً أخرى، كان على بريريتون أن يَسرد القصة. لكن مستمعه الجديد لم يستقبلها بالطريقة الهادئة التي استقبلتها بها أذنُ رجل القانون. كان بينت في البداية رافضًا للتصديق تمامًا؛ ثم صار ساخطًا: أخذ يقاطع، ويطرح أسئلة من الواضح أنه اعتقد أنه يَصعب الإجابةُ عنها؛ كان يُقاتل، وكان كِلا رفيقَيه، اللَّذَين تعاطَفا معه بشدة، يعرفان السبب. لكنهم لم يُخفِّفا من موقفهما مطلقًا، وفي النهاية أخذ بينت ينظر من واحدٍ إلى آخرَ بملامح بدا عليها الانكسار، وبدأ الشك فيها يتحوَّل إلى يقين.
سألهما فجأةً: «هل أنتما مُقتنعان … بكل هذا؟» وأردف: «كِلاكما؟ هل هذه قناعتكما؟»
أجاب تالينجتون بهدوء: «نعم، إنها قناعتي.»
قال بريريتون: «كنت سأفعل من أجلك الكثير، يا بينت، لو لم تكن هذه قناعتي.» وأضاف: «لكنها … قناعتي. أنا … متأكد!»
وثَب بينت من كرسيِّه.
وصاح: «أيُّهما إذن؟» وتابع: «يا إلهي! أنتما لا تَقصدان أن تقولا إن كوذرستون … قاتل! يا إلهي! … فكِّرا فيما يعنيه ذلك ﻟ… ﻟ…»
نهض تالينجتون ووضع يده على ذراع بينت.
وقال: «لن نقول أو نُفكر في أيِّ شيء حتى نسمعَ ما لدى كوذرستون.» وأضاف: «سأنزل إلى الشارع وآتي به بنفسي. أعلم أنه سيكون بمفرده الآن؛ لأنني رأيتُ مالاليو يدلف إلى مبنى البلدية قبل عشرِ دقائق؛ سيُعقَد اجتماعٌ هام للَّجنة هذا الصباح وسيترأَّس هذا الاجتماع. تمالك نفسك يا بينت؛ فقد يكون لدى كوذرستون تفسيرٌ ما لكل شيء.»
كان مكتب مالاليو وكوذرستون على بُعد بِضع ياردات فقط في الشارع؛ وعاد تالينجتون منه مع كوذرستون في غضون خمس دقائق. وكان بريريتون، وهو ينظر بتفحُّص إلى كوذرستون عندما دخل ورأى مَن كانا ينتظرانه، على يقينٍ من أن كوذرستون مستعدٌّ لأيِّ شيء. ظهرَت ومضةُ فَهم مفاجئةٌ في عينَيه الحادَّتين؛ كما لو أنه قال في نفسه ها هي لحظة، موقف، أزمة، كان قد توقَّعها، و… كان مُستعدًّا لها. كان كوذرستون هادئًا ظاهريًّا، وبنظرةٍ سريعة إلى الرجال الثلاثة، وإلى الباب المغلق، جلس على الكرسيِّ الذي أعطاه إياه تالينجتون، والتفتَ مواجهًا المحاميَ العام وقال كلمة واحدة:
«ما الأمر؟»
قال تالينجتون: «كما أخبرتُك ونحن في الطريق إلى هنا، نريد التحدُّث إليك على انفرادٍ حول بعض المعلومات التي تحصَّلنا عليها؛ وأقصد بالطبع أنا والسيد بريريتون. ورأينا أنه من الأفضل إطلاعُ السيد بينت عليها. وكل هذا فيما بيننا، يا سيد كوذرستون؛ لذا عامِلْنا بالصراحة نفسِها التي سنُعاملك بها. يمكنني أن أُلخِّص لك كل شيء في بضع كلمات. إنها مؤلمة. هل أنت وشريكُك، السيد مالاليو، نفس الشخصَين تشيدفورث ومالوز اللذَين حُوكما بتهمة الاحتيال في محكمة ويلشستر في عام ١٨٨١ وحُكِم عليهما بالسجن لمدة عامين؟»
لم يجفل كوذرستون ولم يتراجَع. لم تبدُ عليه أي علامة ضعف أو تردُّد. وإنما، بدا أنه استعاد فجأةً كلَّ الفِطنة والحيوية اللتين كان رجلان من الرجال الثلاثة الذين كانوا يُراقبونه يَعتبران أنه يتَّسم بهما دائمًا، مهما يكن من أمر. جلس منتصبًا متيقظًا على كرسيِّه، وصار صوته واضحًا وقويًّا.
قال: «قبل أن أُجيب عن ذلك السؤال، يا سيد تالينجتون، سأوجِّه إلى السيد بينت سؤالًا. هل ستُعاني ابنتي جرَّاء أيِّ شيء قد يَتكشَّف عن والدها؟ دعني أعرف ذلك! … إن كنتم تريدون مني أن أُفصح عن أي شيء.»
احمرَّ وجه بينت غضبًا.
وصاح: «كان يجبُ عليك أن تَعرف ما هي إجابتي!» وأردف: «إنها لا!»
قال كوذرستون: «ذلك يكفي!» وتابع: «أنا أعرفُك؛ أنت رجل يَلتزم بكلمته.» والتفتَ إلى تالينجتون. وتابع قائلًا: «الآن سأُجيبك.» واستطرد: «إجابتي بكلمة واحدة أيضًا: نعم!»
فتح تالينجتون دفتر قصاصات كايتلي على الرواية المتعلِّقة بالمحاكمة في ويلشستر، ووضعه أمام كوذرستون، وأشار إلى سطور معيَّنة بسنِّ قلم رصاص.
سأله بهدوء: «أنت تشيدفورث المذكور هنا؟». وتابع: «وشريكك هو مالوز؟»
أجاب كوذرستون بصلابة شديدة جعلَت الثلاثة جميعَهم ينظرون إليه في ذهول: «ذلك صحيح.» وأردف: «ذلك صحيحٌ تمامًا، يا سيد تالينجتون.»
سأل تالينجتون، وهو يجرُّ سنَّ القلم الرصاص فوق الصحيفة: «وهذه رواية دقيقة لما حدث؟». وتابع: «أعني، بقدرِ ما تستطيع أن ترى بنظرة سريعة؟»
قال كوذرستون: «أوه، أظنُّ أنها كذلك.» وأردف: «كانت تلك أفضلَ جريدة في المدينة؛ يمكنني أن أقول إنها صحيحة. يبدو كذلك، على أي حال.»
قال تالينجتون، الذي كان، مثل بريريتون، قد بدأ يندهش من هدوء كوذرستون: «هل تعلم أن كايتلي كان حاضرًا في تلك المحاكمة؟»
أجاب كوذرستون وهو يهزُّ رأسه: «حسنًا، أنا الآن أعرف. لكنَّني لم أعرف مطلقًا حتى عصر ذلك اليوم الذي قُتِل فيه الرجل العجوز. وإن كنتَ تُريد الحقيقة، فقد جاء إلى مكتبنا عصرَ ذلك اليوم ليدفع لي الإيجار، وأخبَرَني ساعتها. وإن كنتَ تُريد المزيد من الحقيقة، فقد حاول ابتزازي. كان سيأتي في اليوم التالي، في الساعة الرابعة، ليَسمعَ ما كنَّا سنعرضه عليه أنا ومالاليو من النقود مقابل أن نَشتريَ صمته.»
سأل تالينجتون: «إذن أخبرتَ مالاليو؟»
أجاب كوذرستون: «بالطبع أخبرتُه!» وتابع: «أخبرته بمجرد رحيل كايتلي. لقد كان هذه بمثابة صدمة لكلَينا؛ أن يتعرَّف أحدٌ ما علينا، وأن يُواجهنا بكل ذلك، بعد ثلاثين عامًا من العمل المخلِص!»
نظر المستمعون الثلاثة بعضهم إلى بعضٍ بصمت. مرَّت لحظة من الإثارة. ثم طرح تالينجتون السؤالَ الذي كان الثلاثةُ يتحرَّقون شوقًا لسماع الإجابة عليه.
«سيد كوذرستون! هل تعرف مَن قتل كايتلي؟»
أجاب كوذرستون: «لا!» وأضاف: «ولكني أعرف من أظنُّ أنه قتله!»
سأله تالينجتون: «مَن إذن؟»
قال كوذرستون بحزم: «الرجل الذي قتل بيرت ستونر.» وأردف: «وللسبب نفسِه.»
«وهذا الرجل هو …»
ترك تالينجتون السؤالَ غير مُكتمِل. وذلك لأن وجه كوذرستون المنتبه اتخذ تعبيرًا جديدًا وحازمًا، وارتفع نفسه قليلًا على كرسيِّه وأنزل يده المرفوعة بقوة على المنضدة الموجودة بجانبه.
وصاح: «مالاليو!» واستطرد: «مالاليو! أعتقد أنه قتل كايتلي. تشكَّكتُ في ذلك منذ البداية، وتأكَّدت منه ليلة الأحد. لماذا؟ لأنني رأيت مالاليو يُسقِط ستونر!»
ساد صمتٌ تام في الغرفة دقيقةً مُؤلِمة وطويلة. قطعه تالينجتون أخيرًا بتَكرار كلمات كوذرستون الأخيرة.
«رأيتَ مالاليو يُسقِطَ ستونر؟ بنفسك؟»
صاح كوذرستون: «بعينَيَّ هاتين! انظر هنا!» مرةً أخرى أنزل يده بقوة على المنضدة. وأضاف: «ذهبتُ إلى المنطقة المحيطة بمحجر هوبويك عصرَ يوم الأحد … لأفكِّر قليلًا. عندما وصلتُ إلى تلك الأيكة على حافة المحجر، رأيت مالاليو وكاتبنا. كانا يَتشاجران ويتجادلان؛ كان بوُسعي سَماعهما ورؤيتهما. وتسلَّلت وراء شجيرة كبيرة وانتظرتُ وراقبتهما. كان بوُسعي أن أرى وأسمع، حتى على بُعد ثلاثين ياردة، أن ستونر كان يُثير جنون مالاليو، على الرغم من أنني لم أستطع بالطبع تمييزَ الكلمات بالتحديد. وفجأةً، فقد مالاليو أعصابه، ورفع عصا البلوط الثقيلةَ ووجَّه للفتى ضربةً على جبهته تمامًا … وفجأةً تراجع ستونر للخلف وتحطم الحاجز القديم و… هوى لأسفل. ذلك ما رأيته … ورأيت مالاليو يركلُ تلك العصا في المحجر في فورة انفعاله، و… لقد حصلت عليها!»
قال تالينجتون: «حصلتَ عليها؟»
كرَّر كوذرستون: «لقد حصلتُ عليها!» وتابع: «راقبت مالاليو، بعدما انتهى هذا. لوهلة ظننتُ أنه رآني، لكنه كان من الواضح أنه حَتَّم أنه وحده. نزل إلى المحجر بينما كان يحلُّ الغسَق، وظلَّ هناك بعضَ الوقت. ثم أخيرًا مضى مبتعدًا من الجانب الآخر. ونزلتُ بعدما اختفى تمامًا وذهبت مباشرةً إلى حيث كانت العصا. وكما قلت، حصلت عليها.»
نظر تالينجتون إلى بريريتون، وتحدَّث بريريتون لأول مرة.
وقال: «من المؤكَّد أن السيد كوذرستون يرى أنه يجب إبلاغ الشرطة بكل هذا.»
أجاب كوذرستون: «انتظِر قليلًا.» واستطرد: «لم أنتهِ من سرد حكاياتي هنا بعد. وبما أنني أتحدَّث الآن، فسوف أُكمل حديثي! بينت!» هكذا تابع، مُلتفتًا إلى صِهره المستقبلي. أضاف: «ما سأقوله الآن لمصلحتك. لكنَّ هذين المحاميَين ينبغي أن يسمعا. لقد نُبِشَت قصة ويلشستر القديمة هذه، كيف، لا أعرف. الآن، ينبغي أن تعرفوا جميعًا الحقيقة حول ذلك الموضوع! لقد سُجنتُ عامَين — من أجل ماذا؟ لأنني كنتُ مخلبَ قطٍّ لمالاليو!»
فجأةً بدأ تالينجتون ينقر بأصابعه على النشافة التي كانت موضوعةً أمامه. عند هذه النقطة نظر إلى كوذرستون وقد علا وجهَه تعبيرٌ يدلُّ على اهتمام متَّسم بالفضول لم يَخْفَ على بريريتون.
عَلَّق بهدوء: «آه!» وتابع: «كنتَ مخلبَ قطٍّ استخدمه مالاليو، أو مالوز، لتحقيقِ أغراضه؟ أي إنه كان هو الجانيَ الحقيقي في قضية ويلشستر، فهل لديك بيانٌ تُبرِّر به هذا القول؟»
أجاب كوذرستون، وهو يضع يده على دفتر القصاصات: «أليس مذكورًا هنا أنه كان أمينَ خِزانة؟» وتابع: «كان كذلك بالفعل؛ كان يُسيطر سيطرةً كاملةً على المال. لقد استدرجَني إلى الأمر، استدرجني إليه ببراعةٍ حتى إنه عندما أتت الضربةُ الكبرى لم أستطع أن أتراجَع. كنت مجبرًا على المضيِّ قُدمًا في الأمر. ولم أعرف مطلقًا حتى … حتى انقضت السنتان … أن مالاليو كان قد خبَّأ المال في مكانٍ آمن.»
علَّق تالينجتون قائلًا: «ولكنك … عرَفت ذلك، في نهاية المطاف.» واستطرد: «كما أنك، حسَبما أفترض، وافقتَ على الانتفاع به، أليس كذلك؟»
مجددًا ضرب كوذرستون على الطاولة بيده ضربةً قوية.
وقال ببعض الانفعال: «أجل.» واستطرد: «ولا تُطلِق العِنان لعقلك أن يتصوَّر أفكارًا مغلوطة، يا سيد تالينجتون. بينت! لقد سدَّدتُ ذلك المال، سدَّدته بنفسي. كل بنس منه … ألفا جنيه، مع فائدة أربعة بالمائة لمدة ثلاثين عامًا! لقد فعلتُ هذا؛ مالاليو لا يعرف شيئًا عنه. وها هو الإيصال. فافعَلوا ما شئتم!»
سأله تالينجتون، بينما كان بينت، مُكرَهًا، يأخذ الورقة التي أخرجها كوذرستون من دفتر جيبه ويُناولها له: «متى دفعته، يا سيد كوذرستون؟» وأضاف: «منذ بعض الوقت، أم مؤخرًا؟»
أجاب كوذرستون سريعًا: «سأخبرك إن كنتَ تريد أن تعرف؛ كان هذا في اليوم نفسِه الذي قُتِل فيه العجوز كايتلي. أرسلتُه عن طريق صديقٍ لي ما زال يعيش في ويلشستر. أردتُ أن أنتهيَ من هذا الأمر؛ لم أرغب في أن أُتَّهَم بأن أحدًا خسر أي شيء بسبب زلتي. لذا … سدَّدته.»
قال تالينجتون: «ولكن — أنا فقط أطرح الأمر — كان يُمكنك أن تُسدده قبل ذلك بوقتٍ طويل، أليس كذلك؟» واستطرد: «كلما طالت مدةُ انتظارك، زاد ما تعيَّن عليك تسديدُه. ألفا جنيه، مع فائدةٍ لمدة ثلاثين سنة، بنسبة أربعة بالمائة؛ يا إلهي، ذلك مجموعه أربعةُ آلاف وأربعمائة جنيه كاملة!»
قال بينت: «ذلك ما دفعه.» وأضاف: «ها هو الإيصال.»
علَّق تالينجتون، وهو يُلقي نظرةً سريعة على الإيصال ويُمرره إلى بريريتون: «السيد كوذرستون يُخبرنا، سرًّا فيما بيننا، بكل شيء.» وتابع: «وآمُل أن يُخبرنا، سرًّا فيما بيننا، كما قلتُ، لماذا دفع ذلك المبلغ في اليوم التالي لمقتل كايتلي. لماذا، يا سيد كوذرستون؟»
احمرَّ غضبًا وجهُ كوذرستون، الذي كان مُستعدًّا جدًّا حتى تلك اللحظة أن يُجيب ويتكلَّم، وهز رأسَه استنكارًا. ولكنه كان على وشك أن يتكلم عندما أتى صوت نقر خفيف على باب تالينجتون، وقبل أن يتمكَّن المحامي العامُّ من أن يُبديَ أيَّ رد، فُتِح الباب من الخارج، ودخل رئيس الشرطة، وبصحبته رجلان عرَّفهما بريريتون بصفتهما محقِّقين من نوركاستر.
قال رئيس الشرطة: «أعتذر عن المقاطعة، ولكني سمعت أن السيد كوذرستون هنا. سيد كوذرستون! يتعين عليَّ أن أطلب منك أن تأتيَ معي إلى المكتب. أيُمكنك أن تأتي الآن؟ سيكون هذا أفضل.»
أجاب كوذرستون بإصرار: «ليس قبل أن أعرف ما أنا مطلوبٌ لأجله.» سأل: «ما الأمر؟»
تنهَّد رئيس الشرطة وهزَّ رأسه أسفًا.
وأجاب: «حسنًا، لا ذنبَ ولا جريرةَ لي في ذلك.» وتابع: «واقع الأمر أننا نُريدكما أنتما الاثنان، أنت والسيد مالاليو، بخصوص واقعة ستونر هذه. تلك هي الحقيقة المجرَّدة! صدَر أمرا الضبط والإحضار منذ ساعة، والسيد مالاليو بحوزتنا بالفعل. هيا، يا سيد كوذرستون! لا خيار آخر.»